الدراما الإيرانية

بقلم/ ربيع عبد الرؤوف الزواوي

في السنوات اﻷخيرة كان هناك سؤال يلحّ على خاطري بين الحين والآخر؛ وهو لماذا تنفق إيران كل هذه المبالغ الطائلة على الدراما الدينية بوجه عام، وقصص الأنبياء والتاريخ الإسلامي بوجه خاص؟

وماذا عساهم يفعلون؟ وماذا يروجون؟ وإلى ما يهدفون؟

وبصرف النظر عما اعتقده من عدم جواز تجسيد الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، وحوارييهم والصحابة رضي الله عنهم… بل ربما عدم جواز التمثيل برمته… أقول: بعيدا عن هذا… فقد تم الأمر وتم تنفيذه وانتشر واطلع عليه الناس كل الناس… وأصبحنا أمام واقع لابد من بحثه والنظر فيه وتقديم النصح وترشيد مسيرته.

فبدأت من حوالي عامين أتابع على يوتيوب – كلما تيسر ذلك – عددا مما قدمته إيران من دراما في قصص الأنبياء والتاريخ الإسلامي… وتوصلت إلى حقيقة هي عامل مشترك في جميع ما اطلعت عليه من أعمال الدراما الإيرانية؛ تكشف هذه الحقيقة بوضوح هدفهم الأول والأخير من هذه الأعمال الدرامية… وهو تسويق فكرة الولاية الشرعية للإمام المنتظر الغائب في السرداب… وأن مقام هذه الولاية فوق مقام النبوة… وأن نائب الإمام ووليه بولاية الفقيه واجب الاتباع… وأن حكومته هي ظل الله وعدله في الأرض… واجبة الاتباع… على ما يأتي تفصيله بعد قليل إن شاء الله.

وقبل التدليل على هذه الحقيقة أقول:
أولا: أقر بأن جميع أعمالهم الدرامية تم تنفيذها باقتدار واتقان وحرفية عالية… وقد أنفقوا فيها الجهد والمال بصورة لافتة للنظر… وكان اختيار الشخصيات غاية في الدقة ولا يخضع هذا الاختيار إلا لمناسبة الممثل للشخصية التي يجسدها.. وليس للأهواء والبطل فلان والممثل القدير علان.

ثانيا: قدرتهم الفائقة في توظيف وقائع التاريخ لهدفهم – الذي ذكرته مختصرا أعلاه – بطريقة احترافية وخبيثة ماكرة… فلا يسوق لك ما يريد إلا في مشهد قد سيطرت عليك فيه العاطفة وتملكتك مشاعرك وعواطفك وانزوى العقل والعلم بعيدا… هنالك يسوق ما يريد تسويقه.

ثالثا: عند مقارنة هذه الأعمال بما يقدمه العرب من دراما… يتملكك الحزن وتسيطر عليك خيبة الأمل… وتدرك إلى أي هوة نحن سادرون… وإلى أي مستقبل نحن متجهون… وإنا لله وإنا إليه راجعون.

رابعا: لا تحتوي أعمال الدراما هذه على مشاهد إباحية أو ما فيه إسفاف أو أي إيحاءات مرفوضة… ويمكن بها تحقيق المشاهدة الآمنة؛ بحيث يشاهدها أفراد الأسرة معا بلا خجل… وهذا لعمري غاية الجذب والجدية والرغبة في الانتشار؛ فكثير من الناس إذا أمن على طفله من الإسفاف المخل بالآداب العامة ترك له العنان في المشاهدة.

وللتدليل على الحقيقة التي توصلت إليها سأتخذ من دراما مسلسل يوسف الصديق نموذجا… فأقول:

لقد تم توظيف أربعة مشاهد بالمسلسل لتسويق فكرة الولاية:

أولها: أن يعقوب عليه السلام فقد يوسف عليه السلام لأنه في هذه الفترة لم يكن يقر بولاية يوسف عليه السلام عليه… وعندما أقر بها بعد أن رد الله عليه بصره جمع الله شمله بعودة ولده إليه.

ثانيها: أن يعقوب عليه السلام بعد أن أقر بولاية ولده عليه السلام عليه استطاع أن يشم رائحة قميص ولده المفقود من مصر وهو في كنعان أو فلسطين، بمجرد أن تحركت القافلة من مصر… بينما لم يشم رائحة ولده وهو على خطوات منه وهو في البئر ليلة فقده! لكونه يومها لم يكن يقر له بالوﻻية.

ثالثها: أن يوسف عليه السلام كان كلما مر به موقف فيه شدة تلمس خرزة عليها اسم الموعود… ولي آخر الزمان. وحاشاه عليه السلام أن يشرك بالله شيئا.

رابعها: ختام المسلسل مشهد ظهور الموعود الولي المنتظر وقد اخضرت الارض وامطرت السماء بعد قفر وشدة…

وفي النهاية أنصح من يرى تلك المسلسلات أن يتنبه لهذه المخاطر ولهذا الدس والتدليس والكذب والشرك الصراح وتزييف التاريخ ولي الحقائق…

كما أنصح الكتاب والآباء والمربين والوعاظ والدعاة وأهل العلم… بإقناع الناس بالحجة والبينة وليس مجرد التحريم وعدم الجواز فحسب… أعني أن نقول لهم: احذروها فإن فيها كذا وكذا… وليس مجرد التحريم والمنع فحسب؛ فإن الناس سيشاهدون شئنا أم أبينا… وقدرنا أن نكون في زمان أصبح كل شيء متاح وميسر للمشاهدة والاطلاع.

والله من وراء القصد محيط…

FacebookTwitterPinterestGoogle +Stumbleupon