تحفة الأنام في فقه الصيام

تأليف: ربيع عبد الرؤوف الزواوي

الناشر: المؤلف

سنة النشر: 2011

رقم الإيداع: 25265 / 2011

* معنى الصوم:
الصوم معناه في اللغة العربية: الإمساكُ عن الشيء، فَمَن أمسك عن الكلام فقد صام عن الكلام، ومَن أمسك عن الطعام، فقد صام عن الطعام، ولذلك قال الله تعالى: ﴿فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا﴾ [مريم: 26]، أي: نذرت إمساكًا عن الكلام، فلن أكلم اليوم إنسيًّا.

وأما معناه في الشريعة الإسلامية: فهو التعبُّد لله تعالى بالإمساك عن المفطرات من طلوع الفجر إلى غروب الشمس.


* فضل الصيام:
عَن أَبِي أُمَامَةَ رضي الله عنه قَالَ: أَتَيْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَقُلْتُ: مُرْنِي بِعَمَلٍ يُدْخِلُنِي الْجَنَّةَ. قَالَ: «عَلَيْكَ بِالصَّوْمِ؛ فَإِنَّهُ لَا عِدْلَ لَهُ». ثُمَّ أَتَيْتُهُ الثَّانِيَةَ، فَقَالَ لِي: «عَلَيْكَ بِالصِّيَامِ»(رواه أحمد في «مسنده» ).

وعَن أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «قَالَ اللهُ تعالى: كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ لَهُ إِلَّا الصِّيَامَ، فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ، وَالصِّيَامُ جُنَّةٌ( أي: وقاية وعلاج)، فَإِذَا كَانَ يَوْمُ صَوْمِ أَحَدِكُمْ، فَلَا يَرْفُثْ( الرفث: الفحش في القول) يَوْمَئِذٍ وَلَا يَسْخَبْ(أي: يصيح )، فَإِنْ سَابَّهُ أَحَدٌ أَوْ قَاتَلَهُ، فَلْيَقُلْ: إِنِّي امْرُؤٌ صَائِمٌ.

وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، لَخُلُوفُ(الخلوف: تغير رائحة الفم بسبب الصيام) فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللهِ، يَوْمَ الْقِيَامَةِ، مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ.

وَلِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ يَفْرَحُهُمَا: إِذَا أَفْطَرَ فَرِحَ بِفِطْرِهِ، وَإِذَا لَقِيَ رَبَّهُ فَرِحَ بِصَوْمِهِ»( رواه مسلم).

وعن عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- عَن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أنه قَالَ: «الصِّيَامُ وَالْقُرْآنُ يَشْفَعَانِ لِلْعَبْدِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، يَقُولُ الصِّيَامُ: أَيْ رَبِّ، إِني مَنَعْتُهُ الطَّعَامَ وَالشَّهَوَاتِ بِالنَّهَارِ؛ فَشَفِّعْنِي فِيهِ، وَيَقُولُ الْقُرْآنُ: رَب مَنَعْتُهُ النَّوْمَ بِاللَّيْلِ؛ فَشَفِّعْنِي فِيهِ، قَالَ: فَيُشَفَّعَانِ»( رواه البيهقي في «شعب الإيمان»، وقال الألباني: «صحيح»).

وعَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ فِي الْجَنَّةِ بَابًا يُقَالُ لَهُ: الرَّيَّانُ، يَدْخُلُ مِنْهُ الصَّائِمُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، لَا يَدْخُلُ مَعَهُمْ أَحَدٌ غَيْرُهُمْ، يُقَالُ: أَيْنَ الصَّائِمُونَ؟ فَيَدْخُلُونَ مِنْهُ، فَإِذَا دَخَلَ آخِرُهُمْ، أُغْلِقَ فَلَمْ يَدْخُلْ مِنْهُ أَحَدٌ»(متفق عليه ).

وعَن أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «مَا مِنْ عَبْدٍ يَصُومُ يَوْمًا فِي سَبِيلِ اللهِ، إِلا بَاعَدَ اللهُ، بِذَلِكَ الْيَوْمِ وَجْهَهُ عَنِ النَّارِ سَبْعِينَ خَرِيفًا»( رواه مسلم).
* أقسام الصيام:
ينقسم الصيام إلى قسمين:
الأول: الصوم المفروض: وهو ثلاثة أنواع:
1- صوم شهر رمضان.
2- صوم الكفارات.
3- صوم النذور.

الثاني: الصوم غير المفروض، وهو نوعان:
1- صوم أيام معينة: كصوم يوم الإثنين والخميس، وعرفة، وعاشوراء.
2- صوم مطلق: كصيام ثلاثة أيام من كل شهر، وصوم أي يوم من أيام السنة، ما عدا صوم الجمعة منفردًا.
القسم الأول: الصوم المفروض
أولاً: صيام شهر رمضان
صيام شهر رمضان فرض فرضه الله على المسلمين بنص القرآن الكريم والسُّنة النبوية وإجماع المسلمين.

فأما القرآن:
فقول الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ * أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُون﴾ [البقرة: 183-185].

وأما السنة:
فقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم: «بُنِيَ الإِسْلاَمُ عَلَى خَمْسٍ: شَهَادَةِ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ، وَإِقَامِ الصَّلاَةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَالحَجِّ، وَصَوْمِ رَمَضَانَ» رواه البخاري ومسلم.
وقال صلى الله عليه وسلم في هلال شهر رمضان: «إِذَا رَأَيْتُمُوهُ فَصُومُوا» رواه البخاري ومسلم.

وأما الإجماع:
فقد أجمع المسلمون والأمة كلها على أن صيام شهر رمضان فرض، وأنه أحد أركان الإسلام، وأن منكر ذلك كافر مرتد.

وقد فرض الله على المسلمين صيام شهر رمضان يوم الإثنين الثاني من شعبان سنة 2هـ.

* فضل صيام شهر رمضان
مكانة صيام شهر رمضان مكانة عظيمة في الإسلام؛ إذ إنه أحد أركانه التي لا يقوم إلا عليها ولا يتم إلا بها، وفوق كل ذلك فضله عظيم جدًّا.

عَن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ: دَخَلَ رَمَضَانُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم «إِنَّ هَذَا الشَّهْرَ قَدْ حَضَرَكُمْ، وَفِيهِ لَيْلَةٌ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ، مَنْ حُرِمَهَا فَقَدْ حُرِمَ الْخَيْرَ كُلَّهُ، وَلَا يُحْرَمُ خَيْرَهَا إِلَّا مَحْرُومٌ» رواه ابن ماجة، وقال الألباني: «حسن صحيح».

وعَن أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَقُولُ: «الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ، وَالْجُمُعَةُ إِلَى الْجُمُعَةِ، وَرَمَضَانُ إِلَى رَمَضَانَ مُكَفِّرَاتٌ مَا بَيْنَهُنَّ إِذَا اجْتُنِبَتْ الْكَبَائِر» رواه مسلم.

وعَن أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ قَامَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ» رواه البخاري ومسلم.

وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يحدث عن فضل شهر رمضان، فيقول: «تُغَلَّقُ فِيهِ أَبْوَابُ النَّارِ، وَتُفَتَّحُ فِيهِ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ، وَتُصَفَّدُ فِيهِ الشَّيَاطِينُ، وَيُنَادِي فِيهِ مَلَكٌ: يَا بَاغِيَ الْخَيْرِ أَبْشِرْ، يَا بَاغِيَ الشَّرِّ أَقْصِرْ، حَتَّى يَنْقَضِيَ رَمَضَانُ» رواه أحمد في «مسنده».
* خطورة الفطر في رمضان بلا عذر:
عَنِ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ أَفْطَرَ يَوْمًا فِي رَمَضَانَ مِنْ غَيْرِ مَرَضٍ، وَلَا رُخْصَةٍ، لَمْ يَقْضِ عَنْهُ صِيَامُ الدَّهْرِ كُلِّهِ، وَإِنْ صَامَهُ» رواه أحمد في «مسنده».
وقال صلى الله عليه وسلم : «مَنْ أَفْطَرَ يَوْمًا مِنْ رَمَضَانَ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ وَلاَ مَرَضٍ، لَمْ يَقْضِهِ صِيَامُ الدَّهْرِ وَإِنْ صَامَهُ» رواه البخاري تعليقًا.

قال الإمام الذهبي – رحمه الله: «وعند المؤمنين مقرر أن مَن ترك صوم رمضان بلا مرض أنه أشر من الزاني ومدمن الخمر، بل يشكون في إسلامه ويظنون به الزندقة والانحلال».

* بم يثبت دخول شهر رمضان؟
يثبت دخول شهر رمضان إما برؤية هلاله، وإما بإكمال عدة شعبان ثلاثين يومًا؛ لقول الرسول صلى الله عليه وسلم : «صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ؛ فَإِنْ غُبِّيَ عَلَيْكُمْ فَأَكْمِلُوا عِدَّةَ شَعْبَانَ ثَلاَثِينَ» رواه مسلم.

ورؤية الهلال تثبت ولو برؤية رجل واحد بشرط أن يكون عادلاً. قال عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما: «تَرَاءَى النَّاسُ الْهِلَالَ، فَأَخْبَرْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَنِّي رَأَيْتُهُ فَصَامَهُ، وَأَمَرَ النَّاسَ بِصِيَامِهِ» رواه أبو داود، وقال الألباني: «صحيح».
ولكن هلال شوال -والذي فيه يفطر المسلمون من رمضان ويدخل عيد الفطر به- لا بدَّ من رؤية اثنين ذوي عدل الهلال أو إكمال عدة رمضان ثلاثين يومًا.
* أركان الصيام
للصيام ركنان مهمان فقط:
الأول: نية التعبد لله تعالى بالصيام.
الثاني: الإمساك عن المفطرات من طلوع الفجر إلى غروب الشمس.
قال الله تعالى: ﴿وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ﴾ [البينة:5].
وقال رسول الله ^: «إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَلِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى»( ).
وقال تعالى: ﴿وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ﴾ [البقرة:187].

والمراد بالخيط الأبيض بياض النهار والخيط السود سواد الليل، إذن فالصيام إمساك عن المفطرات بنية التقرُّب إلى الله ، فمن أمسك عن المفطرات بغير نية التقرُّب إلى الله فلا يعد صائمًا، ولا بدَّ أن تكون هذه النية قبل طلوع الفجر من كل ليلة، أي يبيِّت المسلم نية صيامه من الليل، ولو قبل طلوع الفجر بلحظة.

قَالَ رسول الله : «مَنْ لَمْ يُجْمِعْ الصِّيَامَ قَبْلَ الْفَجْرِ؛ فَلا صِيَامَ لَهُ».
وتصح النية في أي ساعة من الليل، ولا يشترط التلفظ بها؛ لأن النية عزم في القلب، ولا دخل للسان بها.

* على من يجب صيام رمضان؟
صيام رمضان يجب أداؤه على كل:
1- مسلم:
فلا يجب على الكافر، فالصوم كباقي العبادات لا يقبل من الكافر حتى يسلم، وإذا أسلم الكافر فلا يجب عليه قضاء ما فاته من الصيام؛ لأنه لا يجب عليه حال كفره ولا يلزم به، رغم أنه يعاقب على تركه في الآخرة؛ لأنه لا تقبل عبادة مع الكفر، وإذا أسلم الكافر في أثناء رمضان لم يلزم قضاء ما سبق إسلامه، ولو أسلم أثناء النهار يمسك باقي يومه وباقي الشهر، ولا يقضي ما فاته.

2- بالغ:
والبلوغ هو سن التكليف، ويحصل البلوغ كما سبق بواحدة من علامات أربع:
1- أن يبلغ عمر الإنسان خمسة عشر عامًا.
2- أن ينبت الشعر الخشن عند القبل.
3- أن ينزل المني بلذة سواء كان باحتلام أو بيقظة.
4- بالنسبة للمرأة إذا حاضت.
فلا يجب الصوم على الإنسان حتى يبلغ، ولكن يستحب لولي أمر الطفل أن يأمره في حال صغره بالصوم ليعتاده، حتى يتمرن عليه، ويسهل عليه الصوم إذا بلغ، ولذلك كان الصحابة -رضوان الله عليهم- يأمرون أولادهم بالصيام وهم صغار.

3- عاقل:
لأن العقل عليه مدار التكليف، فغير العاقل غير مكلف، وذلك لأن العقل هو الذي يميز به الإنسان، فإن لم يكن الإنسان عاقلاً، فإنه لا صوم عليه، وكذلك لا تجب عليه أية عبادة سوى الزكاة.
وكذلك لو جن الإنسان أو كبر سنه حتى لم يعد يعقل شيئًا يسقط عنه التكليف، وعن النائم حتى يستيقظ، وعن الصبي حتى يحتلم.

4- قادر:
يعني أن يكون الإنسان قادرًا على الصوم، ويصوم بلا مشقة؛ لأن العاجز عن الصوم لا صيام عليه.

وهذا العجز قسمان:
الأول: أن يكون العجز مستمرًا؛ كالكبير الذي تقدم في السن، والمريض مرضًا لا يرجى شفاؤه.
فعلى كل مَن كان هذا حاله أن يطعم بدل كل يوم مسكينًا، فإذا كان الشهر ثلاثين يومًا أطعم ثلاثين مسكينًا، وإذا كان الشهر تسعة وعشرين يومًا أطعم تسعة وعشرين مسكينًا.

كيفية الإطعام:
1- إما أن يخرج حبًّا: من أرز أو قمح، عن كل اليوم مدًّا أو ربع صاع، وصاع القمح يساوي (2040) جرامًا، فكل (2040) جرامًا من القمح يعادل كفارة أربعة أيام، وهو ما يعادل إطعام أربعة مساكين، ويستحب أن يجعل مع القمح أو الأرز شيئًا يؤدمه كالسمن أو الزيت.

2- وإما أن يصنع طعامًا: يكفي لمساكين يعادلون في العدد عدد الأيام التي أفطرها، فإذا أطعم تسعة وعشرين مسكينًا، يصنع الطعام ويدعوهم إليه، كما كان يفعل أنس بن مالك لما تقدم في السن، ولا يصح أن يطعم مسكينًا واحدًا كل الأيام.

الثاني: أن يكون عجزًا يرجى زواله: وهو العجز الطارئ؛ كمرض حدث للإنسان أثناء الصوم، فشق عليه الصيام؛ فهذا يفطر ويقضي عن كل يوم يومًا مكانه؛ لقول الله تعالى: ﴿فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ﴾ [البقرة: 184].

5- مقيم:
لأن المسافر الذي فارق وطنه لا يجب عليه الصوم؛ للآية السابقة، ولكن الأفضل أن يصوم إلا أن يشق عليه الصيام؛ فالأفضل عندئذٍ الفطر، قال أَبو الدَّرْدَاءِ : «خَرَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ فِي يَوْمٍ حَارٍّ حَتَّى يَضَعَ الرَّجُلُ يَدَهُ عَلَى رَأْسِهِ مِنْ شِدَّةِ الحَرِّ، وَمَا فِينَا صَائِمٌ إِلَّا مَا كَانَ مِنَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَابْنِ رَوَاحَةَ».

فإذا شق عليه الصوم في السفر، فله أن يفطر؛ لأن أحد الصحابة شكا الرسول صلى الله عليه وسلم أن الناس قد شق عليهم الصوم في السفر، فأفطر رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم قيل له: إِنَّ بعض النَّاس قد صام، فقال: «أُولَئِكَ الْعُصَاةُ، أُولَئِكَ الْعُصَاةُ!!».

6- خالٍ من الموانع؛ كالحيض والنفاس بالنسبة للمرأة:
لأن المرأة إذا كانت حائضًا أو نفساء لم يلزمها الصوم، وإنما تقضي بدل الأيام أيامًا أخر.
فهذه أوصاف ستة إذا اجتمعت في الإنسان وجب عليه أداء الصوم، ولا يحل له الفطر.
الأعذار المبيحة للفطر في شهر رمضان:
1- المرض.
2- السفر.
وقد تقدم الكلام عليهما، وذلك لقول الله تعالى: ﴿فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ﴾ [البقرة: 184].
3- نزول دم الحيض للمرأة.
4- إذا خشيت المرأة على جنينها أو رضيعها إن صامت.
5- أن يحتاج الإنسان للفطر لإنقاذ نفس من الهلاك أو إطفاء حريق أو غيره.
6- أن يحتاج الإنسان إلى الفطر للتقوية على الجهاد في سبيل الله.

تنبيه:
لو رجع المسافر أثناء النهار من رمضان، وكان مفطرًا أو شفي المريض أثناء النهار، وكان مفطرًا أو أفطر الإنسان لينقذ غريقًا أو ليطفئ حريقًا؛ فله أن يأكل ويشرب ويجامع زوجته -إنْ كانت لها رخصة- باقي يومه؛ لأنه لا يلزمه الصوم لفطره بعذر مبيح للفطر.

* الأشياء التي تبطل الصوم وتفسده
1- الجماع.
2- الأكل.
3- الشرب.
والدليل على هذه الثلاثة قول الله تعالى: ﴿فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ﴾ [البقرة: 187].

4- إنزال المني بشهوة؛ لأنه بمعنى الجماع، والشهوة تتصادم مع حكمة الصيام.
5- ما كان بمعنى الأكل والشرب: كالإبرة المغذية التي يستغنى بها عن الأكل والشرب، فهذه الإبرة وإن كانت ليست أكلاً ولا شربًا، لكنها بمعناهما.
وأما الإبر التي لا تغذي، ولا تقوم مقام الأكل والشرب، فهي لا تفطر سواء أخذها الإنسان في الوريد أو في العضلات، أو في أي مكان من جسمه.
6- القيء عمدًا: وهو أن يتقيأ الإنسان ما في بطنه حتى يخرج من فمه، لكن لو غلبه القيء، فصومه صحيح؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «مَنْ ذَرَعَهُ الْقَيْءُ فَلَيْسَ عَلَيْهِ قَضَاءٌ، وَمَنْ اسْتَقَاءَ عَمْدًا فَلْيَقْضِ».

7- الحجامة: وهي إخراج الدم من الرأس بالتشريط، والدليل على ذلك قول الرسول صلى الله عليه وسلم: أَفْطَرَ الحَاجِمُ وَالمَحْجُومُ.

والحكمة في إفساد الصوم من القيء عمدًا والحجامة أنهما يضعفان قوة الإنسان ويضران بالإنسان نفسه أثناء الصوم، وللضعف البدني الذي يعتريه عقب كل منهما، ولذلك استحب العلماء عدم التبرُّع بالدم أثناء الصيام لهذه العلة إلا لضرورة؛ كإنقاذ مصاب فلا بأس به حتى لو أدَّى إلى أن الإنسان يفطر لأجل إنقاذ المريض.

8- خروج دم الحيض والنفاس من المرأة: لقول النبي صلى الله عليه وسلم لما سئل عن سبب نقصان دين المرأة قال: «أَلَيْسَ إِذَا حَاضَتْ لَمْ تُصَلِّ وَلَمْ تَصُمْ».

وأجمع العلماء على أن الحائض والنفساء لا صوم عليهما، ويجب عليهما الفطر، ولو صامت الحائض أو النفساء فلا يصح منهما، وعَنْ مُعَاذَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْها- قَالَتْ: «سَأَلْتُ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْها- فَقُلْتُ: مَا بَالُ الْحَائِضِ تَقْضِي الصَّوْمَ، وَلَا تَقْضِي الصَّلَاةَ؟ فَقَالَتْ: أَحَرُورِيَّةٌ أَنْتِ؟ قُلْتُ: لَسْتُ بِحَرُورِيَّةٍ، وَلَكِنِّي أَسْأَلُ. قَالَتْ: «كَانَ يُصِيبُنَا ذَلِكَ، فَنُؤْمَرُ بِقَضَاءِ الصَّوْمِ، وَلَا نُؤْمَرُ بِقَضَاءِ الصَّلَاةِ».

* تنبيه حول مفسدات الصوم:
الصائم لا يفسد صيامه بهذه المفسدات إلا بشروط ثلاثة:
1- أن يكون عالمًا بالحكم الشرعي.
2- أن يكون ذاكرًا لا ناسيًا.
3- أن يكون قاصدًا مختارًا لا مكرهًا.

أما الشرط الأول: فإن كان جاهلاً بالحكم الشرعي يظن أنه لا يفسد صومه بذلك، فلا يفسد صومه وصومه صحيح؛ لقول الله تعالى: ﴿رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا﴾ [البقرة: 286]، قَالَ الله -كما جاء في التفسير: «قَدْ فَعَلْتُ»، وقال سبحانه: ﴿وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللهُ غَفُورًا رَحِيمًا﴾ [الأحزاب: 5].
ولأن عدي بن حاتم صام، فجعل تحت وسادته عقالين عقالاً أبيض وعقالاً أسود، وجعل يأكل ويشرب حتى تبين له الأبيض من السود، فأمسك، فلما أصبح غدا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخبره بذلك، فبيَّن له الرسول أنه ليس المراد بالخيط الأبيض وبالخيط الأسود الليل، فلم يأمره الرسول صلى الله عليه وسلم بالإعادة وقضاء صوم ذلك اليوم؛ لأنه كان جاهلاً بالحكم.

وقد يكون الجهل في الوقت بحيث يظن انتهاء اليوم أو بقاء الليل فيأكل ويشرب؛ فلا شيء عليه؛ لقول أسماء بنت أبي بكر -رَضِيَ اللهُ عَنْهُما- قالت: «أَفْطَرْنَا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي يَوْمِ غَيْمٍ، ثُمَّ طَلَعَتِ الشَّمْسُ»، فلم يأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم بالإعادة أو القضاء.

وأما الشرط الثاني: وهو أن يكون ذاكرًا، فلو أكل الإنسان أو شرب ناسيًا، فإن صومه صحيح، ولا قضاء عليه؛ لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (مَنْ نَسِيَ وَهُوَ صَائِمٌ، فَأَكَلَ أَوْ شَرِبَ، فَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ، فَإِنَّمَا أَطْعَمَهُ اللهُ وَسَقَاهُ).

وأما الشرط الثالث: وهو أن يكون الإنسان قاصدًا مختارًا لفعل هذا لفطر، فإن كان مكرهًا، فإن صومه صحيح؛ لقول الله تعالى: ﴿مَنْ كَفَرَ بِاللهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾ [النحل: 106].
ولقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ اللهَ وَضَعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأَ، وَالنِّسْيَانَ، وَمَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ».

فإذا طار شيء فدخل فمه أو منخريه حتى لو وجد الإنسان طعمه في حلقه، ونزل إلى معدته؛ فلا شيء عليه وصومه صحيح، وكذلك لو احتلم النائم وهو صائم؛ فصومه صحيح.
الذين يرخص لهم في الفطر في رمضان وتجب عليهم الفدية فقط:
1- الشيخ الكبير والمرأة العجوز.
2- المريض مرضًا لا يرجى برؤه.
3- أصحاب الأعمال الشاقة الذين لا يجدون متسعًا للرزق غير هذه الأعمال.
والفدية في حق هؤلاء إطعام مسكين عن كل يوم.
الذين يرخص لهم الفطر وعليهم القضاء فقط:
1- المسافر.
2- المريض مرضًا يرجى برؤه.
3- المجاهد في سبيل الله.
الذين يجب عليهم الفطر في رمضان وعليهم القضاء فقط:
1- الحائض.
2- النفساء.

* الذين يجب عليهم القضاء والكفارة:
1- مَن جامع زوجته في نهار رمضان وهو صائم بلا عذر يبيح له الفطر.
والكفارة هي: عتق رقبة، فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين، فإن لم يستطع فإطعام ستين مسكينًا.
عَن أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: هَلَكْتُ، يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ: «وَمَا أَهْلَكَكَ؟» قَالَ: وَقَعْتُ عَلَى امْرَأَتِي فِي رَمَضَانَ، قَالَ: «هَلْ تَجِدُ مَا تُعْتِقُ رَقَبَةً؟» قَالَ: لَا، قَالَ: «فَهَلْ تَسْتَطِيعُ أَنْ تَصُومَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ؟» قَالَ: لَا، قَالَ: «فَهَلْ تَجِدُ مَا تُطْعِمُ سِتِّينَ مِسْكِينًا؟» قَالَ: لَا، قَالَ: ثُمَّ جَلَسَ، فَأُتِيَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِعَرَقٍ فِيهِ تَمْرٌ، فَقَالَ: «تَصَدَّقْ بِهَذَا» قَالَ: أَفْقَرَ مِنَّا؟! فَمَا بَيْنَ لَابَتَيْهَا أَهْلُ بَيْتٍ أَحْوَجُ إِلَيْهِ مِنَّا، فَضَحِكَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم حَتَّى بَدَتْ أَنْيَابُهُ، ثُمَّ قَالَ: (اذْهَبْ فَأَطْعِمْهُ أَهْلَكَ).

FacebookTwitterPinterestGoogle +Stumbleupon