كتاب أشهر مواطن الخلاف في الفقه الإسلامي
تأليف: ربيع عبد الرؤوف الزواوي
الناشر: المؤلف
سنة النشر: 2021
رقم الإيداع: 3169 / 2021
الترقيم الدولي: 4 – 908408 – 977 – 978
عدد صفحات الكتاب: 464
روى الحافظ ابن عبد البر في جامع بيان العلم قول قتادة رحمه الله: “من لم يعرف الاختلاف لم يشم الفقه”، وروي أيضا عن سعيد بن أبى عروبة رحمه الله قال: “من لم يسمع الاختلاف فلا تعدّوه عالما”.
وقال بعض أهل العلم: “إن الجهل بالخلاف قد يؤدى إلى رد بعض الحق الذي لا يعلمه، إذ الحق غير منحصر في قول فرد من العلماء كائنا من كان”.
ويشهد لهذا ما خرجه الحافظ ابن عبد البر أيضا في جامع بيان العلم عن عثمان بن عطاء عن أبيه أنه قال: (لا ينبغي لأحد أن يفتى الناس حتى يكون عالما باختلاف الناس، فإنه إن لم يكن كذلك ردّ من العلم ما هو أوثق من الذي في يديه). وجهل المرء بالخلاف يجرئه على ترجيح ما ليس براجح، واستسهال أمر الفُتيا والتحليل بمجرد أن يطَّلع على نص في الموضوع، دون أن يبحث هل ثمة نصوص أخرى تُخصِصه أو تنسخه أو تُقيده؟ وهذا مدعاة إلى الفوضى التي لا نهاية لها، وإلى إثارة الفتنة في صفوف الناس الذين لا يُطيقون كثرة التنقل من قول إلى قول، ومن رأي إلى رأي، خاصة إذا كان مع كل قول دليل.
قال أيوب السختياني رحمه الله: (أجسَرُ الناس على الفُتيا أقلُّهم عِلمًا باختلاف العلماء، وأمسَكُ الناسِ عن الفُتيا أعلمهم باختلاف العلماء).
وبناء على ما تقدّم.. فهذا- بحمد الله وتوفيقه- مؤلف في أماكن الخلاف في فروع الفقه بين فقهاء الأمة قاصدا به أن يعرف طالب العلم مواطن الخلاف، وإلى كم تنقسم أي مسألة مختلف فيها من أقوال.
ولله تعالى الحمد أن جعل الأصول في شريعتنا ثابتة لا خلاف فيها بين قوم وقوم، ومن مرونة هذه الشريعة ترك المجال لأهل الفقه والنظر والبحث والتدقيق والدراسة في تلك الأصول واستخراج الفروع الكثيرة والمسائل الجمة منها، وإعمال العقل المنضبط بالقيود الشرعية لإدراك مواطن الأمور بفقه له ضوابطه وأصوله.
ومن خصائص شريعة الإسلام بالذات أنها جاءت بنصوص كلية تندرج تحتها تفاصيل عديدة وفروع كثيرة، وذلك لأنها شريعة الله الخالدة المهيمنة على كل الشرائع التي قبلها إلى قيام الســــــاعة. إذ أن ما قبلها من الشرائع كان لفترة محدودة ولقوم معينين، أما هذه الشريعة فهي لكل العالمين، فجاءت نصوصها كلية حوت دقائق عظيمة وأسرار كثيرة في طياتها وفي مجملها.
ولندلل على ذلك بهذا المثال البسيط وهو قول الله تبارك وتعالى: {وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ} [الأعراف: 157] في صفات نبينا عليه الصلاة والسلام، أخذ العلماء من هذه الجملة العظيمة قاعدة مهمة وهى أن: (كل خبيث حرام في هذه الشريعة)؛ وبالتالي فكل خبيث حرام داخل تحريمه تحت نص هذه الآية الكريمة، ولا نحتاج إلى تحريم كل خبيث على حدة بأية مستقلة، وإلا عظم الخطب وجاءت الشقة، فلا ينتظر الناس تحريم كل خبيث يظهر على مدى العصور والدهور بنص جديد، فكل خبيث شهد العقل والفطرة السليمة على خبثه فهو حرام، وبهذا يتضح ما قلناه بأن الشريعة جاءت بنصوص كلية تـندرج تحتها فروع كثيرة؛ ومن ثم احتاج الناس إلى استخراجات الفقهاء واستنباطاتهم من القواعد الكلية هذه.
وعندما نقول إننا سنتكلم في مواطن الخلاف بين الفقهاء فإننا نقصد الخلاف الفرعي المستخرج من قواعد كلية؛ فهو إذًا خلاف في فرعيات لا أصول، فمثلا قول الله تعالى: {فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ} [المائدة: 6] هذا نص في التيمم فلا خلاف في مشروعيته.
ولكن يقع الخلاف في أمور منها:
1- اختلفوا في حد الأيدي المأمور بمسحها.
2- عدد الضربات على الصعيد.
3- في توصيل التراب إلى أعضاء التيمم.
4- جواز التيمم بما عدا التراب.
5- نواقض التيمم.
6- من يباح له التيمم؟ وهكذا…
فاستخرت الله تعالى في استخراج تلك الفرعيات المختلف فيها بين فقهائنا رحمهم الله، قاصدا بذلك جمعها منفردة للنظر فيها عندما يستلزم الأمر، بغية التيسير في البحث في كتب المذاهب الفقهية المختلفة، ولا شك أن هذا يستلزم جهدا شاقا، واطلاعا كبيرا على أقوال الفقهاء، ولا يمكن لمثلي بلوغه وحصره لانتشار الاختلافات الفقهية في بطون كتب الفقه، على كثرتها. مما جعلني اقتدى بالإمام ابن رشد رحمه الله الذي سبقني إلى هذا الغرض في كتابه العظيم (بداية المجتهد ونهاية المقتصد).
في هذا الكتاب النافع نلم المواطن الخلافية بترتيب لم يسبق إليه، فجعلت كتابي هذا على ترتيب كتابه سالف الذكر، وربما أضيف بعض المسائل ترك الكلام هو عنها؛ إما سهوا وإما بغرض يراه، قمت بجمعها من مظانها من كتب المذاهب المعتبرة.
وكنت في هذا الكتاب متقيدًا بأساسيات مهمة منها:
1- أني قصدت مجرد جمع مواطن الخلاف وعدّها وحصرها بقدر الإمكان، فلم أتعرض لترجيح أو ذكر مستند كل قول لكل فقيه.
2- إنه من الصعوبة بمكان حصر مواطن الخلاف على وجه الدقة والتحديد لكثرتها؛ إذ أن ذلك بحر عجاج ملتطم الأمواج، ولكني- بحول الله وقوته- أذكر أهمهما وأشهرها وأنفعها.
3- تركت مواطن كثيرة حدث فيها خلاف بسيط من بعض الفقهاء، ولكن هذا الخلاف قد يعد قولا شاذا لا يعكر اتفاق فقهاء الأمصار في المسألة، إذ أنهم تركوا هذا القول الشاذ، أو لم يعدوه شيئا.
4- ليس كل خلاف جاء معتبرًا، إذ أن الخلاف في مسألة ما ربما لا يعد خلافًا معتبرًا حتى تتوفر فيه شروط سيأتي الكلام عليها في التمهيد.
5- لم أذكر كل رأي وكل قول؛ خشية الإطالة.
6- كما سبق أن أشرت اعتمدت على ترتيب كتاب بداية المجتهد ونهاية المقتصد لابن رشد رحمه الله في ترتيب المسائل الخلافية في كتابه المذكور.
كما إني تركت أشياء قد تخطر ببال قارئ الكتاب ولكن لي في ذلك وجهة نظر؛ وأهم هذه الأمور أمر واحد هو لماذا لم نستفيض في شرح المصطلحات والكلمات الغريبة؟ أو يوجد هامش كبير للكتاب؟ بيد أنه قد نذكر بعض الهوامش الخفيفة تيسيرا على القارئ؛ ووجهة نظري في ذلك أن الكتاب مخصص للفقهاء وطلبة العلم ومستوى هؤلاء العلمي لا يحتاج مزيد بيان لهذه الأمور التي ضربنا عنها صفحا.
هذا وقد لاحظت على ابن رشد رحمه الله في كتابه هذا بعض الأمور بصفة دائمة ولا يشذ عنها إلا نادرا؛ منها:
– أنه يقدم ذكر رأي مالك في المسائل حتى لو كان يذكر رأي من سبقوه زمنا وهو معذور في ذلك لكونه مالكيا.
– أنه يترضى عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه عند ذكره دون باقي الصحابة الذين يذكرهم.. ربما ترضى عن أبي بكر رضي الله عنه.. وأنه يقدم عليا رضي الله عنه عن غيره من الصحابة إن ذكره مع غيره فيقول مثلا: علي وعمر.. علي وعثمان.. وفي الجملة فهو لا يترضى عن باقي الصحابة حاشا عليّا وأبي بكر.
– أنه يقدم ذكر رأي الشافعي رحمه الله على رأي أبي حنيفة رحمه الله.
– أنه لا يذكر رأي أحمد بن حنبل رحمه الله في الكتاب إلا قليلا قياسا بآراء من يذكرهم في الكتاب من أوله إلى آخره.
– أنه ربما ذكر قول الشيعة في بعض المسائل.
– أنه ترك بعض المسائل الخلافية المشهورة دون ذكر ولما كانت دراستنا متعلقة بكتابه لم نذكر مما تركه من المسائل الخلافية شيئا.
وأخيرا فإني أرى أن كتابي هذا ساحة للتدريب والتمرين وفرصة لتوسيع الأفق العلمي وعدم التعجل في الفتيا.. أسأل الله بمنه وكرمه أن يتقبل هذا العمل خالصا لوجهه الكريم وأن ينفع به كل من طالعه من طلبة العلم المجدين المخلصين، وأن ينفع به كاتبه أولا، لإنه نعم المولى ونعم البصير. ربيع عبد الرؤوف الزواوي
يمكن تحميل الكتاب من هنا
وقد جاءت الطبعة الأولى من الكتاب وبها جملة كبيرة من الأخطاء المطبعية تم تصويب هذه الأخطاء في ملزمة تم وضعها بأول الكتاب ويمكن تحميلها من هنا