بينما كنت أتأهب لصلاة الفجر يوم الأحد 2/6/1431 الموافق 16/5/2010؛ دق جرس هاتفي المحمول… إنه رقم غير معروف لدي! فتحت وقلت: السلام عليكم. رد المتصل: وعليكم السلام. أنت فلان…؟ قلت: نعم. قالت: أنا حرم الشيخ محمد عبد الحميد هيوب. قلت: أهلا وسهلا! قالت: الشيخ توفي منذ دقائق. وأبشرك؛ نطق الشهادتين وأنا من لقنته إياهما! تنزل ضروري… أنت صاحبه القديم!.. وهو كان يحبك كثيرا… قلت: إنا لله وإنا إليه راجعون. اصبري واحتسبي، فإن لله ما أخذ، وله ما أعطى. في أمان الله.

استرجعت وغلبني البكاء، ورحت أدعو له بالرحمة والمغفرة دعاء الأخ لأخيه… وبعد الصلاة سألت بعض الصالحين الدعاء له، وعزمت على السفر رغم المرض، فالمفترض – بناء على تعليمات الطبيب – أن ابتعد عن قيادة السيارة والجلوس على المكتب فترة طويلة، ومع كوني لم أنم طوال تلك الليلة، غير أني توكلت على الله وسافرت إلى البحيرة، ووصلت بيت الشيخ محمد وهناك وجدت جمعا غفيرا من أهله وأحبابه وجيرانه…هَـم وغـم، حـيرة وتفجّـعُ *** في دارنا ومصـائب تتدافعُ
هي دارنا دار الرحيل وكلنا *** يوما إلى دار البقاء سنزمـعُ
مالي أرى هذي الوجوه حزينة *** مالي أراها بالسواد تلفـّـعُ
مال العيون بدمعها رقراقة *** مال القلـــوب بأصلها تتقطعُ
مال الصباح أما له من هيبة *** كي ينجلي وجه الظلام المفزعُ
قالوا ترجل في المساء حبيبنا *** فـُقدت بلابلنا هنا لا تـُسمعُ
مات الجواد من الخليقة لم يعد *** يجدي الكلام ولا النياحة تنفعُ
زاح الغمام من السماء أما ترى *** أن السحائب حولنا تتقشعُ
تلك الشمائل لا تسل عن حسنها *** ورد وعطر فائح يتضوعُ
رباه ألهمنا اصطبارا إننا *** بعد الفـــراق بحِبـِنا نتفجّعُ

عرفت الشيخ محمد عبد الحميد هيوب رحمه الله منذ ربع قرن، وهو من عائلة ميسورة الحال ولهم وجاهة بين الناس، وكان والده رحمه الله من أعيان الناس في بلدتهم إحدى قرى مركز الدلنجات بمحافظة البحيرة، وكانت بيني وبينه رحمه الله علاقة شخصية سببها كثرة اختلافه مع الشيخ محمد، وكان الشيخ محمد ينتدبني للتدخل أحيانا كثيرة في تلك الفترة أوائل التسعينات… والحقيقة أني كنت أحبه رحمه الله؛ لصراحته وحبه لمحمد رغم اختلافهما آنذاك رحمهما الله.

كان الشيخ محمد رحمه الله إمام هـُدى، وصاحب سُنة، وكان نشيطا في الدعوة إلى الله تعالى، منذ كان طالبا في مرحلة الجامعة، وكان أكبر ما يميّزه زهده في متاع الدنيا، وإعراضه عن زخرفها، والإقلال منها، وكان لا يحب الخوض في أحاديث الدنيا، أو الاشتغال بأمرها.

وكان رحمه الله لا يشغله هم إلا هم الآخرة، ولا حديث له إلا في الدين، وكنت كلما ذُكر اسمه أمامي ذكرت الله، وهذا أكبر دليل أنه من رجال الآخرة، وليس من رجال الدنيا ولا العاملين لها، وكان رحمه الله – فيما أحسب – لا يحسن يعصي الله! أحسبه كذلك ولا أزكي على الله أحدا. وكان رحمه الله مجتهدا دائما في أمر آخرته كأن القيامة تقوم غدا!.

ثم شاء الله تعالى أن يبتليه ليرفع درجته، فابتلي بمرض السرطان في المخ، وعانى من المرض كثيرا، صابرا محتسبا، وكنت أزوره لأواسيه، فيواسيني، ويحرص – مع شدة الألم ومكابدة مشاق التعب – على كرم الضيافة، وحسن الترحيب بضيوفه.

وكان منذ ثلاثة أشهر تقريبا هنا بالقاهرة لإجراء عملية ثانية أو ثالثة؛ لاستئصال جزء من الورم في مقدمة المخّ، وجاءتني رسالة من أحد الإخوة يدعوني لزيارته وكنت يومها على جناح سفر للرياض، فاتصلت مسلّما ومعتذرا له، فلم يقو على الرد علي، وكلمني بعض مرافقيه، وبعد أن نقل إليه اتصالي وسلامي، أخذ منه المحمول وكتب لي: لا تقصر بك الرياض عن مكة. يذكرني بأخذ عمرة، وقد لبّيت طلبه ودعوت له هنالك.

كانت جنازته مهيبة، وجاءه محبوه وعارفوه من عدة محافظات ليصلّوا عليه.. أسأل الله أن يرحمه وأن يرفع درجته، وأن يثيبه لقاء ما قدم لدينه خير المثوبة وأعظمها.

 

FacebookTwitterPinterestGoogle +Stumbleupon