معجم عصري جديد
بقلم/ ربيع عبد الرؤوف الزواوي

اللغة العربية لغة راقية متطورة في ذاتها، وما يصيبها من أمراض وأسقام وضعف، فإنما هو من جناية أبنائها عليها، وجهلهم بها، وليس نابعا منها… وهذا ما لخّصه حافظ إبراهيم رحمة الله ببراعة على لسان اللغة العربية بقوله:
أنا البحر في أحشائه الدرّ كامن *** فهل ساءلوا الغوّاص عن صدفاتي

وتمرّ اللّغة العربية هذه الفترة بأزمة بسبب التطور التقني ولهث العرب خلف هذا التطور التقني، مما تسبب في خلق فجوة ومساحة من الجفاء بينهم وبين لغتهم، جهلا منهم بها، وظنا منهم أنها لا تجاري هذه المخترعات الحديثة والتطور التقني. قال حافظ إبراهيم على لسان اللغة العربية:
وسعت كتاب الله لفظا وغاية *** وما ضقت عن آي به وعظات
فكيف أضيق اليوم عن وصف آلة *** وتنسيق أسماء لمخترعات

ولقد حاول العلماء واللغويون العرب في القديم والحديث خدمة اللغة العربية، فأنشئت المجامع اللغوية في بعض الدول، وأقيمت المؤتمرات والندوات، وقدمت البحوث والمقالات، وبذلت جهود جبارة قدمت للغة العربية خدمات جليلة، ودفعت عنها شبهات وأباطيل كثيرة.

كما كانت هناك جهود فردية لخدمة اللغة العربية، ومن الجهود الفردية المعاصرة في خدمة اللغة العربية والمعاجم اللغوية خاصة؛ جهود الكاتبة اللبنانية الأستاذة غريد الشيخ.

فقد وفقها الله تعالي لإخراج معجم عصري جديد من حوالي أربعة سنوات، بذلت فيه جهدا مضنيا، نسأل الله أن ينفع به.

فقد لاحظت الكاتبة أثناء عملها وبحثها المتواصل بعض المشكلات في المعاجم اللغوية المهمة، مشكلات تخص المعاصرين في زماننا هذا، وليس القدامي الذين وضعت لهم تلك المعاجم.

لاحظت أن الوصول إلى كلمة ما يتطلب وقتاً طويلاً، لا يستطيع طالب العلم المعاصر اليوم الصبر عليه ولا بذله ولا يناسبه ذلك.

كما لفت نظرها ترتيب هذه المعاجم علي المنهج الألفبائي النطقي الذي يظن الكثير أن الغرب هم مخترعوه، فتوغلت أكثر في المعاجم الحديثة لترى هل تغني عن المعاجم القديمة؟ تسهيلا على الأجيال الجديدة.

بدأت المؤلفة بوضع خطة لهذا العمل بعد أن استشارت بعض المختصين، فمنهم من شجّع ومنهم من نهاها، لكون ذلك اختصاص مؤسسات دولية ويحتاج تمويلا دوليا.

وضعت المؤلفة للعمل خطة زمنية عشر سنوات، قامت فيها بتقسيم العمل علي مجموعة من المختصين باللغة العربية وبالترجمة من اللغات الأجنبية.

قامت أولا بتفريغ “لسان العرب” علي بطاقات صغيرة، وكان كل شخص من مجموعة العمل يتسلم مجلداً ويفرّغه ثم يرتب الكلمات وفق إملائها، مع المحافظة على جذر الكلمة، والضبط اللغوي للكلمة وللشواهد القرآنية، وكتابة الفعل المضارع للفعل الثلاثي.

ثم تتابعت مراحل العمل من تنضيد وتصحيح ومراجعة على (تاج العروس) و(القاموس المحيط) لاستدراك أي نواقص.

كما تم تكليف فريق آخر كي يقوم بالتعريفات العلمية، وترجمة المصطلحات العلمية مثل كلمات الماء والأوزون و الأحتباس الحراري وما شابه……

ثم تم إضافة معجم إعراب ضمن المعجم اللغوي، بهدف أن يكون المعجم الجديد لكل من يحتاج إلى معلومة لغوية أو إعراب أو مصطلح علمي أو فلسفي حديث… وظل الفريق يعمل خلال عشر سنوات بلا كلل.

حاولت المؤلفة تأمين مصاريف هذا المشروع الضخم من خلال كتاباتها وتأليفها لأعمال أخري تقوم بها، وبعض المطبوعات التي تنشرها من خلال دار نشر تمتلكها وهي”دار النخبة” والتي صدر عنها هذا المعجم العصري الجديد.

انتهي العمل في هذا المعجم في فبراير2010م وتمت طباعته في ستة مجلدات ضخمة في أربعة آلاف وستمائة صفحة.

إلاّ أن المؤلفة أكتشفت – كما تقول – أن البلاد العربية والإسلامية في عالم آخر، وليس لهذا العمل من قيمة لديهم! حتي أن عدداً من نسخ المعجم قدّمتها لأشخاص لم يصلها منهم أي شكر أو تعبير عن وصول الكتاب إليهم!…

وتقول المؤلفة كذلك: رغبت في أن أجد اهتماماً فعلياً من إحدي الدول التي تعتبر اللغة العربية هي لغتها فهي لغة القرآن الكريم، تمنيت ان أقدم عملي هذا إلى إحدي هذه الدول لتقوم بطباعته وتوزيعه بثمن بسيط، ليصل إلى كل راغب ومحب لهذه اللغة ولكن (لا حياة لمن تنادي)….. إلا وزارة التعليم العالي في المملكة العربية السعودية التي اشترت كمية من الكتاب ووزّعته على الجامعات والمكتبات في المملكة…

ثم فكرت المؤلفة في تحويل المعجم إلى معجم إلكتروني علي أجهزة الآيفون والآيباد، وبالفعل صدر المعجم الإلكتروني في فبراير2013 ويتم تحديثه كل ثلاثة شهور.

يعتبر المعجم – بحق – موسوعة لغوية ومعلوماتية عربية تضم أكبر عدد من الكلمات التي يحتاج اليها كل عربي.

ولا يزال العمل في المعجم مستمراً، حيث يتم إدخال المصطلحات الهندسية والطبية وغيرها إليه، وكذلك دروس وقواعد اللغة العربية، فلا يحتاج مقتني المعجم إلى شىء غيره في اللغة العربية.

FacebookTwitterPinterestGoogle +Stumbleupon