في رحاب العلّامة الشيخ وهبة الزحيلي الذي فقدناه
بقلم/ ربيع عبد الرؤوف الزواوي

ودّعت اليوم أمتنا الإسلامية علما من أعلامها، وفقيها أصوليا من فقهائها، ومفسرا لا يشق له غبار، وباحثا متقنا مجتهدا، عرفته المجامع الفقهية ببحوثه المتقنة، والمؤتمرات العلمية بأطروحاته النافعة… فضيلة العلامة الشيخ وهبة الزحيلي رحمه الله.


ولست هنا بصدد ترجمة هذا الرجل الفذ، إذ بضغطة زر واحدة في محركات البحث على الإنترنت يمكنك أن ترى جهوده ومؤلفاته رحمه الله.
عرف المهتمون بالفقه من هذا الجيل فضيلة الشيخ وهبة الزحيلي من خلال كتابه الرائع (الفقه الإسلامي وأدلته)، كما عرفه المهتمون بالتفسير وعلوم القرآن من خلال تفسيريه (التفسير الوسيط) و (التفسير الوجيز)…

هذا بخلاف عشرات المؤلفات النافعة التي لا يتسع المجال لذكرها…
ظلت كتب الراحل وبحوثه ومؤلفاته تغريني بالنظر فيها بين الحين والآخر، لحلو طرحه، وتبحره في مسائله وشمول نظرته، لا سيما كتاباه المذكوران أعلاه، إلى أن التقيت الشيخ رحمه في أحد المؤتمرات الفقهية بأحد فنادق القاهرة لمدة ثلاثة أيام، وذلك في صيف عام 2009، وكانت أول فرصة لي للقائه هو والشيخ محمد سعيد رمضان البوطي رحمه الله.

وقد حضرت هذا المؤتمر بدعوة من الجهة المنظمة وهي بيت الزكاة الكويتي، والتي كانت ترغب في التعاون معنا لتقديم بعض الخدمات الاستشارية لها بالكويت، وكان المؤتمر تحت رعاية وزير الأوقاف المصري وقتها الدكتور محمود حمدي زقزوق… كما دعم حضور شخصي الضعيف بين هذه الكوكبة من العلماء والفقهاء طلب خاص من أحد العلماء المدعوين للمؤتمر وهو الدكتور صالح بن عبد الرحمن الأطرم، بخصوص موقع الفقه الإسلامي.

شدني للشيخ وهبة الزحيلي رحمه الله في لقائي له بجانب تبحره في طرحه أمران جديدان لم أكن أعرفهما عنه رحمه الله، أولهما تواضعه الشديد، الذي أتاح لي أن أتمشى معه في طرقات الفندق وإلى الغرفة، وأن أتناقش معه في بعض القضايا التي كانت – ولا تزال – تشغلني حتى اليوم. وأن يسمع مني ويصبر على جرأتي بين يديه والنقاش والأخذ والرد، وكأنه حوار بين نظيرين، والحقيقة أن هذا سببه جرأتي وتواضعه الجم رحمه الله.

والأمر الثاني: حلو هندامه ونظافة ملبسه؛ عمامته وجبته، لدرجة أن لفت نظري نصاعة بياض عمته رحمه الله، كنت أراقبه أثناء طرح البحوث ومناقشتها وهو يتصبب عرقا، ولفت نظري أنه كان إذا أراد أن يعدل العمامة، أمسك منديلين؛ منديلا في كل يد، وقام بضبطها.

وفي أحد أيام المؤتمر وفي أثناء فترات الراحة ناقشته رحمه الله في جزئية بكتابه (التفسير الوجيز) تتعلق بأسباب النزول قائلا له: أعجبني ذكر فضيلتكم أسباب النزول كلما أمكن، ولكنكم لم تستوفوا كل ما ورد في أسباب النزول أو كل ما صح في أسباب النزول… فتهلل وجهه رحمه الله وقال: صحيح… فتشجعت وقلت له: أنا بفضل الله قرأت التفسير الوجيز لفضيلتكم كاملا وأعددت بحثا متواضعا، مكملا ما تركتموه من أسباب النزول في تفسيركم الماتع… فقال: ممتاز… شد حيلك ولازم أشوفه.

والحق يقال إني كنت قد بدأت في بحث مهم في أسباب النزول، أسميته (الجامع المختصر في أسباب النزول) جعلت أساسه ما تتبعه الشيخ الزحيلي في تفسيره من أسباب النزول واستدركت في هذا البحث من تركه فضيلة الشيخ رحمه الله منها، والبحث لم يشف غليلي حتى الساعة، إذ لم يكتمل على الصورة التي ترضيني وتسمح لي بإطلاع الشيخ رحمه الله عليها، أو تغريني بطباعته ونشره…

وقد قلت في مقدمة هذا الكتاب: (… وفي بحثنا هذا قد ألممنا بما لا تجده في مُؤلَّف آخر مجموعاً بهذه الطريقة المختصرة والمباشرة وحرصنا على ألا يفوتنا شيء إلا وأشرنا إليه. وجعلت عمدة هذا البحث ما ذكره الدكتور وهبة الزحيلي – نفع الله بعلمه – من أسباب النزول في كتابه المختصر الجامع (التفسير الوجيز ومعجم معاني القرآن العزيز). وخرجت مادته على كتب الصحاح والمسانيد والسنن وكتب السير وأسباب النزول ككتابْيِ أسباب النزول للواحدي والسيوطي وكتب التفاسير، لا سيما تفسير الطبري، رحمهم الله جميعاً).

رحم الله الفقيد وأسكنه فسيح جناته وأعلى درجته وجزاه خيرا عما قدم لدينه وأمته، وأخلفها منه خيرا… اللهم آمين.

FacebookTwitterPinterestGoogle +Stumbleupon