ليس بالطعام وحده يحيا الإنسان
بقلم: ربيع عبد الرؤوف الزواوي

كثير منا يتصور أنه بالطعام وحده يحيا الإنسان؛ والحقيقة أن الإنسان يحيا بمجموعة من الأسباب، والطعام والشراب واحد من هذه الأسباب.


يحيا الإنسان بمجموعة من الأسباب، منها العواطف والأحاسيس والمشاعر، والأمل، وحب الآخرين، وحب إيصال الخير للناس، وإيجاد الحلول لمشاكلهم، والمشاركة الفعالة في الحياة، وإحراز التقدم والنجاح، والحصول على درجات متقدمة في الامتحانات، وتذليل الصعاب للمتعسرين، وفك كرب المكروبين، وإغاثة الملهوفين، وسداد ديون المعسرين، وقبل كل ذلك توحيد الله تعالى وعبادته عز وجل التي هي حياة الأرواح وراحة الأبدان وصلاح البال، ومن هذه العبادات الصلاة والصوم والزكاة والحج، وسائر ما فرض علينا من عبادات في شريعة الإسلام.

فكثير من الشبعى المتخمين لا يجد سعادة في حياته، وهو ينال كل ما يشتهي، ويلتهم كل ما يهوى ويرغب من صنوف الطعام والشراب، ولا يزداد بشبعه وتخمته إلا تثاقلا عن المكارم، وتخاذلا عن القيام بدور إيجابي في هذه الحياة، ولا يفكر أبدا فيمن حوله في المجتمع.

كثير من المترفين الذين يصلون لمنتهى درجات التلذذ والاستمتاع في هذه الحياة لا يجدون راحة ولا سعادة ولا هناء عيش، وحياتهم كرب، وتعاستهم أمام أعينهم مشهودة، لا ينطلقون في هذه الحياة بعشر معشار الروح التي ينطلق بها كثير من الفقراء المعدمين.

كثير من الممتلئة بطونهم لا يخشعون لآي الكتاب إذا تليت عليهم، ولا تمكنهم عيونهم من لذة الدمعة التي تنزل منها من خشية الله، ولا تطاوعهم قلوبهم القاسية عن التأثر بمنظر مسكين مكروب، أو طفل ضال يهيم على وجهه في غياهب الشوارع، أو شيخ يمشي متعثر في خطواته لكبر سنه وقد أحوجه الدهر للعمل أو تكفّف الناس لخلوّ يده من قوام عيشه.

كثير من المهتمين بتناول ما لذّ وطاب في هذه الحياة لا يعرفون للمكارم طريقا، ولا يجيدون تقديم المعروف للآخرين، ولا يهمّهم إلا تحصيلهم للّذات سواء المباح منها أو المحرم، ولا يجدون للمروءة طريقا، ولا للشهامة سبيلا.

كثير من المترفين لا يستسيغ الماء القراح كما يستسيغه المعدمين، الذين يجدون لذة شربة الماء، ولا يجد المترفون هناء العيش رغم فخامة مأكلهم مما لذ وطاب، ولربما استمتع المعدوم بلقمة بسطة، مع قليل الأدم المتواضع، مع بصل وفجل، ولربما نظر إليه الغني الذي لا يقوى على هذا الطعام الذي يأكله ذلك المعدوم، لعطب صحته، وعلة في بدنه.

كثير من الممتلئة بطونهم صفر على الشمال؛ فلا هو معدود في النافعين لغيرهم، ولا هو معدود ممن راحة بالهم في نفع الغير، ولا هو ممن يتقنون فن الحياة الكريمة، همّه تحصيل ما يملأ الفم والمعدة وما عدا ذلك فلا يخطر له ببال، ولا يشارك مجتمعه في حلول مشاكله، ووضع الخطط لمجابهة المعضلات فيه.

كثير من المترفين الذي يحسنون التهام أكوام الطعام والشراب معدود من سقط المتاع، لا يشعر أحد بوجوده، ولا يشعر أحد بفقده، فإذا مات لا تبك عليه أرض ولا سماء، ولا يحزن عليه أحد، ولا يتألم بفقده أحد، فهو قد مضى كما أتى.

ليس هؤلاء أحياء على الحقيقة وإن شوهدت أبدانهم تتحرك في دنيا الناس، وليس هؤلاء أحياء وإن ركبوا أفخم المراكب، أو هملجت وطقطقت بهم أجود أصناف الخيول، ليس هؤلاء والله بأحياء الحياة الطيّبة كما قال الله تعالى: (من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة) ولا هم والله بمتمتعين كما يظن من يرونهم.

إن الحياة الحقيقية لا تكون بالطعام فحسب، بل بتحقيق التوحيد والعبودية لله جل وعلا، وبالتفاعل في هذه الحياة، وتقديم الحلول لمشاكل الناس، والمسارعة في التخلق بمكارم الأخلاق، من مروءة وشهامة وحسن جوار، وإغاثة للهفان، وفك المكروبين، إلى آخر هذه الصور الصادقة من المشاركة في المجتمع الذي نحيا فيه، فأعنا اللهم على أن نحيا الحياة الطيّبة.

FacebookTwitterPinterestGoogle +Stumbleupon