قضاتنا… بين الأمس واليوم
بقلم/ ربيع عبد الرؤوف الزواوي
عندما تكلم الإمام الماوردي رحمه الله عن (أدب القاضي) في كتابه الماتع (الحاوي) ذكر أن من شروط القاضي أن يكون مجتهدا…
وذكر أن من شروط الاجتهاد الإحاطة بعلم أصول الفقه…
وتعرض للقدر الذي يحتاجه القاضي من أصول الفقه ليكون مجتهدا…
فذكر قدرا من علم أصول الفقه في غاية الدقة والروعة… تكفي المبتدئ وتسعف المنتهي…
ومن الجدير بالذكر أن آدب القاضي للماوردي طبع في كتاب مستقل بوزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف العراقية منذ فترة في طبعة ضافية في مجلدين، كانت سببا في اشتهاره وانتشاره.
كما كانت قيمته واهتمام طلبة العلم به لكونه نقل عن شروح مفقودة لأحد المختصرات المهمة جدا في أصول الفقه.
على كل حال… من تفكر في هذا الأمر؛ ما كنّا عليه وما صار إليه واقعنا الآن؛ تنغصت عليه عيشته، وتكدر خاطره، وانقبض قلبه، وسئمت نفسه الحياة…
أين نحن الآن من ذلك؟
أذكر أنه في أيام السنة الأخيرة من الدراسة في الجامعة أن طالبا كان يسكن قريبا مني وكان يدرس بالسنة الأخيرة في كلية الحقوق بجامعة الإسكندرية، اشتكى لي هذا الطالب من مادة يدرسونها… وأنها صعبة ولا يفهم من الدكتور ولا من كتابه شيئا، وكان يقتضب في كلامه معي؛ باعتبار أنه يحدثني عن طلاسم! أو لعله يقول في نفسه: ماذا عساه يفهم مني طالب بكلية الهندسة؟!…
سألته عن الكتاب واسم المادة… فأحضر لي الكتاب فإذا هو كتاب أصول الفقه للأستاذ الدكتور أحمد محمود الشافعي…
وهو في الحقيقة كتاب غاية في الروعة؛ أسلوبا، وتقسيما، واختيارا للفظ…
وقد جاء الكتاب في ٤٨٠ صفحة في أربعة أبواب:
الباب الأول: في أدلة الأحكام الشرعية: شرحها بتوسع في ٢١٤ صفحة.
الباب الثاني: في الأحكام الشرعية: فصّلها في ١١٧ صفحة.
الباب الثالث: في طرق استنباط الأحكام من الأدلة: شرحها في ١٠٤ صفحة.
الباب الرابع: في المقاصد العامة والنسخ في ١٠ صفحات.
لكني وجدت الكتاب في حالة يرثى لها! ووجدت صاحبي قد خط في كل صفحات الكتاب بالقلم الجاف الأزرق بطريقة فجة…
المهم عرفت أبواب الكتاب ويسر الله أن جلست معه جلستين أو ثلاثة فيما استغلق عليه أو ما أشكل عليه… فانفرجت أساريره وبدا عليه الرضا واغتبط بذلك أيما اغتباط.
ثم قال لي بعد ذلك في يوم من الأيام: مش عارف أشكرك إزاي؟ وأرد لك الجميل ده إزاي؟
قلت له: بسيطة جدا؛ بعد انتهاء العام الدراسي تعطيني هذا الكتاب!
استغرب صاحبي من طلبي… ثم وافق ووفى جزاه الله خيرا…
أخذت الكتاب وذهبت إلى دكان متخصص في تجليد الكتب القديمة وترميمها… فجلدته تجليدا فاخرا ولا زلت احتفظ بالكتاب إلي يومي هذا كأحد مراجعي في أصول الفقه، وأفدت منه كثيرا بحمد الله.
والحاصل… أين نحن الآن مما ذكره الماوردي في كتابه الحاوي؟!
اللهم إنَّا نسألك صلاح الحال.