العشر الأُوَل من ذي الحجة… فرصة سانحة
بقلم/ ربيع عبد الرؤوف الزواوي

شاء الله جل وعلا أن يفاضل بين مخلوقاته، وأن يصطفي بعض الأشياء على البعض، وأن يرفع أشياء على أخرى، ولذلك جرت سنته تعالى أن يكون بعض أيامه أفضل من بعض، ومن ذلك أيام العشر الأول من ذي الحجة.
فمن هذا الفضل:
أن هذه الأيام أفضل أيام السنة؛ روى البخاري في صحيحه من حديث ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال (ما العمل في أيام العشر أفضل من العمل في هذه. قالوا ولا الجهاد؟ قال ولا الجهاد؛ إلا رجل خرج يخاطر بنفسه وماله فلم يرجع بشيء) ومفهوم الحديث كما يرى أهل العلم: أن العمل في هذه الأيام يفوق على ذلك العمل في غيره من الأيام، فمن عمل صالحا في هذه الأيام يضاعف له بما لا يضاعف للأعمال الصالحات في الأيام الأخرى، مهما كانت منزلة تلك الأعمال، فأجورها أقل من أجر الصالحات التي تجري في هذه الأيام، فلو جرى من المسلم في هذه الأيام ذكر وصلاة ضحى وقيام ليل وأي عمل صالح، فإن أجر هذه الأعمال في أيام عشر ذي الحجة، لا يساويه شيء من الأجر فيما سواها من الأيام مطلقا.


وقد روى الإمام أحمد و الطبراني ولفظه: (ما من أيام أعظم عند الله ولا أحب إليه العمل فيهن من هذه الأيام العشر فأكثروا فيهن من التهليل والتكبير والتحميد) أي أكثروا فيهن من قول: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر.
ومن هذا الفضل العظيم:
أن في هذه الأيام يوم عرفة: وقد عظم الله أمره ورفع على الأيام قدره وقد أقسم الله به في قوله تعالى: (وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ) (الفجر:3) فالوتر يوم عرفة, والشفع يوم النحر كما جاء في مسند الإمام أحمد, وفي قوله تعالى: (وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ ) البروج: 3 والشاهد يوم الجمعة, والمشهود يوم عرفة. كما جاء في مسند الإمام أحمد. و أن الله أنزل فيه: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْأِسْلامَ دِيناً) المائدة:من الآية 3.
ويوم عرفة يوم إكمال الدين وإتمام النعمة ويوم مغفرة الذنوب والتجاوز عنها والعتق من النار فعن عائشة رضي الله عنها أن رسول صلى الله عليه وسلم الله قال: (ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبدا من النار من يوم عرفة وإنه ليدنو ثم يباهي بهم الملائكة فيقول ما أراد هؤلاء .(رواه مسلم. فمن طمع بالعتق من النار ومغفرة ذنوبه في يوم عرفة فليحافظ على الأسباب التي يرجى بها العتق والمغفرة.

وقد وردت أحاديث كثيرة عن فضل يوم عرفة منها ما رواه جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما من أيام أفضل عند الله من أيام عشر ذي الحجة قال فقال رجل يا رسول الله هن أفضل أم عدتهن جهادا في سبيل الله قال هن أفضل من عدتهن جهادا في سبيل الله وما من يوم أفضل عند الله من يوم عرفة ينزل الله إلى السماء الدنيا فيباهي بأهل الأرض أهل السماء فيقول انظروا إلى عبادي شعثا غبرا ضاحين جاءوا من كل فج عميق يرجون رحمتي ولم يروا عذابي فلم ير يوم أكثر عتقا من النار من يوم عرفة) رواه ابن حبان في صحيحه.

وما رواه الإمام مالك رحمه الله عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (ما رؤى الشيطان يوما هو فيه أصغر ولا أدحر ولا أحقر ولا أغيظ منه في يوم عرفة وما ذاك إلا لما رأى من تنزل الرحمة وتجاوز الله عن الذنوب العظام إلا ما أرى يوم بدر قيل وما رأى يوم بدر يا رسول الله قال أما انه قد رأى جبريل يزع الملائكة).
وأيضًا ما جاء عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (خير الدعاء دعاء يوم عرفة وخير ما قلت أنا والنبيون من قبلي لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير) رواه الترمذي.
ومن هذا الفضل فيه: حفظ جوارحه عن المحرمات ففي مسند الإمام أحمد عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يوم عرفة من ملك فيه سمعه وبصره ولسانه غفر له).
ومنها صيام ذلك اليوم لغير الحاج: فعن أبي قتادة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (صيام يوم عرفة أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله والسنة التي بعده) رواه مسلم.

ومن هذا الفضل أن في هذه الأيام يوم النحر:
وهو أفضل أيام السنة كما قال ابن القيم رحمه الله: خير الأيام عند الله يوم النحر، وهو يوم الحج الأكبر. وجاء في ذلك عن عبد الله بنِ قُرْطٍ رضي الله عنه عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال : (إنّ أَعْظَمَ اْلأيّامِ عِنْدَ الله يَوْمُ النّحْرِ ثُمّ يَوْمُ الْقَرّ). رواه الإمام أحمد وأبو داود وصححه الألباني.
وإذا تبين لك أخي المسلم فضل العمل في عشر ذي الحجة على غيره من الأيام فحري بك أن تخص هذه العشر بمزيد عناية واهتمام، وأن تحرص على مجاهدة نفسك بالطاعة فيها، وأن تكثر من أوجه الخير وأنواع البر، فقد كان هذا هو حال السلف الصالح في مثل هذه المواسم.

ومن هذا الفضل أداء مناسك الحج والعمرة:
وهما أفضل ما يعمل في عشر ذي الحجة، ومن يسّر الله له حج بيته أو أداء العمرة على الوجه المطلوب فجزاؤه الجنة؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم : (العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة). رواه البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه.

كما أن في هذه الأيام من الفضل: مضاعفة الأعمال الصالحة الأخرى التي تكون في باقي أيام السنة:
ومن الأعمال الصالحة في هذه الأيام: الصلاة:
وهي من أجلّ الأعمال وأعظمها وأكثرها فضلاً، ولهذا يجب على المسلم المحافظة عليها في أوقاتها مع الجماعة، وعليه أن يكثر من النوافل في هذه الأيام، فإنها من أفضل القربات، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه: (وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضت عليه وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه). رواه البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه.

ومن هذه الأعمال الصالحة في هذه الأيام: الصيام:
وهو يدخل في جنس الأعمال الصالحة، بل هو من أفضلها، فعن هنيدة بن خالد عن امرأته عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم قالت : (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم تسع ذي الحجة، ويوم عاشوراء، وثلاثة أيام من كل شهر) رواه الإمام أحمد وأبو داود. وقد أضافه الله إلى نفسه لعظم شأنه وعلو قدره، فقال سبحانه في الحديث القدسي: ( كل عمل بن آدم له إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به). رواه الشيخان عن أبي هريرة رضي الله عنه.

وما جاء من حديث أبي سعيد رضي الله عنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (من صام يوما في سبيل الله باعَد الله وجهه عن النار سبعين خريفا). متفق عليه.
ومن أفضل الصيام فيها صيام يوم عرفة لغير الحاج؛ فقد خص النبي صلى الله عليه وسلم صيام يوم عرفة لغير الحاج من بين أيام عشر ذي الحجة بمزيد عناية , كما جاء في حديث أبي قتادة السابق الذكر. وكان أكثر السلف يصومون العشر، منهم: عبد الله بن عمر، والحسن البصري، وابن سيرين ، وقتادة ، ولهذا استحب صومها كثير من العلماء، قال الإمام النووي عن صوم أيام العشر أنه مستحب استحبابًا شديدا.

ومن الأعمال الصالحة فيها: الذكر بصفة عامة والتهليل والتكبير والتحميد بصفة خاصة:
وقد جاء في ذلك حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( ما من أيام أعظم عند الله ولا أحب إليه من العمل فيهن من هذه الأيام العشر فاكثروا فيهن من التهليل والتكبير والتحميد). رواه الإمام أحمد والطبراني.

وقد جاء في عظم الذكر ما رواه أبو الدرداء رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( ألا أنبئكم بخير أعمالكم وأزكاها عند مليككم وأرفعها في درجاتكم وخير لكم من إنفاق الذهب والورق وخير لكم من أن تلقوا عدوكم فتضربوا أعناقهم ويضربوا أعناقكم قالوا بلى قال ذكر الله تعالى فقال معاذ بن جبل رضي الله عنه ما من شيء أنجى من عذاب الله من ذكر الله). رواه أحمد والترميذي وصححه الألباني.
وفي الترمذي ما رواه عبد الله بن بسررضي الله عنه أن رجلاً قال يا رسول الله إن شرائع الإسلام قد كثرت علي وأنا قد كبرت فأخبرني بشيء أتشبث به قال: (لا يزال لسانك رطبا بذكر الله تعالى).

ومن الأعمال الصالحة فيها: الصدقة:
وهي من جملة الأعمال الصالحة التي يستحب للمسلم الإكثار منها في هذه الأيام، وقد حث الله عليها فقال : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَنفِقُواْ مِمَّا رَزَقْنَاكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ لاَّ بَيْعٌ فِيهِ وَلاَ خُلَّةٌ وَلاَ شَفَاعَةٌ وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ). وفي الحديث ما جاء عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( ما نقص مال من صدقة ). رواه مسلم .

ومن الأعمال الصالحة فيها: الأضحية:
فهي من الأعمال المشروعة في هذه العشر، والأضحية مشروعة بإجماع المسلمين كما ذكره جماعة من أهل العلم، لم يخالف في مشروعية الأضحية أحد، بل إن من أهل العلم من ذهب إلى أن الأضحية واجبة على الموسر. يقول الله عز وجل: (ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ). فشعائر الله تشمل الأضحية، وتعظيمها أي: استسمانها واختيار أفضلها وأغلاها وأنفسها، وذبحها قربة إلى الله عز وجل.

FacebookTwitterPinterestGoogle +Stumbleupon