الأصـــلان
بقلم: ربيع عبد الرؤوف الزواوي

لكل منا أصلان؛ الأصل الأول والأساس هو آدم عليه السلام، والأصل الثاني هو الوالدان…
أما الأصل الأول فكلنا فيه سواء، لا نختلف… ومعروف أن الله جلت قدرته جعل أصل آدم من تراب، وجعل هذا التراب خليط من شتى البقاع، ولذلك صارت ذريته شتى؛ فمن أبنائه الأبيض والأسود، والأحمر والأصفر، والعالي والسافل، والصالح والطالح، والطيب والخبيث… إلخ. ولذلك قال جلت قدرته عنا (إن سعيكم لشتى) كل ذلك وفق تقدير الله وحكمته وعلمه وتدبيره (ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير).

الناس من جهة الأصل أكفاء*** أبــوهم آدم والأم حواء
نفس كنفس وأرواح مشابهة*** وأعظم خلقت فيهم وأعضاء
فإن يكن لهم من أصلهم حسب***يفاخرون به فالطين والماء

وأما الأصل الثاني وهو الوالدان، ولسنا فيه سواء لأنه كما تقدم صار أبناء آدم – وإلى يوم القيامة – شتى مختلفون، ولذلك لا نستوي أبدا في هذا الأصل، وليس لأحد منا أن يعترض، لأنه يملك بهداية الله له أن يزكي أو يدسّي نفسه، و(قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها).

الناس شتى إذا ما أنت ذقتهم *** لا يستوون كما لا يستوي الشّجرُ
فهذا له ثمـر حلو عذب مذاقته *** وهذا ليـس له طعـم ولا ثمرُ

وإن كان علو النسب وكرم المحتد ينفع أو يفيد في الدنيا، فإنه لا ينفع في شيء يوم القيامة (لن تنفعكم أرحامكم ولا أولادكم يوم القيامة يفصل بينكم) وقال المعصوم صلى الله عليه وسلم: (من بطأ به عمله لم يسرع به نسبه).

ولقد يكرم الله عز وجل إنسانا بكرم أصله الثاني، فينبته من أبوين كريمين، لم يُدنّسا بدُلس أو يُخبثا بخبث، ويرزقه تنشئة صالحة في كنفهما؛ فيغتبط برحمتهما له، وتحنانهما عليه، ويشب ويترعرع يظللانه بعطفهما فطرة ورحمة.

ثم يزداد كرمه تعالى عليه فيرزق والديه الرزق الحلال في النفقة عليه، فلا يلوّث بحرام، ولا ينبت جسمه من سحت، فيعميان عن الحرام في أكله وشرابه وملبسه، وإن كان هذا الطعام والشراب والملبس متواضعا وقليلا وزاهدا.
ويشتد كرمه عليه فينشئانه على التديّن وحب الخير، ويزرعان فيه حب الصلاة وحفظ القرآن وحسن السير في دنيا الناس.
ثم يسبغ عليه كرمه الذي لا كرم بعده إلا نعمة الإسلام، فيرزقه برهما؛ فيصحبهما في الدنيا معروفا، وتستمر هذه الصحبة الطيبة حتى آخر حياتهما فيموتان راضيين عنه، وهذه النعمة قد مَنّ الله بها على كاتب هذه السطور، فينسب كل فضل وفقه الله إليه، وكل نجاح حققه مهما كان قليلا – بعد الله تعالى – إلى والديه، فشكرا لك يارب على هذه النعمة، وشكرا على هذا الكرم الذي لم يكن لي فيه يد.

وشكرا لوالديّ رحمهما الله، الذَيْن كابدا شظف العيش ومرارة الحياة، وأطعامنا من الحلال، وزرعا فينا كل فضيلة.

زُر والِديكَ وقِف على قبريهما *** فكأنني بك قد نُقلتَ إليهما
لو كنتَ حيث هما وكانا بالبقا *** زاراكَ حبْوًا لا على قدميهما
ما كان ذنبهما إليك فطالما *** مَنَحاكَ نفْسَ الوِدّ من نفْسَيْهِما
كانا إذا سمِعا أنينَك أسبلا *** دمعيهما أسفًا على خدّيهما
وتمنيّا لو صادفا بك راحةً *** بجميعِ ما يَحويهِ مُلكُ يديهما
فنسيْتَ حقّهما عشيّةَ أُسكِنا *** تحت الثرى وسكنتَ في داريهما
فلتلحقّنهما غدًا أو بعدَهُ *** حتمًا كما لحِقا هما أبويهما
ولتندمّنَّ على فِعالِك مثلما *** ندِما هما ندمًا على فعليهما
بُشراكَ لو قدّمتَ فِعلا صالحًا *** وقضيتَ بعضَ الحقّ من حقّيهما
وقرأتَ من آيِ الكِتاب بقدرِ ما *** تسطيعُهُ وبعثتَ ذاكَ إليهما
فاحفظ وصيّتي واعمل بها *** فعسى تنال الفوزَ من بِرّيهما

FacebookTwitterPinterestGoogle +Stumbleupon