تحفة الناظرين في الكتاب المبين

مقدمة الكتاب:
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ به من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فهو المهتد ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله،
وبعد:


فإن القرآن الكريم هو المعجزة العقلية الباهرة التي أيد الله تعالى بها خير خلقه، وخاتم أنبيائه ورسله صلوات الله وسلامه عليه.
فهو خالد في أعجازه لا يزيده التقدم العلمي إلا رسوخا في الإعجاز، وهو حجة الله البالغة على خلقه، تعبدهم بتلاوته نتدبره وفهمه والعمل به، وأطلعهم من خلاله على بعض أسراره في ملكه وملكوته.

وهو كتاب الهداية، ومنهج الحياة، بين الله تعال فيه لعباده ما يحل لهم وما يحرم عليهم بأسلوب واضح مشرق لا عوج فيه ولا التواء، فما من شيء يحتاجون إليه في دينهم ودنياهم إلا شمله تشريعه ووسعه بيانه، فكان بحث كتابا جامعا أفاض في شرح الحقوق والواجبات إفاضة واسعة تضمنتها أحكام جامعة وقواعد كلية، يندرج تحتها كل ما جد ويجد من شئون الحياة.

لهذا أجمع المسلمون الأوائل كل قواهم، وكرسوا جل حياتهم لخدمة هذا الكتاب العظيم، ولم يدخروا جهدا في حفظه وتدوينه وتفسيره، واستنباط أحكامه وأسراره، والعمل به والسير على نهجه في عباداتهم وعاداتهم ومعاملاتهم، وفتركوا لنا تراثا خالدا غضت به المكتبات في مشارق الأرض ومغاربها.

وتتابع الغيث من بعدهم إلى يومنا هذا، يفتح للباحثين في كتاب الله أبوابا واسعة من العلم والمعرفة، وتبيح لهم أن ينهلوا من معينة ما شاء الله أن ينهلوا في سهولة ويسر، لاسيما بعد أن تقدمت أدوات الطباعة ووسائل النشر.

وما على الباحثين إلا أن يشمروا عن ساعد الجد، ويخترقوا أسوار التقليد إلى الأفاق الرجعة التي يفتحها لهم القرآن الكريم بعباراته وإشاراته، فيستنبطوا منه ما ينفع أمتهم في دينها ودنياها، ويستلهموا منه الرشد في حل المشكلات المعاصرة التي بلغت العناية في التعقيد والتعجيز.

وهاأنذا أحاول أن أسهم بنصيب متواضع في هذا المجال؛ فاذكر بحوثا علمية حول القرآن الكريم بأسلوب واضح يناسب أهل العصر على اختلاف درجاتهم في الثقافة والفهم بعيدا عن التعقيد والتكلف في صناعة الألفاظ وتراكيب الجمل.

ثم أذكر بحوثا إحصائية سهلة ميسورة المتناول؛ ثم اذكر ملجأ فقهية، ونقاطا بلاغية، واستنباطات لغوية، وأبوابا تخص حفظة القرآن الكريم، وبعض الفوائد الأصولية، والقواعد الكلية، وبعض الفوائد العقائدية المتعلقة بالقرآن الكريم، كأصل أن القرآن الكريم كلام الله حقيقة، وأنه غير مخلوق، ومقدمة هامة في تفسير القرآن الكريم وأنواعه ومصادره والمقبول منه والمرود، وتاريخ التفسير وتطوره حتى وصل إلى هذا المستوى الموجود بين أيدينا الآن. ثم أني لم أرتب هذه البحوث بنظام معين، فلم أجعلها خاضعة لقانون معين، وذلك بقصد الانتقال من أمر لآخر تشويقا للقارئ فلا يمل المطالعة والبحث والاستفادة.

فلك -أيها القارئ الكريم- غنمه، وعلى غرمه، والله جعل شأنه نسأل ألا يحرمنا من ثواب ذلك يجعله في ميزان الأعمال خالصة الوجهة الكريم، وهذا حسن ظننا في ربنا جل وعلا، وهو المرجو أن يجعله نافعا لكاتبه وقارئه، وأن يكون خدمة لكتابه الكريم.
وصلى الله وسلم على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
الإسكندرية في
13/10/1414هـ
ربيع الزواوي

قصة هذا الكتاب:

في ذات ليلة من ليال العشر الأخيرة من رمضان عام 1991 وأنا بمسجد بكري بالإسكندرية جاءت في رأسي فكرة؛ أن أجمع بعض المباحث المهمة في علوم القرآن، ثم أصورها وأوزعها على المصلين من طلبة العلم بالمسجد… من باب مدارسة القرآن في شهر القرآن.

بدأت في العمل بالفعل… لكني مكثت فيه حوالي ثلاث سنوات…فانتهيت منه في أواخر عام 1994… ولم أصور منه شيئا ولم أوزع منه شيئا كما خططت… لكني بدأت بإلقائه على هيئة دروس غير دورية بمسجد التوحيد بالهانوفيل… ثم بعد ذلك في مسجد السلف الصالح بالهانوفيل أيضا.

ثم شاء الله جل وعلا أن أتعرف على أحد الناشرين العرب بإحدى الدول العربية في عام 1996… فأطلعته على بعض البحوث في موضوعات مختلفة… وافق الرجل – جزاه الله خيرا – على نشر بعض ما كتبت… ومنها هذا البحث… فلم أر الكتاب مطبوعا إلا في منتصف عام 1998… ففرحت بطباعته فرحا شديدا دون سواه مما طبع.

وفي شهر رمضان من عام 1999 التقيت بفضيلة الدكتور عبد الحي الفرماوي أستاذ التفسير بجامعة الأزهر، فأهديته نسخة من الكتاب… فأعجبه وسألني عن مصادري في الإحصاءات التي ذكرتها بالكتاب… ولم يكن قد تم خدمة القرآن الكريم والسنة بالحاسب الآلي وقتها كما هو الحال الآن… إذ ذكرت فيه عدد كلمات القرآن وحروفه وعدد كلمات وحروف كل سورة من سوره، وترتيبه حسب طول السور وقصرها، وترتيب السور بحسب النزول… وما إلى ذلك.

أسميت البحث “تحفة الناظرين في الكتاب المبين” ضمنته جملة مهمة من القضايا التي يلزم طالب العلم معرفتها في مبادئ علوم القرآن… ومن هذه البحوث:
– تعريف القرآن
– الفرق بين القرآن والحديث القدسي
– نزول القرآن
– تاريخ جمع القرآن
– المحكم والمتشابه
– النسخ في القرآن
– بلاغة القرآن
– القراءات المتواترة
– القراءات الشاذة
– تاريخ تفسير القرآن
– إحصاءات مهمة في القرآن
– سور القرآن
– تنبيه بخصوص فضائل بعض السور
– أسماء القرآن
– كيف كان الصحابة يقسمون القرآن
– أخلاق حملة القرآن
إلى غير ذلك من المباحث المهمة التي لا يقبل من طالب العلم أن يجهلها…

وقد صدرت الكتاب بتعريف مهم بالقرآن… والكلام حول إعجازه عند السلف… وبعض مواطن الإعجاز فيه… ومظاهر هذا الإعجاز مثل:
– كونه على نسق فريد وتصرف عجيب
– كونه عجيبا في نظمه
– إحكام التعبير عن المعاني
– كونه سهلا منزها عن الحشو المستكره
– كونه يتلألأ في ثنايا الكلام إذا استشهد به
– إخباره بأحوال الأمم الماضية وبالأخبار الآتية
– اشتماله على بعض الحقائق العلمية
– كونه مشتملا على منهج كامل للحياة

وقد جاء في مقدمة الكتاب: ( … وها أنا ذا أحاول أن أسهم بنصيب متواضع… فأذكر بحوثا أصولية بأسلوب واضح يناسب أهل العصر على اختلاف درجاتهم في الثقافة والفهم، بعيدا عن التعقيد والتكلف في صناعة الألفاظ وتراكيب الجمل.

وأذكر بحوثا إحصائية سلسة سهلة ميسورة المتناول، ثم أذكر ملحا فقهية ونقاطا بلاغية واستباطات لغوية وأبوابا تخص حفظة القرآن… وبعض الفوائد الأصولية والقواعد الكلية وبعض الفوائد العقائدية المتعلقة بالقرآن…

ثم إني لم أرتب هذه الأبواب بنظام معين، فلم أجعلها خاضعة لقانون معين؛ وذلك بقصد الانتقال من أمر لآخر؛ تشويقا للقارئ فلا يمل المطالعة والبحث والاستفادة. فلك غنمه وعلي غرمه…).

ومنذ ذلك الوقت… كلما دخل شهر رمضان تصفحته وأعدت النظر في بعض مسائله؛ من باب مدارسة القرآن… فقلت أشرككم معي… والله من وراء القصد محيط.

FacebookTwitterPinterestGoogle +Stumbleupon