في مطلع شهر مارس الماضي (2010) اشتد بي ألم شديد بالفقرات السفلى للعمود الفقري والتي تعرف بالفقرات القطنية، فأجبرني صديق عزيز لاصطحابه لزيارة أستاذ متخصص في الفقرات والأطراف، ليرى حالي ويشخص العلاج.

وبإجراء الكشف السريري ودون الحاجة لأشعة الرنين المغناطيسي، رأى الطبيب أنني أعاني من التهاب مزمن في الفقرات القطنية، وانزلاق غضروفي على وشك الوصول للمرحلة الثالثة التي تحتاج لتدخل جراحي، وأن العلاج الطبيعي سيكون كافيا للعلاج ولا حاجة للتدخل الجراحي، فشرح لي المطلوب من تمارين وأعمال ورسمها لي في تقرير طبي مفصل، وقال: تحتاج لستة أشهر لهذه التمارين والأعمال، والتي من أهمها الراحة والاستلقاء لأطول وقت واجتناب جلوس المكتب لفترات طويلة، وإنقاص الوزن والمشي يوميا.كان لهذا المرض بطبيعة الحال أسباب واضحة وأكيدة، منها الجلوس على المكتب وقتا طويلا، ودون أن يتخللها وقوف أو استلقاء، وقلة الحركة والمشي المستمر، والجلوس الخطأ، وثقل الوزن…

أربعة أشهر مضت وأنا أحاول الالتزام بأوامر الطبيب بقدر الإمكان، ما عدا بعض الأسفار والأعمال التي لابد منها مثل استقبال الضيوف سواء بالعمل أو البيت، وقلة المشي بسبب وجود الآلام الناتجة عن الالتهاب..

وكان أشد ما أجده في هذه الفترة هو لزوم الفراش والبقاء مستلقيا الساعات الطويلة.. صحيح أن وجود عشرات المجلات والكتب بجانبي ووجود جهاز الحاسوب (اللاب توب) معي في فراشي قد خففا علي هذه الأوقات العصيبة.

أن تكون واقفا على رجليك.. نعمة عظيمة، أرى أنه لا يعدلها شيء في نعمة العافية، وينبغي على السليم المعافى أن يعرف لهذه النعمة قدرها، وأن يشكر ربه عليها، وأن يستغلها في العمل الصالح المفيد له في دنياه وأخراه، فاللهم عاف المسلمين في أبدانهم يا رب العالمين.

أعلم أن الابتلاء بالمرض سنة كونية ماضية، وأن في الابتلاء بالمرض فوائد منها:
– تكفير الذنوب والسيئات
– استخراج عبودية الضراء من الناس وهي الصبر
– الحسنات ورفع الدرجات
– تذكير العبد وتنبيهه
– تبشير للمؤمن لأنه يعلم أنه مبتلى إن كان مؤمنا
– فرصة جيدة لمراجعة النفس ومحاسبتها
– استخراج عبادة الدعاء من العبد
– المرض تهذيب للنفوس وتصفية لها من الشر
– يخرج الله به من العبد الكبر والعجب والفخر، ولولاه لتجاوز وطغى ونسي المنتهى

فيا رب لا تحرمني فضلك…

وأعلم أن الصبر على الابتلاء بالمرض لا يتحقق إلا بأمور ثلاثة:
– حبس النفس عن الجزع والسخط
– الامتناع عن الشكوى للخلق
– عدم فعل ما ينافي الصبر

فيا رب وفق عبدك…

وجدت في هذه الفترة – التي انقطعت عن الناس فيها وقتا طويلا – راحة وأنسا بالله تعالى، وفرصة عظيمة لإعادة الحساب في أمور كثيرة، وتغيرت عندي بعض الأمور عن قناعة وجدارة، وصغر في عيني بعض الأمور التي كنت أظنها كبيرة، وكبر في عيني بعض الأمور التي كنت أظنها صغيرة.

FacebookTwitterPinterestGoogle +Stumbleupon