قصة كتاب الألف المختارة من صحيح البخاري
بقلم / ربيع عبد الرؤوف الزواوي

في عام 1998 زارني لأول مرة الدكتور نبيل هارون حفظه الله، وأهداني تقريبا كل مؤلفات وتحقيقات والده العلامة عبد السلام هارون رحمه الله… وكان من بين هذه الكتب كتاب (اﻷلف المختارة من صحيح البخاري)…

كان فرحي بهذا الكتاب وحده ضعف فرحي بما أهداني وقتها من كتب… مع كونها كانت كلها تحفة ﻻ يعدلها عندي شيء ألبتة…

اندفعت بشوق جارف في التهام صفحات كتاب اﻷلف المختارة؛ أنهل من فيوض اختياراته الرائعة في شرح اﻷحاديث اﻷلف، والتي انتقاها بعناية من كتب كبار شراح الحديث السابقين على اختﻻف مشاربهم…

المصنف عبد السلام هارون رحمه الله أحسن في هذا الكتاب مرتين؛ مرة في اختيار اﻷلف حديث، ومرة أخرى في اختيار الشروح… وهذا لا يدركه إلا من جرب بنفسه… فبقراءتك لهذه اﻷلف حديث كأنك قرأت البخاري! فقد انتقاها بعناية ودراية ووعي… حيث انتقى في كل باب الروايات الجامعة المانعة المغنية عن غيرها… والشيء نفسه فعله في الشروح.

وفي بداية إجازة الصيف هذا العام سألتني إحدى بناتي أن أرشح لها كتابا في الحديث لتقرأه في هذه الإجازة… فانطلقت بها إلى المكتبة واستخرجت لها كتاب اﻷلف المختارة من صحيح البخاري… وبعد أقل من أسبوع قالت لي: فعلا كما قلت؛ كتاب رائع.

ومنذ ثلاثة أسابيع تقريبا زارني الشيخ طارق عوض الله المتخصص في علم الحديث… وبينما نحن جلوس إذ اتصل به متصل يطلب منه أن يرشح له كتاب حديث مختصر بالشرح… فلما انتهى من المكالمة حدثته عن كتاب اﻷلف المختارة… فأعجبته الفكرة وقال: تصور أني أقوم بتنفيذ بنفس الفكرة… أنا محتاج منه نسخة أو أصور نسختك.

فاتصلت في الحال بالدكتور نبيل هارون… وقصصت عليه ما حصل… فتعجب… وقال: أول مرة حد يهتم به… كتر خيرك… دار النشر زهدت فيه وقالوا لي انشره في أي مكان إذا أردت…

وفي زيارته اﻷخيرة جزاه الله خيرا أهداني تحفة جديدة لوالده رحمه الله هي كتاب (كناشة النوادر) والتي سأكتب عنه في مرة قادمة إن شاء الله…

ولم ينس جزاه الله خيرا إتحافي بنسخة أخرى من كتاب اﻷلف المختارة التي طلبتها للشيخ طارق عوض الله، فجددت الشوق لتقليب الصفحات في نسختي القديمة لاستلهام الذكريات والاستفادة ولو سريعا مما كتبته آنذاك بين السطور…

أنصح اﻷحباب والمهتمين باقتناء هذا الكتاب وقراءته… ففيه من الخير والبركة، وفيه من نفس الراحل عبد السﻻم هارون، وحسن اختياراته، وحلاوة ألفاظه، وعظمة الفائدة… ما الله به عليم.

تقديم الطبعة الثانية
تمتاز عن سابقتها بزيادة الضبط، وببعض الإضافات والتوضيحات في الشرح.
وقد رأيت أن أجعل تخريجات هذه الألف المختارة من الكتب الستة، وكذا مواضع شرحها من الشروح الأربعة: الكرماني، وابن حجر، والعيني، والقسطلاني، في نهاية كل جزء، ليفرغ القارئ للأحاديث وتفسيرها. فإذا ما أراد معرفة التخريج ومواضع الشروح رجع إليها مرتبة في هذا الموضع.
وقد ظهرت الطبعة الأولى في عشرة أجزاء. أما هذه الطبعة فقد آثرت أن تكون في جزأين اثنين، ليكون ذلك أيسر للتناول، وأجمع لشمل الكتاب. والله أسأل أن يزيد به النفع، وأن يوفقنا إلى ما فيه محبته ورضاه.
عبد السلام محمد هارون
1399هـ/ 1979م

تقديم الطبعة الثالثة
الجامع الصحيح للإمام أبي عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري أصح الكتب – بعد كتاب الله العزيز- وأعلاها توثيقاً – بموازين التحقيق التاريخي واللغوي والعقلي، لهذا ولما حواه من تخريجات وتحقيقات، وضبط للروايات والأسانيد، وجرح وتعديل الرواة، ظل مرجعاً أساسيٌّا للعلماء والفقهاء والدعاة، ولكنه ظل أيضاً بعيداً عن متناول عامة المسلمين المتعطشين إلى هدي رسولهم الكريم صلى الله عليه وسلم وسنته المطهرة. وقد شرح الله تعالى صدر الأستاذ عبد السلام محمد هارون شيخ محققي التراث في زمانه ( 1326-1408هـ) إلى تقريب صحيح البخاري إلى جمهور القراء؛ باختيار ألف حديث جاءت بمثابة مختصر واف للجامع الصحيح؛ بعد تهذيب أسانيدها وتحقيق متونها وشروحها، وقدمها للنشر في طبعتين: الأولى لدار سعد مصر عام 1354، والثانية لمكتبة الخانجي عام 1399هـ، جزاه الله عن الأمة خير الجزاء.

لقد حفل كتاب “الألف المختارة” في طبعتيه بشروح وتعليقات وافية مستمدة في أكثرها من أمهات شروح البخاري؛ كشروح ابن حجر العسقلاني والعيني والكرماني والقسطلاني وغيرها؛ فضمت هوامش الكتاب الألوف من هذه الشروح مع الإحالة اليها من مواضع مناسبة بمتون الأحاديث. والرجوع إلى الهوامش أمر مألوف للباحثين والمتخصصين دون سواهم من عامة القراء؛ الذين يشق عليهم معاودة الانتقال بأبصارهم وأذهانهم بين المتون والهوامش.

ورغبة في التيسير على هؤلاء؛ وترغيبا لهم في دراسة الألف وحفظها؛ فقد أعيد ترتيب الكتاب بشكله الجديد الذي ألحق فيه بكل حديث كل ما يتعلق به من شروح وتعليقات – في فقرة متصلة؛ مع المحافظة – إلا عند الضرورة – على عبارة الألف المختارة، وجمعت الألف حديث في مجلد واحد.

تمتاز هذه الطبعة أيضاً بالمراجعه الشاملة لمتون الأحاديث، على:
1. صحيح البخاري، تحقيق لجنة إحياء كتب السنة، المجلس الأعلى للشئون الإسلامية.
2. فتح الباري بشرح صحيح البخاري، تحقيق محب الدين الخطيب.
3. اللؤلؤ والمرجان لما اتفق عليه الشيخان، محمد فؤاد عبد الباقي.
4. برنامج موسوعة الحديث النبوي، شركة برامج التراث الإسلامي.
ومن ثم استكمال الضبط بالشكل والتصويب، كما أثبت أرقام الأحاديث في طبعة الصحيح المشار إليها بالرمز (ص) في جدول التخريج، وكذلك أرقام الأحاديث في الفتح بالرمز (ف).
وذلك سعياً لجعل الكتاب في متناول كل شاب وفتاة وبيت مسلم، وحرصاً على تحقيق ما قصد إليه جامع الصحيح ثم شارح الألف كلاهما؛ من تقريب مائدة الهدي النبوي إلى أمة خاتم المرسلين عليه أفضل الصلاة والسلام.
نبيل عبد السلام هارون
ربيع الأول 1418هـ/ يوليو 1997م

FacebookTwitterPinterestGoogle +Stumbleupon