قيمة الإنسان الحقيقية في الدنيا
يستمد الإنسان قيمته وقدره في هذه الدنيا مما يعيش به بين الناس من أخلاق فاضلة، ومما يحسنه من العلوم والآداب والمعارف النافعة.. وليس مما يلبسه أو يركبه أو يسكنه أو يملكه..
وعند الله تعالى يتفاضل الناس أيضا بالتقوى وبما وقر في صدورهم من إيمان وبما كانوا عليه من خلق فاضل.. وليس بأشكالهم وصورهم ولا بغيره.. (إن أكرمكم عند الله أتقاكم) و(أثقل شيء في ميزان العبد يوم القيامة حسن الخلق)..
ومن أسفٍ فإن كثيرا من فضلاء الناس تأثروا ولا شك بهذه المظاهر التي حولهم، وهي واقع مُر قائم في دنيا الناس.. وكثير من الناس يقيّمون الناس بناء على ما يلبسون أو يركبون أو يسكنون..
وقد ظهر بعد ذلك وتفشّى ما هو أسوأ وأنكى وأنكد للنفس؛ وذلك أنك تجد الناس يتفاخر بعضهم على بعض بناء على الحي أو المنطقة التي يسكنون فيها..
ولا أدري كيف لخسيس النفس أن يرفع خسيسته إن سكن في أرقى الأحياء؟ وما عساه يكسبه رُقي حيّه من خلق فاضل أو علم نافع أو مهارة صنعة أو إتقان عمل أو جودة أداء؟..
حدثني أمس أحد الفضلاء- وهو كريم الأصل والمحتد ممن أحب أن أصل نفسي بهم من حين لآخر لأكتسب الفضائل وأتعلم كريم الخصال وأفيد موفور الأدب- أنه يرفض الانتقال للعيش فيما بات يعرف بالـ(كمباوندات) وهو قادر على ذلك، ويصر على السكن في منطقة فيها العامة والفقراء وأهل الحرف والصناعات؛ ليحيا أبناؤه بينهم ويلمسون واقع الناس..
أيضا يجعل ذلك الإنسان الفاضل أبناءه يركبون وسائل النقل العام المختلفة، وهو قادر على توفير سيارة لهم وسائق؛ بغرض أن يروا واقع الناس ويعيشونه ويلمسونه بأنفسهم، ولا يحيون منفصلين وجدانيا عن الواقع كما يفضل الكثير من الناس..
أعود فأقول: لا محل سكناك، ولا ما تلبس، ولا ما تركب، ولا ما تسكن، ولا ما تملك من حطام الدنيا هو قيمتك.. قيمتك الحقيقية في هذه الدنيا فيما تتقن من علوم وآداب ومعارف، وبما تحيا به من أخلاق فاضلة في دنيا الناس..
أريدك أن ترجع إلى نفسك فتراجعها بينك وبين نفسك؛ أي المعيارين تقيّم به الناس من حولك؟ فإن كان الذي ذكرناه من معيار حقيقي فنِعِمّ الإنسان أنت وطِبْ نفسا.. وإن كان الآخر فازجرها وأنّبها وعظها واطلب من ربك صلاحها..
اللهم أصلح نفوسنا..