ثلاثة أيام من السرور والبهجة

ثلاثة أيام من السرور والبهجة

بقلم/ ربيع عبد الرؤوف الزواوي

وفقني الله هذا العام لقضاء ثلاثة أيام من إجازة عيد الأضحى بين أهلي وأقاربي بالقرية التي بها ولدت في ريف محافظة البحيرة…

فلا يمكن لقلم أن يصف هذا الشعور الغامر، وهذه المشاعر الطيبة التي شعرت بها، ولا يمكن لأفضل مكان في العالم أن يعطيني مشاعر البهجة والفرحة الغامرة، مهما كان هذا المكان…

فقد جربت النزول بأماكن خلابة، وزرت شواطئ ومصايف فخمة في عدة دول عربية وأجنبية، فعلوا بها الأفاعيل وزينوها للناظرين، وأنفقوا عليها الملايين، ولم تكسبني بعضا من البهجة أو السعادة التي يكسبني إياها تواجدي بمسقط رأسي بين أشقائي وأولادهم وشقيقاتي وأولادهن، وأولاد عمومتي وأولادهم، وأولاد عماتي وأولادهم، وأخوالي وأولادهم، وخالاتي وأولادهن، وجميع أقاربي وأولادهم، وجيراننا الذي نشأت وترعرعت بينهم.

تعوّدوا يا سادة أن تمنحوا من تحبون حبكم الخالص وودكم الصراح، ولا تجعلوا ما تسمعونه منهم أو عنهم من غيرهم مانعا لكم في منح هذا الود وذلك الحب، ولا تسمحوا لأغيار الدنيا أن تنكد صفوكم..

واجعلوا مجالسكم بينهم للحديث عن ذكريات الطفولة، ومراتع الصبا والشباب، واجعلوا من هذه المادة عطرا يفوح به المكان، ونسمة تخفف من حر الجو ولأواء الحياة لديهم.

فالريف جميل والحياة فيه جميلة… ولكن البعض يكدر صفاءه ويضيّع هذا الجمال ببعض المشكلات البسيطة التي سببها أغيار طبيعية في النفوس، يمكن بكل بساطة دفعها ومجاهدتها حتى تخبو وتزول…

لا تسمح أخي للشيطان – وأعوانه من الإنس والجن – أن يفسد عليك هذه النفحات وتلك البركات من صلة الرحم ومجالسة الأهل والأقارب… فالحياة قصيرة والأيام مسرعة… ولن تمهل لك أخا أو قريبا لتصافيه أو تعتذر له…

سرعان ما يطوينا العمر، وتضحك علينا الساعات، وتخدعنا الأيام.

سرعان ما تسأل عن فلان فيقال لك بكل سهولة: مات…!

فإنه والله قد:

مضى العمر وفات … يا أسير الغفلات
حصّل الزاد وبادر … مسرعاً قبل الفوات
فإلى كم ذا التعامي … عن أمور واضحات
وإلى كم أنت غارق … في بحار الظلمات
لم يكن قلبك أصلا … بالزواجر والعظات
بينما الإنسان يسأل … عن أخيه قيل مات
وتراهم حملوه … سرعة للفلوات
أهله يبكوا عليه … حسرة بالعبرات
أين من قد كان يفخر … بالجياد الصافنات
وله مال جزيل … كالجبال الراسيات
سار عنها رغم أنف … للقبور الموحشات
كم بها من طول مكث … من عظام ناخرات
فاغنم العمر وبادر … بالتقى قبل الممات
واطلب الغفران ممن … ترتجي منه الهبات

لا تسمح أُخيّ لقوة الغضب أو نيران الأحقاد أن تنغص عليك حياتك… اقتلها أولا بأول واستعن بالله على قتلها وإماتتها…

فلا والله لا يمكن أن يعلو شأن الحقود الغضوب في الدنيا أو الآخرة… ولا ينال مجدا في الدنيا أبدا…

يقول الحكيم:

لا يحملُ الحقدَ مَن تعلو به الرتبُ *** ولا ينالُ المجدَ مَن طبعُهُ الغضبُ

واحرص أخي على صفاء نفسك، فإن صفاء النفس من أعظم أسباب طرد الهموم، وراحة الصدور، وسبب من أسباب قبول الأعمال الصالحة…

وجاهد نفسك لإصلاح قلبك؛ فإن النفس المؤمنة التي تجاهد لإصلاح نفسها تأبى الخضوع لنزغات الشيطان، وتدأب في التخلص من أدواء الحقد والغل والدنايا، لتفيض صفاء ونقاء يقطع كل سبيل للشيطان إلى تلويث قلبك وإفساده.

وهناك سائل عملية تعين على صفاء النفس تجاه الآخرين؛ منها:

الدعاء: فإن الدعاء باب كل خير، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يسأل ربه أن يرزقه قلبًا سليمًا.

الإيمان بالقدر: فإن العبد إذا آمن أن الأرزاق مقسومة مكتوبة رضي بما هو فيه، ولم يجد في قلبه حسدًا لأحد من الناس على خير أعطاه الله إياه.

تذكر حال النبي صلى الله عليه وسلم: الذي كان يشكر ربه على النعم التي أنعم بها حتى على غيره من الخلق حين يصبح وحين يمسي.

التماس الأعذار للآخرين: فعند صدور قول أو فعل يسبب لك ضيقًا أو حزنًا حاول التماس الأعذار، واستحضر حال الصالحين الذين يُؤثر عنهم قولهم: التمس لأخيك سبعين عذرًا.

معرفة أحوال مَن صفت قلوبهم: وحاول أن تتذكرها حين تتعرض لما يوغر صدرك، أو يعكر صفوك.

تجنب الجدل والمراء: لما يفضيان إليه من إيغار الصدور، وحب الانتصار للنفس.

استحضار قضية صلة الرحم: وهي من أفضل قضايا الإسلام ومحور مهم في باب المعاملات… والناس يقولون: الدين المعاملة.. وهو ليس مقصورا على التعامل بالمال كما يتوهم البعض.

وتذكر أن أهلك وجيرانك وأقاربك ومن يعرفونك هم شهود الله عليك وإن أجمعوا على أن يشهدوا بخير لك وجبت الجنة.. وإن أجمعوا على أن يشهدوا بشر لك وجبت النار والعياذ بالله.

وأخيرا… اجتهد رعاك الله دائما أن تصفّي سريرتك، وتنقّي قلبك، وتنظّف أركانه، وترتّب محتواه، وتقمّ شوائبه؛ فإن القلب محل نظر الله سبحانه وتعالى.

ولا عليك بعد ذلك… أصابك ما أصابك، فالبشر لا يفيدون بشيء.

فوفّقنا اللّهم لذلك، ونبهنا اللّهم له، ودلّنا اللّهم عليه، وذكّرنا اللّهم به… دائما أبدا حتى نلقاك…

 

FacebookTwitterPinterestGoogle +Stumbleupon