نص الاستشارة: كيف أخاطب أطفالي الصغار؟!

الجواب: يمكن أن أختصر الجواب في كلمتين فقط هما: (حدثيهم كأنهم كبار، واحترمي عقولهم)!
كنت في بداية حياتي قد رأيت منظرا لا يكاد يغيب عن خيالي كلما رأيت أما أو أبا يدلل ابنه ويحادثه بلغة الأطفال الصغار التي تعودنا عليها في مجتمعاتنا الشرقية، هذا المنظر يتمثل في أني رأيت أما أوروبية تخاطب ابنها في محطة القطار؛ فكانت تتكلم معه كأنها تتحدث لشخص راشد، فتخبره بسبب مكثهم وقتا طويلا ينتظرون القطار، ومتى سيصل، وإلى أي بلد سيغادرون، والأعجب أنها لا تتحدث في كل ذلك باللهجة التي تعودنا أن نتحدث فيها مع الأطفال؛ فنكسر بنية الكلمة، ونقلب الراء لاما، والقاف كافا، والشين سينا، إلى آخر ذلك من منظومة تحطيم آلية النطق لدى أولادنا في صغرهم.

أتذكر ذلك المشهد لهذه الأم الغربية، وأقارنه بمئات المشاهد التي أراها مع أمهات مجتمعنا، وأقول لنفسي: ما الفارق بين طفلين، نتكلم مع الأول منهما بطريقة فيها تقدير لشخصيته، وتبيانا لما يحيط به من مواقف، وتفسيرا كاملا لحدث هو يعيش لحظاته ومشاهده، وطفل آخر ندلـله ونحقر من شخصه فلا نشرح له الحدث بكنهه، ونكسر الحروف عندما نخاطبه؟!!!

واضح أن الفارق بينهما مستقبلا سيكون كبيرا، وكيف سيواجه كل منهما ما يلاقيه من الصعاب، والمشاكل، وكيف سيعلل الأسباب، وكيف ستكون شخصيته، وغير ذلك…
إننا بذلك الحديث المشوه الذي نبدأ به حياة أبنائنا وبناتنا الصغار وفي سنوات عمرهم الأولى، ننسى أننا نخاطب شخصا تتكون في عقلة قاعدة للبيانات، وإن أدخلنا أي بيان مشوه فسيوثر على هذه القاعدة ولا شك، فلماذا نشارك في هدم قوى أبنائنا النفسية والعقلية مستقبلا بسلوكيات قد نظنها صغيرة وهي مهمة وحجمها كبير جدا؟

إننا نريد أن يعود الولد الصغير من أبناء أمتنا إلى سالف عهده، وإلى ما كان عليه من تحمل لمسئوليته، واضطلاع بأعباء الحياة، وأدب جم مع معلمه ومع من هم أكبر منه سنا، ومع زملائه وأقرانه، ومع جيرانه ومن يجمعه بهم موقف أو ظرف ما.
فلنعد إذا لنعترف أننا نشارك في ترسيخ سلبيات وأخطاء بسيطة في تربيتنا للنشء بطريقة خطابنا معهم في مقتبل أعمارهم، وبسلوكيتنا الخاطئة أمامهم متصورين أنهم لن يتنبهوا لها، أو أنهم بمعزل عن إدراكها.

وقد أشار القرآن الكريم إلى أهمية التربية في الصغر، فأبان فضلها، ولفت لعلو مكانتها، عندما خاطب هؤلاء الأبناء في شبابهم، وقد بلغ الوالدان سن الكبر والشيخوخة، وبماذا يدعون لهم بعد موات الوالدين؛ فقال: (… وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا) وقد لفت القرآن الكريم النظر لهذا الدعاء (كما ربياني صغير) لكون خطابهما معي صغيرا ومواقفهما معي صغير، ومعالجتهما للمشكلات أمامي صغيرا، وتصرفاتهما أمامي صغيرا، و……. كل ذلك هو الذي تربيت عليه، ولما كانا يتقيان الله في هذا الأقوال والسلوكيات التي تربيت عليها فقد صارا مستحقين للدعاء لهما بالرحمة بفضل تربيتهما لي صغيرا.

فلا نستهين بطريقة التخاطب مع الصغير من أبنائنا، ولا نتصور أنه لا يتأثر بهذا الخطاب، أو أنه لا يتعلم منه، بل ويتربى عليه، ويسب عليه، ويهرم عليه، فالسعيد من أبنائنا من رزقه الله لوالدين يحسنان الخطاب معه في الصغر.

ولا نتصور أيضا أن هذا هو كل شيء، فقد كان بعض الصالحين لهم أبناء أشقياء طالحين، بل كان لبعض الرسل أبناء أشقياء لم يقبلوا الحق، فالسعيد من وفقه الله، والشقي من أشقاه الله، وما علينا إلا أن نحسن في تربية أبنائنا ومن هذا الإحسان إحسان الخطاب واحترام عقله صغير، وأن نتقي الله في مطعمه من حلال وملبسه من حلال، والله هو وحده المسئول عن صلاح الحال، وهو حسبنا ونعم الوكيل. ربيع الزواوي

FacebookTwitterPinterestGoogle +Stumbleupon