نص الاستشارة:

السلام عليكم. لا أدري من أين أبدأ همومي هذه … والخلاصة أني في عذاب مع زوجي؛ فهو سيء الخلق فوق ما تتصورون، وبخيل جدا جدا. لا أدري ماذا أفعل وكيف أتصرف؟ أختكم المعذبة/ س س س.

نص الجواب:

الأخت الفاضلة: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، وأسأل الله لك تفريج الهم وإزاحة الكرب؛ إنه أعظم مأمول وأكرم مسئول…

وبادئ ذو بدء لو تصور المرء أنه سيعيش في هذه الحياه بدوم هموم ومشكلات لكان مخطئا ولا يختلف في ذلك اثنان، إذ لا بد من المكابدة، فالذي خلقنا في هذه الدنيا يقول في كتابه الكريم: (لقد خلقنا الإنسان في كبد) أي مشقة وتعب، ومنها ولا شك المشكلات والهموم، وفي نظري أنها أشد من مشكلات الفقر والعوز، فكم من فقير معوز سعيد في نفسه، وسعيد مع زوجه، وكم من ميسر لديه أرصدة لا يعرف كم هي تعيس في نفسه تعيس مع زوجه. فسبحان الله الخالق المتصرف بحكمة في عباده وخلقه.

ولن أكون مغمضا عيني عن واقع أليم ينجرف معه الرجل المتزوج إلى الماديات ويبتعد عن المعنويات، وسيل جرار من الفتن والمغريات تجذبه إليها وتنسيه الحلال المباح الطيب الذي متعه الله به وأحله له، ويزين له الشيطان الحرام الخبيث، الذي حرّمه عليه، وزجره عنه.

كما لن أنسى واقعا ماديا يجعله يفكر بريبة في مستقبله، غير مطمئن إلى شيء، وغير آوٍ إلى ركن ركين، لاسيما مع ضعف الوازع الديني، والرصيد الإيماني الذي يأخذ بأيدينا في مثل هذا الواقع إلى بر الأمان.

فقد يكون محبا لك وأولادك حبا شديد، يدفعه للتقتير عليكم الآن ليؤمن لكم المستقبل، وهذا خطأ ووهم ولا شك، وعندما يزداد هذا الوهم وهذا الخوف فلربما يدفعان إلى ما لا يتصوره عاقل، وما قصة هذا المهندس الذي قتل أولاده وزوجته – وهو يحبهم جدا بحجة خوفه عليهم من العوز والمستقبل الذي يحسبه بالقلم والورقة – عنا ببعيد.

وقد يكون ذلك دافعا لسوء الخلق أحيانا نتيجة الضغط النفسي الخفي الذي يزداد يوما فيوم حتى ينقلب إلى اكتئاب أو خبل عقلي أو مرض نفسي يصعب أو يستحيل علاجه والعياذ بالله.

وأما إن استبان لك أنه بخيل عليكم خاصة، وهو مسرف في أمور أخرى أو مع أناس آخرين، أو كان بخيلا بخلا لا يلتمس معه عذر وعُرف من طبعه وصار لازمة له، مع كونه ميسور الحال، وتبين لك بيانا لا لبس فيه، وكان سوء الخلق طبعا معلوما معروفا ملازما له، ويعرفه القاصي والداني، واستحالت حياتكم إلى جحيم تأكدت أنك لن تفي له بالحقوق التي له، والواجبات التي عليك تجاهه فأنصح بالفراق، فـ (إن يتفرقا يغني الله كلا من سعته) ولربما سَعِد مع غيرك وسعدتِ مع غيره، فليس الطلاق مكروها على كل وجه وبكل صورة، فكما يكون مكروها أو محرما؛ أحيانا يكون مستحبا بل واجبا.

ولا تنسي سلوك النصح والتنبيه والزجر الخفيف بأنك لم تعودي تطيقي هذا الوضع معه لا سيما إذا كنتِ تحبينه وتتمنين انصلاح حاله وترغبين في البقاء معه.

وأما أن كنت تكرهينه كرها شديدا ولا أمل في الانصلاح مع بذل النصح والتنبيه فعلاما تعذبين نفسك، وتزيدين من الإثم لكليكما وأرض الله واسعة.

والله الهادي إلى سواء السبيل

أسأل الله لك التوفيق.

ربيع عبد الرؤوف الزواوي

FacebookTwitterPinterestGoogle +Stumbleupon