حُـمْـرة ُ الخَـجَـل
بقلم: ربيع عبد الرؤوف الزواوي

الذي أعرفه عن الإنسان – أي إنسان – من خلال مطالعاتي الكثيرة في علم النفس، ومن خلال ما تعلمته من المتخصصين، ومن مصادر شتى طفحت به وسائل المعرفة المختلفة في القديم والحديث، عن طبائع البشر، أن الإنسان إذا ارتكب خطأ أو اقترف ذنبا، أو فعل أمر شائنا، فإنه يستحي أن ينظر إليه الناس، أو يخجل من مواجهتهم، ويحمر وجهه خجلا إذا علم أنهم اضطلعوا على ما فعل، أو على ما اقترف.

حفلت آيات القرآن الكريم تصف بعض الوجوه وما يصيبها في الآخرة من الخزي في مواقف كثيرة منها على سبيل المثال قول الله تعالى: (ووجوه يومئذ باسرة) و (وترهقهم ذلة) و (كأنما أُغشيت وجوههم قطعا من الليل مظلما) و (وجوه يومئذ خاشعة) و (يوم تبيض وجوه وتسود وجوه) إلى غير ذلك من الآيات التي تبين تفاعل الوجوه مع المواقف المحرجة والمخزية.

وقد يزداد هذا الخجل لدى بعض الناس حتى يصير مرضا نفسيا يقيد الإنسان عن مواصلة حياته الطبيعية، ويعرف هذا المرض بمرض الرهاب الاجتماعي، أو حمرة الوجه المفرطة.

يقول د. حسام أحمد فؤاد: احمرار الوجه في المواقف المحرجة والمصحوبة بإحساس أو بسخونة في الوجه وزيادة في ضربات القلب وأحيانا مع عرق بالوجه؛ هو مرض جراحي ناتج عن زيادة نشاط العقدة الثانية من العصب السمبثاوي.

هى حالة شائعة من حالات نشاط العصب السمبثاوي أو تكون في صورة سخونة شديدة في الوجه وأحيانا تشمل الأذن مع احمرار شديد في حالة تعرض المصاب الى موقف محرج أو الخوف من التعرض إلى موقف محرج أو حتى التفكير في هذا أو التفكير في موقف محرج.

وقد تبدأ في أي سن ولكنها غالبا ما تبدأ مع البلوغ ولا تختفى مع الوقت وقد أجرينا العملية لمرضى من سن 15 عام الى الخمسين لما تسببه من آلام نفسية وإعاقة اجتماعية هائلة للمصاب وتكون مصحوبة أحيانا بعرق شديد في الوجه ولكن في معظم الأحيان تكون هناك زيادة شديدة في ضربات القلب تهز المريض.

ولكن حمرة الخجل المعتدلة شيء يساعد على التوازن والمنطقية في حياة البشر؛ يقول عبد الله باجبير: حمرة الخجل التي تظهر على الوجه وتصبغه بلون وردي، التي كثيرا ما تغنى بها الشعراء الرومانسيون في قصائدهم على اعتبار أن حمرة الحياء والخجل هذه التي يعتبرها البعض علامة تشير الى جاذبية المرأة لا تقابل بالترحاب دائما من بعض الفتيات والشبان الذين يحاولون اخفاءها بحجة ان ظهور اللون الوردي على الوجه في بعض المواقف يعوقهم عن التواصل في الحياة الاجتماعية وعن احراز النجاح والتقدم في الحياة العملية.

يقول أحد الباحثين في هذا المجال أن هناك سببين وراء احمرار الوجه لدى البعض من دون البعض الآخر، الأول نفسي بمعنى ان تورد وجنات الوجه يظهر لدى الاشخاص ذوي الادراك قد ينتج عن علاقات غير سوية في حياتهم او عن مشاكل عانوا منها في مرحلة الطفولة.

والسبب الثاني عضوي بمعنى ان هناك أناسا قد خلقوا ببشرة أكثر رقة من الآخرين، لذلك عندما يشعرون بالحرج يظهر هذا الشعور سريعا على وجوههم.
في الحقيقة إن ظاهرة احمرار الوجه تساعد على التوازن الصحيح لدرجة حرارة أجسادنا، ففي كل مرة نجري فيها لنلحق بحافلة او نجري على درجات السلم تتمدد الأوعية الدموية وتتسع مما ينتج عنه احمرار الوجه، وبذلك يفقد الجسم شيئا من الحرارة ونفس هذه الاشياء تحدث عند إحساس الانسان بالارتباك او الخوف أو العصبية أو الخجل.

ومن المستحسن أن يفكر المرء في ظاهرة احمرار وجهه بصورة أكثر ايجابية، فاذا حدث ذلك فسوف يتبين له أن هذه الصفة محببة جدا لدى الآخرين لأنها تشير الى شخص شديد الحساسية ويتمتع بقدر من الحياء والخجل الجميل الذي يؤكد على أن إنسانيته حاضرة في كل الأوقات.

لكننا لا بد أن نلاحظ أن حمرة الخجل أصبحت من علامات الماضي الجميل.. فأين هي حمرة الخجل في وجوه حكام أميركا وإسرائيل؟! وانجلترا أيضا.

وهذه الحمرة تختلف من إنسان لآخر ومن جنس لآخر؛ يقول بعض الباحثين المهتمين بهذا الشأن: الرجال أكثر عرضة لاحمرار الوجه من النساء و الشقر من الجنسين أسرع من ذوي البشرة القمحية.من النادر أن تحمّر وجوه قصار القامة. أما أصحاب الأجسام البدينة فمعرّضون للاحمرار أكثر من سواهم و الأطفال دون الرابعة و المتقدمون في العمر لا يعرفون هذه الظاهرة، و لوحظ أن الرجال يندفع الدم غزيراً إلى وجوههم عندما يحاول أحد التهكم عليهم، و أن 67% تتورد وجناتهم عند التحدي، و57% عندما يرتكبون أخطاء، أما الغضب فإنه يكسب 60% من النساء ذلك اللون الوردي، في حين تسبب السخرية 52% من حالات احمرار الوجه.

أثبتت التجارب أن الخجل يجعل البعض يتهته والبعض يعجز مؤخراً عن الكلام وكثيرون يتصبب العرق من أجسادهم، و قد وجد أن من الناس من تبدأ الحمرة في إحدى وجنتيه ثم تنتقل إلى الوجنة الأخرى!

لكن… ما نراه من مشاهد وأحداث يومية لا سيما بعض الأحداث في الفترة الأخيرة جعلتني أقول في نفسي وأردد في نفسي بصوت غير مسموع: أين ذهبت حمرة الخجل؟ هل نقول: وداعا حمرة الخجل؟ وهل لم يعد الأمر – كما كنا نتصور – مقتصرا على حكام أمريكا وإسرائيل وإنجلترا فحسب؟!!

كما أجد نفسي أردد هذه الأيام أبيات امرئ القيس في معلقته الرائعة قفا نبك:

ولَيْلٍ كَمَوْجِ البَحْرِ أَرْخَى سُدُوْلَــهُ عَِلَيَّ بِأَنْـوَاعِ الهُـمُوْمِ لِيَبْتَلِــي

فَقُلْـتُ لَهُ لَمَّا تَمَطَّـى بصُلْبِــهِ وأَرْدَفَ أَعْجَـازاً وَنَاءَ بِكَلْكَــلِ

ألاَ أَيُّهَا اللَّيْلُ الطَّوِيْلُ ألاَ انْجَلِــي بِصُبْحٍ وَمَا الإصْبَاحُ منِكَ بِأَمْثَــلِ

فَيَــا لَكَ مَنْ لَيْلٍ كَأنَّ نُجُومَـهُ بِـأَمْرَاسِ كَتَّانٍ إِلَى صُمِّ جَنْــدَلِ

FacebookTwitterPinterestGoogle +Stumbleupon