صـلاة الفجـــر
بقلم: ربيع عبد الرؤوف الزواوي
كثيرا ما يذكرني هذا الأمر – الذي سأتكلم عنه في هذا القال – أن في الدنيا ثوابا وعقابا، بمعنى أن قانون الثواب والعقاب يجري في الدنيا قبل الآخرة التي هي دار الجزاء على الحقيقة، ورحت أتفكر وأنظر في بعض نصوص آي القرآن وأحاديث السُنة – وهما مصدرا الإسلام عقيدة وشريعة – لعلي أجد فيهما ما يؤكد هذا الكلام أو ينفيه، أو فيهما إشارة – ولو ظنية الدلالة – إلى أن الله جلّت قدرته يعاقب أحيانا في الدنيا قبل الآخرة.
والسبب في ذلك أني أجد في نفسي في وقت الفجر – قبيله وبعده – انشراحا وراحة وانفتاحا لأبواب كثيرة مغلقة، وفهما لأمور كثيرة استغلقت علي دهرا أن أفهمها، وكثيرا من الأحاسيس الطيبة والمشاعر الحسنة التي تقاوم سحائب الاكتئاب والقلق التي تلم بالقلب والنفس في هذا الزمان من جراء ما يدور حولنا من الأحداث الراهنة الداعية إلى ذلك الاكتئاب والقلق وأكثر.
كما أجد في نفسي ضد كل ذلك مما ذكرت أعلاه من هذه المشاعر؛ وذلك عندما يفوتني الاستيقاظ في هذا الوقت المبارك، فأُحرم لذة الاستغفار والذكر فيه، وأُحرم تلك النفحات وهاتيك المشاعر، وتلكم الفيوضات والتجليات التي يتجلى الله بها على عباده في هذه الأوقات.
وجدت في كتاب الله ما يشير لذلك الثواب والعقاب في الدنيا قبل الآخرة؛ ومن هذه الأدلة قوله جلّت قدرته: (ولنذيقنهم من العذاب الأدنى دون العذاب الأكبر لعلهم يرجعون) وقوله: (ولعذاب الآخرة أكبر) وقوله: (أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات سواء محياهم ومماتهم ساء ما يحكمون) وقوله: (فتلك بيوتهم خاوية بما ظلموا) وغير ذلك من الآيات الكريمات.
كما تضافرت نصوص السنة تؤكد أن الله جلّت قدرته يبتلي وينتقم ويعاقب أقواما بصنيعهم الفاسد، واقترافهم الذنوب، وارتكابهم المحرمات، وهذا لا يحتاج لذكر أدلته لاشتهارها.
وعلى أداء صلاة الفجر أو تضييعها قس كل عمل صالح.
فإنك إن أمعنت النظر في وجوه المطيعين لله وهم متلبسون بالطاعة وجدت النور الظاهر في وجوههم، والجلال الرباني على محياهم، وقسمات الرضا على صفحات وجوههم، ونسائم البشر تتسابق إلى قلوبهم، فتسكنها السكينة والراحة، فلا تجدهم مهمومين بأمر من أمور الدنيا.
وما ذلك إلا بعاجل ثواب الله لهم في الدنيا…
ترى ذلك جليا على وجوه المصلين في المساجد، وفي وجوه وفود الحاج في منى وعرفة، وفي زوار بيت الله الحرام والطائفين بالكعبة، والساعين بين الصفا والمروة، وزوار مسجد الرسول صلى الله عليه وسلّم والحابسين أنفسهم للذكر والاستغفار والصلاة في الروضة الشريفة، وكذلك في وجوه المسلمين في شهر رمضان، لا سيما المواظبون على قيام الليل فيه، والعارفون لحدود الصيام والحافظون لها.
وعلى النقيض من كل ذلك.. إن أمعنت النظر في وجوه المبتلين بالمعاصي، أيا كان نوعها، وما أكثرها، الموغلين في الفسق، والضاربين في محاربة الله بسهم وارتكاب نواهيه، وترك أوامره، ومحاربة الفضيلة والدعوة للرذيلة.. فإنك تطالع سحائب الشرّ ومعالم عدم الرضا، ورائحة الفجور، وسواد الباطل الذي ينبعث من صفحات وجوههم.
وما ذلك إلا بعاجل عقاب الله لهم في الدنيا قبل الآخرة…
ترى ذلك جليا في وجوه أولئك الذين يطلون عليك من شاشات التلفزة وغيرها؛ يدعون للرذائل ويزينون المنكر، ويدعون للفجور، وفي وجوه اللاهين القاطعين أعمارهم في القمار، أو العراة على الشواطئ، أو من يأكلون الحرام ونبتت أجسامهم من السحت، أو نصّبوا أنفسهم لهدم الفضائل في قلوب الناس، أو أولئك الحداثيون الذين يرون أن الدين سبب ما نحن فيه من تأخر وينسبون للإسلام – وحده – المسئولية عن واقعهم الأليم، وغيرهم كثير جدا…
نعوذ بالله من السَّلْب بعد العطاء ومن الحَوَر بعد الكـَوَر، ونسأله تعالى حسن الخاتمة.