ملحمــــة رنـــــــــا!
بقلم ربيع عبد الرؤوف الزواوي

من الطرائف المضحكة حقا، ما حدث في عام 2004 ، وهي قصة وقعت أحداثها على مدار عدة أيام بيني وبين مجموعة من الأحباب ممن لهم في قلبي قدر كبير من المحبة والوُد، من زملاء العمل القدامى، والذين لا تزال بيننا المحبة والصداقة حتى اليوم بفضل الله تعالى، ولا يزال التواصل بيننا حتى اليوم بفضل الله، والمراسلات مستمرة يجمعنا فيها بريد إلكتروني واحد باسم الشركة التي جمعتنا فترة فيما مضى من العمر، وهذا البريد الذي يجمع مجموعة الأصدقاء نسميه بالإنجليزي “الجروب”.

ولكوني أعرف أن رسائل البريد الإلكتروني تضيع وتُمسح عادة من الحاسب الآلي؛ فقد قمت بطباعتها أيامها وظلت الأوراق معي.

بدأت وقائع هذه القصة التي أسميتها “ملحمة رنا” بمولد رنا ابنة صديقنا “حاتم”، ولأنها كانت شبه ملحمة شعرية، وكان اللحم فيها سيد الموقف، والباعث على كل ما سُطر في أحداثها من جميع شخوص الملحمة المضحكة، وأقول شبه ملحمة شعرية؛ لأن جميع ما كتب من شعر – أو أكثره – ليس شعرا، ولا تراعى فيه أوزان الشعر المعروفة، وإنما نثبتها من باب الطرفة.

رُزق أخونا حاتم بـ”رنا” وتأخّر علينا بالعقيقة التي وعدنا بها، فكتب صديق لنا اسمه “علي” بريدا لحاتم يقول فيه:
نريد العقيقة منك حاتما *** قبل أن تبلغ رنا سن الفطـاما
يأكل منها أهل حرف لحما *** ونترك لغيرنا الخبز والعظاما

و”حرف” اسم الشركة التي كنا نعمل بها سويا.

فأرسلت إليهم بريدا أقول فيه:
لا أرانا آكلين منه لحمـا *** دمياطيا أو قاهريا، قل سـلاما
دعني يا عليُ اليوم أبكـي *** وأبحـث لجرحـي هذا التئاما
أيا حاتم يا سمِي الطائي *** أكرم صحابك عصافيرا أو حماما

فأرسل صديق آخر اسمه “سامي” يقول ساخرا: يا حاتم رد وقل لهم: ما لكم تكأكتم عليّ كتكأكؤِ الفرحاط على المندرين! أنتم عمركم ما شفتم لحمة؟!.

فكتبت قائلا:
أيا سامي يا أخا كريما *** نريد لحما هضيما لا كلاما
مهما تلقنه حجته غبوقا *** لن تلقه بعــدُ إلا مضاما
ألا فليسارع بذبح شـاة *** ولا يجنـح آه لفعل اللئاما

فكتب علي لحاتم:
يا حاتم لا أراك لنا مجيبا *** حتى وإن نادى ربيع بالنصيحـا
فأطعم عزيز حـرف زل *** واهجر الـ “إنجن” واهتم بالذبيحا

الإنجن: اسم لأشهر عمل يقوم به حاتم كمبرمج

فكتبت ردا لعلي أقول فيه: علي:
هـل كان حاتم لك مطيعـا *** أيام حرف فتناديه بالنصيحــا
أما والله إن لم يكتب لردي *** ليجبر قلبي فسأعمل فضيــحا
لا يغرنه مني لحم عيـد *** الأضحى، فقد شبعنا ونلنا المديحا
فهي نسك لربي كل عيد *** وذي لشكرٍ، والكفر معها قبيــحا

فكتب صديق اسمه أحمد يقول:
يا حاتم اعمل العقيقة بسرعة؛ رحمة باللغة العربية والشعر العربي، وإلا لو تأخرت سأعمل ديوان وأسميه: (الرجا والمنى في طلب عقيقة رنا) وأجمع كل القصائد فيه باسمي.

فكتبت له:
لم تشك أبدا اللغةُ أو الشعرُ *** ولكن – ويحك – شكت البطـون
إن لم يسارع حاتم أو يبادر *** فليتربص بنفسه ريــب المنون
للحق باب واحد وليس ألف *** إن لم يكن حاتم كريما فمن يكون

ثم هدأت العواصف فترة، وأرسل في تلك الأثناء صديق يسمى “أشرف” بريدا يطلعنا فيه على أخبار سيئة عن المسلمين بإحدى الدول، ولم أرد لتعطل بريدي في تلك الأثناء، ولم يرد أحد تقريبا من جميع المجموعة؛ فأرسل صديق من المجموعة اسمه “طارق” معاتبا يقول:
يا حرفاوي كن رفيقـــا *** بأخيك والتمس له الأعذارا
ولا تنسى يوما تبتلى فيه *** فـــلا تجـد لك أنصــارا
*****************
فمن حفر حفرة لأخيــه *** وقع فيها ولو بعد أعوامـــا
فالحديث عن عقيقة أو لحمة *** يحرك كل هذا الإلهـــاما
والحديث عن نهضة علمية *** لا يحرك شاعرا ولا رسّاما
فاستمر في التطوير حاتما *** ولا تلق بالا للقصائد والكلاما

فكتب “أحمد” لـ “طارق” يقول:
أشكرك للسماح لي بالنشر، ولكن أختلف معك كليا وجزئيا في البيت الأخير؛ فقد حرك الإلهام بداخلي، وإليك قصيدتي الأولى، وهي من الشعر الحر، وليس العمودي، تقول كلماتها:
تكتب شعر ولا ما تكتبش
أنزّل الديوان ولا ما أنزلش
حاتم يطور ولا ما يطورش
المهم ناكل لحمة!!!!!!
وكتبت أرد على “طارق” وأحمد معا؛ وعلى جماعة من المجموعة غاضبين من ركاكة ما يظنونه شعرا، فقلت:
بريد أشرف يدمي القلوب *** فكيف أكل اللحم يطيبْ
وما تأخر عليك ردي إلا *** لأن جهازي قد أُصيبْ
وأما أخونا الحبيب أحمد *** فظني فيه أبدا لا يخيبْ
أعلم أنه مثلي قصّاد لحم *** ولكنه حييّ وأخ لبيبْ
ويا من لم يعجبه نظمي *** هذا يراعي يبغي يصيبْ
فارشد أخاك وكن كريما *** ولا تنسى قول (الحبيب):
(إن من البيان لسحرا) *** فهل الآن ألقى المجيب؟

فكتب “سامي” يقول: يا جماعة: أنا أرى أننا يأكل بعضنا بعضا، وحاتم لا يرد، ويحضرني في هذا قول الشاعر:
لقد أسمعت لو ناديت حيا *** ولكن لا حياة لمن تنادي
تعبنا نفسنا سلقا وشويـا *** وحاتم لا يبل ريق صـادِ

فكتبت لـ “سامي” – وكان حاتم قد كتب يستفتيني: هل تجوز العقيقة بفرخة؟ – فكتبت أقول: يا سامي لا تيأس؛ لقد كتب حاتم يسأل: هل تجوز العقيقة بفرخة؟ وأقول لك:
ما غاب عنا رد حاتم إلا *** لطول البحث عن عجل سمينْ
رجل كريم يبغي المعالي *** فمالك سامي – أبدا – لا تلينْ!
**********
لعل سؤاله في الغد يأتي *** سلقا تريدون أو حنيذ؟
ساعتها أجيبوا جميعا: *** أي لحــم ولو قفيــذْ!

وأخيرا أرسل حاتم رسالة يطلب أن نتفق على يوم يكون مناسبا للجميع تكون فيه العقيقة التي تأخرت جدا، فكتبت له:
نظمت فيك الشعر قبل أن تدعونا *** فكيف الشأن بعد الوعـد يا (أخينا)؟
وكيف يكون النظم بعد الأكل إن أكلـ *** نا وكيف يكون القول إن رضينا
دام عزك، وعلا شأنك، بالمجد ديمة *** ورُزقت عشرا من البنات والبنينا

فأرسل “طارق” ينبهني أن النهضة العلمية التي ذكرها في رسالته السابقة يقصد بها ما يدعو إليه الأستاذ عمرو خالد في برنامجه أيامها (صُنّاع الحياة) وبطبيعة الحال لي – ولغيري – الكثير من الملاحظات والمآخذ على الأستاذ عمرو خالد، فكتبت ما يشبه الأرجوزة؛ أقول:
عمرو بن خالد سلوا له التوفيقا *** كريم يُظهر تالدا عريقا
مشروع أمة تُنـــادَى من بعيدْ: *** هذا مجد باق وعز تليدْ
فهل نهضنا بحق مخلصينا *** ونفضنا غبارا وتواكلا مشينا
إنما تؤخذ الدنيــا غلابا *** نحن بحق للهـدى أربابـا
نسأل الله لأمتنا القبــولا *** أن يوقظ كل نائم كســولا
فادعوا معي بحق مخلصينا *** ومن لم يدع فليقل: آمينا

ثم جاء موعد العقيقة وذهبنا إليها، في الموعد المحدد، وتخلف منا جماعة، وكانت بأحد المساجد بعد صلاة المغرب، وقد أكرمنا حاتم بما فيه الكفاية، فكتبت شاكرا له، وواصفا حالنا من أجل من تخلفوا، وتذكرت كلام سامي: كتكأكؤ الفرحاط بالمندرين؛ فقلت:
لو ترانا أمس ونحن هاكعين *** بعد الصلاة هكوع الفرحاط بالمندرين
حنيذا بأرز، نِعم الطعام حاتما *** فلك منا بعدها شكر الشاكـــرين
ولو ترى الأيادي للحم مستبقات *** تقطع فيه قطـــع الزبد بالسكين
ويعلو الآكلين سكون ووقــــار *** أقرب ما يكون لخشوع الخاشعين
وللحديث بعد الحلوى جلال وإنما *** يحلو مــذاق الكلام بين المحبين

وكان صديق لنا اسمه “عمرو” قد جاء للعقيقة متأخرا، ولم يصب منها إلا علبة عصير أعطاها له “علي” الذي لم يكن قد شرب عصيره بعد، فكتب “عمرو” في اليوم الثاني:
حسبوها علي عقيقة *** ولم أنل منها إلا عصيرا
لولا أكرمه الله عليا *** لرجعت دون أن أبل ريقا

فكتبت ردا أقول فيه:
ومن قال لك – عمرو – أن تتأخرا *** تعالي أُخي في وقتك تُشكرا
وتأكل طعــاما لذيذا وتلـق أحبة *** بهم يطيب اللُقـا بين الورى

ثم رُزق أخونا “أحمد” بمولود، وكتب له “عمرو” يقول: لا داعي للعقيقة ما دام الإخوة يتخلفون عن الحضور، وكتب في آخر الرسالة يسألني عن حكم تلبية الدعوة، فأجبته:
جمهور العُلما على الوجوبِ *** وهذا لقلبي غاية المطلـوبِ
وعدّد العلماء أسباب العُـذرِ *** لكون الفعل من أمــور البرِّ
واستدلوا فيها بقول المعصومِ *** نبينا الصــادقِ الكــريمِ
في قوله: (من دُعي فليُجِبْ) *** ولو كان صائما في رجـبْ
وشطر هذا البيت الأخــيرِ *** ليس من قيل نبينا البشيرِ
هذا جواب سؤلك يا صــاحْ *** ملأ الله قلبك بالأفــراحْ

ثم ساد السكون بيننا فترة، فأرسل “طارق” يقول: لُوحظ هدوء شديد في الـ”جروب”؛ فهل هذا هو الهدوء الذي يسبق العاصفة؟ فكتبت ردا عليه أقول:
تستمطر سحائب اللوعات مني *** فدع الـ “جروب” أخي وابعد عني!
الـ “جروب” مشغول في أعماله *** فـدع عنـك الوشاية والتّجـنّي
أرى بيننا ساكتين بغـير كـلام *** وأنا سكين بارد وهُم مثل المِسَنِّ

ثم بعد فترة جاء مولود لأخينا “أحمد” أسماه “مروان”، وجاء لـ”علي” مولودا أسماه “أحمد”، فكتبت أبارك لهما، فأرسل “علي” شكرا لي، ونادهما صديق من المجموعة بأن يصرفا النظر عن العقائق، فكتبت لعلي أقول له:
مهما شكرت فلن أنسَ عقيقة أحمدِ *** فدع الشكر وانهض للذبح ترشدِ
واصنع لنا طعاما كطعام رنــا *** فلك أصل كـرم وحُســن محتدِ
أوكلما أردت منكم حنيذ لحمٍ *** أجبرتموني أن أخرجه بحسام مهنّدِ
حسام نظم عندي غير رائقٍ *** وأن نصف الـ”جروب” له بمرصدِ
ومعك أنادي أبا مروان الضيغم *** إن يفعل مثل فعــلك يهـتدِ
ودعوا عنكمو نداء ابنِ فاروق *** سليلِ الكرام الشــرقاوي أحمدِ

ثم رُزق صديق لنا اسمه “محمد” بمولود اسمه “زياد”، وكتب لي يعدني بأن يعزمني بمفردي بشرط أن لا أكتب أطالبه بالعقيقة مثل السابقين، فكتبت أقول له:
سلام سلام عليك أبا زيادِ *** كم لك عََلـََيَّ من أيـادِ
بوعدك لي تركت المدادَ *** ورُمت الكباب بلا عنادِ
ومعه الكفتة والحمـــام *** وكذا المحشي فـي حيادِ
لئيم أنقذت نفسك مـني *** فتركت هجوك بانقيـــادِ
فإن بررت وعدك لــي *** غظت شيطانك وحُسّادي
وأشبعت بطني طعاما فلا *** أكثر الله لنا الأعـــادي
وإن أهملت الـ”جروب” **** وخصصتني فذا مرادي
بمزيد شيـش طــاووق *** وشرائح القلوب والأكبادِ
تجــد بطني دليل قلبي *** ولساني يدعو لك بالرشادِ
وبكل خير يؤمل ويرتجي *** فسلام سلام عليك أبـا زيادِ

وسلام على هاتيك الأيام وإنها وإن كانت قريبة، إلا أنه قد يندر تكرارها، لكثرة الأكدار، نسأل الله راحة البال، وصفاء الأحوال…

FacebookTwitterPinterestGoogle +Stumbleupon