مسلسل الحجاج.. وتاريخنا المشوّه
بقلم/ ربيع عبد الرؤوف الزواوي

رغبني من أثق في رأيه في مشاهدة مسلسل الحجاج بن يوسف الثقفي… فانزويت في بعض الوقت أتابع حلقات المسلسل من خلال اليوتيوب، مغتنما بعض ساعات الراحة بعيدا عن ضجيج الحياة العملية ومشاغلها المتعبة، ومستغلا ساعات رقادي طريح الفراش في هذه المهمة (كان ذلك في يوليو وأغسطس 2015) … لكني هالني ما رأيت في هذا المسلسل من أغاليط وانحراف ووهم وافتراء!…

وقبل أن أذكر بعض ما هالني فيه، أحب أن أذكر ابتداء بعض ما يجيش في نفسي من أسباب ساعدت في ضعف الدراما التاريخية لدينا على وجه العموم، ومن هذه الأسباب:

– الدراما التاريخية، أو التمثيل التاريخي، أو المسلسلات التاريخية ما هي الا محاولات لنقل الأحداث التاريخية كما هي من المصادر التاريخية.

– تاريخنا – للأسف – لم يكتب كله؛ فالمكتوب منه هي الأحداث السياسية على الأعم الأغلب.

– يوجد في تاريخنا فراغ رهيب في الأحداث الاجتماعية والعمران والوجه الحضاري لأمتنا… ولذلك تجد قصورا فجا ومشاهد شوهاء في هذا الجانب في بعض الدراما التاريخية التي يحاول منتجوها تغطية هذا القصور الاجتماعي والحضاري بها…

– تاريخنا – للأسف – هو تاريخ الأفراد و الملوك والقادة وليس تاريخ الشعوب والأمم.

– من يقدمون هذه الدراما التاريخية وينتجونها غالبا ما يحاكمون الماضي إلى الحاضر والواقع الأليم الذي نعيشه.

– غياب عنصر الأمة والشعوب في أي انتصارات ونسبتها لأشخاص وأفراد… وهذا والله غاية الظلم ومنتهى الافتراء والكذب.

هذه نقاط مختصرة وضعتها بين يدي ما سأذكره من ملاحظات من وجهة نظري حول مسلسل الحجاج بن يوسف الثقفي… ولأنها نقاط تؤثر في كافة الدراما التاريخية لدينا؛ جعلتها قبل ملاحظاتي على مسلسل الحجاج… ومن هذه الملاحظات:

– تقديم شخصية الحجاج بن يوسف الثقفي على أنه كان مجرد معلم قرآن لأطفال ثقيف تعرض لظلم من رجل هذلي لطمه على وجهه وذكر له أن الخليفة في مكة عبد الله ابن الزبير رضي الله عنه يكره الثقفيين ويتهمهم في نسبهم… مما سبب له عقدة نفسية غادر على إثرها ديار ثقيف والطائف كلها، متحولا إلى سفاح قاتل يعمل في خدمة الأمويين لينتقم من عبد الله بن الزبير رضي الله عنه.

– تقديم شخصية عبد الله بن الزبير رضي الله عنه – وهو صحابي جليل وأول مولود في الإسلام، الصوام القوام العابد – بصورة شوهاء، على أنه رجل ضعيف خانع لم يقاتل، وأنه مات بسهم وهو يصلي عند الكعبة!… وهذا والله كذب وافتراء فقد قاتل الرجل مع جيشه مدافعا عن بيت الله، حتى قتل في ساحة المعركة…

– تقديم شخصية عبد الملك بن مروان بصورة غير لائقة أحيانا… صحيح تمكن مجسد شخصيته من إبراز جانب من دهائه وحسن سياسته… لكنه أهان تلك الشخصية في بعض القهقهات في ضحكه والتي تشي بتقديمه على أنه سخص مخبول لا خليفة عظيم من خلفاء بني أمية عليه ما عليه وله ما له.

– تقديم مشاهد نسائية شائهة تدعو إلى السخرية أحيانا… فارغة من المضمون… وحوارات مكذوبة مفتراه من خيال صانعي الدراما…

– التركيز بما لا فائدة فيه على حجرات نوم الخلفاء والولاة والقادة وتقديم صورة تفيد المشاهدين بأن أمور الامة تدبرها النساء والزوجات وهن يلعبن بأصابعهن في شعر رؤوس أزواجهن من الخلفاء والولاة والامراء والقادة.

– لا يمكن إخفاء العقدة الشيعية أو قل أثر التشيع في المسلسل… يلاحظها من دقق النظر وأمعن التفكير فيما يسمع… كقولهم: إن الكوفة عامرة بالحوزات العلمية! وهذا لفظ لعمري ما عرفته الأمة إلا من إيران وولاية الفقيه… وكقولهم الأهواز وهي الأحواز!… ولا يخفى على اللبيب عجمة العجم في قلب الحاء المهملة إلى هاء.

– تقديمهم الخوارج على أنهم يسمون أنفسهم بالخوارج!… وتقديمهم بصورة فيها ضعف وخور… والحق يقال أن الخوارج ذووا بأس شديد وكانوا معروفين بالشدة في القتال…

– تقديم شخصية سعيد بن جبير رحمه الله بصورة غير مناسبة… خرج – عندما أخرجه الوالي الأموي – هائما على وجهه في الصحراء بغير زاد وحاشاه يفعل ذلك وهو العالم الفقيه الذي كان ملء السمع والبصر سيد التابعين وإمام الدنيا…

– خلو المسلسل من مشاهد العمران وإظهار الحواضر والعواصم – وعلى رأسها مكة المكرمة – بصورة غير لائقة.

وبعد…
فهذا بعض ما حضرني الساعة واستطعت أن أسجله… وإلا فالأمر يخرج عن الحصر…

كما لا يفوتني أن أذكر أن بالمسلسل بعض الإيجابيات، كما قدم العمل صفحة صعبة فعلا من تاريخ أمتنا… مليئة بالأحداث المؤسفة… وإني لأثني على الجهد المبذول فيه…

FacebookTwitterPinterestGoogle +Stumbleupon