ضباب على منابر الجمعة
بقلم/ ربيع عبد الرؤوف الزواوي

عندما حان وقت الجمعة (كان ذلك في مارس 2014) دخل علينا المسجد رجلان لا يعرفهما أحد من روّاد المسجد! صعد أحدهما المنبر، وتوجّه الأخر إلي ميكروفون المسجد يؤذّن بالصلاة… ووقف الخطيب فخطب خطبة باهتة بائسة، وصلّي بنا ركعتين خفيفتين.. ثم انصرفا…

انصرف النّاس ينظر بعضهم إلى بعض، وفي نظراتهم كلام كثير، وفي حلوقهم غُصّة، وفي اذهانهم ألف سؤال وإستفسار!.

هل وصلنا لهذا الحد أن يتحول دور المسجد ورسالة المنبر إلي هذا المسخ الذي نراه؟

هل وصلنا لهذا الحد ان نصير كمن يذهب إلي المسجد يوم الجمعة عند الإقامة للصلاة لأداء الفريضة فحسب… والاستغناء عن سماع خطبة الجمعة التي صارت ميتة لا روح فيها؟

هل سنفعل يوما ما كنا ننتقده على بعض الناس الذين لا ينزلون لصلاة الجمعة إلا عندما يسمعون الإقامة؟ حاملين سجادة يفترشونها في أي مكان بالقرب من المسجد كيفما اتفق؟!!!

إن للتبكير للجمعة أجرا أيما أجر، ولها قدر عظيم ومكانة لا يجهلها إلا المفرطون في دينهم… فهل يجرنا هذا الوضع المسف الذي تنحدر إليه خطبة الجمعة لأن نفعل الشيء نفسه!!؟…

إن مما يصيب امتنا في مقتل أن نحجب رسالة المنبر عن التأثير في قلوب السامعين مع مالها من دور ريادي في توجيه الأمة نحو الخير، والعمل المتواصل والدؤوب، ومع ما أولاه الإسلام للمنبر من اهتمام عظيم، فأمر أن لا يعتليه كل من يشتهيه بحق أو بباطل، إلا من كان أهلاً له.

إذ المسجد من اهم عوامل بناء المجتمع، وهو القاعدة التي تنطلق منها رسالة المؤمن، وهو قلعة من قلاع الإسلام، وهو المدرسة التي يتربى فيها المسلم تربية كاملة من جميع الجوانب شجاعة وإقداماً وجهاداً وبراً وعملاً وعلماً، وخلقاً وسماحة وإيثاراً وخشوعاً لله رب العالمين.

خطبة الجمعة حدث هام، وعنصر فعّال من عناصر تربية الأمة الإسلامية، فلا ينبغي ان نطوّعها لغرض سياسي عارض، أو موقف وتوجّه يريده فلان أو علاّن.
ولقد ادرك الجميع أهمية دور خطبة الجمعة في توجيه المجتمع، ودورها الرائد في الإصلاح، ولعل ما نطق به الإعلامي إبراهيم عيسي عندما خاطب زملاءه الإعلاميين بما معناه (لا تتعبوا أنفسكم مهما عملنا ومهما قلنا…… خطبة جمعة واحدة تمسح كل الذي نقوله…)

يا سادة: إن المنابر شموس هداية، ونجوم إرشاد ومنارات بيان، ونور حق يكتسح ظلمات الباطل، ويملأ القلوب إشراقاً وصفاء، ويمنح الأقوال و الأعمال طُهراً ونقاءً.

يا سادة: ينبغي أن تصان المنابر عن دنيء الغايات ورخيص المآرب، وأن نرتفع بها فوق شهوة النفس، وحقير الأغراض.

يا سادة: إن للكلمة المسموعة أثرها البالغ في النفس، وإن الله تعالي قد أتاح لخطيب الجمعة ومنحه مالم يمنحه لمتحدّث غيره؛ منحه منبراً له مكانتة وقدسيتة في قلب كل مسلم وهو أشرف مصدر للكلمة؛ فمكانه بيت الله، وزمانه يوم الجمعة أشرف الأيام، ومناسبة هي صلاة مفروضة، وقد تهيأ المستمعون له؛ فكان التطهّر زينتهم، والكعبة قبلتهم، واستماعهم إليه عبادتهم، باختيارهم كان إقبالهم، فكيف لا يكون منه إكرامهم؟ كيف لا يكون تقديرهم واحترامهم؟ كيف لا يعدّ لهم زادهم؟

يا سادة: المنابر تحتاج دقّة الفكر، وعمق التأمل، وغزارة العلم، وسعة الثقافة، واستقامة السلوك، وحسن الهيئة، وقوة الشخصية، وحسن الأداء.

FacebookTwitterPinterestGoogle +Stumbleupon