استمتعوا بعبادة الطواف بالكعبة!
بقلم/ ربيع عبد الرؤوف الزواوي

وفقني الله تعالى لزيارة بيته الحرام ليلة أمس 10 يناير 2013؛ وكان طوافي للعمرة قبل أذان العشاء، وخوفا من عدم التمكن من الانتهاء من الطواف قبل الصلاة؛ وحرصا مني على عدم انقطاع الطواف بالصلاة مع كونه جائزا ولا شيء فيه، غير أن نفسي حدثتني بالإسراع قليلا رغم الزحام.

وقبيل الأذان بدأ المشرفون على النظام بالحرم من أصحاب العبايات بنية اللون في نصح النساء بالاتجاه لليمين بعيدا عن تيار الطوافين بالبيت، ثم بدأوا في النصح للجميع بالجلوس للصلاة الآن وإكمال الطواف بعد الصلاة؛ نظرا لأعمال التجديدات بصحن الكعبة.

غير أني ظللت غير عابئ بنصحهم لسببين؛ السبب الأول أن الجالسين قبيل الأذان انتظارا للصلاة بالقرب من الكعبة ليسوا هم الأولىَ بالبيت بل الأولىَ بالبيت هم الطوافون. والسبب الثاني أن صحن الكعبة رغم أعمال التجديدات ورغم الجالسبن قرب الكعبة من منتظري الصلاة لايزال به متسعا لإكمال الطواف، الذي لا يقطعه إلا الإقامة لصلاة لفريضة.

بينما نفسي تحدثني بالإسراع قليلا لإنهاء الطواف قبل إقامة الصلاة سمعت صوت أحد المشرفين من أصحاب العبايات بنية اللون (وكان شابا صغيرا) يقول: لا تستعجلوا في طوافكم…. استمتعوا بعبادة الطواف. ويكررها.

نزلت الكلمات بردا وسلاما على قلبي… وقلت إي والله… استمتع بعبادة الطواف… فلعلها آخر العهد بالبيت الحرام… استمتع بالعبادة فهي العبادة الوحيدة التي تتوافق وتنسجم مع النظام الكوني الذي خلقه وأبدعه الله سبحانه وتعالى…. فالطواف سبعة أشواط حول الكعبة وفي في اتجاه معاكس لعقارب الساعة؛ وإنك لو فكرت لتجد:
– النواة التي تحتويها الذرة التي تتكون منها المادة تدور حول هذه النواة إلكترونات في سبعة مستويات من الطاقة، فالنواة حولها سبعة مستويات من الطاقة…
– تدور الأرض حول محورها في اتجاه معاكس لاتجاه عقارب الساعة…
– تدور الأرض حول الشمس في اتجاه معاكس لاتجاه عقارب الساعة…
– الحيوان المنوي للإنسان يدور حول البويضة وفي اتجاه معاكس لاتجاه عقارب الساعة

يا سبحان الله… فكأن الدوران عكس عقارب الساعة كما في عبادة الطواف حول الكعبة واتجاهها ركن من أركان التسبيح، فسائر الأجرام السماوية والشمس والقمر والنجوم والكواكب والجزيئات كلها تدور عكس عقارب الساعة!…

كل ذلك والإنسان يطوف غافلا ساهيا عن حركة هذا الأفلاك العلوية المسبحة (وكل في فلك يسبحون) فعلا: استمتعوا بعبادة الطواف… ولا يكون ذلك إلا بالتفكير في حقيقة عبادة الطواف.

وصدق الأديب الفيلسوف محمد إقبال رحمه الله إذ يقول:
أيها الساعي لكحل المقل *** غافلا عما به من كحل
من فم التنين فابغ الكوثرا *** واسألن ماء الحياة الخنجرا
حجر الكعبة من بيت الوثن *** التمس والمسك في الكلب اطلبن
طفئ العشق بعلم الحاضر *** لا تؤمل كأس هذا الكافر
قد براني السعي في كل بعيد *** وعرفت السر في العلم الجديد
وحبانى سر هذي الجنة *** قيم البستان بعد الخبرة
علم ذا العصر حجاب أكبر *** يعبد الوثن وفيها يتجر
من حدود الحس لا ينطلق *** وله الظاهر سجن مغلق

ويقول المتنبي:
وتحسب أنك جرم صغير *** وفيك انطوى العالم الأكبر

ويقول محمد إقبال أيضا مصورا أن الكعبة هي قطب الرحى:
هكذا سنة ميلاد الأمم مركز فيه حياة تنتظم
إنما المركز روح الدائرة نقطة , فيها محيط , ضامرة
ومن المركز للقوم نظام ومن المركز للقوم دوام
نقطة المركز منا الحرم لحننا والوجد فينا الحرم
نفس في صدرنا يتقد روحنا الغالي , ونحن الجسد
من نداه نضرت أغصاننا حي من زمزمه بستاننا
نحن من دعواه في الدنيا دليل نحن فيه من براهين الخليل
صوتنا يندى به في الأمم واصلا محدثنا بالقدم
وحد الملة طوف حوله فهي صبح قد حوى صدر له
وحدت في حسبه كثرتنا أحكمت من وحدة قوتنا
إن في الجمع حياة الأمم إن هذا الجمع سر الحرم

……………….. ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم……………….

FacebookTwitterPinterestGoogle +Stumbleupon