بديل الإشراك بالله!
بقلم ربيع عبد الرؤوف الزواوي
معظمنا يعرف حديث النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الشيطان يئس أن يُعبد في الأرض، ولكن رضي بالتحريش بينكم) والحق إننا لو تمعنا في هذا النص النبوي الشريف لأدركنا خطورة هذا التحريش الذي أقتنع به الشيطان ورضي به بديلا منا عن الإشراك بالله بعد أن وضح التوحيد وتجلى أمره وانقشع ظلام الشرك بطلوع شمسه.
ولا يفوتني في هذا المقام أن أنبه إلى أمر مهم وهو أنه قد يفهم البعض أن عودة الشرك منتف تماما فلن يعود مرة ثانية في الأمة، وهذا خطأ ولا شك، لثبوت نصوص تؤكد عودة الشرك، مثل قوله صلى الله عليه وسلم (… ولا تقوم الساعة حتى يعبد فئام من أمتي الأوثان.. ).
نعود إلى محور الكلام وهو التحريش لننبه على خطورته، وبشاعته.
والتحريش معناه الخصومات بين الناس والشحناء، والإفساد بينهم، وإيقاع العداوة والبغضاء والانقسام وتغيير القلوب وإيقاع الحروب والفتن.
وقع التحريش بين الصحابة رضي الله عنهم بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم، فوقع بينهم الخلاف والانقسام، وظهر الخوارج والروافض وامتد هذا الانقسام وظهرت الفرق المختلفة الكثيرة.
ولا نزال نعاني من أثر هذا الانقسام في زماننا المعاصر في صفوف الإسلاميين أنفسهم!
كنت في بدايات حياتي أبغض هذا الانقسام بين الإسلاميين لاسيما في فترة الجامعة على التحديد، لدرجة أني بسبب ما كنت أراه بينهم تركت السكن المجاني بالمدينة الجامعية وانتقلت للسكن الخاص بعيدا عن هذا الجو المشحون بالمشاحنات التي كانت تقع في مسجد المدينة الجامعية بين زملائنا الأفاضل من المنتمين لجماعات مختلفة.
وكان هذا الشيء نفسه في الكليات وليس في المدينة الجامعية فحسب، وأسوأ ما أتذكره أنني في أحد الأيام كنت متأخرا في الكلية إلى قبيل المغرب، بسبب حضور بعض الحصص العملية مع معيد بالقسم، فرأيت وأنا على باب القسم اثنين من الطلبة يتشاجران وقد وقعا إلى الأرض، حيث طرح كل منهما الآخر أرضا، وصارا يتقلبان على درجات السلم واستمرا في هذه الصورة المشينة إلى أن وصلا من بهو القسم إلى الأرض!
وبعد أن تدخلت أنا ومن معي للفصل بينهما تبين أنهما شابين ينتمي كل منهما لجماعة إسلامية للأسف، ولما سألنا عن سبب المعركة تبين أنهما يتشاجران بسبب أن أحدهما رفع لوحة معلقة على الحائط تتبع جماعة الثاني، ووضع لوحة تتبع جماعته هو!
ليس المحزن هو ما رأيته حتى هذه اللحظة آنذاك؛ إنما المحزن فعلا أنني عندما نظرت في اللوحتين فإذا فيهما نفس الآية، والله نفس الآية؛ آية عن الحجاب! والفارق الوحيد بين اللوحتين أمران؛ أولهما أن واحدة كتبت باللون الأزرق بينما الثانية كتبت باللون الأحمر، والفارق الثاني أن إحداهما كتب أسفلها اسم الجماعة الفلانية، والثانية كتب بأسفلها شعار الجماعة الأخرى المعروف.
ولا زلت أذكر أن كثيرا من الإسلاميين في بداية التعرف عليّ يكون سمحا ودودا معي، ثم لما يمر الوقت دون أن أنتمي إلى ما يريد، ودون أن ينال مراده مني تتغير المعاملة مائة وثمانين درجة، وهذا حدث كثيرا كثيرا.
كما أذكر أني كنت أخطب في أحد مساجد الإسكندرية مدة طويلة، دون أن أتكلم عن جماعة أو تيار معين أنتمي إليه، فكان الجميع ومن جماعات مختلفة يلتف حولي، وفي ذات مرة ولأسباب كانت حتمية آنذاك، اضطررت للتصريح في إحدى الخطب بعدم انتمائي لأي تيار أو جماعة، إنما أنا مسلم من المسلمين، فتفرق الكثير من شباب هذه الجماعات وانفضوا من حولي، بل وعاداني بعضهم!.