في رحاب (لم يلد ولم يولد)
بقلم / ربيع عبد الرؤوف الزواوي

قرأ الإمام في صلاة المغرب بـ (قل هو الله أحد الله الصمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد) فسمعت بقلبي منها لأول مرة (لم يلد ولم يولد) فشغلت بالتأمل فيها… فلم استفق إلا والإمام يسلم من الصلاة…

وعى قلبي لأول مرة لهذه الجملة معاني عظيمة، لا تدرك إلا بالتوفيق والنظر والتأمل… ولا أزعم اني سأتمكن من البوح بما أشرق من نورها على شغاف قلبي…

قلت للإمام بعد الصلاة مباشرة: يا سلام ! أيه ده؟ أخذت بالك من جملة (لم يلد ولم يولد)؟ يصف ربنا سبحانه نفسه في وسط هذه الأوصاف العظيمة بأنه (لم يلد)… ليس فقط لم يلد… فالبعض لا يلد فهو عاقر… وهذا ليس محمده… إنما قال بعدها… (ولم يولد)… وهنا العظمة والكمال والجلال والتفرد… ولم يولد… فمن أين أتى؟ وكيف وجد؟… هذا هو الجلال… لم يولد… هذا – والله – تنزل منه جل وعلا؛ ليناسب كلامه عقولنا القاصرة وأفهامنا العاجزة التي لا تدرك إلا (والد) أو (مولود)…

ألهذا الحد يا رب تتحبب إلى خلقك لتفهمهم عن ذاتك وجلالك؟ ألهذا الحد تحلم عليهم وتتنزل معهم لهذا الحد فتصف نفسك بأنك لم تلد ولم تولد… كبيرة والله لو سمعتها قلوبنا من الجبار…

سبحانك…

يا سادة السورة (سورة الإخلاص) من السور التي نحفظها جميعا قبل أن نعي الحياه… بل ربما في العامين او الثلاثة أعوام الأولى من أعمارنا… ويحفظها الداني والقاصي… بل يحفظها من غير المسلمين كثير… سمعتها في طفولتي من عم كامل النجار وهو نصراني!…

السورة قدرها عظيم وتعدل ثلث القرآن… السورة كلها ثناء ومحامد ووصف لله جل وعلا… وجملة (لم يلد ولم يولد) هكذا مع بعضها ثناء ما بعده ثناء وجلال ما بعده جلال… سبحانه لا نحصي ثناء عليه كما أثني هو على نفسه…

والسورة نقرؤها كل يوم تقريبا… ولا تكاد تخلو منها النوافل في صلاتنا… وهذا والله لسر عجيب وحكمة بالغة…

والسورة من المعوذات الثلاث التي نقرؤها في أذكارنا ونقول في كلامنا المعوذات الثلاث وهي لا تشتمل على لفظ (أعوذ) كأختيها…

وتكاد لو سألت عشرة مصلين صلوا أمامك ركعتين نافلة أي نافلة عما قرأوا في صلاتهم بعد الفاتحة لوجدت أكثر من نصفهم صلى بها…

وأظن – والله أعلم – أن زبدة السورة الكريمة ومحور ارتكازها يدور بين صفتين بها (أحد) و (الصمد) مثلما تدور زبدة الفاتحة حول (إياك نعبد وإياك نستعين)…

قال بعض المتعنتين للنبي صلى الله عليه وسلم: صف لنا ربك. فنزل جبريل عليه السلام بها…

ولسر ما يكون اليوم أكثر أهل ديانة سماوية عددا هم النصارى؛ الذين يقولون: (ولد الله) و (ابن الله) و (ثالث ثلاثة) و (الأب والابن)… فسبحانك سبحانك… وسبحانه وتعالى عما يقولون علوا كبيرا…

سبحانه…

– هو سبحانه (أحد) ولفظة أحد لا تعني واحد كما يتبادر للذهن فحسب… بل واحد متفرد غير محتاج لغيره… لفظة (أحد) لا ينوب عنها غيرها في التوحيد.. وتنوب هي عن غيرها… وأحسبها أكثر إفرادا وتنزيها لله في الصفات ونفي للشبيه والنظير من (ليس كمثله شيء)…

– وهو تعالى (صمد) يقصده الجميع… في حوائجهم… ولا يحتاج هو لأحد منهم…

– وهو سبحانه (لم يلد ولم يولد) … فهو ليس أبا لأحد من خلقه لا عيسى ولا عزير ولا غيرهما ولم يلده رب قبله… وهو موجد كل والد ومولود

– وهو سبحانه ليس له كفؤ أو شبيه أو نظير سواء فيما مضى أو ما هو آت…

تذكرت ذلك الصحابي الكريم الذي كان يؤم قومه في الصلاة ويقرأ هذه السورة الكريمة في كل صلاة… حتى شكاه قومه للنبي صلى الله عليه وسلم…فسأله صلى الله عليه وسلم عن سبب صنيعه هذا… فأجاب ببساطة وتلقائية عجيبة؛ إني أحبها يا رسول الله… وهنا تكون المكافأة في الحال… فيقول له الرسول صلى الله عليه وسلم مخبرا ومبشرا إياه: حبك إياها أدخلك الجنة…

فاللهم ارزقنا حب سورة قل هو الله أحد…

FacebookTwitterPinterestGoogle +Stumbleupon