متى سأخشع في صلاتي؟!
بقلم/ ربيع عبد الرؤوف الزواوي

منذ ما يزيد عن ثلاثين عاما وأنا أحاول تحقيق الخشوع في الصلاة… ولكن هيهات…

ولا أريد لنفسي ولا لمن يقرأ كلامي من الفضلاء أن نخدع أنفسنا أو نخجل من واقعنا في صلاتنا، فالذي نظن أننا نفعله ونحن نصلي ليس هو الخشوع!…

كنت في بداية حياتي وبالتحديد في عام 1411هـ / 1991م قد ألفت كتاباً صغير الحجم بعنوان”الخشوع في الصلاة” ثم ترددت في نشره؛ فقمت بتمزيقه ولم أطبعه؛ وذلك لأني ببساطة لا أعمل بما فيه! فخشيت أن أجمع علي نفسي شرين؛ عدم الخشوع والكذب، فأجمع على نفسي – كما يقال – حشفاً وسوء كيل.

إن الصلاة عمود وعماد هذا الدين، وصحيح أن الخشوع ليس شرطا من شروط الصلاة ولا ركنا من أركانها… وتسقط الفريضة بأدائها بشروطها وأركانها المعروفة ولو بغير خشوع، ولكن لا يجني الإنسان ثمرتها إذا فقدت الخشوع… إذ الحشوع روحها.

بإختصار – يا سادة – الصلاة بدون الخشوع كالجسد بلا روح، وإن معظم صلاتنا جسد بلا روح، وحركات وقراءة، أفعال وأقوال… بلا خشوع.

فما هو الخشوع يا تري؟ هل هو أن يطأطئ الإنسان رأسه، وأن ينحني، وأن………
إن الخشوع الذي أعرفه وأتمنى أن أحقّقه – ببساطة – هو أن يقبل الإنسان بقلبه على ربه متدبراً ما يتلو… هذه بساطة في اللفظ فقط، وإلا فالعمل ليس بسيطا ولا سهلا، وهو مربط الفرس وبيت القصيد.

اختلف العلماء في معني الخشوع في الصلاة…
فمنهم من قال هو التذلل لله فيها.
ومنهم من قال هو الخوف من الله.
ومنهم من قال هو السكون فيها.
ومنهم من قال هو التواضع فيها وبها.
ومنهم من قال هو غض البصر وخفض الصوت.
ومنهم من قال هو عدم الالتفات.
ومنهم من قال هو وضع المصلي بصره موضع سجوده.
والحقيقة أن معظم ذلك مما تقدم من معاني الخشوع من لوازم الخشوع وهيئته، وأن المقصود به على الحقيقة حضور القلب فيها وإقباله على الله وعدم انشغاله بغيرها.

من حوالي عام مضى وبينما كنت أنظر في تفسير الشيخ محمد عبده رحمه الله، فعرض لتفسير قول الله تعالى (ويقيمون االصلاة) فقال ما معناه يقيمونها يعني يخشعون في صلاتهم، والخشوع في الصلاة ان يتدبّر ما يقرأ…. ثم أفاض في كيفية التدبّر…. مما نبهني لأهمية وخطورة التدبّر فيما نتلو، لا سيما معاني الفاتحة، وأذكر أني أيامها مكثت أياماً أحاول تدبر الفاتحة، ونجحت مرة واحدة في تدبرها وأنا أقرؤها وكانت من أفضل صلواتي.

إنّ المطالع لسيرة الرسول صلي الله عليه وسلم ومنهجه وهديه في صلاته، وكذلك الناظر في تاريخ وسير السلف الصالح؛ ليدرك خطورة الخشوع في الصلاة.
الناس يتفاوتون في صلاتهم ليس بطول مايقرأون فيها أو يركعون أو يسجدون، أو بعدد ركعاتهم… إنما بالخشوع فيها والتدبر فيما يقرأ فيها، والإقبال بالقلب علي الله تبارك وتعالي.

فقد ثبت عن النبي صّلي الله عليه وسلم إنه قال: (إِنَّ الرَّجُلَ لَيُصَلِّي الصَّلاةَ مَا يُكْتَبُ لَهُ مِنْهَا إِلا نِصْفُهَا، ثُلُثُهَا، رُبْعُهَا، خُمْسُهَا، سُدُسُهَا، عُشْرُهَا) الحديث
وقد قيل: إن المُسْلِمَيْن ليخرجان متوضئيْن للصلاة، ساعيين إلى المسجد، يصليان خلف إمام واحد، ينصرفان من صلاتهما وبينهما كما بين السماء والأرض في المثوبة والجزاء!!!

ولا شك أن هناك أشياء تعين على هذا الخشوع…
فمما يعين علي الخشوع في الصلاة عدم الانشغال بشيء خارجها…
ومما يعين علي الخشوع تحقيق معني الخشوع لغة؛ وهو الإنخفاض… فيجعل الإنسان بصره منخفضاً في موضع سجوده…
ومما يعين علي الخشوع في الصلاة استحضار عظمة ملك الملوك سبحانه وتعالي، وأن العبد واقف بين يديه…
ومما يعين على الخشوع في الصلاة التفكير فيما يقول فيها من أذكار وفيما يتلو من قرآن.
ومما يعين على الخشوع في الصلاة كذلك تعظيم قدر الصلاة ومعرفة خطورة الخشوع وعظم شأنه، والاستعداد للصلاة قبلها، ومعرفة فقهها وعدم الالتفات فيها، والتأني والطمأنينة فيها، واختيار المكان المناسب لها.

اللهم وفّقنا للخشوع في الصلاة… فإنه (قد أفلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون) فاجعلنا اللهم من المفلحين.

FacebookTwitterPinterestGoogle +Stumbleupon