في الرابع عشر من مارس 2010 كنت في مدينة الإسكندرية في مهمة عمل بأحد المصانع لمدة يومين، وتسنى لي زيارة كلية الهندسة التي تخرجت منها منذ ما يقرب من عشرين عاما، ولم أدخلها منذ التخرج إلى هذا اليوم وذلك لأسباب منها:

أنني لم أفكر في عمل دراسات عليا في التخصص وذلك لانغماسي في الحياة العملية مباشرة، ومنها: أنني لم أكن مقتنعا بالدراسة بهذا الوضع في كليات الهندسة بمصر عموما لاسيما تخصصي وهو القوى الميكانيكية، ومنها: ضيق ذات اليد أيام التخرج؛ مما دفع بي للعمل والانقطاع عن الدراسات العليا، ومنها: أنني أعتقد أن العلم عن طريق العمل أفضل بكثير من العلم النظري والشهادات، والدرجات العلمية، ومنها أنني فضلت أن تكون الدراسات العليا في مجال هندسي آخر غير تخصصي، وأخرى غير هندسية، ومنها أنني اعتقد أن الشهادات والدرجات العلمية مجرد بيان للإنسان أنه يمكنه الدراسة والقراءة والتعلم بنفسه، وقد سمعت من العالم الفاضل الدكتور فاروق الباز أكثر من مرة قوله إن البكلوريوس أو الماجستير أو الدكتوراة شهادة تعني إنك الآن صالح لأن تقرأ وتتعلم بنفسك، بل سمعته مرة يقول: الدكتوراه لأي إنسان تعني أنه انتهى من مرحلة (الحضّانة) بتشديد الضاد!.

كانت الزيارة لكلية الهندسة بهدف الحصول على شهادة التخرج، والتي لا يحصل عليها المتخرج من جامعات مصر إلا بعد خمس سنوات من التخرج، وهي تختلف عن الشهادة المؤقتة التي تعطى للمتخرج بمجرد نجاحه في امتحان السنة الأخيرة من سني دراسته.

حصلت على الشهادة التي ذهبت من أجلها، ولكني فوجئت أنها غير مختومة لا من كلية الهندسة ولا من جامعة الإسكندرية، أو الخاتم المعتمد عندنا في مصر وهو ختم النسر!. ولما سألت الموظفين المختصين ذكروا لي أن هذا هو الوضع في الشهادات كلها وإذا أردت ختمها بخاتم النسر فعليك بالذهاب لجامعة الإسكندرية نفسها ودفع المصروفات الإدارية المستحقة أولا. ففعلت.

لاحظت داخل الكلية أمورا غير التي كانت أيام الدراسة منذ ما يزيد عن عشرين عاما؛ فقد لفت نظري – بفضل الله – كثرة المحجبات من الطالبات والموظفات بالشركة، وتفشي مظاهر التدين عن أيامنا، ووجود ملامح الأسى على بعض الوجوه، ولعل سبب ذلك ما نحن فيه هذه الأيام من وضع سياسي أو احتقان سياسي، أو مخاض سياسي وشيك.

كما لفت نظري وجود أحد الموظفين بشئون الطلبة، ولم أره من أيام السنة الأولى في الدراسة أي منذ حوالي ربع قرن، لفت نظري- وأقول ما شاء الله لا قوة إلا بالله، وتبارك الله. قبل أن أذكر ما لفت نظري – لفت نظري أنه لم يتغير فيه شيء، لم تتغير ملامح وجهه، لم يتغير فيه شيء بمعنى الكلمة، وأنا الذي شاب شعري ووهنت قوتي، بينما هو لم يتغير! فما شاء الله.

كان بودي زيارة بعض الأساتذة الذين ما زالوا أحياء، ومصافحتهم وشكرهم على ما أسدوه لنا، وفاءً لهم وعرفانا وتقديرا، لاسيما أن الكثير منهم يعرفني وذلك لأني كنت كثيرا ما أتقدم إليهم – لا سيما عندما أخلو ببعضهم – بأسئلة تحيرني تتعلق كلها بالفجوة الشديدة بين ما ندرسه من علم نظري وواقع مؤلم وتأخر صناعي وتقني كبيرين، وكذلك لأني كنت أؤم الطلبة بالقسم، بل كنت في أحدى المرات خطيبا للجمعة في المسجد الكبير الموجود بقسم كهرباء بالكلية؛ فقد كنا نذهب للامتحانات يوما ونستريح يومين للمذاكرة، ونذهب في اليوم الثالث حتى لو صادف الجمعة، وكان أمر الإمامة وخطبة الجمعة يسبب لي مشاكل مع الأمن وكان بعض الأساتذة يتدخلون لمساعدتي. فشكرا لجميع من أخلصوا في أداء رسالتهم من أساتذتي، ورحم الله من مات منهم.

FacebookTwitterPinterestGoogle +Stumbleupon