وصف الرسول كأنك تراه

إعداد: ربيع عبد الرؤوف الزواوي

الناشر: دار الثقافة – الدوحة – قطر

سنة النشر: 1997

مقدمة

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُم مُّسْلِمُونَ﴾{آل عمران: 102}.
﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأرْحَامَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾{النساء: 1}.
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾ {الأحزاب: 70-71}.
أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
وبعد:
فإن النبي صلى الله عليه وسلم يمتاز من كمال خُلقه وكمال خَلقه بما لا يحيط بوصفه البيان، وكان من أثره أن القلوب فاضت بإجلاله، والرجال تفانوا في حياطته وإكباره بما لا تعرف الدنيا غيره، فالذين عاشروه أحبوه إلى حد الهيام، ولم يبالوا أن تندق أعناقهم ولا يخدش له ظفر، وما أحبوه كذلك إلا لأن أنصبته من الكمال الذي يُعشق عادة لم يرزق بمثلها بشر ولذلك سنتكلم في هذه الصفحات عن بيان جماله وكماله خلقا وخلقا، مع الاعتراف بالعجز عن الإحاطة عن كمال وصفه الخِلقي وكمال أخلاق الرفيعة العالية.
سائلا الله تعالى أن لا يحرمنا مشاهدة محاسنه في الدنيا برؤيا صالحة صادقة، ورؤياه في دار السلام مع أخوانه الرسل والأنبياء مع رؤية الخالق سبحانه وتعالى.
قاصدين بذلك أن تمتلأ القلوب محبة له وإجلالا وتعلقا به صلى الله عليه وسلم وكي نترسم هدية صلى الله عليه وسلم ، ونتبع أثره، ونخطو خطاه صلى الله عليه وسلم ، والله تعالى المسئول أن يجعله لوجهه خالصا، وأن لا يجعل لغيره فيه شيئا، وأن يبلغ رسوله صلى الله عليه وسلم منا السلام.
ربيع عبد الرءوف الزواوي
الإسكندرية
الأحد في 6/11/ 1414هـ -17/4/1994م
صفات الرسول صلى الله عليه وسلم الخِلقية
كمار رواها من رأوه صلى الله عليه وسلم
1- أم معبد تصف الرسول صلى الله عليه وسلم
قالت أم معبد الخزاعية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي تصفه لزوجها حين مر بخيمتها: (ظاهر الوضاءة، أبلج الوجه، حسن الخلق، لم تعبه ثُجْلة، ولم تزر به صلعة، وسيم قسيم، في عينيه دعج، وفي أشفاره وَطَف، وفي صوته صحل، وفي عنقه سطع، أحور، أكحل، أزج، أقرن، شديد سواد الشعر، إذا صمت علاه الوقار، وإن تكلم علاه البهاء، أجل الناس وأبهاهم من بعيد، وأحسنه وأحلاه من قريب، حلو المنطق، فضل، لا نزر، ولا هذر، كأن منطقه خرزات نُظمن يتحدرن، رِبعة، لا تقحمه عين من قصر، ولا تشنؤه من طول، غُصن بين غصنين، فهو أنظر الثلاثة منظرا وأحسنهم قدرا، وله رفقاء يحفون به، إذا قال استمعوا لقوله، وإذا أمر تبادروا إلى أمره، محفود محشود، لا عابس ولا مفَنَّد)(1).
فهذا وصف امرأة للرسول صلى الله عليه وسلم ، مر بها عليه الصلاة والسلام عابرا يستقي منها الماء واللبن، لمحته عينيها فجاشت لزوجها عند رجوعه آخر النهار بهذه الكلمات التي يعجز كثير من بني الإنسان عن فهمها، فضلا عن قول مثلها لو رأي الرسول صلى الله عليه وسلم. إن المرأة عبرت بما أحست ولمست من كمال جماله، وحسن مظهره، وبهجة طلعته صلى الله عليه وسلم ، ولو أخذنا نحن بدورنا في شرح كلامها لقلنا:
قولها ظاهر الوضاءة: أي أن جماله صلى الله عليه وسلم وحسن منظره يظهر لكل من رآه سواء كانت هذه الرؤية عن قُرب أم عن بعد، والرجل الوضيء: أي حسن المنظر. قال في لسان العرب: الوضاءة مصدر الوضيء وهو الحسن النظيف، والوضاءة: الحسن والنظافة، والوضاءة الحسن والبهجة. قال عمر لحفصة: لا يغرك إن كان جارتك هي أوضأ منك، أي أحسن(2).
وقولها أبلج الوجه: أي مشرق الوجه، أبيض مضيء. قال في لسان العرب: البلج تباعد ما بين الحاجبين وقيل ما بين الحاجبين إذا كان نقيا من الشعر؛ بلج بلجا، فهو أبلج، والأنثى بلجاء، وقيل الأبلج الأبيض الحسن الواسع الوجه، يكون في الطول والقصر، … وقال الجوهري: البلجة نقاوة ما بين الحاجبين، يقال: (رجل أبلج بيّن البلج إذا لم يكن مقرونا، وفي حديث أم معبد في صفة النبي صلى الله عليه وسلم: أبلج الوجه: أي مسفره مشرقه، ولم تُرِد بلج الحاجب لأنها تصفه بالقرن، والأبلج الذي قد وضح ما بين حاجبيه فلم يقترنا)، وقال ابن الشميل: بلج الرجل يبلج إذا وضح ما بين عينيه ولم يكن مقرون الحاجبين فهو أبلج… وشيء بليج: مشرق مضيء(3).
وبليج: أي طلق بالمعروف، قالت الخنساء:
كأن لم يقل أهلا لطالب حاجة
وكان بليج الوجه منشرح الصدر
وبليج: أي مشرق مضيء، قال الداخل بن حرام الهذلي:
بأحسن مضحكا منها وجيدا
غداة الحجر مضحكها بليج
إذن فأم معبد أرادت أنه صلى الله عليه وسلم أبيض مشرق الوجه مضيء تكملة للفظ ظاهر الوضاءة وما أرادت أنه بعيد ما بين الحاجبين.
قولها لم تُعِبْه ثُجْلَة: أي لم يعبه ضخامة البدن، وعظم البطن واسترخاؤه، قال ابن منظور: الثجل: عظم البطن واسترخاؤه وقيل هو خروج الخاصرتين… إلى أن يقول: وفي حديث أم معبد في صفة سيدنا رسول الله أنه صلى الله عليه وسلم: لم تزر به ثجلة أي: ضخم بطن، ويروى بالنون والحاء (نُحلة)، أي نحول ودقة.
قولها ولم تُزر به صلعة: الصلع صغر الرأس وقيل ذهاب الشعر من مقدم الرأس.
قال في لسان العرب: الصلع ذهاب الشعر من مقدم الرأس إلى مؤخره وكذلك إذا ذهب وسطه… إلى أن قال: والصلعاء من الرمال: ما ليس فيها شجر، وأرض صلعاء لا نبات فيها (4).
وقولها وسيم: أي حسن جميل، قال ابن الأعرابي الوسيم الثابت الـحُسن كأنه قد وُسم، وفلان وسيم أي حسن الوجه والسيما، وفي صفته أنه صلى الله عليه وسلم: وسيم قسيم، الوسامة: الحسن الوضيء الثابت(5).
وأما قولها قسيم: فمعناه أيضا حُسن الوجه، كما قال ابن منظور وفي حديث أم معبد: قسيم… القسامة الـحُسن، ورجل مقسم الوجه أي جميل كله كأن كل موضع منه أخذ قسما من الجمال (6)، وهذا يعني أن كل جزء منه أنه صلى الله عليه وسلم على حِدَة جميل حسن، فكل جزء منه أنه صلى الله عليه وسلم حاز الجمال كله.
قولها في عينيه دَعَج: أي أنه أنه صلى الله عليه وسلم كان شديد سواد العين مع اتساعها، شديد بياض بياضها.
قال في لسان العرب: الدعج والدعجة: السواد، وقيل شدة السواد، وقيل الدعجة شدة سواد العين وشدة بياض بياضها، وقيل شدة سوادها مع سعتها، قال الأزهري: الذي قيل في الدعج إنه شدة سواد سواد العين مع شدة بياض بياضها خطأ، أراد بالأدعج المظلم السواد، جعل الليل أدعج لشدة سواده مع شدة بياض الصبح، وفي صفته أنه صلى الله عليه وسلم في عينيه دعج، الدعج والدعجة السواد في العين وغيرها؛ يريد أن سواد عينيه كان شديد السواد، وقيل: إن الدعج عنده سواد العين في شدة بياضها(7).
وقولها وفي أشفاره وطف: أي أنه أنه صلى الله عليه وسلم كان طويل شعر الأجفان.
قال في لسان العرب: الشُّفْر بالضم، شُفْرُ العين وهو ما نبت عليه الشعر، وأصل منبت الشعر في الجفن وليس الشفر من الشعر في شيء. والجمع أشفار، وقال ابن منظور: شفر العين منابت الأهداب من الجفون(8) وأما الوطف فهو كثرة وطول شعر الحاجبين والعينين. وقال ابن منظور: الوطف: كثرة شعر الحاجبين والعينين والأشفار مع استرخاء وطول…، وفي حديث أم معبد في صفته أنه صلى الله عليه وسلم: أنه كان في أشفاره وطف؛ المعنى أنه كان أهدب الأشفار أي طويلها(9).
وقولها وفي صوته صَحَل: أي أنه صوته أنه صلى الله عليه وسلم كان فيه بَحَّة ولم يكن حادا بل كان فيه بحة وخشونة.
قال في لسان العرب: صَحِل الرجل، بالكسر، وصَحِل صوته يَصْحَل صَحَلاً فهو أصحل؛ وصحل: بح؛ ويقال في صوته صحل أي بحوحة، وفي صفة رسول الله أنه صلى الله عليه وسلم ، حين وصفته أم معبد؛ وفي صوته صَحَلٌ، وهو بالتحريك كالبحة وأن لا يكون حادا، قال: الصحل: حدة الصوت مع بحح(10).
وقولها وفي عنقه سَطَع: أي أنه صلى الله عليه وسلم كان في عنقه طول.
قال في لسان العرب: السطع بالتحريك: طول العنق، وفي حديث أم معبد وصفتها المصطفى أنه صلى الله عليه وسلم ؛ قالت وكان في عنقه سطع. أي طول(11).
وقولها أحور: أي أنه أنه صلى الله عليه وسلم كان شديد سواد العين شديد بياض بياضها وكانت عينه مستديرة.
قال في لسان العرب: والحور أن يشتد بياض العين وسواد سوادها وتستدير حدقتها وترق جفونها ويبيض ما حواليها، وقيل: الـحَور شدة سواد المقلة في شدة بياضها في شدة بياض الجسد (12).
وقولها أكحل: أي أنه أسود أجفان العين، ويقال لكل أبيض شديد سواد العين أنه أكحل.
قال في لسان العرب: والكَحَل في العين أن يعلو منابت الأشفار سواد مثل الكُحْل من غير كحل، وقيل الكَحَل في العين أن تسود مواضع الكُحل، وقيل الكحلاء الشديدة السواد، وقيل وهي التي تراها كأنها مكحولة، وإن لم تكتحل… وفي صفته أنه صلى الله عليه وسلم في عينيه كَحَل؛ الكَحَل بفتحتين: سواد في أجفان العين(13).
وقولها أزج: أي أنه أنه صلى الله عليه وسلم كان طويل الحاجب مع رقة فيه.
قال في لسان العرب: الأُزُوجُ: سرعة الشدة، وأزج في مشيته: أسرع، أَزَج العشبُ: أي طال(14)، وقال: وزججت المرأة حاجبها بالمزَجّ: رقّقته وطولته، وقيل أطالته بالإثمد.
وقولها أقرن: أي مقرون الحاجبين أو متصل الحاجبين.
قال في لسان العرب: (رجل أبلج بيّن البلج إذ لم يكن مقرونا، وفي حديث أم معبد في صفة النبي أنه صلى الله عليه وسلم أبلج الوجه أي مسفره مشرقه، ولم تُرد بلج الجاجبين لأنها تصفه بالقرن، والأبلج الذي قد وضح ما بين حاجبيه فلم يقترنا والبلج إذ لم يكن أقرن)(15).
إذن فأم معبد أرادت بالبلج: أنه مشرق الوجه وليس بعيد ما بين الحاجبين بدليل أنها وصفته بأنه أقرن وهو قريب الحاجبين.
وقولها لا نزر ولا هذر: أي أنه أنه صلى الله عليه وسلم كان وسطا في الحجم لا قليل ولا كثير، فالنزر هو القليل التافه وهو القليل في كل شيء، والإنسان النزور هو قليل الكلام، والهذر هو الكثير الرديء، وهذر الرجل في كلامه أي أكثر الكلام بلا فائدة. فرسول الله أنه صلى الله عليه وسلم لم يكن لا هذا ولا هذا إنما كان وسطا بين ذلك وذلك أنه صلى الله عليه وسلم.
قال في لسان العرب: النزر القليل التافه والنزر والنزير: القليل في كل شيء(16). وقال: الهذر: الكلام الذي لا يُعبأ به، وهذر كلامه هذرا: كثر في الخطأ والباطل، والهذر: الكثير الرديء، وقيل هو سقط الكلام(17).
وقولها محفود: أي أنه أنه صلى الله عليه وسلم كان محفودا من أصحابه أي معظما مكرما مخدوما، والحَفْد: هو الخِدمة، ومنه قول النبي أنه صلى الله عليه وسلم في دعاء القنوت وإليك نسعى ونحفد: أن نسارع في الخدمة والطاعة.
قال في لسان العرب: أصل الحفد الخدمة والعمل(18)، وقال: ورجل محفود أي مخدوم وفي حديث أم معبد: محفود أي يخدمه أصحاب ويعظمونه ويسارعون في طاعته.
وقولها محشود: أي أنه صلى الله عليه وسلم كان يجتمع عليه أصحابه فيحفون به ويحتشدون حوله.
قال في لسان العرب: حشد القوم يحشدهم ويحشدهم، جَمَعَهم… إلى أن يقول: ورجل محشود: أي عنده حشد من الناس أي جماعة، ورجل محشود إذا كان الناس يحفون بخدمته لأنه مطاع فيهم، وفي حديث أم معبد: محفود محشود أي أن أصحابه يخدمونه ويجتمعون إليه(19).
وقولها لا عابس ولا منفد: أي أنه أنه صلى الله عليه وسلم كان باشّاً جميل المعاشرة لا يهجن أحدا أو يستقل عقله بل كان يوقّر الناس جميعهم أنه صلى الله عليه وسلم وكان صاحبه كريم عليه.
قال في لسان العرب: العابس: الكريه المَلْقي، الجهم المُحَيَّا، والمفَنِّد: بكسر النون: الذي يقابل غيره بما يكره، ومعنى قولها ولا مفَنِّد: أي أنه أنه صلى الله عليه وسلم لا يفند غيره، أي لا يقابل أحدا في وجهه بما يكره ولأنه يدل على الخلق العظيم(20).
وقيل مفَنِّد: أي لا فائدة في كلامه لكِبَر أصابه(21).
وقيل المفَنِّد: الضعيف الجسم والرأي(22).
فالرسول أنه صلى الله عليه وسلم لم يكن واحدا من أولئك.
أي أن أم معبد التي رأت النبي أنه صلى الله عليه وسلم وصفته بأنه:
– جميل حسن المنظر سواء تراه عن قرب أو عن بعد.
– أبيض الوجه وضيء.
– ليس له بطن عظيم.
– ليس به صلع، بل شعره من مقدمة رأسه.
– الجمال في وجهه في كل عضو على حدة.
– شديد سواد العين.
– واسع العينين.
– طويل شعر الأجفان.
– في صوته بَحَّة مع خشونة.
– طويل العنق.
– شديد بياض بياض العين، شديد سواد سوادها.
– أسود أجفان العين أكحل.
– طويل الحاجبين مع رقة فيه.
– متصل الحاجبين.
– متوسط حجم الجسم، لا تافه ولا كثير غليظ.
– معظّما مكرّما مخدوما من أصحابه.
– يلتفُّ حوله أصحابه.
– غير عابس ولا يحتقر أحدا.
2- البراء بن عازب يصف النبي أنه صلى الله عليه وسلم
قال البراء بن عازب رضي الله عنه:
«كان أحسن الناس وجها وأحسنهم خُلقا»(23).
وسئل مرة: أكان وجه النبي صلى الله عليه وسلم مثل السيف؟ قال: لا بل مثل القمر، وقال مرة أخرى: كان وجهه مستديرا(24).
وقال: كان مربوعا ما بين المنكبين، له شعر يبلغ شحمة أذنيه، رأيته في حُلة حمراء، لم أر شيئا قط أحسن منه(25).
أفاد البراء بن عازب رضي الله عنه من هذه الروايات أنه صلى الله عليه وسلم كان جميلا حسن المنظر، وهذا لا مِرْية فيه، ولا شك، وأنه صلى الله عليه وسلم كان مستدير الوجه في بهاء القمر في استدارته، وكان صلى الله عليه وسلم جميل الشعر طويلاً يبلغ إلى شحمة أذنيه.
3- على بن أبي طالب يصف النبي صلى الله عليه وسلم
قال على بن أبي طالب رضي الله عنه وهو يصف النبي صلى الله عليه وسلم:
لم يكن بالطويل الممغط، ولا القصير المتردد، وكان رِبعة من القوم، ولم يكن بالجعد القطط، ولا بالسّبط، وكان جعدا رجِلا، ولم يكن بالمطهم ولا بالمكلثم، وكان في وجهه تدوير، وكان أبيض مشربا، أدعج العينين، أهدب الأشفار، جليل المشاش والكُتد، دقيق المسربة، أجرد، شَثِن الكفين والقدمين، إذا مشى تقلع كأنما يمشي في صبب، وإذا التفت التفت معا، وأجرأ الناس صدرا، وأصدق الناس لهجة، وأوفى الناس ذِمة، وألينهم عريكة، وأكرمهم عشرة، ومن رآه بديهة هابه، ومن خالصه معرفة أحبه، يقول ناعتُه: لم أر قبله ولا بعده مثله صلى الله عليه وسلم(26).
وقال أيضا: كان ضخم الرأس، ضخم الكراديس، طويل المسربة، إذا مشى تكفأ تكفيا كأنما ينحط من صبب(27).
هذا وصف أمير المؤمنين على بن أبي طالب رضي الله عنه لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهو ابن عمه، ومن ألصق الناس به ولقد جاء وصفه للنبي صلى الله عليه وسلم دقيقا جامعا، جمع فيه بين الصفات الخلقية والخُلقية، والصفات التي تُلاحظ عن قرب وعن بعد، والتي تعرف بطول العشرة وقصرها.
فقوله رضي الله عنه: لم يكن بالطويل الممغط، أي أن طول النبي صلى الله عليه وسلم كان الطول المقبول فلم يكن طويلا متناهيا في الطول بحيث يعيبه ذلك الطول، ولا هو بالقصير المتردد، بحيث يكون قصره عيبا فيه، فالنبي صلى الله عليه وسلم كان وسطا من ناحية الطول و القصر وخير الأمور الوسط.
وقوله رضي الله عنه: كان ربعة من القوم: أي معتدلا وسطا.
وقوله رضي الله عنه: ولم يكن بالجعد القطط: فيها بيان لجمال شعره صلى الله عليه وسلم وعدم جعودته وهو الالتواء.
وقوله رضي الله عنه: ولا بالسبط يفيد أيضا أنه صلى الله عليه وسلم لم يكن مسترسل الشعر. وقوله وكان جعدا رَجِلا: أي شعره فيه جمال بديع حيث أنه منقبض ملتوي الشعر صلى الله عليه وسلم.
وقوله رضي الله عنه: ولم يكن بالمطهم ولا المكلثم: أي أنه صلى الله عليه وسلم لم يكن منتفخ الوجه فاحش السمنة، ولا هو مجتمع اللحم في وجهه كوجه أهل السمن الغلاظ، أو لعله يقصد بالمطهم النحيف التافه، فلا هو نحيف تافه الوجه أو غليظ الوجه مجتمع لحمه كأهل السمنة والغلظة والتُّخمة.
وقوله رضي الله عنه: كان في وجهه تدوير تفيد: استدارة وجه الحبيب صلى الله عليه وسلم.
وقوله رضي الله عنه: أدعج العينين: أي كان صلى الله عليه وسلم شديد سواد العين، شديد بياض بياضها.
وقوله رضي الله عنه: أهدب الأشفار: أي طويل شعر الأجفان صلى الله عليه وسلم.
وقوله رضي الله عنه: جليل المشاش والكُتد: أي أنه صلى الله عليه وسلم كان عظيم رءوس العظام كالمرفقين والكتفين والركبتين ومجتمع الكفين.
وقوله رضي الله عنه: دقيق المسربة: أي أنه صلى الله عليه وسلم كان ذو شعر على هيئة خط دقيق بين صدره وسرته صلى الله عليه وسلم ، وهذا غالبا من علامات الرجولة والفحولة.
وقوله رضي الله عنه: أجرد: أي الذي ليس على بدنه شعر، إلا في أماكن مخصوصة.
وقوله رضي الله عنه: شثن الكفين والقدمين: أي غليظ أصابع الكفين والقدمين.
وقوله رضي الله عنه: إذا مشى تَقَلَّع؛ كأنما يمشي في صبب: تفيد سرعة الرسول صلى الله عليه وسلم في مشيته التي لا يمشي فيها مختالا فخورا ولا متكبرا، ولا هي مشية الجبَّارين.
وقوله رضي الله عنه: ومن رآه بديهة هابه: أي أنه صلى الله عليه وسلم كان مهاب الجانب ممن يراه حتى لو رآه فجأة، فضلا عمن عاشره صلى الله عليه وسلم وجرب دماثة أخلاقه.
وقوله رضي الله عنه: ضخم الرأس: أي أنه صلى الله عليه وسلم لم يكن صغير الرأس إذا يعرف عادة صاحبه بالمكر والخداع إنما كان مبرأ من هذه الصفة صلى الله عليه وسلم.
وقوله رضي الله عنه: ضخم الكراديس: أي أنه صلى الله عليه وسلم كان ضخم رؤوس العظام، أي ضخم الأعضاء.
4- أبو هريرة رضي الله عنه يصف النبي صلى الله عليه وسلم
قال أبو هريرة رضي الله عنه يصف رسول الله صلى الله عليه وسلم:
ما رأيت شيئا أحس من رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ كأن الشمس تجري في وجهه، وما رأيت أحدا أسرع في مشيته من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، كأنما الأرض تطوى له، وإنّا لنجهد أنفسنا، وإنه لغير مكترث(28).
أفاد وصف أبي هريرة رضي الله عنه للنبي صلى الله عليه وسلم صفتين بارزتين في الرسول صلى الله عليه وسلم وهما حسن المنظر وبهاؤه ونضرته، حتى كأن الشمس بشدة ضوئها تجري في وجهه، والصفة الثانية: سرعة مشيته لدرجة أنه من سرعته صلى الله عليه وسلم كأن الأرض تطوى له، وكان الماشي معه صلى الله عليه وسلم يسرع خطاه بشدة فلا يكاد يسبقه رغم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يمشي غير مكترث، وكأن ذلك سجيّة فيه صلى الله عليه وسلم وهذه مشية أهل التواضع وليس الجبّارين الذين يختالون في مشيتهم، الذين تمقتهم القلوب.
5- جابر بن سَمُرة رضي الله عنه يصف النبي صلى الله عليه وسلم:
يقول رضي الله عنه: كان صلى الله عليه وسلم ضليع الفم، أشكل العين، منهوس العقبين(29)، ويقول أيضا: رأيته صلى الله عليه وسلم في ليلة إضحيان فجعلت أنظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وإلى القمر – وعليه حلة حمراء – فإذا هو أحسن من القمر(30).
أفاد وصف جابر بن سمرة الأول للرسول صلى الله عليه وسلم أن فم رسول الله صلى الله عليه وسلم عظيم مع جمال، كما أنه طويل شق العين، قليل اللحم في العقبين.
وأفاد وصفه الثاني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أبهى من القمر ليلة تمامه.
ويقول أيضا رضي الله عنه: كان في ساقيه حُمُوشة وكان لا يضحك إلا تبسما، وكنت إذا نظرت إليه قلت: أكحل العينين وليس بأكحل(31). ومعنى ذلك أن أعضاء جسم النبي صلى الله عليه وسلم متناسبة وفيها لطافة وذلك في سائر أعضائه صلى الله عليه وسلم.
وقال رضي الله عنه: مسح خدي فوجدت ليده بردا أو ريحا كأنما أخرجها من جونة عطار(32)، أي كأنها من شدة طيب ريحها خرجت من حرز العطار، صاحب العِطر الذي جمع فيه عطره وذلك عندما كان جابر صبيا صغيرا.
6- أنس بن مالك رضي الله عنه يصف النبي صلى الله عليه وسلم
قال أنس رضي الله عنه: كان صلى الله عليه وسلم بسط الكفين. وقال: كان صلى الله عليه وسلم أزهر اللون، ليس بأبيض أمهق، ولا أدِم، قُبض وليس في رأسه عشرون شعرة بيضاء(33).
وقال رضي الله عنه: إنما كان شيئا: أي من شيب في صدغيه(34).
وقال رضي الله عنه: ما مسست حريرا ولا ديباجا ألين من كفّ النبي صلى الله عليه وسلم ، ولا شممت ريحا قط أو عَرفا قط، وفي رواية: ما شممت عنبرا قط أو مِسكا ولا شيئا أطيب من ريح أو عَرف رسول الله صلى الله عليه وسلم (35).
وبذلك أفاد وصف أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس أبيض شديد البياض ولا أسود إنما كان أزهر؛ أي أبيض مشربا بحمرة.
وكذلك لم يكن به إلا شعرات قليلة من الشيب.
وذلك كان صلى الله عليه وسلم طيب الملمس طيب الرائحة دائما.
وقال رضي الله عنه: كان عرقه صلى الله عليه وسلم اللؤلؤ.
7- عبد الله بن عباس رضي الله عنهما يصف الرسول صلى الله عليه وسلم
قال رضي الله عنه: كان أفلج الثنيتين، إذا تكلّم رُؤي كالنور يخرج من بين ثناياه، وأما عنقه فكأنه جيد دُمية في صفاء الفضة، وكان في أشفاره وطف، وفي لحيته كثافة، وكان واسع الخدّين، من لِبّته إلى سرته شعر يجري كالقضيب، ليس في بطنه ولا صدره شعر غيره، أشعر الذراعين والمنكبين، سواء في البطن والصدر، مسيح الصدر عريضه، طويل الزند، رحب الراحة، سَبْط القصب والأخمصتان سابل الأطراف، إذا زال زال قلعا، ويخطو تكفيا ويمشي هونا(36).
أفاد وصف عبد الله بن عباس رضي الله عنهما لرسول الله صلى الله عليه وسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان بين أسنانه تباعد وهي التي في مقدمة الفم، وكان عنقه جميل، جمال عنق الدّمية الجميلة وقد ارتفع أعلى أنفه واحدودب وسطه وضاق منخراه، وأن ساعديه وساقيه ليس فيها نتوء ولا عقد وأن قدميه فيها مكان لا يلتصق بالأرض عند الوطء.
8- كعب بن مالك رضي الله عنه يصف الرسول صلى الله عليه وسلم
يقول كعب بن مالك رضي الله عنه: كان إذا سُر استنار وجه حتى كأنه قطعة قمر(37).
أفاد كعب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يستبشر حتى يظهر ذلك البشر على ملامح وجهه صلى الله عليه وسلم حتى كأنه القمر.
9- أبو بكر الصديق رضي الله عنه يصف الرسول صلى الله عليه وسلم
كان رضي الله عنه: إذا رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
أمين مصطفى بالخير يدعو
كضوء البدر زايله الظلام(38).
10- عمر بن الخطاب رضي الله عنه يصف الرسول صلى الله عليه وسلم
كان الفاروق رضي الله عنه ينشد قول زهير في مدح هرم بن سنان، عندما يرى رسول الله صلى الله عليه وسلم:
لو كنت في شيء سوى البشر
كنت المضيء ليلة البدر
ثم يقول: كذلك كان رسول الله صلى الله عليه وسلم(39).
11- عائشة رضي الله عنها تصف الرسول صلى الله عليه وسلم
كانت عائشة رضي الله عنها مرة وعندها رسول الله صلى الله عليه وسلم فعرق صلى الله عليه وسلم ، فجعلت تبرق أسارير وجهه فقالت:
إذا نظرت إلى أسرة وجهه
برَقَت كبرق العارض المتهلل
تتمثل له ببيت قاله أبو كبير الهذلي(40).
12- جابر بن عبد الله رضي الله عنه يصف الرسول صلى الله عليه وسلم
قال جابر رضي الله عنه: لم يسلك رسول الله طريقا فيتبعه أحد إلا عرف أنه قد سلكه من طيب عَرْفه أو قال من ريح عَرَقه(41).
وقال رضي الله عنه: كان بين كتفيه خاتم النبوة مثل بيضة الحمامة، يشبه جسده، وكان عند ناغض كتفه اليسرى، جمعا خيلان كأمثال الثاليل(42) وهي هذه الحبة التي تظهر في الجلد كالحُمُصة فما دونها.
13- أبو جحيفة رضي الله عنه يصف الرسول صلى الله عليه وسلم
يقول رضي الله عنه: أخذت بيده صلى الله عليه وسلم ، فوضعتها على وجهي، فإذا هي أبرد من الثلج، وأطيب رائحة من المسك(43).
وقال رضي الله عنه: رأيت بياضا تحت شفته السفلى: العنفقة(44).
14- أبو الطفيل رضي الله عنه يصف النبي صلى الله عليه وسلم
قال رضي الله عنه: كان صلى الله عليه وسلم أبيض، مليح الوجه، مقصدا(45).
أي أنه صلى الله عليه وسلم ليس بجسيم ولا نحيف ولا طويل ولا قصير.
15- عبد الله بن بسر يصف الرسول صلى الله عليه وسلم
قال عبد الله بن بسر رضي الله عنه: كان في عنفقة الرسول صلى الله عليه وسلم شعرات بيض (46).
16- الرُبَيع بنت معوّذ رضي الله عنها تصف الرسول صلى الله عليه وسلم
قالت رضي الله عنها: لو رأيته رأيت الشمس طالعة(47).
وصف الرسول صلى الله عليه وسلم في كتب السيرة
1- ابن حزم يصف الرسول صلى الله عليه وسلم
قال ابن حزم رحمه الله(48): كان صلى الله عليه وسلم ليس بالطويل البائن، ولا بالقصير، ولا بالأبيض المهق ولا الآدم، ولا بالجعد القطط، ولا السبط، رجِل الشعر، أزهر اللون، مشربا بحمرة في بياض ساطع كأن وجهه القمر حسنا، ضخم الكراديس (أي عظم المفصل)، أوطف الاشفار، أدعج العينين، في بياضها عروق حمر رقاق، حسن الثغر، واسع الفم، حسن الأنف، إذا مشى كأنه يتكفأ، إذا التفت التفت بجميعه، كثير النظر إلى الأرض، ضخم اليدين لينهما، قليل لحم العقبين، كثّ اللحية واسعها، أسود الشعر، ليس لرجليه أخمص، إذا طول شعره فإلى شحمة أذنيه ومع كتفه، وإذا قصره فغلى أنصاف أذنيه، لم يبلغ شيب رأسه ولحيته عشرين شعرة.
وهو محمد صلى الله عليه وسلم وأحمد، والماحي؛ يمحو الله به الكفر، والحاشر؛ يحشر الناس على عقبيه، والعاقب؛ ليس بعده نبي، والمقفى، ونبي التوبة، ونبي الملحمة، وسمّاه الله تعالى رءوفاً رحيما.
وكان على نغض كتفه الأيسر خاتم النبوة، كأنه بيضة حمامة، لونه لون جسده، عليه خيلان ومن فوقه شعرات. أ.هـ.
2- ابن سعد يصف الرسول صلى الله عليه وسلم
روى ابن سعد في الطبقات الكبرى(49): عن عائشة رضي الله عنها: قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لا يسرد سردكم هذا، يتكلم بكلام فصل، يحفظه من سمعه.
وعن جابر رضي الله عنه قال: كان في كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ترتيب وترسيل.
وعن إسماعيل بن عياش قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أصبر الناس على أوزار الناس.
وروى عن سيار بن الحكم قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ، إذا مَشَى مَشَى مَشْي الشوقى ليس بالعاجز ولا الكسلان.
وروى عن إسحاق بن عيسى عن أبيه، قال: ما رؤي رسول الله صلى الله عليه وسلم يأكل متكئا قط، ولا يطأ عقبه رجلان (يقصد ليس كعادة المتكبرين يمشي خلفهم الأتباع والحراس والحشم).
وروى عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ، إذا أتى الغائط لم يرفع ثيابه حتى يدنو من المكان الذي يريد (أي من الأرض). أ.هـ.
3- ابن الجوزي يصف الرسول صلى الله عليه وسلم
قال ابن الجوزي رحمه الله(50): عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن أنه سمع أنس بن مالك ينعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم رِبعة من القوم، ليس بالقصير ولا بالطويل البائن، أزهر ليس بالآدم ولا الأبيض الأمهق، رجل الشعر، ليس بالسبط ولا الجعد القطط، بعث على رأس أربعين، أقام بمكة عشرا وبالمدنية عشرا، وتوفي على رأس الستين، ليس في رأسه عشرون شعرة بيضاء، أخرجاه في الصحيحين.
وعن أنس قال: ما مسست حريرا ولا ديباجا ألين من كف النبي صلى الله عليه وسلم ، ولا شممت ريحا قط أطيب من ريح أو عرق النبي صلى الله عليه وسلم.
وعن على بن أبي طالب رضي الله عنه قال في وصف الرسول صلى الله عليه وسلم: لم يكن بالطويل الممغط(51)، ولا بالقصير المتردد(52)، كان رِبعة من القوم، لم يكن بالجعد القطط(53) ولا بالسبط، كان جعدا رجِلا، ولم يكن بالمطهم(54) ، ولا المتكلثم(55) وكان في وجهه تدوير، أبيض مشربا(56)، أدعج العينين، أهدب الأشفار، جليل المشاش والكتد(57)، أجرد، ذو مسربة(58)، شثن(59) الكفين والقدمين، إذا مشى تقلّع، كأنما ينحطّ من صَبب، وإذا التفت التفت معا، بين كتفيه خاتم النبوة، وهو خاتم النبيين، أجود الناس صدرا، وأصدق الناس لهجة، وألينهم عريكة، وأكرمهم عشرة، من رآه بديهة هابه، ومن خالطه معرفة أحبه، يقول ناعته: لم أر قبله ولا بعده مثله صلى الله عليه وسلم.
عن الحسن بن على قال: سألت خالي هند بن أبي هالة، وكان وصّافا، عن حلية النبي صلى الله عليه وسلم ، وأنا أشتهى أن يصف لي منها شيئا أتعلق به، فقال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فخما، مفخما، يتلألأ وجهه تلألؤ القمر ليلة البدر، أطول من المربوع، وأقصر من المشذب(60) عظيم الهامة. رجِل الشعر(61)، إن انفرقت عقيقته(62) وفرق، وإلا فلا يجاوز شعره شحمة أذنيه إذا هو وفّر، أزهر اللون، واسع الجبين، أزج الحواجب سوابغ في غير قرن، بينهما عرق يدره الغضب، أقنى العرنين، له نور يعلوه يحسبه من لم يتأمله أشم(63)، كث اللحية، سهل الخدين، ضليع الفم، مفلج الأسنان، دقيق المسربة، كأن عقنه جيد دمية، في صفاء الفضة، معتدل الخلق بادن متماسك، سواء البطن والصدر، عريض الصدر، بعيد ما بين المنكبين، ضخم الكراديس، أنور المتجرد، موصول ما بين اللبة والسُّرة بشعر يجري كالخيط، عاري الثديين والبطن مما سوى ذلك، أشعر الذارعين، والمنكبين وأعالي الصدر، طويل الزندين، رحب الراحة، شئن الكفين الأخمصين، مسيح القدمين، ينبو عنهما الماء، وإذا زال زال قلعا، يخطو تكفيا، ويمشي هونا، ذريع المشية، إذا مشي كأنما ينحط من صبب، وإذا التفت التفت جميعا، خافض الطرف، نظره إلى الأرض، أطول من نظره إلى السماء، جل نظره للملاحظة، يسوق أصحابه(64)، ويبادر من لقيه بالسلام.
قلت: فصف لي منطقة، قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ، متواصل الأحزان، دائم الفكر، ليست له راحة، طويل السكوت، لا يتكلم في غير حاجة، يفتتح الكلام ويجتمع بأشداقه، ويتكلم بجوامع الكلام فصلا، لا فضول ولا تقصير، ليس بالجافي ولا المهين، يعظّم النعمة وإن دقّت، ولا يذم منها شيئا غير أنه لم يكن يذم ذواقا(65) ولا يمدحه، ولا تغضبه الدنيا وما كان لها، فإذا تُعدي الحق لم يقم لغضبه شيء حتى ينتصر له، ولا يغضب لنفسه، ولا ينتصر لها، إذا أشار أشار بكفه كلها، وإذا تعجب قلبها وإذا تحدث اتصل بها وضرب براحته اليمنى بطن إبهمامها اليسرى، وإذا غضب أعرض وأشاح، جُل ضحكه التبسم.
قال الحسن: فكتمتها الحسين زمانا ثم حدثته بها فوجدته قد سبقني إليه، فسأله عما سألته عنه، ووجدته قد سال أباه عن مدخله، ومخرجه وشكله فلم يدع منه شيئا.
قال الحسين: سألت أبي عن دخول رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أوى إلى منزله جزأ دخوله ثلاثة أجزاء: جزء لنفسه وجزء لأهل ثم جزء بينه وبين الناس، فيرد بذلك بالخاصة على العامة، ولا يدّخر عنهم منه شيئا، وكان من سيرته في جزء الأمة إيثار أهل الفضل بإذنه، وقسمه على قدر فضلهم في الدين، فمنهم ذو الحاجة ومنهم ذو الحاجتين، ومنهم ذو الحوائج، فيتشاغل بهم، ويشغلهم فيما يصلحهم والأمة من مسألته عنهم، وإخبارهم بالذي ينبغي لهم، ويقول: ليبلغ الشاهد منكم الغائب، وأبلغوني حاجة من لا يستطيع إبلاغها، ثبت الله قدميه يوم القيامة، لا يذكر عنده إلا ذلك، ولا يقبل من أحد غيره، يدخلون رواءا، ولا يفترقون إلا عن ذواق، ويخرجون أدلة، أي على الخير.
قال: فسألته عن مخرجه، كيف كان يصنع فيه؟ قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخزن لسانه إلا فما يعنيه، ويؤلفهم ولا ينفرهم، ويكرم كريم كل قوم، ويوليه عليهم، ويحذر الناس ويحترس منهم من غير أن يطوي عن أحد منهم بشره، ولا خُلقه، ويتفقد أصحابه ويسأل الناس عما في أيدي الناس، ويحسّن الحسن ويقويه، ويقبّح القبيح ويوهيه، معتدل الأمر غير مختلف، لا يغفل مخافة أن يغفلوا أو يملوا، لكل حال عنده عتاد، لا يقصر عن الحق ولا يجاوزه، الذي يلونه من الناس خيارهم، أفضلهم عنده أعمهم نصيحة، وعمهم عنده منزلة أحسنهم مواساة ومؤازرة.
قال: فسألته عن مجلسه، فقال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يقوم ولا يجلس إلا على ذكر، وكان إذا انتهى إلى قوم جلس حيث ينتهي به المجلس، ويأمر بذلك، ويعطي كل جلسائه نصيبهم، لا يحسب جليسه أن أحدا أكرم عليه ممن جالسه، ومن سأله حاجة لم يردّه إلا بها أو بميسور من القول، قد وسع الناس بسطه وخلقه، فسار لهم أبا وصاروا عنده في الحق سواء، مجلسه مجلس حلم وحياء، وصبر وأمانة، لا تُرفع فيه الأصوات، ولا تؤبن فيه الحُرَم، يتعاطفون فيه بالتقوى، متواضعين، يوقرون فيه الكبير، ويرحمون فيه الصغير، ويؤثرون ذا الحاجة، ويحفظون الغريب.
قلت: وكيف كانت سيرته في جلسائه، فقال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم دائم البشر، سهل الخلق، لين الجانب، ليس بفظّ، ولا غليظ، ولا سخاب ولا فحاش ولا عيّاب، ولا مدّاح، يتغافل عما لا يُشتهي، ولا يُؤيس منه، ولا يخيب فيه مؤمليه، قد ترك نفسه من ثلاث: المراء والإكثار وما لا يعنيه، وترك الناس من ثلاثة: لا يذم أحدا ولا يعيبه، ولا يطلب عودته ولا يتكلم إلا فيما رجا ثوابه، وإذا تكلم أطرق جلساؤه كأنما على رؤوسهم الطير، وإذا سكت تكلموا، لا يتنازعون عنده الحديث، من تكلم عنده أنصتوا له حتى يفرغ، حديثهم عنده حديث أولهم، يضحك مما يضحكون منه، ويتعجب مما يتعجبون منه، ويصبر للغريب على الجفوة في منطقة، ومسألته، حتى إذا كان أصحابه ليستجليونهم، ويقول: (إذا رأيتم طالب حاجة فارفدوه) ولا يقبل الثناء إلا من مكافيء، ولا يقطع على أحد حديثه، حتى يجوز فيقطعه بنهي أو قيام. «رواه الترمذي».
قال فسألته عن سكوت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال: كان سكوته على أربع، على الحلم، والحذر، والتقدير، والتفكير، فأما التقدير ففي تسوية النظر والاستماع من الناس، وأما تفكره ففيما يبقى ولا يفنى، وجمع له الحلم في الصبر، ولا يغضبه شيء ولا يستفزه، وجمع له الحذر في أربع: أخذه بالحسن ليقتدي به، وتركه القبح ليتناهى عنه واجتهاده الرأي في إصلاح أمته والقيام لهم فيما جمع لهم من خير الدنيا والآخرة.
مبشرات برسول الله صلى الله عليه وسلم
بحيرا الراهب بيشر بالرسول صلى الله عليه وسلم
قال ابن الجوزي رحمه الله: عن داود بن الحصين، قال: لما خرج أبو طالب إلى الشام وبها راهب يقال له: «بحيرا» في صومعة له، وكان علماء النصارى يكونون في تلك الصومعة يتوارثونها عن كتاب يدرسونه، فلما نزلوا ببحيرا وكانوا كثيرًا ما يمرون به لا يكلمهم حتى إذا كان ذلك العام ونزلوا منزلا قريبا من صومعته قد كانوا ينزلونه قبل ذلك كلما مروا، فصنع لهم طعاما ودعاهم، وإنما حمله على دعائهم أنه رآهم حين طلعوا وغمامة تظل رسول الله صلى الله عليه وسلم من بين القوم حتى نزلوا تحت الشجرة، ثم نظر إلى تلك الغمامة أظلت تلك الشجرة، وأخضلت أغصان الشجرة على النبي صلى الله عليه وسلم حيت استظل تحتها، فلما رأي بحيرا ذلك نزل من صومعته، وأمر بذلك الطعام فأتى به، وأرسل إليهم فقال: إني قد صنعت لكم طعاما يا معشر قريش، وأنا أحب أن تحضروه كلكم ولا تخلفوا منكم صغيرا ولا كبيرا، حُرا ولا عبدا، فإن هذا شيء تكرمونني به، فقال رجل: إن لك لشأنا يا بحيرا، ما كنت تصنع بنا هذا فما شأنك اليوم؟ قال: فإني أحببت أن أكرمكم فلكم حق. فاجتمعوا إليه وتخلّف رسول الله صلى الله عليه وسلم من بين القوم لحداثة سنه ليس في القوم أصغر منه في رحالهم تحت الشجرة، فلما نظر بحيرا إلى القوم فلم ير الصفة التي يعرف ويجدها عنده، وجعل ينظر فلا يرى الغمامة على أحد من القوم، ورآها مختلفة على وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال بحيرا: يا معشر قريش لايتخلف أحد منكم عن طعامي. فقالوا: ما تخلّف أحد إلا غلام هو أصغر القوم سنا في رحالهم. فقال: ادعوه فليحضر طعامي فما أقل أن يتخلف رجل واحد مع أني أراه من أنفسكم. فقال القوم: هو والله أوسطنا نسبا وهو ابن أخي هذا الرجل، يعنون أبو طالب، وهو من ولد عبد المطلب، فقال الحارث بن عبد المطلب والله إن كان بنا للؤم أن يتخلف ابن عبد المطلب من بيننا. ثم قام فاحتضنه وأقبل به حتى أجلسه على الطعام، والغمامة تسير على رأسه، وجعل بحيرا يلحظ لحظا شديدا، وينظر إلى أشياء في جسده قد كان يجدها عنده في صفته، فلما تفرقوا عن طعامهم، قام إليه الراهب فقال: يا غلام أسألك بحق اللات والعزى إلا ما أخبرتني عما أسألك عنه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تسألني باللات والعزى، فو الله ما أبغضت شيئا بغضها. قال: فبالله إلا ما أخبرتني عما أسألك عنه. قال: سلني عما بدا لك، فجعل يسأله عن أشياء من حاله إلى نومه، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يخبره فيوافق ذلك، ما عنده، ثم جعل ينظر بين عينيه، ثم كشف عن ظهره فرأي خاتم النبوة بين كتفيه على الصفة التي عنده، فقبل موضع الخاتم. وقالت قريش: إن لمحمد عند هذا الراهب لقدرا، وجعل أبو طالب لما يرى من الراهب يخاف على ابن أخيه، فقال الراهب لأبي طالب: ما هذا الغلام منك؟ قال أبو طالب: ابني. قال: ما هو بابنك وما ينبغي لهذا الغلام أن يكون أبوه حيا. قال: فابن أخي. قال: فما فعل أبوه؟ هلك وأمه حبلي به، قال: فما فعلت أمه قال: توفيت قريبا. قال: صدقت ارجع بابن أخيك إلى بلده واحذر عليه اليهود، فو الله لئن رأوه وعرفوا منه ما عرفتُ ليبغنه بغيا فإنه كائن لأبن أخيك هذا شأن عظيم نجده في كتبنا وما روينا عن آبائنا، واعلم أني قد أديت إليك النصيحة فلما فرغوا من تجارتهم خرج به سريعا، وكان رجال من يهود قد رأوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وعرفوا صفته، فأرادوا أن يغتالوه فذهبوا إلى بحيرا فذكروا أمره فنهاهم أشد النهي وقال لهم: أتجدون صفته؟ قالوا: نعم، قال: فما لكم إليه سبيل فصدّقوه وتركوه. ورجع أبو طالب، فما خرج به سفرا بعد ذلك خوفا عليه(66).
اعتراف أهل الكتاب بنبوته وصفته في كتبهم
التي لم تحرّف
قال ابن الجوزي رحمه الله: قال كعب الأحبار: نجد نعت رسول الله صلى الله عليه وسلم في التوراة: محمد بن عبد الله عبدي المختار، مولده بمكة، ومهاجره بالمدينة، لا فظّ ولا غليظ ولا صخّاب في الأسواق.
وعن أبي هريرة قال: أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بيت المدارس (بيت عبادة اليهود) فقال: أخرجوا إلى أعلمكم، فقالوا: «عبد الله ببن صوريا» فخلا به رسول الله صلى الله عليه وسلم فناشده بدينه وبما أنعم الله به عليهم وأطعمهم من المن والسلوى، وظلّلهم به من الغمام ثم قال: أتعلم أني رسول الله؟ قال: اللهم نعم، وأن القوم يعرفون ما أعرف، وأن صفتك ونعتك لمبيّن في التوراة، ولكنهم حسدوك. قال: فما يمنعك أنت؟ قال: أكره خلاف قومي، وعسى أن يتبعوك ويسلموا فأسلم.
وعن ابن عباس قال: كانت يهود بني قريظة والنضير وفدك وخيبر يجدون صفة النبي صلى الله عليه وسلم عندهم قبل أن يبعث، وأن دار هجرته المدينة، فلما ولد رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت أحبار يهود: ولد أحمد الليلة، فلما نبئ قالوا قد نبئ أحمد، يعرفون ذلك ويقرون به ويصفونه، فما منعهم عن إجابته إلا الحسد والبغي.
وعن عبد الحميد بن جعفر عن أبيه قال: كان الزبير بن باطا – وكان أعلم اليهود – يقول: إني وجدت سِفْرا كان أبي يختمه عليّ، فيه ذكر أن أحمد نبي صفته كذا وكذا، فحدث به الزبير بعد أبيه والنبي صلى الله عليه وسلم لم يبعث، فما هو إلا أن سمع بالنبي صلى الله عليه وسلم قد خرج إلى مكة فعمد إلى ذلك السِفْر فمحاه وكتم شأن النبي صلى الله عليه وسلم وقال: ليس به.
وعن سلمة بن سلامة بن وقش، قال: كان لنا جار من يهود في بني عبد الأشهل، قال: فخرج علينا يوما من بيته قبل النبي صلى الله عليه وسلم بيسير، حتى وقف على مجلس بني عبد الأشهل، قال سلمة: وأنا يومئذ أحدث من فيه سنا على بردة مضطجعا فيها بفناء أهلي، فذكر البعث والقيامة والحساب والميزان والجنة والنار، فقال ذلك لقوم أهل شرك، أصحاب أوثان لا يرون أن بعثا كائن بعد الموت، فقالوا له: ويحك يا فلان ترى هذا كائنا أن الناس يبعثون بعد موتهم إلى دار فيها جنة ونار يجزون فيها بأعمالهم؟ قال: نعم والذي يحلف به يود أحدهم أن له بحظه من تلك النار أعظم تنور في الدنيا يحمونه ثم يدخلونه أياه فيطبقون عليه، وان ينجو من تلك النار غدا. قالوا له: ويحك وما آية ذلك؟ قال: نبي يبعث من نحو هذه البلاد، وأشار بيده نحو مكة واليمن، قالوا: ومتى تراه؟ قال فنظر إلي وأنا من أحدثهم سنا فقال: إن يستنفذ هذا الغلام عمره يدركه.
قال سلمة: فو الله ما ذهب الليل والنهار حتى بعث الله تعالى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو حي بين أظهرنا، فآمنا به وكفر به بغيا وحسدا، فقلنا: ويلك يا فلان ألست الذي قلت لنا فيه ما قلت؟ قال: بلى وليس به(67).
أوصاف الرسول صلى الله عليه وسلم في التوراة
جاء في سفر التثنية على لسان موسى عليه السلام: (يقيم لك الرب إلهك نبيا من وسطك من أخوتك مثلي، لو تسمعون)، (قال لي الرب: وسوف أقيم لهم نبيا مثلك من بين أخوتهم وأجعل كلامي في فمه، ويكلمهم بكل شيء آمره به)، ومن لم يطع كلامي الذي يتكلم فيه باسمي فأنا أكون المنتقم منه)، (فأما النبي الذي يجتريء بالكبرياء، ويتكلم في اسمي ما لم آمره به بأن يقول: أم باسم آلهة أخرى، فليقتل ذلك النبي)، (وإن قلت في قلبك: كيف نعرف الكلام الذي لم يتكلم به الرب؟)، (فما تكلم به النبي باسم الرب، ولم يحدث ولم يصر، فهو الكلام الذي لم يتكلم به الرب، بل بطغيان تكلم به النبي، فلا تخف منه) انتهى منه سفر التثنية.
فهذه ست فقرات من التوراة بشرت بني إسرائيل بنبي يأتي من بعد موسى.
ففي الفقرة الأولى: وصفته بكونه من إخوة بني إسرائيل، وليس منهم حقيقة، وكونه نبيا يشابه موسى في أوصافه وخصائصه.
وفي الفقرة الثانية: بيّنت أن الله سبحانه سيجعل كلامه في فم هذا النبي، وسيكلم الناس بكل ما يوحي إليه، ويبلغهم إياه.
وفي الفقرة الثالثة: إن الذي لا يطيع هذا النبي ولا يقبل كلامه الذي هو وحي من الله، فإن الله سيكون هو المنتقم منه.
وفي الفقرة الرابعة: إن نهاية المتنبيء الكذب الذي يفتري على الله الكذب هو القتل، يفهم بمفهوم المخالفة أن النبي المبشر به لن يستطيع أحد أن يقتله.
وفي الفقرة الخامسة: أن من علامات صدق هذا النبي أنه سيخبر بأمور وحوادث غيبية، سوف تتحقق وتقع كما أخبر، وبذلك يتميز عن المتنبيء الكاذب.
وعلى ضوء هذه الفقرات نجد أن هذه الصفات لا تتحقق في عيسى ابن مريم ولا في غيره من أنبياء بني إسرائيل للآتي:
الأول: لأن البشارة إنما وقعت بنبي من أخوة بني إسرائيل وليس من بني إسرائيل أنفسهم.
الثاني: كون المبشّر به نبينا يشابه موسى في أوصافه وخصائصه وأعماله ويماثله في كونه صاحب شريعة عامة شاملة تلتزم بها الأمة من بعده، وعندهم عيسى لا يشبه موسى ولا أحد من أنبياء بني إسرائيل.
الثالث: وهي أن الله سيجعل كلامه في فمه، فيكلمهم بكل ما يوصيه به، فإنها تشير إلى أن الله سبحانه سينزل على هذا النبي كتاب يظهر للناس من فمه، وفي هذا إشارة إلى أنه سيكون أُمّيا، لا يكتب ولا يقرأ.
الرابع: وهي أن الله – كما مرّ بنا في الفقرة الثالثة – سيؤيد هذا النبي وينصره على من يكفر به، لأن الانتقام هنا هو الانتقام التشريعي الذي يشمل الجهاد الذي تكون فيه العاقبة لذلك النبي وأصحابه، كما يشمل القصاص وإقامة الحدود ولا يمكن أن يكون المراد به محض العذاب في الآخرة، لأن هذا عام لا يختص به نبي دون آخر.
الخامس: أن الفقرة الأخيرة تدل على أن هذا النبي سيخبر أمته ببعض الأمور الغيبية التي يطلعه عليها، وسوف تتحقق، ويراها أصحابه وأمته من بعده، حدثت كما أخبر، وهذه الصفة تنطبق على محمد صلى الله عليه وسلم أتم الانطباق، مثل أخباره بفتح القسطنطينية أولا، ثم رومية، وقد فتحت قسطنطينية أولا فعلاً، وما زلنا ننتظر فتح روما إن شاء الله، وغيرها كثير.
السادس: أن بعض هذه الفقرات تفيد أن نهاية المتنبئ الكاذب هو القتل، والمسيح في زعم النصارى قتل وصُلب، فهل هو متنبئ كاذب كما يدعي اليهود(68).
أوصافه صلى الله عليه وسلم في الإنجيل والبشارة به
جاء في إنجيل يوحنا بشارة المسيح عليه السلام بأخيه محمد صلى الله عليه وسلم ما نصه: (إن كنتم تحبوني فاحفظوا وصاياي، وأنا أطلب من الأب فيعطيكم فاراقليط آخر ليثبت معكم إلى الأبد، روح الحق الذي لن يطيق العالم أن يقبله، لأنه ليس يراه ولا يعرفه، وأنتم تعرفونه لأنه مقيم عندكم، وهو ثابت فيكم)، (والفاراقليط روح القدس الذي يرسل الأب باسمي، وهو يعلمكم كل شيء وهو يذكركم كل ما قلته لكم)، (والآن قلت لكم قبل أن يكون، حتى إذا كان تؤمنون)، لكن أقول لكم الحق: (إن خيرا لكم أن أنطلق لأني إذ لم أنطلق)، لم يأتكم الفاراقليط، فأما إن انطلقت أرسلته إليكم)، (فإذا جاء ذلك فهو يوبّخ العالم على خطية وعلى بر وعلى حكم)، (وإذا جاء روح الحق ذلك فهو يعلمكم جميع الحق، لأنه ليس ينطق من عنده، بل يتكلم بكل ما يسمع، ويخبركم بما سيأتي)، (وهو ليس ينطق من عنده بل يتكلم بكل ما يسمع، ويخبركم بما سيأتي) (يمجدني لأنه يأخذ مما هو لي ويخبركم). أ.هـ من إنجيل يوحنا.
ومن أكبر هذه الأوصاف في تلك الفقرات أن اسمه فاراقليط وهي مشتقة من الحمد باللغة اليونانية وقيل يعني «أحمد» صراحة هكذا.
وأن هذا النبي شريعته إلى يوم القيامة، وهذا الوصف متحقق في نبي الإسلام لأنه خاتم النبيين (69).
صفاته صلى الله عليه وسلم في كتب العهد القديم
1- جاء في (سفر دانيال): يقول النبي (دانيال): سألت الله وتضرعت إليه أن يبين ما يكون من بني إسرائيل. فأخبره الله بما يكون إلى أن قال: (حتى أبعث نبي بني إسماعيل (أي نبينا) صلى الله عليه وسلم الذي بشرت به هاجر، وأرسلت إليها ملاكي فبشرها، فأوحى إلى ذلك النبي وأعلّمه الأسماء وأزيّنه بالتقوى، وأجعل البِرّ شعاره، والتقوى ضميره، وأخصه بكتاب مصدق لما بين يديه من الكتب وناسخ لبعض ما فيها، أسري به إلى وأرقيه من سماء إلى سماء حتى يعلو، فأدنيه وأسلم عليه، وأوحى إليه وأرقيه، ثم أرده إلى عبادي بالسرور والغِبطة، حافظا لما استودع، صادقا بما أمر، يدعو إلى توحيدي بالّلين من القول والموعظة الحسنة، لا فظّ ولا غليظ ولا صخّاب بالأسواق، رءوف بمن والاه، رحيم بمن آمن به، خشن على من عاداه، فيدعو قومه إلى توحيدي وعبادتي، ويخبرهم بما رأي من آياتي فيكذبونه ويؤذونه)(70).
2- وجاء في كتاب (حزقيل): يقول مخاطبا اليهود ومهددا لهم بأمة محمد: (وإن الله مظهرهم عليكم وباعث فيهم نبيا ومنزل عليهم كتابا، ويملّكهم رقابكم فيقهرونكم، ويذلّونكم بالحق، ويخرج رجال من بني قيدار في جماعات الشعوب معهم ملائكة على خيل بيض متسلحين يوقعون بكم وتكون عاقبتكم إلى النار)(71).
3- وجاء في مزامير داود: أن الله عز وجل قال لداود: (سيولد لك ولد أُدعى له أبا ويُدعى لي أبنا، اللهم ابعث جاعل السنة كي يعلِّم الناس أنه بشر)(72).
4- بشارة باسم الرسول صراحة في إنجيل برنابا: جاء في إنجيل (برنابا) الفصل (136) ما نصه: وبعد هذه السنين يجيء الملاك جبريل إلى الجحيم يسمعهم يقولون: «يا محمد أين وعدك لنا أن من كان على دينك لا يمكث في الجحيم إلى الأبد حتى قال: فحينئذ يكلم الرسولُ اللهَ ويقول: ربي وإلهي أَذْكُرُ وعدك لي وأنا عبد: بأن لا يمكث الذين قبلوا ديني في الجحيم إلى الأبد. فيجيب الله: أطلب يا خليلي لأن أهبك كل ما تطلب»(73).
5- اسم النبي صلى الله عليه وسلم في كتب العهد القديم: جاء في سفر (أشعيا): (إني جعلت أمرك يا محمد بالحمد يا قدوس الرب اسمك موجود إلى الأبد)(74).
6- وجاء في كتاب (حبقوق): لقد أضاءت السماء من بهاء محمد وامتلأت الأرض من حمده، وشاع منظره مثل النور يحوط بلاده بعزة، تسير المنايا أمامه).
قال ابن القيم رحمه الله: من رام صرف هذه البشارات عن محمد فقد رام ستر الشمس في النهار (75). أ.هـ.
هديه صلى الله عليه وسلم في أحواله
1- وصف نوم الرسول صلى الله عليه وسلم
قال ابن القيم رحمه الله: (كان ينام على الفرش تارة، وعلى النُطْع تارة، وعلى الحصيرة تارة، وعلى الأرض تارة، وعلى السرير تارة بين رماله، وتارة على كساء أسود، قال عبّاد بن تميم عن عمه: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم مستلقيا في المسجد واضعا إحدى رجليه على الأخرى)(76).
وكان فراشه أدما حشوه ليف، وكان له مِسْح ينام عليه يثني بثنيتين، وثني له يوما أربع ثنيات، فنهاهم عن ذلك، وقال: «ردوه إلى حاله الأولى، فإنه منعني صلاتي الليلة»(77).
والمقصود أنه نام على الفرش، وتغطى باللحاف، وقال لنسائه: «ما أتاني جبريل وأن في لحاف امرأة منكن غير عائشة»(78).
وكان إذا أوى إلى فرشه للنوم قال: «باسمك اللهم أحيا وأموت»(79) وكان يجمع كفيه ثم ينفث فيها، وكان يقرأ فيهما ﴿قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ﴾، و ﴿قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ﴾، و ﴿قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ﴾، ثم مسح بهما ما استطاع من جسده، يبدأ بهما على رأسه، ووجهه، وما أقبل من جسده يفعل ذلك ثلاث مرات(80).
وكان ينام على شقه الأيمن، ويضع يده اليمنى تحت خدّه الأيمن، ثم يقول: «اللهم قني عذابك يوم تبعث عبادك»(81).
وكان يقول إذا أوى إلى فراشه: «الحمد لله الذي أطعمنا وسقانا وكفانا وآوانا، فكم ممن لا كافي له ولا مؤوي» ذكره مسلم.
وذكر أيضا أنه كان يقول إذا آوى إلى فراشه: «اللهم رب السموات والأرض، ورب العرش العظيم، ربنا ورب كل شيء، فالق الحب والنوى منزل التوراة والإنجيل والفرقان، أعوذ بك من شر كل ذي شر أنت آخذ بناصيته، أنت الأول فليس قبلك شيء، وأنت الآخر فليس دونك شيء، أقض عنا الدين وأغننا من الفقر»(82).أ. هـ.(83)
2- وصف استيقاظ النبي صلى الله عليه وسلم وقيامه من نومه
كان إذا استيقظ من منامه بالليل قال: «لا إله إلا أنت سبحانك، اللهم إني أستغفرك لذنبي، وأسألك رحمتك، اللهم زدني علما ولا تزغ قلبي بعد إذ هديتني، وهب لي من لدنك رحمة، إنك أنت الوهاب»(84).
وكان إذا أنتبه من نومه قال: «الحمد لله الذي أحيانا بعد ما أماتنا وإليه النشور»(85)، ثم يتسوك وربما قرأ العشر الآيات من آخر (آل عمران) من قوله: ﴿إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ﴾ إلى آخرها، وقال: «اللهم لك الحمد، أنت نور السموات والأرض ومن فيهن، ولك الحمد، أنت قيّوم السموات والأرض ومن فيهن، ولك الحمد، أنت الحق ووعدك الحق، ولقاؤك حق، والجنة حق، والنار حق والنبيون حق، ومحمد حق، والساعة حق، اللهم لك أسلمت، وبك آمنت، وعليك توكلت، وإليك أنبت، وبك خاصمت، وإليك حاكمت، فاغفر لي ما قدمت وما أخّرت، وما أسررت وما أعلنت، أنت إلهي، لا إله إلا أنت»(86).
3- وصف أوقات نوم النبي صلى الله عليه وسلم
كان ينام أول الليل، ويقوم آخر، وربما سهر أول الليل في مصالح المسلمين وكانت تنام عيناه، ولا ينام قلبه، وكان إذا نام، لم يوقظوه حتى يكون هو الذي استيقظ.
وكان إذا عرّس بليل، اضطجع على شقه الأيمن، وإذا عرّس قبل الصبح، نصب ذراعه ووضع رأسه على كفّه(87) وكان نومه أعدل النوم، وهو أنفع ما يكون من النوم(88).
4- وصف جلوس الرسول صلى الله عليه وسلم
قال ابن القيم رحمه الله: كان صلى الله عليه وسلم يجلس على الأرض، وعلى الحصير، والبساط، وقالت قيلة بنت مخرمة: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو قاعد القرفصاء، قالت: فلما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم كالمتخشع في الجلسة، أُرْعِدت من الفَرَق، ولما قدم عليه عَدِيّ ابن خاتم دعاه إلى منزله، فألقت إليه الجارية وسادة يجلس عليها، فجعلها بينه وبين عدي، وجلس على الأرض، قال عدي: فعرفت أنه ليس بملك. وكان يستلقي أحيانا، وربما وضع إحدى رجليه على الأخرى، وكان يتكيء على الوسادة، وربما اتكأ على يساره، وربما اتكأ على يمينه، وكان إذا احتاج في خروجه، توكأ على بعض أصحابه من الضعف(89).
5- وصف مشية الرسول صلى الله عليه وسلم
كان صلى الله عليه وسلم إذا مشى، تكفأ تكفؤا، وكان أسرع الناس مشية وأحسنها وأسكنها، قال أبو هريرة رضي الله عنه: ما رأيت شيئا أحسن من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، كأن الشمس تجري في وجهه وما رأيت أحدا أسرع في مشيته من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، كأنما الأرض تُطوىَ له، وأنا لنجهد أنفسنا وأنه لغير مكترث(90).
وقال على بن أبي طالب رضي الله عنه: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا مشى تكفأ تكفؤا كأنما ينحطّ من صبب، وقال مرة: إذا مشى تقلّع، قلت: والتقلّع الارتفاع من الأرض بجملته، كحال المنحط من الصبب، وهي مشية أولى العزم والهمة والشجاعة، وهي أعدل المشيات، وأروحها للأعضاء، وأبعدها من مشية الهوج والمهانة والتمارت، فإن الماشي، إما يتماوت في مشيته ويمشي قطعة واحدة، كأنما خشية محمولة، وهي مشية مذمومة قبيحة، وإما أن يمشي بانزعاج واضطراب مشي الجمل الأهوج، وهي مشية مذمومة أيضا، وهي دالة على خفة عقل صاحبها، ولاسيما وإن كان يكثر الالتفات حال مشيته يمينا وشمالا، وإما أن يمشي هونا وهي مشية عباد الرحمن، كما هو وصفهم بها في كتابه فقال: ﴿وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْنًا﴾ قال غير واحد من السلف: بسكينة ووقار من غير تكبّر ولا تماوت، وهي مشية رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فإذا مع هذه كان كأنما ينحط من صبب، وكأنما الأرض تطوى له، حتى كان الماشي معه يجهد نفسه ورسول الله صلى الله عليه وسلم غير مكترث، وهذا يدل على أمرين: أن مشيته لم تكن مشية بتماوت ولا بمهانة بل مشيته أعدل المشيات(91).
6- وصف مشيه صلى الله عليه وسلم مع أصحابه
وأما مشيه مع أصحابه، فكانوا يمشون بين بيديه وهو خلفهم، ويقول: «دعوا ظهري للملائكة»(92) ، ولهذا جاء في الحديث: وكان يسوق أصحابه وكما يمشي حافيا ومنتعلا وكان يماشي أصحابه فرادى وجماعة، ومشى في بعض غزواته مرة فدميت أصبعه، وسال منها الدم فقال:
هل أنت أصبع دميت
وفي سبيل الله ما لقيت(93).
وكان في السفر ساقة أصحابه: يزجي الضعيف، ويُرْدِفُه، ويدعو لهم(94).
7- وصف الرسول صلى الله عليه وسلم في أكله وشربه
كان صلى الله عليه وسلم لا يردّ موجودا ولا يتكلف مفقودا، فما قُرب إليه شيء من الطيبات إلا أكله، إلا أن تعافه نفسه، فيتركه من غير تحريم، وما عاب طعاما قط، إن اشتهاه أكله، وإلّا تركه، كما ترك أكل الضب لما لم يعتده، ولم يحرّمه على الأمة، بل أُكل على مائدته وهو ينظر.
وأكل الحلوى والعسل، وكان يحبهما وأكل لحم الجزور، والضأن، والدجاج، ولحم الحُبارى، ولحم حمار الوحشي، والأرنب، وطعام البحر، وأكل الشواء، وأكل الرطب والتمر، وشرب اللبن خالصا ومشوبا، والسويق، والعسل بالماء، وشرب نقيع التمر، وأكل الخزيرة وهي حساء يتخذ من اللبن ودقيق، وأكل القثاء بالرطب، وأكل الأقط، وأكل التمر بالخبز، وأكل الخبز بالخل، وأكل الثريد، وهو الخبز باللحم، وأكل الخبز بالأهالة، وهي الودك وهو الشحم المذاب، وأكل من الكبد المشوية وأكل القديد، وأكل الدباء المطبوخة، وكان يحبها، وأكل المسلوقة، وأكل الثريد بالسمن، وأكل الجبن، وأكل الخبز بالزيت، وأكل البطيخ بالرطب، وأكل التمر بالزبد، وكان يحبه، ولم يكن يرد طيبا، ولا يتكلفه، بل كل هديه أكل ما تيسر، فإن أعوزه صَبَر حتى إنه ليربط على بطنه الحجر من الجوع، ويُرى الهلال والهلال والهلال ولا يوقد في بيته نار، وكان معظم مطعمه يوضع على الأرض في السفرة، وهي كانت مائدته، وكان يأكل بأصابعه الثلاثة، ويلعقها إذا فرغ، وهو أشرف ما يكون من الأكل، فإن المتكبر يأكل بأصبع واحد، والجشع الحريص يأكل بالخمس، ويدفع بالراحة.
وكان لا يأكل متكئا، وكان يسمّى الله تعالى على أول طعامه، ويحمده في آخره فيقول عند انقضائه: «الحمد له حمدا كثيرًا طيبا مباركا فيه غير مكفي ولا مُودَع ولا مستغنا عنه ربنا»(95) ، وربما قال: «الحمد لله الذي يُطْعِم ولا يُطْعَم، مَنّ علينا فهدانا وأطعمنا وسقانا، وكل بلاء حسن أبلانا، الحمد لله الذي أطعم من الطعام، وسقي من الشراب وكسا من العري، وهدى من الضلالة، وبصّر من العمي، وفضّل على كثير ممن خلق تفضيلا، الحمد لله رب العالمين»(96).
وربما قال: «الحمد لله الذي أطعم وسقي وسَوّغه» وكان إذا فرغ من طعامه لعق أصابعه، ولم يكن لهم مناديل يمسحون بها، ولم يكن من عادتهم غسل أيديهم كلما أكلوا.
وكان أكثر شربه قاعدا: بل زجر عن الشرب قائما، وشر مرّة قائما، فقيل: هذا نسخ لنهيه، وقيل: بل فعله لبيان جواز الأمرين، والذي يظهر فيه والله أعلم إنها واقعة عين شرب فيها قائما لعُذر، وسياق القصة يدل عليه، فإنه أتى زمزم وهم يستقون منها، فأخذ الدلو، وشرب قائما.
والصحيح في هذه المسألة: النهي عن الشرب قائما، وجوازه لعذر يمنع من القعود، وبهذا تجمع أحاديث الباب، والله أعلم.
وكان إذا شرب، ناول من على يمينه، وإن كان من علي يساره أكبر منه(97).
8- وصف ملابس الرسول صلى الله عليه وسلم
كان له صلى الله عليه وسلم عمامة تسمى: السحاب، كساها عليا، وكان يلبسها ويلبس تحتها القلنسوة، وكان يلبس القلنسوة بغير عمامة ويلبس العمامة بغير قلنسوة، وكان إذا اعتم، أرخى عمامته بين كتفيه، كما رواه «مسلم» في صحيحه عن عمرو بن حريث، قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر وعليه عمامة سوداء قد أرخى طرفيها بين كتفيه.
وفي «مسلم» أيضا، عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل مكة وعليه عمامة سوداء. ولبس صلى الله عليه وسلم القميص، وكان أحب الثياب إليه، وكان كُمّه إلى الرُّسْغ، ولبس الجبة والفروج، وهو شبه القباء، والفرْجيّة، ولبس القباء أيضا، ولبس في السفر جبة ضيقة الكُمّين، ولبس الإزار والرداء.
ولبس حُلة حمراء، ولبس الخميصة المعلّقة والساذجة، ولبس ثوبا أسودا، ولبس الفروة المكفوفة بالسندس.
ولبس السراويل، ولبس الخُفّين ولبس النعل، ولبس الخاتم ولبس الدرع والخوذة.
وكان له بردان أخضران، وكساء أسود، وكساء أحمر ملبد، وكساء من شعر.
وكان قميصه من قطن، وكان قصير الطول، قصير الكمين وكان أحب الثياب إليه القميص والحبرة، وهي ضروب من البرود فيه حمرة.
وكان أحب الألوان إليه البياض، وقال: «هي من خير ثيابكم، فألبسوها وكفنوا فيها موتاكم» (98).
9- وصف كلامه وسكوته وضحكه وبكائه صلى الله عليه وسلم
كان صلى الله عليه وسلم أفصح خلق الله، وأعذبهم كلاما، وأسرعهم أداء، وأحلاهم منطقا، حتى إن كلامه ليأخذ بمجامع القلوب ويُسْبِي الأرواح، ويشهد بذلك أعداؤه، وكان صلى الله عليه وسلم إذا تكلم تكلم بكلام مفصل مبين يعده العاد، ليس بهز مسرع لا يحفظ، ولا منقطع تخلله السكتات، بين أفراد الكلام، بل هديه فيه أكمل الهدي. قالت عائشة: ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسرد سردكم هذا، ولكن كان يتكلم بكلام بين، فصل يحفظه من جلس إليه(99).
وكان كثيرًا ما يعيد الكلام ثلاثا ليُعقل عنه، وكان إذا سلّم سلّم ثلاثا، وكان طويل السكوت لا يتكلم في غير حاجة، يفتتح الكلام ويختتمه بأشداقه، ويتكلّم بجوامع الكلام، فصل لا فضول ولا تقصير، وكان لا يتكلم في يما لا يعنيه، ولا يتكلم إلا فيما يرجو ثوابه، وإذا كره الشيء عرف في وجهه، ولم يكن فاحشا ولا متفحشا، ولا صخابا، وكان جل ضحكه التبسم، بل كله التبسم، فكان نهاية ضحكه أن تبدو نواجذه، وكان يضحك مما يُضحك منه، وهو مما يتعجب من مثله ويستغرب وقوعه ويُستندر.
وأما بكاؤه فكان من جنس ضحكه، لم يكن بشهيق ورفع صوته، كما لم يكن ضحكه بقهقهة، ولكن كانت تدمع عيناه حتى تهملا، ويسمع لصدره أزيز، وكان بكاؤه تارة رحمة للميت، وتارة خوفا على أمته وشفقة عليها، وتارة من خشية الله، وتارة عند سماع القرآن، وهو بكاء اشتياق ومحبة وإجلال، مصاحب للخوف والخشية، ولما مات ابنه إبراهيم دمعت عيناه وبكى رحمة له، وقال: «تدمع العين، ويحزن القلب ولا نقول إلا ما يرضي ربنا، وإنا بك يا إبراهيم لمحزونون»(100)، وبكى صلى الله عليه وسلم لما شاهد أحدى بناته ونفسُها تفيض، وبكى لما قرأ عليه ابن مسعود سورة النساء وانتهى فيها إلى قوله تعالى: ﴿فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاَءِ شَهِيدًا﴾.
وبكى لما مات عثمان بن مظعون، وبكى لما كسفت الشمس وصلى صلاة الكسوف، وجعل يبكي في صلاته، وجعل ينفخ ويقول: «رب ألم تعدني ألا تعذبهم وأنا فيهم وهم يستغفرون، ونحن نستغفرك»(101).
وبكى لما جلس على قبر أحدى بناته(102)،وكان يبكي أحيانا في صلاة الليل(103).
10- وصف طريقته صلى الله عليه وسلم في خطبته
خطب صلى الله عليه وسلم على الأرض، وعلى المنبر، وعلى البعير، وعلى الناقة، وكان إذا خطب احمرت عيناه، وعلا صوته، واشتد غضبه حتى كأنه منذر جيش، يقول: «صبّحكم ومسّاكم»، ويقول: «بُعثت أنا والساعة كهاتين» ويقرن بين أصبعيه السبابة والوسطى، ويقول: «أما بعد فإن خير الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل بدعة ضلالة».
وكان لا يخطب خطبة إلا افتتحها بحمد الله، وأما قول كثير من الفقهاء إنه يفتتح خطبة الاستسقاء بالاستغفار وخطبة العيدين بالتكبير، فليس معهم فيه سُنة عن النبي صلى الله عليه وسلم البتة وسنته تقتضي خلافه، وهو افتتاح جميع الخطب بـ «الحمد لله».
وكان يخطب قائما، وفي مراسيل عطاء وغيره أنه كان صلى الله عليه وسلم إذا صعد المنبر أقبل بوجهه على الناس، ثم قال: «السلام عليكم».
وكان يختتم خطبته بالاستغفار، وكان كثيرًا ما يخطب بالقرآن، وفي صحيح مسلم عن أم هشام بنت حارثة قالت: ما أخذت: ﴿ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ﴾ إلا عن لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرؤها كل يوم جمعة على المنبر إذا خطب الناس.
وكان مدار خطبه صلى الله عليه وسلم على حمد الله والثناء عليه بآلائه، وأوصاف كماله ومحامده، وتعليم قواعد الإسلام وذكر الجنة والنار والمعاد، والأمر بتقوى الله، وتبين موارد غضبه، ومواقع رضاه، فعلى ذا كان مدار خطبه.
وكان يخطب في كل وقت بما تقتضيه حاجة المخاطبين، ومصلحتهم، ولم يكن يخطب خطبة إلا افتتحها بحمد لله ويتشهد فيها بكلمتي الشهادة، وكان منبره ثلاث درجات فإذا استوي عليه واستقبل الناس، أخذ المؤذن في الأذان فقط، ولم يقل شيئا قبله ولا بعده في الخطبة،لم يرفع أحد صوته بشيء البتة، لا مؤذن ولا غيره وكان يقصر خطبته أحيانا، ويطيلها أحيانا بحسب حاجة الناس، وكانت خطبته العارضة أطول من خطبته الراتبة وكان يخطب النساء على حدة في الأعياد، ويحرضهن على الصدقة(104).
11- وصفه صلى الله عليه وسلم في السُواك والحَلْق وقصّ الشارب وغيره
كان صلى الله عليه وسلم يعجبه التيمن في تنعّله وترجّله(105)، وطهوره وأخذه وإعطائه، وكانت يمينه لطعامه وشرابه وطهوره، ويساره لخلائه ونحوه من إزالة الأذى.
وكان هديه صلى الله عليه وسلم في حلق الرأس تركه كله أو أخذه كله، ولم يكن يحلق بعضه ويدع بعضه(106).
وكان يحب السواك، وكان يستاك مفطرًا وصائما، ويستاك عند الانتباه من النوم، وعند الوضوء، وعند الصلاة وعند دخول المنزل، وكان يستاك بعود الأراك.
وكان صلى الله عليه وسلم يكثر التطيب، ويحب الطيب، وكان أحبه إليه المسك.
وكان صلى الله عليه وسلم أولا يسدل شعره، ثم فرق(107)، والفرق أن يجعل شعره فرقتين، والسدل: أن يسدله من وراء.
وكان يجب الترجّل، وكان يرجّل نفسه تارة، وترجله عائشة تارة(108).
12- وصف الرسول صلى الله عليه وسلم عند قضاء الحاجة
كان صلى الله عليه وسلم إذا دخل الخلاء قال: «اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث»(109) وكان إذا خرج يقول: «غفرانك»(110).
وكان يستنجي بالماء تارة، ويستجمر بالأحجار تارة، ويجمع بينهما تارة.
وكان إذا ذهب في سفره للحاجة، انطلق حتى يتوارى عن أصحابه، وربما كما يبعد نحو الميلين.
وكان يستتر للحاجة بالهدف تارة، وبحشائش النخل تارة، وبشجر الوادي تارة. وكان إذا أراد أن يبول في أرض صلبة، أخذ عودا من الأرض، فنكت به حتى يثرى، ثم يبول .
وكان ينتقي لبوله الموضع الّلين الرّخو، وأكثر ما كان يبول وهو قاعد.
وكان إذا جلس لحاجته، لم يرفع ثوبه حتى يدنو من الأرض(111).
13- وصف الرسول صلى الله عليه وسلم في حسن معاملته
كان صلى الله عليه وسلم أحسن الناس معاملة، وكان إذا استسلف سلفا قضى خيرا منه، وكان إذا استسلف من رجل سلفا، قضاه إياه، ودعا له، فقال: «بارك الله لك في أهلك ومالك، إنما جزاء السلف الحمد والأداء»(112).
واستسلف من رجل أربعين صاعا، فاحتاج الأنصاري فأتاه، فقال صلى الله عليه وسلم: «ما جاءنا من شيء بعد» فقال الرجل: وأراد أن يتكلّم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تقل إلا خيرا، فأنا خير من تسلّف، فأعطاه أربعين فضلا وأربعين سلفة، فأعطاه ثمانين، واقترض مرة بعيرا فجاء صاحبه يتقاضاه، فأغلظ للنبي صلى الله عليه وسلم ، فهمّ به أصحابه، فقال: «دعوه فإن لصاحب الحق مقالا»، واشترى مرة شيئا وليس عنده ثمنه فأربح فيه، فباعه وتصدق بالربح على أرامل بني عبد المطلب.
وباعه يهودي بيعا إلى أجل، فجاءه قبل الأجل يتقاضاه ثمنه، فقال صلى الله عليه وسلم: لم يحل الأجل، فقال اليهودي: إنكم لمطل يا بني عبد المطلب، فهمّ به أصحابه، فنهاهم، فلم يزده ذلك إلا حلما، فقال اليهودي: كل شيء منه عرفته من علامات النبوة، وبقيت واحدة، وهي أنه لا تزيده شدة الجهل عليه إلا حلما فأردت أن أعرفها، فأسلم اليهودي(113).
14- وصف الرسول صلى الله عليه وسلم في حسن معاشرته لأزواجه
كان صلى الله عليه وسلم أحب شيء إليه النّساء والطّيب، أي من أمور الدنيا، أما قُرّة عينه فكانت في الصّلاة، قال صلى الله عليه وسلم: «حُبب إلى من دنياكم النّساء والطّيب، وجعلت قُرّة عيني في الصلاة»(114).
وكان يطوف على نسائه في الليلة الواحدة، وكان قد أُعْطِي قوة ثلاثين في الجماع وغيره، وأباح الله له من ذلك ما لم يبحه لأحد من أمته، وكان يقسم بينهن في المبيت والإيواء والنفقة، وأما المحبة فكان يقول: «اللهم هذا قسمي فيما أملك فلا تلمني فيما لا أملك»(115) فقيل هو الحُبّ والجِماع، ولا تجب التسوية في ذلك، لأنه مما لا يملك.
وطلّق صلى الله عليه وسلم ، وراجع وآلى إيلاء مؤقتا بشهر، ولم يظاهر أبدًا. وكانت سيرته مع أزواجه حسن المعاشرة وحسن الخلق، وكان يأتي ببنات الأنصار يلعبن مع عائشة, وكان يقبّل نساءه في الصيام وفي الحيض، وكان يسابق أزواجه.
وكان إذا أراد سفرا، أقرع بين نسائه، فأيتهن خرج سهمها خرج بها معه، ولم يقض للبواقي شيئا.
وكان يقول: «خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي»(116).
وكان إذا صلى العصر دار على نسائه، فدنا منهن واستقرأ أحوالهن، فإذا جاء الليل، انقلب إلى بيت صاحبة النوبة، فخصّها بالليل، وقالت عائشة: كان لا يفضل بعضنا على بعض في مكثه عندهن في القسم، وقل يوم إلا كان يطوف علينا جميعا، فيدنو من كل امرأة من غير مسيس حتى يبلغ التي هو في نوبتها، فيبيت عندها.
وكان يأتي أهله أول الليل وآخره، فكان إذا جامع أول الليل ربما اغتسل ونام، وربما توضأ ونام.
وكان يطوف على نسائه بغسل واحد، وربما اغتسل عند كل واحدة، فعل هذا وهذا.
وكان إذا سافر وقدم لم يطرق أهله ليلا وكان ينهي عن ذلك(117)، اللهم صل عليه وعلى آهله وصحبه أجمعين.
واجبنا نحو الرسول صلى الله عليه وسلم
الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم نبيا ورسولا يقتضي التسليم المطلق والتام لما جاء به، أو أخبر عنه، وتصديق وطاعته فيما أمر أو نهى عنه، دون حَرج أو ضيق، أو مناقشة أو جدال، أو تعقيب، أو أخذ البعض وترك البعض الآخر، فإن كل هذه الأشياء تناقض مقتضي الإيمان به صلى الله عليه وسلم نبيا ورسولا، ولهذا جاءت النصوص القرآنية كلها تؤكّد وتبين هذه الأمور وغيرها، التي هي مقتضى الإيمان بنبوته صلى الله عليه وسلم.
فمن هذه النصوص الواردة في القرآن العظيم، قوله تعالى: ﴿وَأَطِيعُوا اللهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾(118)، و ﴿قُلْ إِن كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾(119)، و﴿قُلْ أَطِيعُوا اللهَ وَالرَّسُولَ فإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللهَ لاَ يُحِبُّ الْكَافِرِينَ﴾(120)، و﴿مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللهَ﴾(121)، و﴿إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَن يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾(122)، و﴿وَمَن يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأنْهَارُ وَمَن يَتَوَلَّ يُعَذِّبْهُ عَذَابًا أَلِيمًا﴾(123)، و﴿وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا﴾(124)، و﴿وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلاَ مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً مُّبِينًا﴾(125)، و﴿فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآَخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً﴾ و﴿فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾(126) و﴿فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾(127)، فهذه النصوص وأمثالها في القرآن كثير، تذكر المؤمنين بمقتضى إيمانهم بمحمد صلى الله عليه وسلم نبيا ورسولا، وبلوازم هذا الإيمان، فمرة تأمرهم بطاعته، لأن طاعته هي طاعة لله، وأن جزاء المطيعين جنات النعيم، وأن جزاء المخالفين عذاب النار، وطورا تبيّن لهم أن الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم يستلزم أخذ ما أمر به الرسول صلى الله عليه وسلم والانتهاء عما نهى عنه، وأن ما يقضي به صلى الله عليه وسلم وأجب الطاعة، لا خيار فيه للمسلم، وأن الرجوع عند الاختلاف يجب أن يكون إلى الله والرسول، وأن الإيمان الحقيقي بمحمد صلى الله عليه وسلم ، يستلزم الرضي بما يحكم ويقضي به، ويخبر عنه، وتارة تبيّن نصوص القرآن أن مخالفة أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم وعصيانه سبب لعذاب الله ومقته، وأن على المخالفين له أن يحذروا الفتنة والعذاب الأليم.
والواقع أن ما تذكره هذه النصوص هي النتيجة المنطقية للإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم والرضي به رسولا، لأن من التناقض ومن غير المقبول في العقل السليم أن يؤمن الإنسان بمحمد صلى الله عليه وسلم ، ثم ينازعه في بعض ما جاء به أو لا يرضى بما جاء به أو ينصّب نفسه معقبا لبعض ما جاء به، إلى غير ذلك مما لا يتفق أبدًا ومقتضي الإيمان به.
إن الإنسان إذا آمن بأن فلان بارع في الطبّ، مبرز فيه، فإنه يتقبل منه ما يقوله في شؤون الطب، وما يخبره به عن مرضه، وسبل علاجه، ويتبع توجيهاته في الأكل والشرب، وفيما يأخذ ويترك، ولا يسوغ لنفسه معارضته أو مناقشته، فإذا كان هذا المسلك سليما ومعقولا بالنسبة للطبيب مع احتمال خطئه فيما يقول ويوصي به، فكيف يجوز لمن آمن بمحمد صلى الله عليه وسلم نبيا ورسولا أن يعارضه أو يناقشه.
إن واجب المسلم نحو الرسول صلى الله عليه وسلم بعد أن أنعم الله عليه بالإيمان به، تصديقه بكل ما يخبر عنه، وطاعته في كل ما يأمر به والانتهاء عن كل ما ينهي عنه، وقبول ذلك بتسليم تام ورضي تام كما بينا، وذكرنا النصوص القرآنية الدالة على ذلك.
ومن واجباتنا الأخرى نحوه- بأبي هو وأمي- صلى الله عليه وسلم ما يأتي:
أولا: محبته أكثر من النفس والولد والأهل والمال والناس أجمعين، قال صلى الله عليه وسلم: «لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من نفسه وولده وماله والناس أجمعين»(128)، ومن البديهي أن صدق المحبة تكون بخلوص المتابعة، فهذا هو الذي يحبه ويرضيه، والمسارعة إلى ما يرضيه صلى الله عليه وسلم مما أمرنا الله به وهو من لوازم المحبة الصادقة، قال تعالى: ﴿يَحْلِفُونَ بِاللهِ لَكُمْ لِيُرْضُوكُمْ وَاللهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَن يُرْضُوهُ إِن كَانُوا مُؤْمِنِينَ﴾(129).
ثانيا: توقيره وتبجيله واحترامه حيّا وميّتا، قال تعالى: ﴿لاَ تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا﴾(130)، لأن الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم ليس كواحد من الناس، إنه رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى الناس أن يوقروه ويجلوه ويشرّفوه حتى في ندائهم له؛ فعليهم أن يقولوا له: يا رسول الله، يا بني الله، وهذا بعض معاني الآية. ومن مظاهر توقيره واحترامه عدم سبقه بالقول، أو رفع الصوت عند كلامه، قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴿1﴾ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلاَ تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَن تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لاَ تَشْعُرُونَ ﴿2﴾ إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ أُولَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ﴾(131).
ويبقى هذا الاحترام والتوقير بعد وفاته صلى الله عليه وسلم ، فلا ينبغي رفع الصوت في مسجده وعند قبره، كما يجب التأديب عند سماع حديثه الشريف، وسنته المطهرة، والإصغاء الكامل لها والرضا بها وعدم الخروج عليها، أو معارضتها بالآراء الفاسدة، فإذا سمع المسلم: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم) فليعلم أنه لا قول لأحد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا معارضة لقوله، وإنما هو الاستماع وفهم هذا القول النبوي الكريم والعزم على العمل به.
ثالثا: الابتعاد الكامل التام عن إيذاء النبي صلى الله عليه وسلم: في أي شيء، وبأي قدر من الإيذاء، فإن هذا كله حرام، وقد يؤدّي إلى خروج المسلم من الإسلام، قال تعالى: ﴿وَمَا كَانَ لَكُمْ أَن تؤْذُوا رَسُولَ اللهِ﴾(132)، وقال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللهِ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾(133)، ويدخل في نطاق إيذائه المحرم إيذاؤه صلى الله عليه وسلم بالطعن في زوجاته الكريمات في الدنيا والآخرة، كما يدخل في إيذائه صلى الله عليه وسلم إيذاؤه بالطعن في آل بيته الأطهار أو سبّهم أو عداوتهم.
رابعا: الصلاة والسلام عليه، قال تعالى: ﴿إِنَّ اللهَ وَمَلاَئِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾.
تنبيه مهم
مما يجب التنبيه عليه والتذكير به: التحرّز من خلط ما لله من حق بما للرسول صلى الله عليه وسلم من حق، فإن المسلم قد يقع في هذا دون أن يشعر، أو يقع فيه متعمدا، ظانا أنه من واجب المسلم نحو الرسول صلى الله عليه وسلم ، أو أن ذلك من مزيد محبته للنبي صلى الله عليه وسلم ، فيقع في الشرك الخفي أو الجلي، وبالتالي يقع في سخط الله.
إن محبة الرسول صلى الله عليه وسلم الحقيقية هي متابعته والمسارعة إلى مرضاته وهذا لا يتم إلا بتجريد المتابعة لشرعه الذي جاء به من ربه ولسنته القولية والعملية، ومن المعلوم أن ما جاء به صلى الله عليه وسلم من إفراد الله بالعبادة، بجميع أشكالها وصورها وعدم إعطاء ذرة منها لأحد كائنا من كان، وهذا هو معنى كلمة التوحيد.
ولتحقيق هذه المعاني العالية في نفوس المسلمين، بيّن القرآن الكريم أن محمدا صلى الله عليه وسلم بشر قال تعالى: ﴿قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ﴾(134)، وأنه لا يملك لنفسه ضرا ولا نفعا وإنما المالك لهذا وذاك هو الله تعالى، قال تعالى: ﴿قُل لاَّ أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلاَ ضَرًّا إِلاَّ مَا شَاءَ اللهُ وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاَسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلاَّ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِّقَوْمٍ يُّؤْمِنُونَ﴾(135)، وعلى هذا فالاستغاثة وطلب العون وكشف الضر يكون من الله تعالى الذي دعانا إلى الطلب منه والتوجّه إليه، قال تعالى: ﴿ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ﴾(136)، وقال: ﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ﴾(137)، كما أن الخشية والتقوى تكون لله، والتوكل يكون على الله، فهو الكافي جل جلاله، قال تعالى: ﴿وَمَن يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ﴾(138)، قال تعالى: ﴿وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا مَا آتَاهُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَقَالُوا حَسْبُنَا اللهُ سَيُؤْتِينَا اللهُ مِن فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ إِنَّا إِلَى اللهِ رَاغِبُونَ﴾(139) ، فهذه الآيات صريحة في تحديد ما لله من حق وما للرسول من حق، فمن حقوق الله تعالى وحده الخشية منه، والتقوى له، والكفاية لعبده، والتوكل عليه، والرغبة إليه، أما الطاعة فهي من حق الله تعالى وحق رسوله صلى الله عليه وسلم وطاعة الرسول في حقيقتها طاعة الله، وكذلك من حق الرسول صلى الله عليه وسلم أعطاء ما يراه من غنائم وفيء وغيرها من يرى إعطاءه.
وفي الحديث الشريف عن النبي صلى الله عليه وسلم: «لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى بن مريم، فإنما أنا عبد الله فقولوا عبد الله ورسوله» أو كما قال صلى الله عليه وسلم.
وقال رجل للنبي صلى الله عليه وسلم: «ما شاء الله وشئت» فقال صلى الله عليه وسلم: «أجعلتني لله ندا، قل ما شاء الله ثم شئت»، فالنبي الكريم صلى الله عليه وسلم جاء بالتوحيد الخالص لرب العالمين، ومن حرصه الشديد على ما ينفع المسلمين، كان يبيّن لهم التوحيد كما بين لهم معاني الشرك لئلا يقعوا فيه، وهذا من كمال نصحه، ورحمته ورأفته بأمته -بأبي هو وأمي- صلى الله عليه وسلم ، فجزاه الله عنا خير الجزاء، قال تعالى في بعض أوصافه الكريمة: ﴿لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنَفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتِّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ﴾(140) ، وقال تعالى: ﴿النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ﴾(141). أ.هـ. (142).
نموذج رائع من صبر الرسول صلى الله عليه وسلم
في شوال سنة عشرة من النبوة، خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الطائف وهي تبعد عن مكة نحو ستين ميلا، سارها ماشيا على قدميه، جيئة وذهابا، ومعه مولاه زيد بن حارثة، وكان كلما مر على قبيلة في الطريق دعاهم إلى الإسلام، فلم تجب إليه واحدة منها، فلما انتهى إلى الطائف عمد ثلاثة إخوة من رؤساء ثقيف؛ وهم عبد ياليل ومسعود وحبيب أبناء عمرو بن عمير الثقفي، فجلس إليهم ودعاهم إلى الإسلام وإلى نصرة الإسلام، فقال أحدهم: هو يمزق ثياب الكعبة، إن كان الله أرسلك، وقال الآخر: أما وجد الله أحدا غيرك، وقال الآخر: والله لا أكلّمك أبدا، إن كنت رسولا لأنت أعظم خطرا من أن أرد عليك الكلام، ولإن كنت تكذب على الله ما ينبغي أن أكلمك. فقام عنهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال لهم: إذا فعلتم ما فعلتم فاكتموا عني وأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أهل الطائف عشرة أيام، لا يدع أحدا من أشرافهم إلا جاءه وكلّمه، فقالوا: اخرج من بلادنا، وأغروا به سفهاءهم، فلما أراد الخروج تبعه سفهاؤهم وعبيدهم، يسبّونه ويصيحون به، حتى اجتمع عليه الناس، فوقفوا له صفّين، وجعلوا يرمونه بالحجارة وبكلمات من السّفه، ورجموا عراقيبه- وكان زيد بن حارثة يقيه بنفسه- حتى أصابه شجاج في رأسه، ولم يزل به السفهاء حتى ألجأوه إلى حائط لعُتبة وشيبة ابني ربيعة، على ثلاث أميال من الطائف، فلما التجأ إليه رجعوا عنه.
وأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى حبلة من عنب، فجلس تحت ظلها إلى جدار، فلما جلس إليه واطمأن، دعا بالدعاء المشهور الذي يدل على امتلاء قلبه كآبه وزنا مما لقي من الشدة، وأسفا على أنه لم يؤمن به أحد(143).
قال: «اللهم إليك أشكو ضعف قوتي، وقلة حيلتي، وهواني على الناس، يا أرحم الراحمين، أنت رب المستضعفين، وأنت ربي، إلى من تكلني؟ إلى بعيد يتجهمني؟ أم إلى عدو ملكته أمري؟ إن لم يكن بك على غضب فلا أبالي، ولكن عافيتك هي أوسع لي أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة من أن تنزل بي غضبك، أو يحلّ على سخطك، لك العُتبى حتى ترضي، ولا حول ولا قوة إلا بك»(144).
فلما رآه ابنا ربيعة تحركت له رحمهما، فدعوا غلاما لهما نصرانيا يقال له عَدّاس، وقالا له: خذ قُطفا من هذا العنب واذهب به إلى هذا الرجل.
فلما وضعه بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم مدّ يده إليه وقال: بسم الله. ثم أكل.
فقال عَدّاس: إن هذا الكلام ما يقوله أهل هذه البلد، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: من أي البلاد أنت؟ ما دينك؟ قال نصراني، من أهل «نينوى» فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم من قرية الرجل الصالح يونس بن متى، قال له: وما يدريك ما يونس بن متى؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ذاك أخي، كان نبيا وأنا نبي، فأكبّ عَدّاس على رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم ويديه ورجليه يقبلهما.
فقال ابنا ربيعة أحدهما للآخر: أما غلامك فقد أفسده عليك. فلما جاء عَدّاس قالا له: ويحك ما هذا؟ قال: يا سيدي ما في الأرض شيء خير من هذا الرجل، لقد أخبرني بأمر لا يعلمه إلا نبي، قالا له: ويحك يا عَدّاس لا يصرفنك عن دينك(145)، فإن دينك خير من دينه(146).
ورجع رسول الله صلى الله عليه وسلم في طريقه إلى مكة بعد خروجه من الحائط كئيبا محزونا كسير القلب، فلما بلغ قرن المنازل بعث الله إليه جبريل ومعه ملك الجبال يستأمره أن يطبق الأخشبين(147) على أهل مكة.
وقد روى البخاري تفصيل القصة -بسنده- عن عروة بن الزبير، أن عائشة رضي الله عنها حدثته أنها قالت للنبي صلى الله عليه وسلم: هل أتى عليك يوم كان أشد عليك من يوم أُحد؟ قال: لقيت من قومك ما لقيت، وكان أشد ما لقيت منهم يوم العقبة، إذ عرضت نفسي على ابن عبد ياليل بن عبد كلال، فلم يجبني إلى ما أردت، فانطلقت وأنا مهموم على وجهي، فلم استفق إلا وأنا بقرن الثعالب (وهي المعروفة الآن بقرن المنازل)، فرفعت رأسي فإذا أنا بسحابة قد أظلتني، فنظرت فإذا فيها جبريل فناداني، فقال: إن الله قد سمع قول قومك لك، وما ردّوا عليك، وقد بعث الله إليك ملك الجبال، لتأمره بما شئت فيهم، فناداني ملك الجبال، فسلّم علي، ثم قال: يا محمد، ذلك، فما شئت، إن شئت أن أطبق عليهم الأخشبين- أي لفعلت، والأخشبان: هما جبلا مكة، أبو قُبيس والذي يقابله وهو قعيقعان- قال النبي صلى الله عليه وسلم: بل أرجو أن يخرج الله عز وجل من أصلابهم من يعبد الله عز وجل وحده لا يشرك به شيئا(148).
وفي هذا الجواب الذي أدلى به رسول الله صلى الله عليه وسلم ، تتجلى شخصيته الفذّة، وما كان عليه من الخُلق العظيم الذي لا يُدرك غَوره(149).
نماذج رائعة من حبّ الصحابة للرسول صلى الله عليه وسلم
كان الرسول صلى الله عليه وسلم يمتاز من كمال خلقه وكمال خُلقه بما لا يحيط بوصفه البيان، وكان من أثره أن القلوب فاضت بإجلاله، والرجال تفانوا في حياطته وأكباره، بما لا تعرف الدنيا غيره، فالذين عاشروه أحبوه إلى حد الهيام، ولم يبالوا أن تندقّ أعناقهم ولا يخدش له ظفر، ما أحبوه كذلك إلا لأن أنصبته من الكمال الذي يُعشق عادة لم يُرزق بمثلها بشر.
النموذج الأول:
أبو بكر الصديق رضي الله عنه، الذي كان يوما بمكة فوطيء رضي الله عنه وضُرب ضربا شديدا، فدنا منه عتبة بن ربيعة فجعل يضربه بنعلين مخصوفتين، ويحرّفهما لوجهه، ونزل على بطن أبو بكر حتى ما يُعرف وجهه من أنفه، وحملوه في ثوب حتى أدخلوه منزله، وهم لا يشكون في موته فتكلم آخر النهار فقال: (ما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم؟) فشتموه وأهانوه مرة أخرى، ثم قالوا لأمه (أم الخير): انظري أن تطعميه شيئا أو تسقيه إياه، فلما خلت به ألحت عليه، وجعل يقول: (ما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟)، فقالت: والله لا علم لي بصاحبك، فقال اذهبي إلى أم جميل بنت الخطاب فسأليها عنه، فخرجت حتى جاءت أم جميل، فسألتها عنه، وذهبت معها إلى أبي بكر فلما رأته أم جميل صريعا، صاحت بأعلى صوتها: والله أن قوما نالوا هذا منك لأهل فسق وكفر، وإني لأرجو أن ينتقم الله لك منهم، قال: (ما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟) فقالت: سالم صالح. فقال: (أين هو؟) قالت في دار الأرقم بن أبي الأرقم قال: فإن لله عليّ ألا أذوق طعاما ولا أشرب شرابا أو آتي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم خرج يتكيء على أمه وأم جميل بعد أن خلت الطرق وهدأت الرجل وسكن الناس حتى دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم)(150) وتتجلى عظمة حبّ أبي بكر الصديق عنه للرسول صلى الله عليه وسلم أيام الهجرة، وهي أشهر من أن تذكر، ويكفي الصديق فضلا أن رأسه الآن عند صدر الرسول صلى الله عليه وسلم ، ولقد كان أقرب الناس له في الدنيا وأقربهم في البرزخ وأقربهم منه إن شاء الله في الآخرة.
النموذج الثاني:
وهو نماذج متعددة يوم أُحد، قام المسلمون ببطولات نادرة وتضحيات رائعة، لم يعرف لها التاريخ نظيرا، كان أبو طلحة يسور نفسه ين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ويرفع صدره ليقيه سهام العدو.
قال أنس: لما كان يوم أُحد، انهزم الناس عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وأبو طلحة بين يديه مجوب عليه، بحجفة له، وكان رجلا راميا شديد النَّزع، كسر يومئذ قوسين أو ثلاثا، وكان الرجل يمر معه بجعبة من النبل، فيقول: أنثرها لأبي طلحة. قال: ويشرف النبي صلى الله عليه وسلم ينظر إلى القوم فيقول لأبي طلحة: بأبي أنت وأمي لا تشرف؛ يصيبك سهم من سهام القوم، نحري دون نحرك. وهذا في الصحيح.
وتبع حاطب بن أبي بلتعة عتبة بن أبي وقاص- الذي كسر رَباعية الرسول صلى الله عليه وسلم ، فضربه بالسيف حتى طرح رأسه، ثم أخذ فرسه وسيفه، وكان سعد بن أبي وقاص شديد الحرص على قتل أخيه عتبة هذا، إلا أنه لم يظفر به، بل ظفر به حاطب.
وامتص مالك بن سنان، والد أبي سعيد الخدري الدم من وجنته صلى الله عليه وسلم حتى أنقاه، فقال: له الرسول: مُجّه، فقال: والله لا أمجه أبدا، ثم أدبر يقاتل، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: من أراد أن ينظر إلى رجل من أهل الجنة فلينظر إلى هذا! فقُتل شهيدا.
وقام مصعب بن عمير بضراوة بالغة، يدافع عن النبي صلى الله عليه وسلم هجوم المشركين، وكان اللواء بيده، فضربوه على يده اليمنى حتى قُطعت، فأخذ اللواء بيده اليسرى، وصمد في وجوه الكفار حتى قُطعت يده اليسرى، ثم برك عليه بصدره وعنقه حتى قتل رضي الله عنه. وغيرهم كثير جدًا رضي الله عنهم جميعا.
مجموعة من أخلاق الرسول صلى الله عليه وسلم
كان النبي صلى الله عليه وسلم يمتاز بفصاحة اللسان، وبلاغة القول، وكان ذلك بالمحل الأفضل، والموضع الذي لا يجهل؛ سلاسة طبع ونصاعة لفظ، وجزالة قول، وصحة معان، وقلة تكلّف، وأوتي جوامع الكلم(151)، وخُص ببدائع الحِكَم، وعلم ألسنة العرب، ويخاطب كل قبيلة بلسانها، ويحاورها بلغتها، اجتمعت له قوة عارضة البادية وجزالتها، ونصاعة ألفاظ الحاضرة ورونق كلامها، إلى التأييد الإلهي الذي مدده الوحي.
وكان الحلم والاحتمال والعفو عند المقدرة والصبر على المكاره، صفات أدّبه الله بها، وكل حليم عُرفت منه زلة وحفظت عنه هفوة، ولكنه صلى الله عليه وسلم لم يزد مع كثرة الأذى إلا صبرا، وعلى إسراف الجاهل إلا حلما.
قالت عائشة رضي الله عنها: ما خير رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثما، فإن كان إثما كان أبعد الناس عنه، وما انتقم لنفسه إلا أن تنتهك حرمة الله فينتقم لله بها(152)، وكان أبعد الناس غضبا، وأسرعهم رضا.
وكان من صفة الجود والكرم على ما لا يُقدر على قدره، كان يعطي عطاء من لا يخاف الفقر.
قال ابن عباس رضي الله عنهما: كان النبي صلى الله عليه وسلم أجود الناس، وأجود ما يكون في رمضان، حين يلقاه جبريل، وكان جبريل يلقاه في كل ليلة من رمضان، فيدارسه القرآن، فلَرسول الله صلى الله عليه وسلم أجود بالخير من الريح المرسلة(153).
وقال جابر: ما سئل شيئا قط فقال لا(154).
وكان من الشّجاعة والنّجدة والبأس بالمكان الذي لا يُجهل، كان أشجع الناس؛ حضر المواقف الصعبة، وفرّ عنه الكُماة والأبطال غير مرة، وهو ثابت لا يبرح، ومقبل لا يدبر، ولا يتزحزح، وما شجاع إلا أُحصيت له فرة، وحفظت عنه جولة سواه.
قال على بن أبي طالب رضي الله عنه: كُنّا إذا حَمِي البأس واحمرّت الحِدَق اتقينا برسول الله صلى الله عليه وسلم ، فما يكون أحد أقرب إلى العدو منه.
وقال أنس رضي الله عنه: فزع أهل المدينة ذات ليلة، فانطلق ناس قِبَل الصوت، فتلقاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم راجعا وقد سبقهم إلى الصوت، وهو على فرس لأبي طلحة عُرِي(155)، في عنقه السيف، وهو يقول: لم تراعوا، لم تراعوا.
وكان أشد الناس حياء وإغضاء، قال أبو سعيد الخدري: كان أشد حياء من العذراء في خدرها، وإذا كره شيئا عُرف في وجهه(156).
وكان لا يُثَبِّتُ نظره في وجه أحد، خافض الطرف، نظره إلى الأرض أكثر من نظره إلى السماء، جل نظره الملاحظة.
لا يشافه أحدا بما يكره، حياء وكرم نفس، وكما لا يسمى رجلا بلغ عنه شيئا يكرهه، بل يقول: ما بال أقوام يصنعون كذا. وكان أحق الناس بقول الفرزدق:
يغضي حياء ويغض من مهابته
فلا يُكَلّم إلا حين يبتسمُ
وكان أعدل الناس، وأعفّهم، وأصدقهم لهجة، وأعظمهم أمانة، اعترف له بذلك مجاوروه وأعداؤه، وكان يسمى قبل نبوته: الأمين، ويتحاكم إليه في الجاهلية قبل الإسلام.
روى الترمذي عن علي أن أبا جهل قال له: إنا لا نكذبك، ولكن نكذب بما جئت به، فأنزل الله تعالى فيهم: ﴿فَإِنَّهُمْ لاَ يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللهِ يَجْحَدُونَ﴾، وسأل هرقل أبا سفيان: هل تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال؟ قال: لا.
وكان أشد الناس تواضعا، وأبعدهم عن الكبر، يمنع من القيام له كما يقومون للملوك وكان يعود المساكين، ويجالس الفقراء، ويجب دعوة العبد، ويجلس في أصحابه كأحدهم، قالت عائشة رضي الله عنها: كان يخصف نعله، ويخيط ثوبه، ويعمل بيده كما يعمل أحدكم في بيته، وكما بشرا من البشر يفلي ثوبه، ويحلب شاته، ويخدم نفسه.
وكان أوفى الناس بالعهود، وأوصلهم للرحم، وأعظمهم شفقة ورأفة، ورحمة بالناس، وأحسن عشرة وأدبا، وأبسط الناس خلقا، أبعد الناس من سوء الأخلاق، لم يكن فاحشا، ولا متفحشا، ولا لعّانا، ولا صخّابا في الأسواق، ولا يجزي بالسيئة السيئة، ولكن يعفو ويصفح.
وكان لا يدع أحدا يمشي خلفه، وكان لا يترفع على عبيده وإمائه في مأكل ولا ملبس، ويخدم من خدمه، ولم يقل لخادمه أُفٍّ قط، ولم يعاتبه على فعل شيء أو تركه وكان يحب المساكين ويجالسهم، ويشهد جنائزهم، و لا يحقّر فقير لفقره، وكان في بعض أسفاره فأمر بإصلاح شاة، فقال رجل، علي ذبحها وقال آخر: على سلخها، وقال آخر: على طبخها، وقال صلى الله عليه وسلم: وعلي جمع الحطب، فقالوا: نحن نكفيك، فقال: قد علمت أنكم تكفوني، ولكن أكره أن أتميّز عليكم، فإن الله يكره عبده أن يراه متميزا بين أصحابه، وقام وجمع الحطب(157).
ولنترك «هند بن أبي هالة» يصف لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال هند فيما قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم متواصل الأحزان، دائم التفكر، ليست له راحة، ولا يتكلّم في غير حاجة، طويل السُّكوت، يفتتح الكلام ويختمه بأشداقه (لا بأطراف فمه) ويتكلم بجوامع الكلم، فصل لا فضول فيه ولا تقصير، دمثا ليس بالجافي ولا بالمهين، يعظّم النعمة وإن دقّت، لا يذِمّ شيئا، ولم يكن يذِمّ ذواقا (ما يُطعم) ولا يمدحه ولا يقام لغضبه، إذا تُعرض للحق بشيء حتى ينتصر له، ولا يغضب لنفسه ولا ينتصر لها سماحة وإذا أشار أشار بكفّه كلها وإذا تعجّب قلبها، وإذا غضب أعرض وأشاح، وإذا فرح غض طرفه، جُل ضحكه التَّبسم، ويفتر عن مثل حب الغمام (أي يكشف عن أسنان بيض كالبَرَد).
وكان يخزن لسانه إلا عما يعنيه، يؤلف أصحابه، ولا يفرقهم يكرم كريم كل قوم، ويوليه عليهم، ويحذر الناس، ويحترس منهم من غير طوى عن أحد منهم بشره.
يتفقد أصحابه، ويسأل الناس عما في الناس، ويحسّن الحسن ويصوّبه، ويقبّح القبيح ويوهنه، معتدل الأمر، غير مختلف، لا يغفل مخافة أن يغفلوا أو يملوا، لكل حال عنده عتاد، لا يقصر عن الحق، ولا يجاوزه إلى غيره، الذين يلونه من الناس خيارهم، وأفضلهم عنده أعمّهم نصيحة، وأعظمهم عنده منزلة أحسنهم مواساة ومؤازرة.
كما لا يجلس ولا يقوم إلا على ذكر، ولا يوطن الأماكن لا يميز لنفسه مكانا إذا انتهى إلى قوم جلس حيث انتهى المجلس، ويأمر بذلك، ويُعطي كل جلسائه نصيبا، حتى لا يحسب جليسه أن أحدا أكرم عليه منه، من جالسه أو قاومه لحاجته صابَرَه، حتى يكون هو المنصرف عنه، ومن سأله حاجة لا يردّه إلا بها، أو بميسور من القول، وقد وسع الناس بسطه وخلقه، فصار لهم أبا، وصاروا عنده في الحق متقاربين، يتفاضلون عنده بالتقوى، مجلسه حلم وحياء وصبر وأمانة، لا تُرفع فيه الأصوات، ولا يؤبن فيه الحرم (لا تخش فلتأته، فهو لا يحدث بما وقع في مجلسه من الهفوات والزلات ولا يذيعها بين الناس ) يتعاطفون بالتقوى، يوقّرون الكبير، ويرحمون الصغير، ويرفدون ذا الحاجة، ويؤنسون الغريب.
كان دائم البشر، سهل الخُلق، لين الجانب، ليس بفظ ولا غليط ولا صخّاب ولا فحاش، ولا عتاب، ولا مداح، يتغافل عما لا يُشتهي، ولا يُقنط منه، قد ترك نفسه من الرياء والإكثار وما لا يعنيه وترك الناس من ثلاث: لا يذم أحدا، ولا يعيّره، ولا يطلب عورته ولا يتكلم إلا فيما يرجو ثوابه، إذا تكلّم أطرق جلساؤه، كأنما على رؤوسهم الطير، وإذا سكت تكلّموا، ولا يتنازعون عنده الحديث، من تكلم عنده أنصتوا له حتى يفرغ، حديثهم حديث أولهم، يضحك مما يضحكون منه، ويعجب مما يعجبون منه، ويصبر للغريب على الجفوة في المنطق، ويقول إذا رأيتم صاحب الحاجة يطلبها فأرفدوه، ولا يطلب الثناء إلا من مكافيء(158).
وقال خارجة بن زيد: كان النبي صلى الله عليه وسلم أوقر الناس في مجلسه، ولا يكاد يخرج شيئا من أطرافه وكان كثير السُّكوت، لا يتكلّم في غير حاجة، يعرض عمن تكلّم في غير جميل، كان ضحكه تبسما، وكلامه فصلا لا فضول ولا تقصير، وكان ضحك أصحابه عنده التبسم، توقيرا له واقتداء به(159) وعلى الجملة فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم ، وعلى الجُملة فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم محلّى بصفات الكمال المنقطعة النظير، وأدّبه الله فأحسن تأديبه، حتى خاطبه مثنيا عليه، فقال: ﴿وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾(160).
وكانت هذه الخلال مما قرب إليه النفوس وحبّبه إلى القلوب، وصيّره قائدا تهوى إليه الأفئدة، وألان من شكيمة قومه بعد الإباء، حتى دخلوا في دين الله أفواجا(161).
وعن أبي عبد الله الجدلي قال: قلت لعائشة: كيف كان خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم في أهله؟ قالت: كان أحسن الناس خلقا؛لم يكن فاحشا، ولا متفحشا، ولا سخّابا في الأسواق، ولا يجزي بالسيئة مثلها، ولكن يعفو ويصفح(162).
عن أنس رضي الله عنه قال: خدمت رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر سنين، فما قال لي أفٍّ، ولا لم صنعت، ولا ألا صنعت(163).
وعن سمّاك قال: قلت لجابر بن سَمُرة رضي الله عنه: أكنت تجالس رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال: نعم كان طويل الصَّمت، قليل الضَّحك، وكان أصحابه يذكرون عنده الشِّعر، وأشياء من أمورهم، فيضحكون وربما تبسَّم(164).
وعن عمر رضي الله عنه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى بن مريم فإنما أنا عبد فقولوا عبد الله ورسوله»(165).
وعن جابر قال: جاءني النبي صلى الله عليه وسلم يعودني ليس براكب بغلا ولا بِرْذَوْنَا(166) (وذلك لتواضعه صلى الله عليه وسلم).
وعن أنس، قال: كانت الأَمة من إماء أهل المدينة لتأخذ بيد رسول الله صلى الله عليه وسلم فتنطلق به في حاجتها، وفي رواية، فتنطلق به حيث شاءت(167).
وعن الأسود، قال: قلت لعائشة: ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصنع إذا دخل بيته؟ قالت: كان يكون في مهنة أهله، فإذا حضرت الصلاة خرج فصلّى(168).
وعن البراء رضي الله عنه، قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يوم الأحزاب ينقل التُّراب، وقد وارى التُّراب بياض بطنه، وهو يقول:
والله لولا الله ما اهتدينا
ولا تصدّقنا ولا صلّينا
فأنزلن سكينة علينا
وثبّت الأقدام إن لاقينا
إن الأُلى قد بغوا علينا
إذا أرادوا فتنة أبينا(169).
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعود المرضي، ويشهد الجنازة ويأتي دعوة المملوك ويركب الحمار، ولقد رأيته يوما على حمار خطامه ليف.
وعن الحسن أنه ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: لا والله ما كانت تغلق دونه الأبواب، ولا يقوم دونه الحجاب، ولا يغدى عليه بالجِفان، ولا يُراح عليه بها، ولكنه كان بارزا؛ من أراد أن يلقى نبي الله لقيه، وكان يجلس بالأرض، ويوضع طعامه بالأرض، يلبس الغليظ، ويركب الحمار، ويُرْدِف عبده، ويعلف دابته بيده(170).
وعن أبي سعيد الخدري، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أشدُّ حياء من العذراء في خِدرها، وكان إذا كره شيئا عرفناه في وجهه (171).
وعن أنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم رأي على رجل صفرة فكرهها، وقال: «لو أمرتم هذا أن يغسل هذه الصفرة»، قال: كان لا يواجه أحدا في وجهه بشيء يكرهه(172).
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: كنت أمشي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلي رداء نجراني غليظ الحاشية، فأدركه أعرابي فجبذه بردائه جبذة شديدة حتى نظرت إلى صفحة عنق رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقد أثّرت بها حاشية الرِّداء من شدة جبذته، ثم قال: يا محمد مُرْ لي من مال الله الذي عندك. فالتفت إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فضحك، ثم أمر له بعطاء(173).
وعن عبد الله رضي الله عنه قال: لما كان يوم حنين آثر رسول الله صلى الله عليه وسلم أناسا في القِسمة، فأعطى الأقرع بن حابس مائة من الإبل، وأعطى عيينة مثل ذلك، وأعطى أناسا من أشراف العرب، وآثرهم يومئذ في القِسمة، فقال رجل: والله إن هذه لقِسمة ما عُدل فيها وما أُريد بها وجه الله، قال: فقلت: والله لأخبرن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال فأتيته فأخبرته بما قال: فتغير وجهه حتى كان كالصرف ثم قال: «من يعدل إذا لم يعدل الله ورسوله»، ثم قال: «رحم الله أخي موسى؛ قد أوذي بأكثر من هذا فصبر»(174).
وعن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: جاء الطفيل بن عمرو الدَّوْسِي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال إن دَوْسَا عصت وأبت، فادع الله عليهم، فاستقبل القبلة رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ورفع يديه فقال: «اللهم أهدِ دَوْسا، وائت بهم، اللهم أهدِ دوسا وائت بهم، اللهم أهدِ دوسا وائت بهم»(175).
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: ما ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم خادما له قط، ولا امرأة له قط، وما ضرب بيده إلا أن يجاهد في سبيل الله، وما نِيل منه شيء فانتقمه من صاحبه إلا أن تنتهك محارم الله، فينتقم لله عز وجل، وما عرض عليه أمران أحدهما أيسر من الآخر، إلا أخذ بأيسرهما، إلا أن يكون مأثما، فإن كان مأثما كان أبعد الناس منه(176).
وعن أنس رضي الله عنه: أن رجلا من أهل البادية كان اسمه زاهرا، وكان يهدي للنبي صلى الله عليه وسلم الهدية من البادية، فيجهّزه رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يخرج، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن زاهرا بادينا ونحن حاضرون»، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحبه، وكان رجلا دميما.
فآتاه النبي صلى الله عليه وسلم وهو يبيع متاعه، فاحتضنه من خلفه، ولا يبصره الرجل، فقال: أرسلني، من هذا. فالتفت فعرف النبي صلى الله عليه وسلم فجعل لا يألو ما ألصق ظهره ببطن النبي صلى الله عليه وسلم حين عرفه، وجعل النبي صلى الله عليه وسلم يقول: من يشتري العبد؟ فقال: يا رسول الله إذا تجدني كاسدا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لكن عند الله لست بكاسد»، أو قال: «لكن عند الله أنت غال»(177).
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: خرجتُ مع النبي صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره وأنا جارية لم أحمل اللحم، ولم أبدن، فقال للناس: تقدّموا، ثم قال لي: تعالَي حتى أسابقكِ، فسابقته فسبقته، فسكت عني حتى إذا حملت اللحم وبدنت نسيت، خرجت معه في بعض أسفاره، فقال للناس: تقدّموا. فقدموا، ثم قال لي: تعالَي حتى أسابقك، فسابقته فسبقني، فجعل يضحك، ويقول: هذه بتلك(178).
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل عليه السلام، وكان يلقاه في كل ليلة من رمضان فيدارسه القرآن، فلَرسول صلى الله عليه وسلم أجود بالخير من الريح المرسلة(179).
وعن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن يُسأل على الإسلام شيء إلا أعطاه، قال: فأتاه رجل، فسأله فأمر له بشاء(180) كثيرة بين جبلين من شاء الصدقة، قال: فرجع إلى قومه، فقال: يا قوم أسلموا فإن محمدًا يعطي عطاء من لا يخش الفاقة(181).
أو عن أنس، قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم أحسن الناس وكان أجود الناس، وكان أشجع الناس، ولقد فزع أهل المدينة ذات ليلة فانطلق ناس قِبَل الصوت، فتلقاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم راجعا، وقد سبقهم إلى الصوت، وهو على فرس لأبي طلحة عُرِي، في عنقه السيف، وهو يقول: لم تراعوا، لم تراعوا، قال: وجدنا بحرا، أو إنه لبحر، وكان فرسا يبطئ(182).
وعن أبي إسحاق، قال: سألت البراء، وسأله رجل فقال: فررتم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين؟، فقال البراء: ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يفرّ، كانت هوازن ناسا رماة وأنَّا لما حملنا عليهم انكشفوا فأكببنا على الغنائم فاستقبلونا بالسِّهام، وقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم على بغلته البيضاء، وإن أبا سفيان بن الحارث آخذ بلجامها وهو يقول:
أنا النبي لا كذب
أنا ابن عبد المطلب(183).
صورة مفتقدة في هذا الزمان
«خشونة عيش رسول الله صلى الله عليه وسلم »
في هذا الزمان الذي تسابق الناس فيه نحو المادة، وانشغل الكثير منهم عما خُلق من أجله، وصارت حياة الناس ناعمة مترفة، يأتي خبر من لو شاء لجُعلت له الجبال ذهبا، خبر من لو شاء لكان أغنى الناس، كيف لا والخُمس في الفيء والغنائم له صلى الله عليه وسلم ، ومع ذلك مات صلى الله عليه وسلم ودِرْعه مرهونة في آصع من تمر أو شعير لقوت أهله، ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ﴾.
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اللهم اجعل رزق آل محمد قوتا»(184).
وعن أبي حازم، قال: رأيت أبا هريرة يشير بإصبعه مرارا: والذي نفس أبي هريرة بيده ما شبع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأهله ثلاثة أيام تباعا من خبز حنطة حتى فارق الدنيا.(185)
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: كان ضجاع النبي صلى الله عليه وسلم ينام عليه بالليل من آدم محشوا ليفا(186).
وعن سمّاك بن حرب، قال: سمعت النعمان بن بشير يخطب، قال: ذكر عمر ما أصاب الناس من الدنيا، فقال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ظل اليوم يلتوي ما يجد دقلا (التمر الرديء) يملأ بطنه(187).
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قبض النبي صلى الله عليه وسلم وإن درعه لمرهونة عند رجل يهودي على ثلاثين صاعا من شعير أخذها رزقا لعياله(188).
نماذج مشرقة من جوامع كلمه صلى الله عليه وسلم
وكلامه المتقن وأمثاله العجيبة
1- «إياكم وخضراء الدِّمن، قيل وما ذاك يا رسول الله قال: المرأة الحسناء في المنبت السوء» (189).
2- «إن ما ينبت الرَّبيع يقتل أو يُلِمُّ»(190).
3- «لا يلدغ المؤمن من جُحر مرتين»(191).
4- «لا ينتطح فيها عَنْزان»(192).
5- «هدنة على دَخَن وصلح على أقْذاء»(193).
6- «الآن حَمِي الوطيس»(194).
7- «الناس كأسنان المُشط»(195).
8- «المرء كثير بأخيه»(196).
9- «من بطّأ به عمله لم يسرع به نَسَبُه»(197).
10- «حبُّك للشيء يُعْمِي ويصم» و «كلُّ الصيد في جوف الفِرا»(198).
11- «الناس معادن كمعادن الذهب والفضة»(199).
12- «ما نَحَل والد ولدا أفضل من أدب حسن»(200).
13- «زُرْ غِبَّا تزدد حُبّا»(201).
14- «الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر»(202).
15- «إنما الأعمال بالنيّات»(203).
16- «إنكم لن تسعوا الناس بأموالكم فسعوهم بأخلاقكم»(204).
17- «المُتّشَبِّع بما لم يعط كلابس ثوبي زور» (205).
18- «ليس الخبر كالمعاينة» (206).
19- «الحرب خُدعة»(207).
20- «يا خيلُ الله اركبي»(208).
21- «إن هذا الدين متين فأوغل فيه برفق»(209).
22- «إن المُنْبَتّ لا أرض قطع ولا ظهرا أبقى»(210).
23- «من يُشادّ هذا الدين يغلبه»(211).
24- «المؤمن مرآة المؤمن»(212).
25- «الكَيِّسُ من دان نفسه وعمل لما بعد الموت والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنّى على الله الأمانيّ»(213).
26- «ما قل وكفى خير مما كثر وألهى»(214).
27- «من حُسن إسلام المرء تركه مالا يعنيه»(215).
28- «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت»(216).
29- «من ضَمِن لي ما بين لَحْيَيه ورجليه ضمنت له الجنة»(217).
30- «اليد العليا خير من اليد السُّفلى»(218).
31- «خير الصدقة ما كان عن ظهر غنى وابدأ بمن تعول»(219).
32- «القناعة كنز لا ينفد»(220) وفي رواية (كنز لا يفنى).
33- «المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده»(221).
34- «أشرّ ما في الرجل شُحّ هالع وجُبن خالع»(222).
35- «أد الأمانة إلى من ائتمنك ولا تخُن من خانك»(223).
36- «الذنب لا يُنسى، والبِرّ لا يَبلي والديان لا يموت، فكُن كما شئت، كما تدين تُدان» (224).
37- «الظلم ظلمات يوم القيامة»(225).
38- «كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل»(226).
39- «ما نقص مال من صدقة»(227).
40- «صنائع المعروف تقي مصارع السوء»(228).
41- «الدَّالُّ على الخير كفاعله»(229).
42- «نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس؛ الصحة والفراغ»(230).
43- «الناس كإبل مائة لا تجد فيها راحلة»(231).
44- «لا تظهر الشماتة لأخيك، فيعاقبه الله ويبتليك»(232).
وما تقدم إنما هو عينة مصغرة لجوامع كلمه صلى الله عليه وسلم وإلّا لو ذهبنا نستطرد كلامه صلى الله عليه وسلم لطال بنا المقام، ولكن في هذا كفاية، وفيه تنبيه على غيره (233).
بعض معجزات الرسول صلى الله عليه وسلم
وعلامات النبوة
شاء الله سبحانه وتعالى أن تكون معجزة كل رسول من جنس ما يمتاز فيه قومه، فكان من أكبر معجزات رسول الله صلى الله عليه وسلم ، القرآن الكريم؛ لاشتهار قومه بالبلاغة والبيان، إلا أن لرسول الله صلى الله عليه وسلم معجزات أخرى كثيرة سنذكر بعضها إن شاء الله، فأوّل هذه المعجزات:
1- القرآن الكريم الذي دعا العرب وغيرهم منذ بعثه الله عز وجل قرنا قرنا إلى يومنا هذا وإلى يوم القيامة إلى أن يأتوا بمثله إن شكّوا في صدقه، فعجز عن ذلك جميع البلغاء، وغيرهم.
2- شق الله تعالى له القمر بمكة، إذ سأتله قريش آية، فأنزل الله تعالى في ذلك: ﴿اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانشَقَّ الْقَمَرُ﴾(234).
3- أطعم النفر الكثير في منزل جابر رضي الله عنه، وفي منزل أبي طلحة مرة ثمانين رجلا من أربعة أمداد من شعير وعَنَاق (العَنْز الصغيرة)، ومرة أكثر من ذلك من أربعة أقراص من شعير حملها أنس بن مالك رضي الله عنه في يده، ومرة أطعم جميع الجيش، وهم تسعمائة، من تمر يسير أتت به ابنة بشير بن سعد رضي الله عنها في يدها فأكلوا منه حتى شبعوا، وفضلت منه فضلة.
4- ونبع الماء من بين أصابعه صلى الله عليه وسلم ، فشرب منه العسكر كلهم وهم عِطاش، وتوضئوا كلهم، كل ذلك من قدح صغير ضاق عن أن يبسط فيه صلى الله عليه وسلم يده المكرّمة، وأهراق من وضوئه في عين تبوك، ولا ماء فيها، ومرة أخرى في بئر الحديبية، فجاشتا بالماء، فشرب من عين تبوك أهل الجيش، وهم ألوف، حتى رووا كلهم، وفاضت إلى يوم القيامة، وشرب من بئر الحديبية ألف وأربعمائة، حتى رووا كلهم، ولم يكن فيها قبل ذلك ماء.
5- وأمر صلى الله عليه وسلم عمر بن الخطاب رضوان الله عليه، أن يزوّد أربعمائة راكب من تمر كان في اجتماعه كربضة البعير، فزوّدهم كلهم منه، وبقى بجثته كما كان.
6- ورمى صلى الله عليه وسلم الجيش بقبضة من تراب فعميت عيونهم، ونزل بذلك القرآن في قوله تعالى: ﴿وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللهَ رَمَى﴾(235).
7- وأبطل الله عز وجل الكهانة بمبعثه صلى الله عليه وسلم فانقطعت وكانت ظاهرة موجودة.
8- وحن إليه صلى الله عليه وسلم الجذع الذي كان يخطب إليه إذ عُمِل له المنبر، حتى سمع منه جميع الحاضرين مثل صوت الإبل، فضمه إليه فسكن.
9- ودعا صلى الله عليه وسلم اليهود إلى تمنّي الموت وأخبرهم أنهم لا يتمنونه، فحيل بينهم وبين النطق بذلك، وهذا منصوص عليه في القرآن(236).
10- وأخبر صلى الله عليه وسلم بالغيوب(237) وأنذر بأن عمارا تقتله الفئة الباغية، وأن عثمان رضي الله عنه تصيبه بلوى وله الجنة، وأن الحسن بن على رضوان الله عليهما سيد، يصلح الله به بين فئتن عظيمتين من المسلمين، فكان كل ذلك.
وأخبر عن رجل قاتل في سبيل الله رضي الله عنه، بأنه من أهلا لنار، فظهر ذلك، بأن قتل ذلك الرجل نفسه.
11- وأتبعه صلى الله عليه وسلم سراقة بن مالك بن جعشم فساخت قدما فرسه في الأرض، ثم أخرجهما وأتبعه دخان، حتى استعاذة سراقة، فدعا له صلى الله عليه وسلم ، فانطلقت الفرس.
12- وأنذر صلى الله عليه وسلم سراقة بن مالك أيضا بأن ستوضع في ذراعيه سواري كسرى، فكان كذلك.
13- وأخبر بقتل الأسود العنسي الكذّاب ليلة قتله وهو بصنعاء اليمن وأخبر بمن قتله.
14- وأنذر بموت النجاشي وبينهما البحر المالح، ومسيرة أيام في البر، وخرج هو وجميع أصحابه إلى البقيع، فصلّوا عليه، فوُجد قد مات ذلك اليوم، إذ ورد الخبر بذلك.
15- وخرج من بيته صلى الله عليه وسلم على مائة من قريش ينتظرونه ليقتلوه بزعمهم، فوضع التراب على رؤوسهم، ولم يروه.
16- وشكا إليه صلى الله عليه وسلم البعير بحضرة أصحابه، وتذلّل له.
17- وقال صلى الله عليه وسلم لنفر من أصحابه رضي الله عنهم: أحدكم في النار ضرسه مثل أحد، فماتوا كلهم على الإسلام وارتد منهم واحد: وهو «الرَّحَّال الحنفي»، فقتل مرتدا مع مسيلمة الكذّاب، لعنهما الله تعالى.
18- وقال صلى الله عليه وسلم لآخرين منهم: آخركم موتا في النار، فسقط آخرهم موتا في النار، فاحترق فمات.
19- ودعا صلى الله عليه وسلم شجرتين فأتتاه فاجتمعتا، ثم أمرهما فافترقتا.
20- وكان صلى الله عليه وسلم نحو الرِبعة (الوسط بين الطويل والقصير) فإذا مشى مع الطوال طالهم.
21- ودعا صلى الله عليه وسلم النصارى إلى المباهلة بالتلاعن فامتنعوا، وأخبرهم أنهم إن فعلوا ذلك هلكوا كلهم، فعلموا صحّة قوله فامتنعوا.
22- وآتاه صلى الله عليه وسلم عامر وأربد؛ عامر بن الطفيل بن مال بن جعفر بن كلاب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة، وأربد بن قيس بن جزء خالد بن جعفر بن كلاب، وهما فارسا العرب، وفاتكاهم، عازمين على قتله، فحال الله بينهما وبين ذلك، وضرب بين أربد وبينه صلى الله عليه وسلم مرة بعامر ومرة بسور، ودعا عليهما، فهلك عامر في وجهه من منصرفه عنه صلى الله عليه وسلم ، وأهلك أربد الصاعقة، أحرقته، لعنهما الله.
23- وأخبر أنه يقتل «أُبي بن خلف الجُمحي» فخدشه يوم أحد خدشا لطيفا، فكانت منيته منها.
24- وأُطعِم السُّمّ فمات من أَكَله معه لحينه، وعاش هو صلى الله عليه وسلم ، بعد ذلك أربع سنين، وكلّمه ذراع الشاة المسمومة بأنه مسموم.
25- وأخبر أصحابه يوم بدر بمصارع صناديد قريش وأوقفهم على مصارعهم رجلا رجلا، فلم يتعد واحد منهم ذلك الموضع.
26- وأنذر بأن طوائف من أمته يغزون في البحر وقال «لأم حرام بنت ملحان»: أنت منهم، فكانت منهم، وصح غزو طائفة من أمته في البحر.
27- وزويت (طويت) له صلى الله عليه وسلم الأرض فأُري مشارقها ومغاربها، وأنذر ببلوغ ملك أمته ما زُوي له منها، فكان ذلك، وبلغ ملكهم من أول المشرق إلى بلاد السند والترك إلى آخر المغرب، من سواحل البحر المحيط بالأندلس وبلاد البربر، ولم يتسعوا في الجنوب والشمال كل الاتساع، أعني مثل اتساعهم شرقا وغربا، فكان كما أخبره سواء بسواء.
28- وأخبر صلى الله عليه وسلم فاطمة ابنته رضوان الله عليها أنها أوّل أهله لحاقا به، فكان كذلك.
29- وأخبر صلى الله عليه وسلم نساءه رضوان الله عليهن بأن أطولهن يدا أسرعهن لحاقا به، فكانت زينب بنت جحش الأسدية رضي الله عنها أطولهن يدا بالصدقة أوّلهن موتا بعده.
30- ومسح صلى الله عليه وسلم ضرع شاة فدرت فكان ذلك سبب إسلام عبد الله بن مسعود، ومرّة أخرى في خيمتي أم معبد الخزاعية.
31- وندرت عين بعض أصحابه وهو قتادة، فسقطت، فردّها صلى الله عليه وسلم ، فكانت أصحّ عينيه وأحسنهما.
32- وتفل صلى الله عليه وسلم في عين علي رضي الله عنه وهو أرمد، يوم خيبر، فصح من حينه، ولم يرمد بعدها، وبعثه بالرّاية، وقد قال: لا ينصرف حتى يفتح الله عليه، فكان كما قال، ولم ينصرف علي رضي الله عنه إلا بالفتح.
33- وكانوا يسمعون تسبيح الطعام بين يديه صلى الله عليه وسلم.
34- وأصيبت رجل بعض أصحابه فمسحها صلى الله عليه وسلم ، فبرئت من حينها.
35- وقل زاد جيش كان فيه فدعا بجميع ما بقى من الزاد فاجتمع منه شيء يسير جدا، فدعا عليه صلى الله عليه وسلم بالبركة، ثم أمرهم فأخذوا، فلم يبق وعاء في المعسكر إلا مُليء.
36- وحكى الحكم بن أبي العاص مشيته صلى الله عليه وسلم مستهزئا، فقال له: كذلك فكن، فلم يزل يرتعش إلى أن مات.
37- وخطب أُمامة بنت الحار ث بن عوف وكان أبوها أعرابيا جافيا، سيد قومه، فقال إن بها بياضا، وكانت العرب تكنى بهذا البرص، فقال له صلى الله عليه وسلم: لتكن كذلك، فبرصت من وقتها، وانصرف أبوها فرأي ما حدث بها، فتزوجها ابن عمها «يزيد بن جمرة بن عوف»، فولدت له الشاعر «شبيب بن يزيد»، وهو المعروف «بابن البرصاء».
إلى غير ذلك من آياته ومعجزاته صلى الله عليه وسلم ، وإنما أتينا بالمشهور المنقول نقل التواتر وبالله التوفيق(238).
تنبيهات مهمة
هذه بعض علامات نبوته ومعجزاته صلى الله عليه وسلم ، أيّده الله بها لينتهي الكافرون الضالون عن ضلالهم، وعلامة على صدق نبيا صلى الله عليه وسلم وأهل السُّنّة والجماعة بالإجماع يؤمنون بقُدرة الله في ذلك ويصدّقون ما صح من تلك المعجزات على يد نبينا صلى الله عليه وسلم ، مِنة من الله وفضلا.
في حين أننا اليوم – للأسف الشديد – يخرج علينا فكران أحدهما ولا حول ولا قوة إلا بالله أضل من الآخر، ألا وهما:
الفكر الأول: فكر قوم أنكروا تلك المعجزات وأقلقتهم وضربوا بتلك الروايات التي جاءت بها عرض الحائط، والله يعلم أن ذلك إما لعدم كمال إيمانهم، وسوء ظنهم بالله، وإما تأثيرا تحت مطارق التغريب والشُّبهات الواردة من الغرب الذي لا يؤمن إلا بالمادة والملموس والمحسوس، أحفاد الذين قالوا لموسى عليه السلام: ﴿أَرِنَا اللهَ جَهْرَةً﴾، وذلك حين تتلمذوا على أيد المستشرقين الحاقدين، فأنكروا معجزات نبينا تقديرا لفكر سادتهم.
الفكر الثاني: فكر قوم رفعوا بتلك المعجزات مقام النبي صلى الله عليه وسلم عن مقام البشر، بل أطروه حتى أن منهم من كاد يألّهه صلى الله عليه وسلم ، والرسول صلى الله عليه وسلم يكره ذلك؛ فهو القائل: «لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى بن مريم، إنما أنا عبد».
والصواب بين هذا وهذا، فنؤمن بأن قدرة الله فوق كل معقول وغير معقول، وقد أجراها الله سبحانه لنبينا صلى الله عليه وسلم تكريما وتأييدا وفضلا.
فاللهم صلّ وسلم عليه وعلى آله وصحبه أجمعين، واجزه اللهم عنا خير ما جزيت نبيا عن أمته، وبلّغه منا السلام وارزقنا رؤياه في الآخرة والقُرب من حضرته والشُّرب من حوضه، واحشرنا اللهم تحت لوائه ولا تحرمنا من رؤياه في هذه الدار برؤيا صالحة تمتّع بها أرواحنا يا رب العالمين.
وآخر دعونا أن الحمد لله رب العالمين.
الإسكندرية الاثنين في 1/3/1415هـ، 8/8/1994م.
ربيع بن عبد الرءوف الزواوي
غفر الله له ولوالديه
الهوامش:
(1) سيرة ابن هشام، زاد المعاد. الرحيق المختوم.
(2) لسان العرب لابن منظور: 15/ 322.
(3) لسان العرب لابن منظور: 1/ 477، 478.
(4) لسان العرب لابن منظور: 7/ 387، 388.
(5) لسان العرب لابن منظور: 15/ 303.
(6) لسان العرب: 11/ 166
(7) لسان العرب لابن منظور: 4/ 351.
(8) لسان العرب لابن منظور: 7/ 149.
(9) لسان العرب لابن منظور: 15/ 338.
(10) لسان العرب لابن منظور: 7/ 291 ، 292.
(11) لسان العرب لابن منظور: 6/ 258.
(12) لسان العرب لابن منظور: 3/ 385.
(13) لسان العرب لابن منظور: 13/ 40 ، 41.
(14) لسان العرب لابن منظور: 1/ 130- 6/ 20.
(15) لسان العرب لابن منظور: 1/ 477.
(16) لسان العرب لابن منظور: 14/ 104.
(17) لسان العرب لابن منظور: 15/ 65.
(18) لسان العرب لابن منظور: 3/ 235.
(19) لسان العرب لابن منظور: 3/ 183 ، 184.
(20) لسان العرب لابن منظور: (هامش): 9/ 20.
(21) لسان العرب لابن منظور: 10/ 333.
(22) لسان العرب لابن منظور: 10/ 232.
(23) البخاري.
(24) البخاري.
(25) رواه البخاري.
(26) رواه الترمذي وهو في سيرة ابن هشام.
(27) الترمذي.
(28) مشكاة المصابيح، وجامع الترمذي.
(29) رواه مسلم.
(30) رواه الدارمي، الترمذي في الشمائل.
(31) رواه الترمذي.
(32) رواه مسلم.
(33) البخاري.
(34) البخاري.
(35) البخاري ومسلم.
(36) الرحيق المختوم ص 483.
(37) رواه البخاري.
(38) خلاصة السير ، الرحيق المختوم.
(39) المصدر السابق.
(40) الرحيق المختوم، رحمة للعالمين.
(41) رواه الدارمي، مشكاة المصابيح.
(42) رواه مسلم.
(43) رواه البخاري.
(44) البخاري.
(45) رواه مسلم.
(46) رواه البخاري.
(47) الرحيق المختوم.
(48) جوامع السيرة النبوية لابن حزم ص: 44 (مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر).
(49) الطبقات الكبرى لابن سعد ص: 375 وما بعدها (ط: بيروت).
(50) صفة الصفوة ص: 79 وما بعدها (ط. دار الكتب العلمية: بيروت).
(51) شديد الطول.
(52) شديد القصر.
(53) شديد الجعودة.
(54) كثير اللحم.
(55) الهزيل قليل الوجه
(56) أبيض بحمرة.
(57) مجتمع الكتفين وهو الكاهل.
(58) قضيب الشعر الذي في الصدر.
(59) الغليظ الأصابع.
(60) الطويل النحيف.
(61) في شعره تكسر. تنبيه: بعض الكلمات المتروكة تقدم بيان معناها.
(62) الشعر المجتمع في الرأس.
(63) عظيم الأنف.
(64) يمشي خلفهم.
(65) أي طعاما.
(66) صفة الصفوة لابن الجوزي رحمه الله 1/ 33، 34، 35. دار الكتب العلمية.
(67) صفة الصفوة لابن الجوزي: 1/ 45.
(68) بتصرف واختصار من مجلة بريد الإسلام العدد 3.
(69) نقلا عن مجلة بريد الإسلام العدد 2 بتصرف.
(70) نقلا عن كتاب دعوة البشرية إلى السعادة الأبدية للشيخ عثمان منصور ص: 42.
(71) المصدر السابق.
(72) المصدر السابق.
(73) المصدر السابق، ص: 44.
(74) المصدر السابق، ص: 49.
(75) المصدر السابق، ص: 49.
(76) البخاري ومسلم. الأرناؤوط.
(77) الترمذي في الشمائل.
(78) البخاري.
(79) البخاري.
(80) البخاري، أبو داود، الترمذي.
(81) أحمد، أبو داود والترمذي.
(82) رواه مسلم.
(83) زاد المعاد لابن القيم، تحقيق الأرناؤوط
(84) أبو داود، الحاكم، ووافقه الذهبي.
(85) البخاري ومسلم.
(86) البخاري ومسلم. الأرناؤوط.
(87) شمائل الترمذي. الأرناؤوط.
(88) زاد المعاد لابن القيم.
(89) زاد المعاد لابن القيم.
(90) تقدم تخريجه.
(91) زاد المعاد لابن القيم.
(92) رواه أحمد، وابن ماجه، والحاكم ووافقه الذهبي. الأرناؤوط.
(93) البخاري ومسلم.
(94) زاد المعاد.
(95) البخاري. الأرناؤوط.
(96) ابن حبان. الأرناؤوط.
(97) البخاري. زاد المعاد . الأرناؤوط.
(98) أحمد وأبو داود والترمذي: (زاد المعاد – الأرناؤوط) مختصرا.
(99) الترمذي، والبخاري ومسلم مختصرا (الأرناؤوط) وفي رواية: (إنما كان حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلا وفهمًا تفهمه القلوب).
(100) أحمد والبخاري ومسلم وأبو داود (الأرناؤوط).
(101) أبو داود، أحمد، الترمذي (الأرناؤوط).
(102) البخاري.
(103) زاد المعاد (الأرناؤوط).
(104) زاد المعاد. الأرناؤوط. ملخصا.
(105) أي تسريحة شعر رأسه.
(106) لا كما يفعل المتفرنجون هذه الأزمان العجيبة.
(107) أي من منتصف رأسه.
(108) زاد المعاد مختصرا.
(109) البخاري ومسلم وغيرهما (الأرناؤوط).
(110) الترمذي وأبو داود، وابن ماجه والحاكم وابن حبان (الأرناؤوط).
(111) من زاد المعاد مختصرا.
(112) النسائي وابن ماجه وأحمد قال الأرناؤوط: إسناده قوي.
(113) زاد المعاد مختصرا.
(114) النسائي واحمد والحاكم وصححه ووافقه الذهبي (الأرناؤوط).
(115) الترمذي والنسائي والحاكم وصححه ووافقه الذهبي. (الأرناؤوط).
(116) الترمذي وابن حبان وابن ماجه والدارمي. (الأرناؤوط).
(117) زاد المعاد مختصرا مع تصرف قليل.
(118) آل عمران: 132.
(119) آل عمران: 31.
(120) آل عمران: 32.
(121) النساء: 80.
(122) النور: 51.
(123) الفتح: 17.
(124) الحشر: 7.
(125) الأحزاب: 36.
(126) النساء: 59- 65.
(127) النور: 63.
(128) رواه البخاري ومسلم.
(129) التوبة: 62.
(130) النور: 63.
(131) الحجرات: 1-3.
(132) الأحزاب: 53.
(133) التوبة: 61.
(134) الكهف: 110.
(135) الأعراف: 188.
(136) غافر: 60.
(137) البقرة: 186.
(138) النور: 52.
(139) التوبة: 59.
(140) التوبة: 128.
(141) الأحزاب: 6.
(142) نقلا عن كتاب أصول الدعوة، للدكتور عبد الكريم زيدان رحمه الله.
(143) فعلى الدعاة المخلصين أن يجتهدوا في نشر الدعوة إلى الله في كل مكان دون خوف من المخاطرة بالنفس أو الإهانة، لأنهم ليسوا أرفع قدرا من رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ الذي شُتم وأدمي من شدة الضرب.
(144) هذا الدعاء المشهور ينسب إليه ضعف من كثير من علماء الحديث، هذا من ناحية أصول علم الحديث، غير أن هذا النّص يُشم منه رائحة كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي أوتي جوامع الكلم واختصر له الكلام اختصارا، كما قال بذلك جمع آخر من العلماء والله أعلم.
(145) ينطبق على هذا قول الله تعالى: ﴿ لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلاَ سَاءَ مَا يَزِرُونَ﴾.
(146) وهذا يدل على أن القوم قوم عناد وكبر، لأنه من قال لهم أن دين النصارى خير من دين محمد صلى الله عليه وسلم ، هب أن القائل صادق في كلامه جدلا، فما الذي منعه من الدخول في دين عَدّاس آنذاك، اللهم إلا الكبر والعناد والجحود.
(147) جبلين عظيمين حول مكة أو من جبال مكة.
(148) رواه البخاري ومسلم، وهذا الحديث فيه عظيم قدر الرسول صلى الله عليه وسلم ، لأن الأنبياء كانوا إذا تأكّدوا من عدم استجابة أقوامهم دعوا عليهم، أما نبينا صلى الله عليه وسلم فلم يصل إلى هذا الحد، بل جاء ملك الجبال، ملك العذاب، وهو مخير في قومه ومع هذا رفض الهلاك لهم وهم يسعون ليلا نهارا لإهلاكه وقتله، الّلهم صلّي عليه وعلى آله وصحبه واجزه عنا خير ما جزيت نبيا عن قومه.
(149) الرحيق المختوم، المباركفوري.
(150) البداية والنهاية لابن كثير. الرحيق المختوم للمباركفوري.
(151) وسيأتي شيء من جوامع كلامه صلى الله عليه وسلم.
(152) في صحيح البخاري.
(153) البخاري.
(154) البخاري.
(155) أي أنه صلى الله عليه وسلم كان يركب ظهر الفرس بلا حائل.
(156) البخاري.
(157) خلاصة السير.
(158) شمائل الترمذي: الشفا للقاضي عياض. الرحيق المختوم.
(159)شمائل الترمذي: الشفا للقاضي عياض. الرحيق المختوم.
(160) سورة القلم: 4.
(161) الرحيق المختوم للمباركفوري.
(162) رواه أحمد، صفة الصفوة لابن الجوزي. ص: 85.
(163) رواه البخاري.
(164) رواه مسلم.
(165) رواه البخاري.
(166) البخاري.
(167) البخاري.
(168) البخاري.
(169) البخاري ومسلم.
(170) صفة الصفوة.
(171) البخاري ومسلم.
(172) رواه أحمد.
(173) رواه البخاري ومسلم.
(174) البخاري ومسلم.
(175) البخاري ومسلم.
(176) البخاري ومسلم.
(177) أخرجهما أحمد في مسند.
(178) أخرجهما أحمد في مسند.
(179) البخاري ومسلم.
(180) أي غنم.
(181) رواه مسلم.
(182) البخاري ومسلم.
(183) البخاري ومسلم (نقلا عن صفة الصفوة).
(184) البخاري ومسلم.
(185) البخاري ومسلم.
(186) البخاري ومسلم.
(187) مسلم.
(188) رواه أحمد.
(189) رواه الدار قطني، وفيه ضعف.
(190) البخاري ومسلم.
(191) البخاري ومسلم.
(192) ابن عدي، والأصح أنه موقوف.
(193) أبو داود والإمام أحمد.
(194) مسلم.
(195) ابن عدي وفيه ضعيف.
(196) ابن أبي الدنيا.
(197) أحمد، وأبو داود، والترمذي.
(198) أبو داود وغيره.
(199) أحمد، البخاري، ومسلم.
(200)الترمذي والحاكم في المستدرك.
(201)البيهقي، والخطيب البغدادي.
(202) مسلم والحاكم والترمذي.
(203) البخاري ومسلم والترمذي.
(204) البيهقي.
(205) البخاري ومسلم.
(206) أحمد والدارقطني والحاكم والطبراني وابن حبان.
(207) أحمد والترمذي.
(208) أبو داود.
(209) البزار.
(210) تكملة الحديث السابق.
(211) البخاري.
(212) البخاري في الأدب وأبو داود.
(213) الترمذي وابن ماجه وفيه ضعف.
(214) أبو يعلي وغيره.
(215) أحمد، والترمذي.
(216) النسائي والترمذي وأحمد والبخاري في الأدب ومسلم.
(217) البخاري والترمذي.
(218) الحاكم والنسائي.
(219) مسلم وأحمد.
(220) الطبراني وغيره.
(221) البخاري ومسلم.
(222) البخاري وأبو داود.
(223) البخاري وأبو داود.
(224) أخرجه أحمد في المسند.
(225) البخاري والترمذي.
(226) البخاري والترمذي.
(227) الترمذي.
(228) الطبراني.
(229) مسلم.
(230) أحمد و الترمذي والحاكم.
(231) البخاري ومسلم.
(232) الترمذي.
(233) هذه المجموعة من جوامع الكلم مأخوذة من صفة الصفوة لابن الجوزي.
(234) سور القمر: 1.
(235) سورة الأنفال: 17.
(236) سورة البقرة: 94- 95، سورة الجمعة: 6- 7.
(237) تنبيه مهم: الغيب لا يعلمه إلا الله ولكن قد يخبر الله بالوحي رُسله بما شاء سبحانه، قال تعالى: ﴿ عَالِمُ الْغَيْبِ فَلاَ يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا ﴿26﴾ إِلاَّ مَنِ ارْتَضَى مِن رَّسُولٍ﴾.
(238) من كتاب جوامع السيرة لابن حزم (ص: 28 – 35) ط مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر.

FacebookTwitterPinterestGoogle +Stumbleupon