بدعوة كريمة من شركة (Free International Markets Limited) بمدينة كوانجو (أو كوانزو كما يسميها البعض) عاصمة مقاطعة كواندونج إحدى مقاطعات الصين، سافرت على متن رحلة مصر للطيران رقم 958 المتجهة من مطار القاهرة الدولي إلى مطار بانكوك الدولي بتايلاند ومنها إلى مطار كوانجو الدولي بالصين ليلة الخميس 22/7/2010 استغرقت الرحلة الطويلة ليلة ونهارا كاملين، وطيرانا في الجو قريبا من ذلك.


كان الإقلاع من مطار القاهرة في تمام الحادية عشرة وعشر دقائق، وكان الهبوط في مطار بانكوك في تمام الساعة الثانية وعشر دقائق ظهرا بتوقيت تايلاند، وهو ما يعادل الساعة التاسعة وعشر دقائق بتوقيت القاهرة؛ وهذا يعني في نظري أنك لو كنت مسافرا في اتجاه شروق الشمس فأنت تضيع عليك ساعات من عمرك تساوي فرق التوقيت بين البلدين! وبذلك يكون قد ضاع علي خمس ساعات من عمري، بينما كنت أفكر في ذلك، هدأ من روعي أني سأستردها في رحلة العودة إن شاء الله!..

لاحظت أن المسافة التي طارتها بنا الطائرة فوق اليابسة من أرض الهند ابتداء من بومباي وحتى نهاية حدود الهند الشرقية كانت صعبة جدا، وكانت الطائر ترتج رجات شديدة لأكثر من ساعتين حتى قلق بعض الركاب لاسيما النساء، وخاف البعض، مما جعل بعض أفراد الطاقم يطمئن الركاب، مخبرا إياهم أن ذلك يحدث عادة..

كما لاحظت أن خط سير الطائرة – كما ظهر لي من رسوم خط السير على شاشة عرض بالطائرة – خط يتسم بالغرابة؛ كأنه يتعمد تطويل المسافة، ولكن لعل ذلك لأسباب تخفى على مثلي، كما لاحظت أن الطيران فوق المياه أحسن بكثير من الطيران فوق اليابسة لا سيما الجبال، وتزداد الطائرة استقرارا كلما حلقت فوق أعماق أكثر في المحيط.

تايلاند بلد الخضرة والمياه الوفيرتين، وهي من أروع بلاد الله رؤية من الجو؛ حيث وفرة المساحات الخضراء من أشجار الفاكهة والأنهار يرسمان – مع بيوتها الصغيرة الجميلة ذات الأسقف القرميدية التي لا تسمح لمياة الأمطار بالتجمع ولا أقول عماراتها ولا مبانيها الشاهقة – لوحة لا يمكن تخيلها!

تايلاند بحق بلد مدهش.. ويتميز أهلها بحسن الاستقبال، ومتى وقعت عينك على شخص تايلاندي تبسم في وجهك كأنه يعرفك جيدا، لدرجة أنك قد تستغرب ذلك، كما يتمتعون بقدر كبير من الأدب واللطف وذلك ما لمسته في الساعات القليلة التي قضيناها بها حيث تعطل الإقلاع من مطار بانكوك قليلا لسوء الأحوال الجوية وغزارة الأمطار بكوانجو.

وفواكه تايلاند من ألذ الفاكهة، حيث رأيت وأكلت بعضها وأنا على متن الرحلة ذاتها؛ من تايلاند إلى الصين، فأكلت لأول مرة فاكهتين هما البابايا والدراجون، أما البابايا فتشبه إلى حد ما البطيخ لكن لونها برتقالي، وقشرتها رقيقة كقشرة ثمرة القرع الأخضر التي تعرف بـ (الكوسة) وهي لذيذة الطعم وخفيفة، وأما الدراجون فبيضاء بها بذور صغيرة تشبه بذور الحبة السوداء، وقشرتها لونها الأحمر الوردي، أشبه ما يكون بثمرة اللفت المعروفة بمصر، ولكن حجمها أكبر قليلا، وفاكهة الدراجون لذيذة جدا، ولكني شعرت بأنها دسمة ثقيلة، فلم أعرف أهي كذلك فعلا، أم الشبع الذي كنت فيه آنذاك هو ما أشعرني بذلك؟

هبطت بنا الطائرة بمطار كوانجو بعد غروب الشمس مع السحب الكثيفة والأمطار الغزيرة، ومطار كوانجو من أجمل المطارات التي رأتها عيني، تنظيما ونظافة وإدارة وترتيبا، كما لاحظت صرامة شديدة في الإجراءات وسرعة فائقة، وأسلوب جيد وهادئ مع الحالات التي تحتاج لمزيد تحقيق أو لديها مشكلة في الدخول، إلا أن الصينيين يختلفون جدا عن التايلانديين، ولا أكون مبالغا ولا ظالما لهم إن قلت أنهم على عكس كل ما قلته عن التايلانديين أعلاه!

لا يكاد يبتسم في وجهك إنسان، ولا حتى من تشتري من متجره ولو بألف رميمبي! لاحظت ذلك من موظفة الاستقبال في الفندق الذي أنزلوني به وهو فندق توكاي، حيث كانت متعصبة وترفع صوتها على من معي من الشركة صاحبة الدعوة الكريمة، وكذلك ما فعلته إحدى الموظفات بمحل كنا نشتري منه خط هاتف محمول، فجعلت أتعجب لذلك، والعادة أن مثل هاتين يحتم عليها عملها حسن الاستقبال وحسن الأدب مع من تخاطب!

لاحظت أن الكثير يفتقد الذوق العام الموجود بفضل الله عندنا بمصر وعالمنا العربي كله، وكذلك الأداب العامة، وأن الأنانية الشديدة موجودة فيهم، لدرجة أن حدثني بعض الإخوان المقيمين بكوانجو منذ سنين أن من عجائب الناس هنا أنه قد يوقف إنسان سيارة الأجرة، وما أن تقف السيارة فيركبها آخر خلسة، فينطلق السائق دون تعليق بمن ركب دون إنكار ممن أوقفه أو من السائق! وقد تصدم سيارة إنسانا فينظر له من مر عليه دون فعل شيء! فيا للعجب!

صلينا الجمعة بالمسجد الكبير، بحي يتجمع فيه المسلمون، ولا تخطئ عينك أن ترى حول هذا المسجد كل ما تراه في دول العالم العربي أو الدول الإسلامية بآسيا وأفريقيا، وترى كذلك ناسا من جميع الجنسيات تقريبا، لا يجمعهم إلا رابط واحد هو الإسلام.

والحق أن المسجد وملحقاته قديم جدا ومتهالك، ويحتاج إلى ترميم أو إعادة بنائه من جديد، فليت أحد أثرياء المسلمين يتنبه لذلك الأمر، ويتاجر مع الله، ويمهد لآخرته بالقيام بهذا العمل العظيم ونيل ذلك الشرف الكبير.

صحيح أن التراث القديم له رائحته ومكانته وعبقه وسحره… ولكن وضع المسجد لا يتناسب أبدا فيما يبدو لي مع ما تشهده مدينة كوانجو من تشييد حديث وتطوير معماري رهيب ونقلة لا شك ملحوظة لمن تمكن من التجوال في أنحاء المدينة على اتساعها، وظهر له جمال ما تشهده من نهضة معاصرة. والمسجد ولا شك يحتاج هو كذلك لتلك النقلة والنهضة العصرية، ولا أظن الصينيون كدولة ومسئولين سيفعلون ذلك أبدا..

وبمدينة كوانجو ثلاثة مساجد كما حدثني بعض الإخوة الملمين جيدا بتفاصيل تلك المدينة الجميلة من مدن الصين، وهي من أقدم المدن الصينية التي دخلها الإسلام.

تتمتع مدينة كوانجو بوفرة الخضرة والمياه أيضا، وهي مدينة نظيفة وتجارية من الطراز الأول وتكاد تلي شنغهاي مباشرة في الرتبة، وكوانجو وجهة معظم العرب عندما يقصدون الصين للتجارة.

تتميز كوانجو بجسورها الممتدة مسافات طويلة، والتي يعلو بعضها البعض، حتى تجد أحيانا ثلاثة جسور أو أكثر يعلو بعضها فوق بعض، لدرجة أني صبيحة أول ليلة أبيت فيها بالفندق بالطابق السادس فتحت نافذة الحجرة لأفاجأ بمرور السيارات في مستوى نظري! فقلت في نفسي: ألم أصعد ستة طوابق أمس بمصعد الفندق؟ ثم نظرت إلى أسفل لأجد جسرا ثانيا وثالثا أسفله والأرض تحتهما!

ولاستغلال كميات المياه المتدفقة من الأمطار فوق مساحات كبيرة من هذه الجسور؛ يجعلون تصريف هذه المياه عبر أنابيب تصب مياهها في المساحات الخضراء أسفل هذه الجسور، والتي لا يكاد يخلو منها متر واحد تحت الجسور، كما يتم غسيل الطريق وأعمدة الجسور بالمياه بشكل يومي تقريبا، مما يضفي جمالا على طرقها وجسورها ومساحاتها الخضراء.

تهطل الأمطار بغزارة على مدينة كوانجو، صيفا وشتاء وكل شهور العام تقريبا، وقد شهدت بنفسي يوما استمر المطر الشديد المستمر لمدة ساعتين أو يزيد في أحد أيام تواجدي بها، مع رؤية البرق الخاطف والشديد نهارا وسماع صوت الرعد القوي والمخيف الذي كان يحرك نوافذ المكان الذي كنت فيه آنذاك.

والناس هنا أشكالهم غريبة ومختلفة وليس كما في اليابان وكوريا؛ ويبدو أن من أسباب تلك الغرابة في أشكالهم أنواع الطعام الغريبة التي يأكلونها، فهم ميالون – كما حدثني البعض هنا – لغرائب الأطعمة، ويميلون للسيئ منها جدا وإلى الأطعمة ذات الروائح الكريهة جدا ربما… لدرجة أن بعض الظرفاء أبلغني أنهم يبتعدون عن روائح العطور الجميلة التي تعودنا عليها في بلادنا ونحبها ونميل إليها فطرة! فسبحان الله.

وكذلك أسماؤهم عجيبة؛ لدرجة أن بعض الظرفاء يقول – متندرا عليهم – أنهم إذا ولد لهم المولود سموه بأي صوت يسمعونه لحظة ولادته، كصوت طقطقة أو فرقعة أو صوت حركة سيارة أو آلة ونحوها، أو ربما يرمون شيئا فيحدث صوتا فيسمون المولود حسب ما سمعوا من صوت!!!

صحيح أنا لم يتسن لي رؤية كل مدن الصين، ولكن في الصين يقال أن من رأى كوانجو فقد رأى كل مدن الصين؛ ذلك لأن فيها ما في غيرها وليس في غيرها ما فيها؛ فيها الصناعة والتجارة والزراعة والجمال والنظافة والإنتاج والتصدير، وفيها كل أعراق الصين وسلالاتهم، فهي مزيج من الصينيين جميعا، وليس هذا مجتمعا في غيرها من مدن الصين.

زرت منطقة فوشان وهي مدينة صناعية بالقرب من كوانجو وضمن مقاطعة كواندونج، تتمركز فيها معظم الصناعات المغذية للسوق الرائجة في كوانجو، وفي الطريق بينها وبين كوانجو توجد جبال خضراء بديعة المنظر، تأخذ بالألباب.

وقد لاحظت وجود مناطق ريفية بها زراعات منتشرة بين المدينتين، ولكن الزحف العمراني المتسارع في كلا المدينتين يقوض هذه المناطق حتى كاد ينهيها من الوجود!

يمكن القول أنه – فيما ظهر لي – أن جمال الصين لم ينُصف ممن رأوها ووصفوها لنا كما وصفوا لنا جمال تايلاند مثلا وماليزيا وغيرهما، ويبدو لي أن السبب الرئيس في ذلك أن الصين بلد تجاري وصناعي يقصده التجار بقصد التجارة، وليس السياح الذين يقصدون البلاد للتمتع بجمالها، بيد أن الصين قد تفوق غيرها – مما ذكرت – جمالا، ولكن كما قلت قل من يتنبه لذلك لأنهم مشغولون غالبا بما سافروا من أجله، كما إن هذا القدر الرهيب من المصانع بالصين جعل السياح يهربون من هذا الجمال الملوث بأبخرة كيماوية ناتجة عن هذه المصانع!…

وأخيرا… فإن الصين بلد يصعب أن تحكم عليه حكما عابرا بالجملة هكذا.. أو على الصينين كشعب، كما تعودنا أن نقول مثلا الشعب الفلاني كسول، أو الشعب العلاني بخيل، وهكذا؛ ذلك لأن الصينيين يوجد فيهم الشيء وضده، ففيهم الأذكياء العباقرة، وفيهم الأغبياء الذين لا يفكرون أبدا في شيء، فتخاطبه كأنك تخاطب بهيمة أو جدارا!، وفيهم المحافظ جدا كالشنجان، وفيهم الذي لا يبالي حتى إن مشى عريانا في الشارع، وفيهم من لا يبالي بالمرة لدرجة أن يقضي حاجته في الشارع على رؤوس الأشهاد!…

وفيهم من يعتز بقوميته جدا كالألمان أو أشد، لدرجة أنك تجرده من كل شيء وتخلعه مما تشاء إلا الانتماء للصين بحق وبباطل هكذا… وفيهم من لا يذكر أبدا أنه صيني، ولا يحب هذه النسبة أبدا، وتقتله ولا تسميه بها، كالشنجان، وهم محافظون جدا جدا.

والصينيون معظمهم يتسم بالبخل والأنانية وقلة النظافة وقلة الذوق في التعامل، والفتور عند اللقاء، بيد أني صادفت من هم على عكس ذلك تماما.

تدرك أنانيتهم فيما يفعلون أثناء قيادتهم للسيارات في الشوارع والطرق، وتدرك بخلهم من أنك تجد الفرق بين نوعين من الحافلات العامة لا يتجاوز اثنين رميمبي، الحافلة الأولى مكتظة ولا يوجد فيها أي وسائل راحة ولا مكيف الهواء، والثانية فيها كل ذلك ولكنها أغلى بهذا الفارق المادي البسيط.. فيقتلون أنفسهم لتوفير هذا الفرق البسيط جدا.

ولعل هذا يجيب على ما لاحظته من خلو مقاعد الدرجة الأولى حولي وكذلك درجة رجال الأعمال بالطائرة أثناء السفر وتكدسهم في الدرجة الاقتصادية!…

ويمكن أن يقال جملة عن هذا الشعب أنهم عمليون، منتجون، لا يهتمون بالمظهر، حريصون جدا، أغلبهم غير أذكياء، أكبر ما يميزهم الجد والدأب والمثابرة؛ وهذا ما أوصلهم إلى ما هم فيه، وسيبنون – ولا شك – مستقبلا رفيعا لهم بين الأمم، وكلي أمل أن تتغير الصورة الذهنية التي في رؤوسنا عن هؤلاء الناس، لأن الواقع الذي رأيته غير ما يصلنا عنهم في بلادنا، وليس من رأى كمن سمع… والله الموفق.

FacebookTwitterPinterestGoogle +Stumbleupon