غاية الحب… ومنتهى الشرف

بقلم/ ربيع عبد الرؤوف الزواوي

تصور سورتا (الضحى) و(الشرح) نموذجا أعلى في مراقي الحب ودرجات الرفعة والشرف…

وأعني هنا بالحب؛ حب النبي صلى الله عليه وسلم لربه واشتياقه لنفحات الوحي ورائحة عبق النبوة وتجليات جبريل عليه السلام؛ القادم لتوه من حضرة ربه تبارك وتعالى…

وأعني بالشرف؛ ما منحه الله تعالى لمحبه ورسوله ومصطفاه صلى الله عليه وسلم من منح وعطايا ومكانة عظيمة في هاتين السورتين… وما تبادله آيات السورتين من حب بحب وتحنان وعطف، لما لحق به صلى الله عليه وسلم من كرب، جراء انقطاع الوحي وفترته، واشتياقه له… وما قد يصيبه من كﻻم المتعنتين الذين بدأوا لتوهم بإلقاء موجات من التشفي والشماته والتكذيب…

فقد نزلت سورة الضحى بعد شوق جارف وحب غامر من رسول الله صلى الله عليه وسلم لوحي ربه إليه واصطفائه له دون الناس أجمعين… وها هو قد بدأ بالحديث مع أقاربه وأصفيائه من عشيرته الأقربين عن هذه النبوة وهذا الكرم… وها هو الخبر ينتشر رويدا رويدا حتى علمت به بيوت كثيرة في مكة ويوشك أن يعم مكة كلها…

ثم ينقطع الوحي ويشتاق الرسول لوحي ربه ونفحات القرب ولطائف التجلي وحلو ألفاظ القرآن وبدايات نزولها لأهل الأرض…

فينزل جبريل بعد فترته بسورة الضحى… فيقسم له ربه بالوقت الذي طالما قضاه صلى الله عليه وسلم في غاره منتظرا نزول جبريل مرة أخرى…
فكم من ضحى قطعه منتظرا متفكرا متذكرا… وكم من ليل غطى ظﻻمه أركان هذا الغار، قطعه صلى الله عليه وسلم متحنثا متعبدا مسبحا بحمد من ينير هذا الظﻻم في الصباح… فناسب أن يقسم له بهما؛ الضحى والليل…

اقسمت لك بهما… ما ودعتك وﻻ تركتك وﻻ هجرتك… فإن اﻵخرة وما أعددت لك فيها من رفيع المنزلة وعظيم المقام؛ خير لك مما تظنه أو تحبه في هذه الدنيا…

وسنعطيك في الآخرة بلا حد وﻻ حساب حتى ترضى وتسعد…

وإنك لم تنل تلك المنح وهذه العطايا مني لمجدك وعزك وسطوتك ومالك…

فقد كنت مجرد يتيم فقير فآويناك بحب من حولك وجعلناك محفودا محشودا…
ولم تكن عالما بما سنوحي به لك… ولا كنت تدري ما الكتاب وﻻ الإيمان… وﻻ… ولا… فهديناك بهذا الوحي والنور المبين.

فدونك ضعاف الناس وفقراءهم… فلا تقهر يتيما وﻻ تنهر سائﻻ… فسيكونون هم أول متبعيك… وتحدث قوﻻ وعمﻻ بنعمنا عليك.

يا الله!… أي حب هذا الذي اطلع الله تعالى عليه وعلمه في قلب النبي صلى الله عليه وسلم حتى يستحق عليه كل هذه التجليات الربانية والفيوضات الإلهية؟…

ثم تتمم سورة الشرح هذه التجليات وهذه الرفعة وذاك الشرف… فأي نعمة وأي شرف وكرامة بعد أن شرحنا صدرك ووضعنا عن كاهلك ما يثقله من هموم وابتﻻءات كادت تكسر ظهرك وتحطم كاهلك…

ثم يبلغ المجد ذروته والشرف غايته؛ فقد رفعت ذكرك فلا يذكر اسمي إلا مقرونا باسمك…

وستنفرج الكروب ويتيسر العسير… فأكثر من طاعتي وكلما انتهيت من عبادة لي فابدأ في أخرى…

وأتعب نفسك في طاعتي…

وأكثر من دعائي والرغبة إلي في كل وقت وحين…

حقا… غاية الحب ومنتهى الشرف.

FacebookTwitterPinterestGoogle +Stumbleupon