انتقام… أو نصر…
بقلم/ ربيع عبد الرؤوف الزواوي

تدبر بقلب حاضر قول الله جل وعلا في الآية (47) من سورة الروم:
(ولقد أرسلنا من قبلك رسلا إلى قومهم فجاءوهم بالبينات فانتقمنا من الذين أجرموا وكان حقا علينا نصر المؤمنين).
تفيد الآية الكريمة بثلاثة أصول كبار، أو قل عنها؛ سننا ربانية:
– أولاها: إرسال الله جل وعلا الرسل والأنبياء إلى الناس بالبينات الواضحات.
– ثانيها: انتقام الله جل وعلا من المجرمين المكذبين.
– ثالثها: نصر الله للمؤمنين.


أما الأولى؛ فمن تمام عدل الله وفضله على خلقه أن لا يتركهم هملا بلا بيان ولا إرشاد، فاقتضت حكمته أن يرسل اليهم الأنبياء والرسل من جنسهم يبينون لهم مراده منهم عن طريق وحيه إليهم بما يريد جل وعلا.
لكن الناس – يا حسرة عليهم – منهم من يكذب أولئك الأنبياء والرسل، فيعاندون ويجرمون في حق الله جل وعلا وحق رسله، ويفسدون في الأرض، ويؤذون المؤمنين، ويردون هداية الله لهم؛ ظنا منهم أنها تحيل بينهم وبين متاع الدنيا، وتحرمهم من شهوات أنفسهم وما تزينه لهم شياطينهم من حب للرياسة والسؤدد وغير ذلك من أسباب الصد والجحود.
ومنهم من يوفقه الله فيؤمن بالله ورسله وانبيائه ويتبع الحق والنور والهدى، وأولئك – لعمري- هم أذكياء الناس وعقلاؤهم في كل زمان وكل مكان.
نسأل الله جل وعلا أن نكون منهم.

وأما ثانيها؛ فهي سنة الله مع أولئك المجرمين المكذبين، وهي انتقامه منهم!…
ولك أن تتخيل ما يكون حال من ينتقم الله منه، ومن يطيق انتقام الله جل وعلا؟
إن انتقام الله هذا… والذي يستبطئه بعضنا قد ورد في الآية الكريمة التي معنا بلفظ: (فانتقمنا) من الذين أجرموا…
والفاء تفيد السرعة والتعجيل بالانتقام، غير أن الإنسان عجول بفطرته… يستبطئ وعد الله وموعوده.
فلا تحسبن – رعاك الله – انتقام الله بعيدا أو أنه يطول انتظاره…
ستراه بأم عينيك واقعا محققا قريبا…
ولحكمة ما قدم الله تعالى ذكر الانتقام من المجرمين على نصر المؤمنين في الآية الكريمة…

وأما الثالثة: فنصر الله للمؤمنين؛ إي والله نصر الله للمؤمنين…
أقول ذلك لأني أسمع بأذني – هذه الأيام – من بعض المؤمنين نبرات اليأس، وزفرات انقطاع الأمل، وملامح البؤس، وعبارات القنوط من نصر الله.
ألا إن نصر الله قريب… قريب جدا… لكن له شروط… وها هي تتحقق أمام ناظريك…
– فتمايز الصفوف شرط في هذا النصر…
– وبذل الجهد والصبر من المؤمنين شرط…
– وابتلاء الله للمؤمنين بالضراء وتجرعهم الألم شرط…
– وظهور الباطل وانتفاشه من المجرمين شرط…
– وفرح أهل الباطل بإجرامهم وعدم اكتراثهم له شرط…
– إقامة الحجج والبراهين على كل مجرم شرط…
– انتفاء الأسباب بعد بذل الممكن منها من المؤمنين شرط…
– دعاء المؤمنين ربهم بالنصر وإلحاحهم عليه به شرط…

إلى غير ذلك من شروط النصر المستقراة من سنن الله والوارد تلميح القرآن الكريم وتصريحه عنها في ثنايا آياته البينات…

وكذا الواردة في طيات سير الأنبياء والرسل مع أقوامهم… لاسيما سيرة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم… وما وقع منها في تاريخ الاسلام في القديم والحديث…

فيا رب نسألك نصرك الذي وعدت المؤمنين…

FacebookTwitterPinterestGoogle +Stumbleupon