مختصر وصف الرسول كأنك تراه
تأليف: ربيع عبد الرؤوف الزواوي
المقدمة
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُم مُّسْلِمُونَ﴾.
﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأرْحَامَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾.
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾.
أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
وبعد:
فإن النبي صلى الله عليه وسلم يمتاز من كمال خُلقه وكمال خَلقه بما لا يحيط بوصفه البيان، وكان من أثره أن القلوب فاضت بإجلاله، والرجال تفانوا في حياطته وإكباره بما لا تعرف الدنيا غيره، فالذين عاشروه أحبوه إلى حد الهيام، ولم يبالوا أن تندق أعناقهم ولا يخدش له ظفر، وما أحبوه كذلك إلا لأن أنصبته من الكمال الذي يُعشق عادة لم يرزق بمثلها بشر ولذلك سنتكلم في هذه الصفحات عن بيان جماله وكماله خلقا وخلقا، مع الاعتراف بالعجز عن الإحاطة عن كمال وصفه الخِلقي وكمال أخلاق الرفيعة العالية.
وقد رأينا أن نختصر كتاب (وصف الرسول كأنك تراه) الذي يسّر الله طباعته عدة مرات، وكتب الله له القبول، إلى هذه النسخة المختصرة؛ تيسيرا لانتشار أوصاف نبينا صلى الله عليه وسلم، التي تحبها النفوس، وتتعشقها القلوب، وتطرب لسماعها الآذان، وتذرف عندها الدموع.
قاصدين بذلك أن تمتلأ القلوب محبة له وإجلالا وتعلقا به صلى الله عليه وسلم… وكي نترسم هدية صلى الله عليه وسلم، ونتبع أثره، ونخطو خطاه صلى الله عليه وسلم، والله تعالى المسئول أن يجعله لوجهه خالصا، وأن لا يجعل لغيره فيه شيئا، وأن يبلغ رسوله صلى الله عليه وسلم منا السلام.
سائلا الله تعالى أن لا يحرمنا مشاهدة محاسنه في الدنيا برؤيا صالحة صادقة، ورؤياه في دار السلام مع أخوانه الرسل والأنبياء مع رؤية الخالق سبحانه وتعالى.
ربيع عبد الرءوف الزواوي
صفات الرسول صلى الله عليه وسلم الخِلقية كمار رواها من رأوه صلى الله عليه وسلم:
أم مَعْبِد تصف الرسول صلى الله عليه وسلم
قالت أم معبد الخزاعية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي تصفه لزوجها حين مر بخيمتها: (ظاهر الوضاءة، أبلج الوجه، حسن الخلق، لم تعبه ثُجْلة، ولم تزر به صلعة، وسيم قسيم، في عينيه دعج، وفي أشفاره وَطَف، وفي صوته صحل، وفي عنقه سطع، أحور، أكحل، أزج، أقرن، شديد سواد الشعر، إذا صمت علاه الوقار، وإن تكلم علاه البهاء، أجل الناس وأبهاهم من بعيد، وأحسنه وأحلاه من قريب، حلو المنطق، فضل، لا نزر، ولا هذر، كأن منطقه خرزات نُظمن يتحدرن، رِبعة، لا تقحمه عين من قصر، ولا تشنؤه من طول، غُصن بين غصنين، فهو أنظر الثلاثة منظرا وأحسنهم قدرا، وله رفقاء يحفون به، إذا قال استمعوا لقوله، وإذا أمر تبادروا إلى أمره، محفود محشود، لا عابس ولا مفَنَّد).
فهذا وصف امرأة للرسول صلى الله عليه وسلم، مر بها عليه الصلاة والسلام عابرا يستقي منها الماء واللبن، لمحته عينيها فجاشت لزوجها عند رجوعه آخر النهار بهذه الكلمات التي يعجز كثير من بني الإنسان عن فهمها، فضلا عن قول مثلها لو رأي الرسول صلى الله عليه وسلم. إن المرأة عبرت بما أحست ولمست من كمال جماله، وحسن مظهره، وبهجة طلعته صلى الله عليه وسلم، ولو أخذنا نحن بدورنا في شرح كلامها لقلنا:
قولها ظاهر الوضاءة: أي أن جماله صلى الله عليه وسلم وحسن منظره يظهر لكل من رآه سواء كانت هذه الرؤية عن قُرب أم عن بعد، والرجل الوضيء: أي حسن المنظر. قال في لسان العرب: الوضاءة مصدر الوضيء وهو الحسن النظيف، والوضاءة: الحسن والنظافة، والوضاءة الحسن والبهجة. قال عمر لحفصة: لا يغرك إن كان جارتك هي أوضأ منك، أي أحسن.
وقولها أبلج الوجه: أي مشرق الوجه، أبيض مضيء. قال في لسان العرب: البلج تباعد ما بين الحاجبين وقيل ما بين الحاجبين إذا كان نقيا من الشعر؛ بلج بلجا، فهو أبلج، والأنثى بلجاء، وقيل الأبلج الأبيض الحسن الواسع الوجه، يكون في الطول والقصر، … وقال الجوهري: البلجة نقاوة ما بين الحاجبين، يقال: (رجل أبلج بيّن البلج إذا لم يكن مقرونا، وفي حديث أم معبد في صفة النبي صلى الله عليه وسلم: أبلج الوجه: أي مسفره مشرقه، ولم تُرِد بلج الحاجب لأنها تصفه بالقرن، والأبلج الذي قد وضح ما بين حاجبيه فلم يقترنا)، وقال ابن الشميل: بلج الرجل يبلج إذا وضح ما بين عينيه ولم يكن مقرون الحاجبين فهو أبلج… وشيء بليج: مشرق مضيء.
وبليج: أي طلق بالمعروف، قالت الخنساء:
كأن لم يقل أهلا لطالب حاجة … وكان بليج الوجه منشرح الصدر
وبليج: أي مشرق مضيء، قال الداخل بن حرام الهذلي:
بأحسن مضحكا منها وجيدا … غداة الحجر مضحكها بليج
إذن فأم معبد أرادت أنه صلى الله عليه وسلم أبيض مشرق الوجه مضيء تكملة للفظ ظاهر الوضاءة وما أرادت أنه بعيد ما بين الحاجبين.
قولها لم تُعِبْه ثُجْلَة: أي لم يعبه ضخامة البدن، وعظم البطن واسترخاؤه، قال ابن منظور: الثجل: عظم البطن واسترخاؤه وقيل هو خروج الخاصرتين… إلى أن يقول: وفي حديث أم معبد في صفة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: لم تزر به ثجلة أي: ضخم بطن، ويروى بالنون والحاء (نُحلة)، أي نحول ودقة.
قولها ولم تُزر به صلعة: الصلع صغر الرأس وقيل ذهاب الشعر من مقدم الرأس.
قال في لسان العرب: الصلع ذهاب الشعر من مقدم الرأس إلى مؤخره وكذلك إذا ذهب وسطه… إلى أن قال: والصلعاء من الرمال: ما ليس فيها شجر، وأرض صلعاء لا نبات فيها.
وقولها وسيم: أي حسن جميل، قال ابن الأعرابي الوسيم الثابت الـحُسن كأنه قد وُسم، وفلان وسيم أي حسن الوجه والسيما، وفي صفته صلى الله عليه وسلم: وسيم قسيم، الوسامة: الحسن الوضيء الثابت.
وأما قولها قسيم: فمعناه أيضا حُسن الوجه، كما قال ابن منظور وفي حديث أم معبد: قسيم… القسامة الـحُسن، ورجل مقسم الوجه أي جميل كله كأن كل موضع منه أخذ قسما من الجمال، وهذا يعني أن كل جزء منه صلى الله عليه وسلم على حِدَة جميل حسن، فكل جزء منه صلى الله عليه وسلم حاز الجمال كله.
قولها في عينيه دَعَج: أي أنه صلى الله عليه وسلم كان شديد سواد العين مع اتساعها، شديد بياض بياضها.
قال في لسان العرب: الدعج والدعجة: السواد، وقيل شدة السواد، وقيل الدعجة شدة سواد العين وشدة بياض بياضها، وقيل شدة سوادها مع سعتها، قال الأزهري: الذي قيل في الدعج إنه شدة سواد سواد العين مع شدة بياض بياضها خطأ، أراد بالأدعج المظلم السواد، جعل الليل أدعج لشدة سواده مع شدة بياض الصبح، وفي صفته صلى الله عليه وسلم في عينيه دعج، الدعج والدعجة السواد في العين وغيرها؛ يريد أن سواد عينيه كان شديد السواد، وقيل: إن الدعج عنده سواد العين في شدة بياضها.
وقولها وفي أشفاره وطف: أي أنه صلى الله عليه وسلم كان طويل شعر الأجفان.
قال في لسان العرب: الشُّفْر بالضم، شُفْرُ العين وهو ما نبت عليه الشعر، وأصل منبت الشعر في الجفن وليس الشفر من الشعر في شيء. والجمع أشفار، وقال ابن منظور: شفر العين منابت الأهداب من الجفون. وأما الوطف فهو كثرة وطول شعر الحاجبين والعينين. وقال ابن منظور: الوطف: كثرة شعر الحاجبين والعينين والأشفار مع استرخاء وطول…، وفي حديث أم معبد في صفته صلى الله عليه وسلم: أنه كان في أشفاره وطف؛ المعنى أنه كان أهدب الأشفار أي طويلها.
وقولها وفي صوته صَحَل: أي أنه صوته صلى الله عليه وسلم كان فيه بَحَّة ولم يكن حادا بل كان فيه بحة وخشونة.
قال في لسان العرب: صَحِل الرجل، بالكسر، وصَحِل صوته يَصْحَل صَحَلاً فهو أصحل؛ وصحل: بح؛ ويقال في صوته صحل أي بحوحة، وفي صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم، حين وصفته أم معبد؛ وفي صوته صَحَلٌ، وهو بالتحريك كالبحة وأن لا يكون حادا، قال: الصحل: حدة الصوت مع بحح.
وقولها وفي عنقه سَطَع: أي أنه صلى الله عليه وسلم كان في عنقه طول.
قال في لسان العرب: السطع بالتحريك: طول العنق، وفي حديث أم معبد وصفتها المصطفى صلى الله عليه وسلم؛ قالت وكان في عنقه سطع. أي طول.
وقولها أحور: أي أنه صلى الله عليه وسلم كان شديد سواد العين شديد بياض بياضها وكانت عينه مستديرة.
قال في لسان العرب: والحور أن يشتد بياض العين وسواد سوادها وتستدير حدقتها وترق جفونها ويبيض ما حواليها، وقيل: الـحَور شدة سواد المقلة في شدة بياضها في شدة بياض الجسد.
وقولها أكحل: أي أنه أسود أجفان العين، ويقال لكل أبيض شديد سواد العين أنه أكحل.
قال في لسان العرب: والكَحَل في العين أن يعلو منابت الأشفار سواد مثل الكُحْل من غير كحل، وقيل الكَحَل في العين أن تسود مواضع الكُحل، وقيل الكحلاء الشديدة السواد، وقيل وهي التي تراها كأنها مكحولة، وإن لم تكتحل… وفي صفته صلى الله عليه وسلم في عينيه كَحَل؛ الكَحَل بفتحتين: سواد في أجفان العين.
وقولها أزج: أي أنه صلى الله عليه وسلم كان طويل الحاجب مع رقة فيه.
قال في لسان العرب: الأُزُوجُ: سرعة الشدة، وأزج في مشيته: أسرع، أَزَج العشبُ: أي طال، وقال: وزججت المرأة حاجبها بالمزَجّ: رقّقته وطولته، وقيل أطالته بالإثمد.
وقولها أقرن: أي مقرون الحاجبين أو متصل الحاجبين.
قال في لسان العرب: (رجل أبلج بيّن البلج إذ لم يكن مقرونا، وفي حديث أم معبد في صفة النبي صلى الله عليه وسلم أبلج الوجه أي مسفره مشرقه، ولم تُرد بلج الجاجبين لأنها تصفه بالقرن، والأبلج الذي قد وضح ما بين حاجبيه فلم يقترنا والبلج إذ لم يكن أقرن).
إذن فأم معبد أرادت بالبلج: أنه مشرق الوجه وليس بعيد ما بين الحاجبين بدليل أنها وصفته بأنه أقرن وهو قريب الحاجبين.
وقولها لا نزر ولا هذر: أي أنه صلى الله عليه وسلم كان وسطا في الحجم لا قليل ولا كثير، فالنزر هو القليل التافه وهو القليل في كل شيء، والإنسان النزور هو قليل الكلام، والهذر هو الكثير الرديء، وهذر الرجل في كلامه أي أكثر الكلام بلا فائدة. فرسول الله لم يكن لا هذا ولا هذا إنما كان وسطا بين ذلك وذلك صلى الله عليه وسلم.
قال في لسان العرب: النزر القليل التافه والنزر والنزير: القليل في كل شيء. وقال: الهذر: الكلام الذي لا يُعبأ به، وهذر كلامه هذرا: كثر في الخطأ والباطل، والهذر: الكثير الرديء، وقيل هو سقط الكلام.
وقولها محفود: أي أنه صلى الله عليه وسلم كان محفودا من أصحابه أي معظما مكرما مخدوما، والحَفْد: هو الخِدمة، ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم في دعاء القنوت وإليك نسعى ونحفد: أن نسارع في الخدمة والطاعة.
قال في لسان العرب: أصل الحفد الخدمة والعمل، وقال: ورجل محفود أي مخدوم وفي حديث أم معبد: محفود أي يخدمه أصحاب ويعظمونه ويسارعون في طاعته.
وقولها محشود: أي أنه صلى الله عليه وسلم كان يجتمع عليه أصحابه فيحفون به ويحتشدون حوله.
قال في لسان العرب: حشد القوم يحشدهم ويحشدهم، جَمَعَهم… إلى أن يقول: ورجل محشود: أي عنده حشد من الناس أي جماعة، ورجل محشود إذا كان الناس يحفون بخدمته لأنه مطاع فيهم، وفي حديث أم معبد: محفود محشود أي أن أصحابه يخدمونه ويجتمعون إليه.
وقولها لا عابس ولا منفد: أي أنه صلى الله عليه وسلم كان باشّاً جميل المعاشرة لا يهجن أحدا أو يستقل عقله بل كان يوقّر الناس جميعهم صلى الله عليه وسلم وكان صاحبه كريم عليه.
قال في لسان العرب: العابس: الكريه المَلْقي، الجهم المُحَيَّا، والمفَنِّد: بكسر النون: الذي يقابل غيره بما يكره، ومعنى قولها ولا مفَنِّد: أي أنه صلى الله عليه وسلم لا يفند غيره، أي لا يقابل أحدا في وجهه بما يكره ولأنه يدل على الخلق العظيم.
وقيل مفَنِّد: أي لا فائدة في كلامه لكِبَر أصابه.
وقيل المفَنِّد: الضعيف الجسم والرأي.
فالرسول صلى الله عليه وسلم لم يكن واحدا من أولئك.
فخلاصة وصف أم معبد للنبي صلى الله عليه وسلم أنه:
– جميل حسن المنظر سواء تراه عن قرب أو عن بعد.
– أبيض الوجه وضيء.
– ليس له بطن عظيم.
– ليس به صلع، بل شعره من مقدمة رأسه.
– الجمال في وجهه في كل عضو على حدة.
– شديد سواد العين.
– واسع العينين.
– طويل شعر الأجفان.
– في صوته بَحَّة مع خشونة.
– طويل العنق.
– شديد بياض بياض العين، شديد سواد سوادها.
– أسود أجفان العين أكحل.
– طويل الحاجبين مع رقة فيه.
– متصل الحاجبين.
– متوسط حجم الجسم، لا تافه ولا كثير غليظ.
– معظّما مكرّما مخدوما من أصحابه.
– يلتفُّ حوله أصحابه.
– غير عابس ولا يحتقر أحدا.
البراء بن عازب يصف النبي صلى الله عليه وسلم
قال البراء بن عازب رضي الله عنه:
«كان أحسن الناس وجها وأحسنهم خُلقا».
وسئل مرة: أكان وجه النبي صلى الله عليه وسلم مثل السيف؟ قال: لا بل مثل القمر، وقال مرة أخرى: كان وجهه مستديرا.
وقال: كان مربوعا ما بين المنكبين، له شعر يبلغ شحمة أذنيه، رأيته في حُلة حمراء، لم أر شيئا قط أحسن منه.
أفاد البراء بن عازب رضي الله عنه من هذه الروايات أنه صلى الله عليه وسلم كان جميلا حسن المنظر، وهذا لا مِرْية فيه، ولا شك، وأنه صلى الله عليه وسلم كان مستدير الوجه في بهاء القمر في استدارته، وكان صلى الله عليه وسلم جميل الشعر طويلاًَ يبلغ إلى شخمة أذنيه.
على بن أبي طالب يصف النبي صلى الله عليه وسلم
قال على بن أبي طالب رضي الله عنه وهو يصف النبي صلى الله عليه وسلم:
لم يكن بالطويل الممغط، ولا القصير المتردد، وكان رِبعة من القوم، ولم يكن بالجعد القطط، ولا بالسّبط، وكان جعدا رجِلا، ولم يكن بالمطهم ولا بالمكلثم، وكان في وجهه تدوير، وكان أبيض مشربا، أدعج العينين، أهدب الأشفار، جليل المشاش والكُتد، دقيق المسربة، أجرد، شَثِن الكفين والقدمين، إذا مشى تقلع كأنما يمشي في صبب، وإذا التفت التفت معا، وأجرأ الناس صدرا، وأصدق الناس لهجة، وأوفى الناس ذِمة، وألينهم عريكة، وأكرمهم عشرة، ومن رآه بديهة هابه، ومن خالطه معرفة أحبه، يقول ناعتُه: لم أر قبله ولا بعده مثله صلى الله عليه وسلم.
وقال رضي الله عنه أيضا: كان ضخم الرأس، ضخم الكراديس، طويل المسربة، إذا مشى تكفأ تكفيا كأنما ينحط من صبب.
هذا وصف أمير المؤمنين على بن أبي طالب رضي الله عنه لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو ابن عمه، ومن ألصق الناس به ولقد جاء وصفه للنبي صلى الله عليه وسلم دقيقا جامعا، جمع فيه بين الصفات الخلقية والخُلقية، والصفات التي تُلاحظ عن قرب وعن بعد، والتي تعرف بطول العشرة وقصرها.
فقوله رضي الله عنه: لم يكن بالطويل الممغط، أي أن طول النبي صلى الله عليه وسلم كان الطول المقبول فلم يكن طويلا متناهيا في الطول بحيث يعيبه ذلك الطول، ولا هو بالقصير المتردد، بحيث يكون قصره عيبا فيه، فالنبي صلى الله عليه وسلم كان وسطا من ناحية الطول و القصر وخير الأمور الوسط.
وقوله رضي الله عنه: كان ربعة من القوم: أي معتدلا وسطا.
وقوله رضي الله عنه: ولم يكن بالجعد القطط: فيها بيان لجمال شعره صلى الله عليه وسلم وعدم جعودته وهو الالتواء.
وقوله رضي الله عنه: ولا بالسبط يفيد أيضا أنه صلى الله عليه وسلم لم يكن مسترسل الشعر. وقوله وكان جعدا رَجِلا: أي شعره فيه جمال بديع حيث أنه منقبض ملتوي الشعر صلى الله عليه وسلم.
وقوله رضي الله عنه: ولم يكن بالمطهم ولا المكلثم: أي أنه صلى الله عليه وسلم لم يكن منتفخ الوجه فاحش السمنة، ولا هو مجتمع اللحم في وجهه كوجه أهل السمن الغلاظ، أو لعله يقصد بالمطهم النحيف التافه، فلا هو نحيف تافه الوجه أو غليظ الوجه مجتمع لحمه كأهل السمنة والغلظة والتُّخمة.
وقوله رضي الله عنه: كان في وجهه تدوير تفيد: استدارة وجه الحبيب صلى الله عليه وسلم.
وقوله رضي الله عنه: أدعج العينين: أي كان صلى الله عليه وسلم شديد سواد العين، شديد بياض بياضها.
وقوله رضي الله عنه: أهدب الأشفار: أي طويل شعر الأجفان صلى الله عليه وسلم.
وقوله رضي الله عنه: جليل المشاش والكُتد: أي أنه صلى الله عليه وسلم كان عظيم رءوس العظام كالمرفقين والكتفين والركبتين ومجتمع الكفين.
وقوله رضي الله عنه: دقيق المسربة: أي أنه صلى الله عليه وسلم كان ذو شعر على هيئة خط دقيق بين صدره وسرته صلى الله عليه وسلم، وهذا غالبا من علامات الرجولة والفحولة.
وقوله رضي الله عنه: أجرد: أي الذي ليس على بدنه شعر، إلا في أماكن مخصوصة.
وقوله رضي الله عنه: شثن الكفين والقدمين: أي غليظ أصابع الكفين والقدمين.
وقوله رضي الله عنه: إذا مشى تَقَلَّع؛ كأنما يمشي في صبب: تفيد سرعة الرسول صلى الله عليه وسلم في مشيته التي لا يمشي فيها مختالا فخورا ولا متكبرا، ولا هي مشية الجبَّارين.
وقوله رضي الله عنه: ومن رآه بديهة هابه: أي أنه صلى الله عليه وسلم كان مهاب الجانب ممن يراه حتى لو رآه فجأة، فضلا عمن عاشره صلى الله عليه وسلم وجرب دماثة أخلاقه.
وقوله رضي الله عنه: ضخم الرأس: أي أنه صلى الله عليه وسلم لم يكن صغير الرأس إذا يعرف عادة صاحبه بالمكر والخداع إنما كان مبرأ من هذه الصفة صلى الله عليه وسلم.
وقوله رضي الله عنه: ضخم الكراديس: أي أنه صلى الله عليه وسلم كان ضخم رؤوس العظام، أي ضخم الأعضاء.
أبو هريرة رضي الله عنه يصف النبي صلى الله عليه وسلم:
قال أبو هريرة رضي الله عنه يصف رسول الله صلى الله عليه وسلم:
ما رأيت شيئا أحس من رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ كأن الشمس تجري في وجهه، وما رأيت أحدا أسرع في مشيته من رسول الله صلى الله عليه وسلم، كأنما الأرض تطوى له، وإنّا لنجهد أنفسنا، وإنه لغير مكترث.
أفاد وصف أبي هريرة رضي الله عنه للنبي صلى الله عليه وسلم صفتين بارزتين في الرسول صلى الله عليه وسلم وهما حسن المنظر وبهاؤه ونضرته، حتى كأن الشمس بشدة ضوئها تجري في وجهه، والصفة الثانية: سرعة مشيته لدرجة أنه من سرعته صلى الله عليه وسلم كأن الأرض تطوى له، وكان الماشي معه صلى الله عليه وسلم يسرع خطاه بشدة فلا يكاد يسبقه رغم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يمشي غير مكترث، وكأن ذلك سجيّة فيه صلى الله عليه وسلم وهذه مشية أهل التواضع وليس الجبّارين الذين يختالون في مشيتهم، الذين تمقتهم القلوب.
جابر بن سَمُرة رضي الله عنه يصف النبي صلى الله عليه وسلم:
يقول رضي الله عنه: كان صلى الله عليه وسلم ضليع الفم، أشكل العين، منهوس العقبين، ويقول أيضا: رأيته صلى الله عليه وسلم في ليلة إضحيان فجعلت أنظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وإلى القمر – وعليه حلة حمراء – فإذا هو أحسن من القمر.
أفاد وصف جابر بن سمرة الأول للرسول صلى الله عليه وسلم أن فم رسول الله صلى الله عليه وسلم عظيم مع جمال، كما أنه طويل شق العين، قليل اللحم في العقبين.
وأفاد وصفه الثاني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أبهى من القمر ليلة تمامه.
ويقول أيضا رضي الله عنه: كان في ساقيه حُمُوشة وكان لا يضحك إلا تبسما، وكنت إذا نظرت إليه قلت: أكحل العينين وليس بأكحل. ومعنى ذلك أن أعضاء جسم النبي صلى الله عليه وسلم متناسبة وفيها لطافة وذلك في سائر أعضائه صلى الله عليه وسلم.
وقال رضي الله عنه: مسح خدي فوجدت ليده بردا أو ريحا كأنما أخرجها من جونة عطار، أي كأنها من شدة طيب ريحها خرجت من حرز العطار، صاحب العِطر الذي جمع فيه عطره وذلك عندما كان جابر صبيا صغيرا.
أنس بن مالك رضي الله عنه يصف النبي صلى الله عليه وسلم
قال أنس رضي الله عنه: كان صلى الله عليه وسلم بسط الكفين. وقال: كان صلى الله عليه وسلم أزهر اللون، ليس بأبيض أمهق، ولا أدِم، قُبض وليس في رأسه عشرون شعرة بيضاء.
وقال رضي الله عنه: إنما كان شيئا: أي من شيب في صدغيه.
وقال رضي الله عنه: ما مسست حريرا ولا ديباجا ألين من كفّ النبي صلى الله عليه وسلم، ولا شممت ريحا قط أو عَرفا قط، وفي رواية: ما شممت عنبرا قط أو مِسكا ولا شيئا أطيب من ريح أو عَرف رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وبذلك أفاد وصف أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس أبيض شديد البياض ولا أسود إنما كان أزهر؛ أي أبيض مشربا بحمرة.
وكذلك لم يكن به إلا شعرات قليلة من الشيب.
وذلك كان صلى الله عليه وسلم طيب الملمس طيب الرائحة دائما.
وقال رضي الله عنه: كان عرقه صلى الله عليه وسلم اللؤلؤ.
عبد الله بن عباس رضي الله عنهما يصف الرسول صلى الله عليه وسلم:
قال رضي الله عنه: كان أفلج الثنيتين، إذا تكلّم رُؤي كالنور يخرج من بين ثناياه، وأما عنقه فكأنه جيد دُمية في صفاء الفضة، وكان في أشفاره وطف، وفي لحيته كثافة، وكان واسع الخدّين، من لِبّته إلى سرته شعر يجري كالقضيب، ليس في بطنه ولا صدره شعر غيره، أشعر الذراعين والمنكبين، سواء في البطن والصدر، مسيح الصدر عريضه، طويل الزند، رحب الراحة، سَبْط القصب والأخمصتان سابل الأطراف، إذا زال زال قلعا، ويخطو تكفيا ويمشي هونا.
أفاد وصف عبد الله بن عباس رضي الله عنهما لرسول الله صلى الله عليه وسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان بين أسنانه تباعد وهي التي في مقدمة الفم، وكان عنقه جميل، جمال عنق الدّمية الجميلة وقد ارتفع أعلى أنفه واحدودب وسطه وضاق منخراه، وأن ساعديه وساقيه ليس فيها نتوء ولا عقد وأن قدميه فيها مكان لا يلتصق بالأرض عند الوطء.
كعب بن مالك رضي الله عنه يصف الرسول صلى الله عليه وسلم
يقول كعب بن مالك صلى الله عليه وسلم: كان إذا سُر استنار وجه حتى كأنه قطعة قمر.
أفاد كعب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يستبشر حتى يظهر ذلك البشر على ملامح وجهه صلى الله عليه وسلم حتى كأنه القمر.
أبو بكر الصديق رضي الله عنه يصف الرسول صلى الله عليه وسلم
كان رضي الله عنه: إذا رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
أمين مصطفى بالخير يدعو … كضوء البدر زايله الظلام.
عمر بن الخطاب رضي الله عنه يصف الرسول صلى الله عليه وسلم:
كان الفاروق رضي الله عنه ينشد قول زهير في مدح هرم بن سنان، عندما يرى رسول الله صلى الله عليه وسلم:
لو كنت في شيء سوى البشر … كنت المضيء ليلة البدر
ثم يقول: كذلك كان رسول الله صلى الله عليه وسلم.
عائشة رضي الله عنها تصف الرسول صلى الله عليه وسلم:
كانت عائشة رضي الله عنها مرة وعندها رسول الله صلى الله عليه وسلم فعرق صلى الله عليه وسلم، فجعلت تبرق أسارير وجهه فقالت:
إذا نظرت إلى أسرة وجهه … برَقَت كبرق العارض المتهلل
تتمثل له ببيت قاله أبو كبير الهذلي.
جابر بن عبد الله رضي الله عنه يصف الرسول صلى الله عليه وسلم:
قال جابر رضي الله عنه: لم يسلك رسول الله طريقا فيتبعه أحد إلا عرف أنه قد سلكه من طيب عَرْفه أو قال من ريح عَرَقه.
وقال رضي الله عنه: كان بين كتفيه خاتم النبوة مثل بيضة الحمامة، يشبه جسده، وكان عند ناغض كتفه اليسرى، جمعا خيلان كأمثال الثاليل وهي هذه الحبة التي تظهر في الجلد كالحُمُصة فما دونها.
أبو جحيفة رضي الله عنه يصف الرسول صلى الله عليه وسلم:
يقول رضي الله عنه: أخذت بيده صلى الله عليه وسلم، فوضعتها على وجهي، فإذا هي أبرد من الثلج، وأطيب رائحة من المسك.
وقال رضي الله عنه: رأيت بياضا تحت شفته السفلى: العنفقة.
أبو الطفيل رضي الله عنه يصف النبي صلى الله عليه وسلم:
قال رضي الله عنه: كان صلى الله عليه وسلم أبيض، مليح الوجه، مقصدا.
أي أنه صلى الله عليه وسلم ليس بجسيم ولا نحيف ولا طويل ولا قصير.
عبد الله بن بسر رضي الله عنه يصف الرسول صلى الله عليه وسلم:
قال عبد الله بن بسر رضي الله عنه: كان في عنفقة الرسول صلى الله عليه وسلم شعرات بيض.
الرُبَيع بنت معوّذ رضي الله عنها تصف الرسول صلى الله عليه وسلم:
قالت رضي الله عنها: لو رأيته رأيت الشمس طالعة.
وصف الرسول صلى الله عليه وسلم في كتب السيرة
ابن حزم يصف الرسول صلى الله عليه وسلم:
قال ابن حزم رحمه الله: كان صلى الله عليه وسلم ليس بالطويل البائن، ولا بالقصير، ولا بالأبيض المهق ولا الآدم، ولا بالجعد القطط، ولا السبط، رجِل الشعر، أزهر اللون، مشربا بحمرة في بياض ساطع كأن وجهه القمر حسنا، ضخم الكراديس (أي عظم المفصل)، أوطف الاشفار، أدعج العينين، في بياضها عروق حمر رقاق، حسن الثغر، واسع الفم، حسن الأنف، إذا مشى كأنه يتكفأ، إذا التفت التفت بجميعه، كثير النظر إلى الأرض، ضخم اليدين لينهما، قليل لحم العقبين، كثّ اللحية واسعها، أسود الشعر، ليس لرجليه أخمص، إذا طول شعره فإلى شحمة أذنيه ومع كتفه، وإذا قصره فغلى أنصاف أذنيه، لم يبلغ شيب رأسه ولحيته عشرين شعرة.
وهو محمد وأحمد، والماحي؛ يمحو الله به الكفر، والحاشر؛ يحشر الناس على عقبيه، والعاقب؛ ليس بعده نبي، والمقفى، ونبي التوبة، ونبي الملحمة، وسمّاه الله تعالى رءوفاً رحيما.
وكان على نغض كتفه الأيسر خاتم النبوة، كأنه بيضة حمامة، لونه لون جسده، عليه خيلان ومن فوقه شعرات. أ.هـ.
ابن سعد يصف الرسول صلى الله عليه وسلم:
روى ابن سعد في الطبقات الكبرى: عن عائشة رضي الله عنها: قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم، لا يسرد سردكم هذا، يتكلم بكلام فصل، يحفظه من سمعه.
وعن جابر رضي الله عنه قال: كان في كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم، ترتيب وترسيل.
وعن إسماعيل بن عياش قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أصبر الناس على أوزار الناس.
وروى عن سيار بن الحكم قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذا مَشَى مَشَى مَشْي الشوقى ليس بالعاجز ولا الكسلان.
وروى عن إسحاق بن عيسى عن أبيه، قال: ما رؤي رسول الله صلى الله عليه وسلم يأكل متكئا قط، ولا يطأ عقبه رجلان (يقصد ليس كعادة المتكبرين يمشي خلفهم الأتباع والحراس والحشم).
وروى عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذا أتى الغائط لم يرفع ثيابه حتى يدنو من المكان الذي يريد (أي من الأرض). أ.هـ.
ابن الجوزي يصف الرسول صلى الله عليه وسلم:
قال ابن الجوزي رحمه الله: عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن أنه سمع أنس بن مالك ينعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم رِبعة من القوم، ليس بالقصير ولا بالطويل البائن، أزهر ليس بالآدم ولا الأبيض الأمهق، رجل الشعر، ليس بالسبط ولا الجعد القطط، بعث على رأس أربعين، أقام بمكة عشرا وبالمدنية عشرا، وتوفي على رأس الستين، ليس في رأسه عشرون شعرة بيضاء، أخرجاه في الصحيحين.
وعن أنس قال: ما مسست حريرا ولا ديباجا ألين من كف النبي صلى الله عليه وسلم، ولا شممت ريحا قط أطيب من ريح أو عرق النبي صلى الله عليه وسلم.
وعن على بن أبي طالب رضي الله عنه قال في وصف الرسول صلى الله عليه وسلم: لم يكن بالطويل الممغط، ولا بالقصير المتردد، كان رِبعة من القوم، لم يكن بالجعد القطط ولا بالسبط، كان جعدا رجِلا، ولم يكن بالمطهم، ولا المتكلثم وكان في وجهه تدوير، أبيض مشربا، أدعج العينين، أهدب الأشفار، جليل المشاش والكُتَد، أجرد، ذو مسربة، شثن الكفين والقدمين، إذا مشى تقلّع، كأنما ينحطّ من صَبب، وإذا التفت التفت معا، بين كتفيه خاتم النبوة، وهو خاتم النبيين، أجود الناس صدرا، وأصدق الناس لهجة، وألينهم عريكة، وأكرمهم عشرة، من رآه بديهة هابه، ومن خالطه معرفة أحبه، يقول ناعته: لم أر قبله ولا بعده مثله صلى الله عليه وسلم.
وعن الحسن بن على رضي الله عنه قال: سألت خالي هند بن أبي هالة، وكان وصّافا، عن حلية النبي صلى الله عليه وسلم، وأنا أشتهى أن يصف لي منها شيئا أتعلق به، فقال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم، فخما، مفخما، يتلألأ وجهه تلألؤ القمر ليلة البدر، أطول من المربوع، وأقصر من المشذب عظيم الهامة. رجِل الشعر، إن انفرقت عقيقته وفرق، وإلا فلا يجاوز شعره شحمة أذنيه إذا هو وفّر، أزهر اللون، واسع الجبين، أزج الحواجب سوابغ في غير قرن، بينهما عرق يدره الغضب، أقنى العرنين، له نور يعلوه يحسبه من لم يتأمله أشم، كث اللحية، سهل الخدين، ضليع الفم، مفلج الأسنان، دقيق المسربة، كأن عقنه جيد دمية، في صفاء الفضة، معتدل الخلق بادن متماسك، سواء البطن والصدر، عريض الصدر، بعيد ما بين المنكبين، ضخم الكراديس، أنور المتجرد، موصول ما بين اللبة والسُّرة بشعر يجري كالخيط، عاري الثديين والبطن مما سوى ذلك، أشعر الذارعين، والمنكبين وأعالي الصدر، طويل الزندين، رحب الراحة، شئن الكفين الأخمصين، مسيح القدمين، ينبو عنهما الماء، وإذا زال زال قلعا، يخطو تكفيا، ويمشي هونا، ذريع المشية، إذا مشي كأنما ينحط من صبب، وإذا التفت التفت جميعا، خافض الطرف، نظره إلى الأرض، أطول من نظره إلى السماء، جل نظره للملاحظة، يسوق أصحابه، ويبادر من لقيه بالسلام.
قلت: فصف لي منطقة، قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم، متواصل الأحزان، دائم الفكر، ليست له راحة، طويل السكوت، لا يتكلم في غير حاجة، يفتتح الكلام ويجتمع بأشداقه، ويتكلم بجوامع الكلام فصلا، لا فضول ولا تقصير، ليس بالجافي ولا المهين، يعظّم النعمة وإن دقّت، ولا يذم منها شيئا غير أنه لم يكن يذم ذَواقا ولا يمدحه، ولا تغضبه الدنيا وما كان لها، فإذا تُعدي الحق لم يقم لغضبه شيء حتى ينتصر له، ولا يغضب لنفسه، ولا ينتصر لها، إذا أشار أشار بكفه كلها، وإذا تعجب قلبها وإذا تحدث اتصل بها وضرب براحته اليمنى بطن إبهمامها اليسرى، وإذا غضب أعرض وأشاح، جُل ضحكه التبسم.
قال الحسن رضي الله عنه: فكتمتها الحسين زمانا ثم حدثته بها فوجدته قد سبقني إليه، فسأله عما سألته عنه، ووجدته قد سال أباه عن مدخله، ومخرجه وشكله فلم يدع منه شيئا.
قال الحسين رضي الله عنه: سألت أبي عن دخول رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أوى إلى منزله جزأ دخوله ثلاثة أجزاء: جزء لنفسه وجزء لأهل ثم جزء بينه وبين الناس، فيرد بذلك بالخاصة على العامة، ولا يدّخر عنهم منه شيئا، وكان من سيرته في جزء الأمة إيثار أهل الفضل بإذنه، وقسمه على قدر فضلهم في الدين، فمنهم ذو الحاجة ومنهم ذو الحاجتين، ومنهم ذو الحوائج، فيتشاغل بهم، ويشغلهم فيما يصلحهم والأمة من مسألته عنهم، وإخبارهم بالذي ينبغي لهم، ويقول: ليبلغ الشاهد منكم الغائب، وأبلغوني حاجة من لا يستطيع إبلاغها، ثبت الله قدميه يوم القيامة، لا يذكر عنده إلا ذلك، ولا يقبل من أحد غيره، يدخلون رواءا، ولا يفترقون إلا عن ذواق، ويخرجون أدلة، أي على الخير.
قال: فسألته عن مخرجه، كيف كان يصنع فيه؟ قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخزن لسانه إلا فما يعنيه، ويؤلفهم ولا ينفرهم، ويكرم كريم كل قوم، ويوليه عليهم، ويحذر الناس ويحترس منهم من غير أن يطوي عن أحد منهم بشره، ولا خُلقه، ويتفقد أصحابه ويسأل الناس عما في أيدي الناس، ويحسّن الحسن ويقويه، ويقبّح القبيح ويوهيه، معتدل الأمر غير مختلف، لا يغفل مخافة أن يغفلوا أو يملوا، لكل حال عنده عتاد، لا يقصر عن الحق ولا يجاوزه، الذي يلونه من الناس خيارهم، أفضلهم عنده أعمهم نصيحة، وعمهم عنده منزلة أحسنهم مواساة ومؤازرة.
قال: فسألته عن مجلسه، فقال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يقوم ولا يجلس إلا على ذكر، وكان إذا انتهى إلى قوم جلس حيث ينتهي به المجلس، ويأمر بذلك، ويعطي كل جلسائه نصيبهم، لا يحسب جليسه أن أحدا أكرم عليه ممن جالسه، ومن سأله حاجة لم يردّه إلا بها أو بميسور من القول، قد وسع الناس بسطه وخلقه، فسار لهم أبا وصاروا عنده في الحق سواء، مجلسه مجلس حلم وحياء، وصبر وأمانة، لا تُرفع فيه الأصوات، ولا تؤبن فيه الحُرَم، يتعاطفون فيه بالتقوى، متواضعين، يوقرون فيه الكبير، ويرحمون فيه الصغير، ويؤثرون ذا الحاجة، ويحفظون الغريب.
قلت: وكيف كانت سيرته في جلسائه، فقال: كان رسول الله دائم البشر، سهل الخلق، لين الجانب، ليس بفظّ، ولا غليظ، ولا سخاب ولا فحاش ولا عيّاب، ولا مدّاح، يتغافل عما لا يُشتهي، ولا يُؤيس منه، ولا يخيب فيه مؤمليه، قد ترك نفسه من ثلاث: المراء والإكثار وما لا يعنيه، وترك الناس من ثلاثة: لا يذم أحدا ولا يعيبه، ولا يطلب عودته ولا يتكلم إلا فيما رجا ثوابه، وإذا تكلم أطرق جلساؤه كأنما على رؤوسهم الطير، وإذا سكت تكلموا، لا يتنازعون عنده الحديث، من تكلم عنده أنصتوا له حتى يفرغ، حديثهم عنده حديث أولهم، يضحك مما يضحكون منه، ويتعجب مما يتعجبون منه، ويصبر للغريب على الجفوة في منطقة، ومسألته، حتى إذا كان أصحابه ليستجليونهم، ويقول: (إذا رأيتم طالب حاجة فارفدوه) ولا يقبل الثناء إلا من مكافيء، ولا يقطع على أحد حديثه، حتى يجوز فيقطعه بنهي أو قيام. «رواه الترمذي».
قال فسألته عن سكوت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: كان سكوته على أربع، على الحلم، والحذر، والتقدير، والتفكير، فأما التقدير ففي تسوية النظر والاستماع من الناس، وأما تفكره ففيما يبقى ولا يفنى، وجمع له الحلم في الصبر، ولا يغضبه شيء ولا يستفزه، وجمع له الحذر في أربع: أخذه بالحسن ليقتدي به، وتركه القبح ليتناهى عنه واجتهاده الرأي في إصلاح أمته والقيام لهم فيما جمع لهم من خير الدنيا والآخرة.
مبشرات برسول الله صلى الله عليه وسلم:
بحيرا الراهب بيشر بالرسول صلى الله عليه وسلم:
قال ابن الجوزي رحمه الله: عن داود بن الحصين، قال: لما خرج أبو طالب إلى الشام وبها راهب يقال له: «بحيرا» في صومعة له، وكان علماء النصارى يكونون في تلك الصومعة يتوارثونها عن كتاب يدرسونه، فلما نزلوا ببحيرا وكانوا كثيرًا ما يمرون به لا يكلمهم حتى إذا كان ذلك العام ونزلوا منزلا قريبا من صومعته قد كانوا ينزلونه قبل ذلك كلما مروا، فصنع لهم طعاما ودعاهم، وإنما حمله على دعائهم أنه رآهم حين طلعوا وغمامة تظل رسول الله من بين القوم حتى نزلوا تحت الشجرة، ثم نظر إلى تلك الغمامة أظلت تلك الشجرة، وأخضلت أغصان الشجرة على النبي حيت استظل تحتها، فلما رأي بحيرا ذلك نزل من صومعته، وأمر بذلك الطعام فأتى به، وأرسل إليهم فقال: إني قد صنعت لكم طعاما يا معشر قريش، وأنا أحب أن تحضروه كلكم ولا تخلفوا منكم صغيرا ولا كبيرا، حُرا ولا عبدا، فإن هذا شيء تكرمونني به، فقال رجل: إن لك لشأنا يا بحيرا، ما كنت تصنع بنا هذا فما شأنك اليوم؟ قال: فإني أحببت أن أكرمكم فلكم حق. فاجتمعوا إليه وتخلّف رسول الله من بين القوم لحداثة سنه ليس في القوم أصغر منه في رحالهم تحت الشجرة، فلما نظر بحيرا إلى القوم فلم ير الصفة التي يعرف ويجدها عنده، وجعل ينظر فلا يرى الغمامة على أحد من القوم، ورآها مختلفة على وجه رسول الله ، فقال بحيرا: يا معشر قريش لايتخلف أحد منكم عن طعامي. فقالوا: ما تخلّف أحد إلا غلام هو أصغر القوم سنا في رحالهم. فقال: ادعوه فليحضر طعامي فما أقل أن يتخلف رجل واحد مع أني أراه من أنفسكم. فقال القوم: هو والله أوسطنا نسبا وهو ابن أخي هذا الرجل، يعنون أبو طالب، وهو من ولد عبد المطلب، فقال الحارث بن عبد المطلب والله إن كان بنا للؤم أن يتخلف ابن عبد المطلب من بيننا. ثم قام فاحتضنه وأقبل به حتى أجلسه على الطعام، والغمامة تسير على رأسه، وجعل بحيرا يلحظ لحظا شديدا، وينظر إلى أشياء في جسده قد كان يجدها عنده في صفته، فلما تفرقوا عن طعامهم، قام إليه الراهب فقال: يا غلام أسألك بحق اللات والعزى إلا ما أخبرتني عما أسألك عنه، فقال رسول الله : لا تسألني باللات والعزى، فو الله ما أبغضت شيئا بغضها. قال: فبالله إلا ما أخبرتني عما أسألك عنه. قال: سلني عما بدا لك، فجعل يسأله عن أشياء من حاله إلى نومه، فجعل رسول الله يخبره فيوافق ذلك، ما عنده، ثم جعل ينظر بين عينيه، ثم كشف عن ظهره فرأي خاتم النبوة بين كتفيه على الصفة التي عنده، فقبل موضع الخاتم. وقالت قريش: إن لمحمد عند هذا الراهب لقدرا، وجعل أبو طالب لما يرى من الراهب يخاف على ابن أخيه، فقال الراهب لأبي طالب: ما هذا الغلام منك؟ قال أبو طالب: ابني. قال: ما هو بابنك وما ينبغي لهذا الغلام أن يكون أبوه حيا. قال: فابن أخي. قال: فما فعل أبوه؟ هلك وأمه حبلي به، قال: فما فعلت أمه قال: توفيت قريبا. قال: صدقت ارجع بابن أخيك إلى بلده واحذر عليه اليهود، فو الله لئن رأوه وعرفوا منه ما عرفتُ ليبغنه بغيا فإنه كائن لأبن أخيك هذا شأن عظيم نجده في كتبنا وما روينا عن آبائنا، واعلم أني قد أديت إليك النصيحة فلما فرغوا من تجارتهم خرج به سريعا، وكان رجال من يهود قد رأوا رسول الله وعرفوا صفته، فأرادوا أن يغتالوه فذهبوا إلى بحيرا فذكروا أمره فنهاهم أشد النهي وقال لهم: أتجدون صفته؟ قالوا: نعم، قال: فما لكم إليه سبيل فصدّقوه وتركوه. ورجع أبو طالب، فما خرج به سفرا بعد ذلك خوفا عليه( ).
اعتراف أهل الكتاب بنبوته وصفته في كتبهم التي لم تحرّف:
قال ابن الجوزي رحمه الله: قال كعب الأحبار: نجد نعت رسول الله في التوراة: محمد بن عبد الله عبدي المختار، مولده بمكة، ومهاجره بالمدينة، لا فظّ ولا غليظ ولا صخّاب في الأسواق.
وعن أبي هريرة قال: أتى رسول الله بيت المدارس (بيت عبادة اليهود) فقال: أخرجوا إلى أعلمكم، فقالوا: «عبد الله ببن صوريا» فخلا به رسول الله فناشده بدينه وبما أنعم الله به عليهم وأطعمهم من المن والسلوى، وظلّلهم به من الغمام ثم قال: أتعلم أني رسول الله؟ قال: اللهم نعم، وأن القوم يعرفون ما أعرف، وأن صفتك ونعتك لمبيّن في التوراة، ولكنهم حسدوك. قال: فما يمنعك أنت؟ قال: أكره خلاف قومي، وعسى أن يتبعوك ويسلموا فأسلم.
وعن ابن عباس قال: كانت يهود بني قريظة والنضير وفدك وخيبر يجدون صفة النبي عندهم قبل أن يبعث، وأن دار هجرته المدينة، فلما ولد رسول الله قالت أحبار يهود: ولد أحمد الليلة، فلما نبئ قالوا قد نبئ أحمد، يعرفون ذلك ويقرون به ويصفونه، فما منعهم عن إجابته إلا الحسد والبغي.
وعن عبد الحميد بن جعفر عن أبيه قال: كان الزبير بن باطا – وكان أعلم اليهود – يقول: إني وجدت سِفْرا كان أبي يختمه عليّ، فيه ذكر أن أحمد نبي صفته كذا وكذا، فحدث به الزبير بعد أبيه والنبي لم يبعث، فما هو إلا أن سمع بالنبي قد خرج إلى مكة فعمد إلى ذلك السِفْر فمحاه وكتم شأن النبي وقال: ليس به.
وعن سلمة بن سلامة بن وقش، قال: كان لنا جار من يهود في بني عبد الأشهل، قال: فخرج علينا يوما من بيته قبل النبي بيسير، حتى وقف على مجلس بني عبد الأشهل، قال سلمة: وأنا يومئذ أحدث من فيه سنا على بردة مضطجعا فيها بفناء أهلي، فذكر البعث والقيامة والحساب والميزان والجنة والنار، فقال ذلك لقوم أهل شرك، أصحاب أوثان لا يرون أن بعثا كائن بعد الموت، فقالوا له: ويحك يا فلان ترى هذا كائنا أن الناس يبعثون بعد موتهم إلى دار فيها جنة ونار يجزون فيها بأعمالهم؟ قال: نعم والذي يحلف به يود أحدهم أن له بحظه من تلك النار أعظم تنور في الدنيا يحمونه ثم يدخلونه أياه فيطبقون عليه، وان ينجو من تلك النار غدا. قالوا له: ويحك وما آية ذلك؟ قال: نبي يبعث من نحو هذه البلاد، وأشار بيده نحو مكة واليمن، قالوا: ومتى تراه؟ قال فنظر إلي وأنا من أحدثهم سنا فقال: إن يستنفذ هذا الغلام عمره يدركه.
قال سلمة: فو الله ما ذهب الليل والنهار حتى بعث الله تعالى رسول الله وهو حي بين أظهرنا، فآمنا به وكفر به بغيا وحسدا، فقلنا: ويلك يا فلان ألست الذي قلت لنا فيه ما قلت؟ قال: بلى وليس به( ).
أوصاف الرسول صلى الله عليه وسلم في التوراة:
جاء في سفر التثنية على لسان موسى : (يقيم لك الرب إلهك نبيا من وسطك من أخوتك مثلي، لو تسمعون)، (قال لي الرب: وسوف أقيم لهم نبيا مثلك من بين أخوتهم وأجعل كلامي في فمه، ويكلمهم بكل شيء آمره به)، ومن لم يطع كلامي الذي يتكلم فيه باسمي فأنا أكون المنتقم منه)، (فأما النبي الذي يجتريء بالكبرياء، ويتكلم في اسمي ما لم آمره به بأن يقول: أم باسم آلهة أخرى، فليقتل ذلك النبي)، (وإن قلت في قلبك: كيف نعرف الكلام الذي لم يتكلم به الرب؟)، (فما تكلم به النبي باسم الرب، ولم يحدث ولم يصر، فهو الكلام الذي لم يتكلم به الرب، بل بطغيان تكلم به النبي، فلا تخف منه) انتهى منه سفر التثنية.
فهذه ست فقرات من التوراة بشرت بني إسرائيل بنبي يأتي من بعد موسى.
ففي الفقرة الأولى: وصفته بكونه من إخوة بني إسرائيل، وليس منهم حقيقة، وكونه نبيا يشابه موسى في أوصافه وخصائصه.
وفي الفقرة الثانية: بيّنت أن الله سبحانه سيجعل كلامه في فم هذا النبي، وسيكلم الناس بكل ما يوحي إليه، ويبلغهم إياه.
وفي الفقرة الثالثة: إن الذي لا يطيع هذا النبي ولا يقبل كلامه الذي هو وحي من الله، فإن الله سيكون هو المنتقم منه.
وفي الفقرة الرابعة: إن نهاية المتنبيء الكذب الذي يفتري على الله الكذب هو القتل، يفهم بمفهوم المخالفة أن النبي المبشر به لن يستطيع أحد أن يقتله.
وفي الفقرة الخامسة: أن من علامات صدق هذا النبي أنه سيخبر بأمور وحوادث غيبية، سوف تتحقق وتقع كما أخبر، وبذلك يتميز عن المتنبيء الكاذب.
وعلى ضوء هذه الفقرات نجد أن هذه الصفات لا تتحقق في عيسى ابن مريم ولا في غيره من أنبياء بني إسرائيل للآتي:
الأول: لأن البشارة إنما وقعت بنبي من أخوة بني إسرائيل وليس من بني إسرائيل أنفسهم.
الثاني: كون المبشّر به نبينا يشابه موسى في أوصافه وخصائصه وأعماله ويماثله في كونه صاحب شريعة عامة شاملة تلتزم بها الأمة من بعده، وعندهم عيسى لا يشبه موسى ولا أحد من أنبياء بني إسرائيل.
الثالث: وهي أن الله سيجعل كلامه في فمه، فيكلمهم بكل ما يوصيه به، فإنها تشير إلى أن الله سبحانه سينزل على هذا النبي كتاب يظهر للناس من فمه، وفي هذا إشارة إلى أنه سيكون أُمّيا، لا يكتب ولا يقرأ.
الرابع: وهي أن الله – كما مرّ بنا في الفقرة الثالثة – سيؤيد هذا النبي وينصره على من يكفر به، لأن الانتقام هنا هو الانتقام التشريعي الذي يشمل الجهاد الذي تكون فيه العاقبة لذلك النبي وأصحابه، كما يشمل القصاص وإقامة الحدود ولا يمكن أن يكون المراد به محض العذاب في الآخرة، لأن هذا عام لا يختص به نبي دون آخر.
الخامس: أن الفقرة الأخيرة تدل على أن هذا النبي سيخبر أمته ببعض الأمور الغيبية التي يطلعه عليها، وسوف تتحقق، ويراها أصحابه وأمته من بعده، حدثت كما أخبر، وهذه الصفة تنطبق على محمد أتم الانطباق، مثل أخباره بفتح القسطنطينية أولا، ثم رومية، وقد فتحت قسطنطينية أولا فعلاً، وما زلنا ننتظر فتح روما إن شاء الله، وغيرها كثير.
السادس: أن بعض هذه الفقرات تفيد أن نهاية المتنبئ الكاذب هو القتل، والمسيح في زعم النصارى قتل وصُلب، فهل هو متنبئ كاذب كما يدعي اليهود( ).
أوصافه صلى الله عليه وسلم في الإنجيل والبشارة به:
جاء في إنجيل يوحنا بشارة المسيح بأخيه محمد ما نصه: (إن كنتم تحبوني فاحفظوا وصاياي، وأنا أطلب من الأب فيعطيكم فاراقليط آخر ليثبت معكم إلى الأبد، روح الحق الذي لن يطيق العالم أن يقبله، لأنه ليس يراه ولا يعرفه، وأنتم تعرفونه لأنه مقيم عندكم، وهو ثابت فيكم)، (والفاراقليط روح القدس الذي يرسل الأب باسمي، وهو يعلمكم كل شيء وهو يذكركم كل ما قلته لكم)، (والآن قلت لكم قبل أن يكون، حتى إذا كان تؤمنون)، لكن أقول لكم الحق: (إن خيرا لكم أن أنطلق لأني إذ لم أنطلق)، لم يأتكم الفاراقليط، فأما إن انطلقت أرسلته إليكم)، (فإذا جاء ذلك فهو يوبّخ العالم على خطية وعلى بر وعلى حكم)، (وإذا جاء روح الحق ذلك فهو يعلمكم جميع الحق، لأنه ليس ينطق من عنده، بل يتكلم بكل ما يسمع، ويخبركم بما سيأتي)، (وهو ليس ينطق من عنده بل يتكلم بكل ما يسمع، ويخبركم بما سيأتي) (يمجدني لأنه يأخذ مما هو لي ويخبركم). أ.هـ من إنجيل يوحنا.
ومن أكبر هذه الأوصاف في تلك الفقرات أن اسمه فاراقليط وهي مشتقة من الحمد باللغة اليونانية وقيل يعني «أحمد» صراحة هكذا.
وأن هذا النبي شريعته إلى يوم القيامة، وهذا الوصف متحقق في نبي الإسلام لأنه خاتم النبيين( ).
صفاته صلى الله عليه وسلم في كتب العهد القديم:
جاء في (سفر دانيال): يقول النبي (دانيال): سألت الله وتضرعت إليه أن يبين ما يكون من بني إسرائيل. فأخبره الله بما يكون إلى أن قال: (حتى أبعث نبي بني إسماعيل (أي نبينا ) الذي بشرت به هاجر، وأرسلت إليها ملاكي فبشرها، فأوحى إلى ذلك النبي وأعلّمه الأسماء وأزيّنه بالتقوى، وأجعل البِرّ شعاره، والتقوى ضميره، وأخصه بكتاب مصدق لما بين يديه من الكتب وناسخ لبعض ما فيها، أسري به إلى وأرقيه من سماء إلى سماء حتى يعلو، فأدنيه وأسلم عليه، وأوحى إليه وأرقيه، ثم أرده إلى عبادي بالسرور والغِبطة، حافظا لما استودع، صادقا بما أمر، يدعو إلى توحيدي بالّلين من القول والموعظة الحسنة، لا فظّ ولا غليظ ولا صخّاب بالأسواق، رءوف بمن والاه، رحيم بمن آمن به، خشن على من عاداه، فيدعو قومه إلى توحيدي وعبادتي، ويخبرهم بما رأي من آياتي فيكذبونه ويؤذونه)( ).
وجاء في كتاب (حزقيل): يقول مخاطبا اليهود ومهددا لهم بأمة محمد: (وإن الله مظهرهم عليكم وباعث فيهم نبيا ومنزل عليهم كتابا، ويملّكهم رقابكم فيقهرونكم، ويذلّونكم بالحق، ويخرج رجال من بني قيدار في جماعات الشعوب معهم ملائكة على خيل بيض متسلحين يوقعون بكم وتكون عاقبتكم إلى النار).
وجاء في مزامير داود: أن الله تعالى قال لداود: (سيولد لك ولد أُدعى له أبا ويُدعى لي أبنا، اللهم ابعث جاعل السنة كي يعلِّم الناس أنه بشر).
بشارة باسم الرسول صراحة في إنجيل برنابا: جاء في إنجيل (برنابا) الفصل (136) ما نصه: وبعد هذه السنين يجيء الملاك جبريل إلى الجحيم يسمعهم يقولون: «يا محمد أين وعدك لنا أن من كان على دينك لا يمكث في الجحيم إلى الأبد حتى قال: فحينئذ يكلم الرسولُ اللهَ ويقول: ربي وإلهي أَذْكُرُ وعدك لي وأنا عبد: بأن لا يمكث الذين قبلوا ديني في الجحيم إلى الأبد. فيجيب الله: أطلب يا خليلي لأن أهبك كل ما تطلب».
اسم النبي صلى الله عليه وسلم في كتب العهد القديم: جاء في سفر (أشعيا): (إني جعلت أمرك يا محمد بالحمد يا قدوس الرب اسمك موجود إلى الأبد).
وجاء في كتاب (حبقوق): لقد أضاءت السماء من بهاء محمد وامتلأت الأرض من حمده، وشاع منظره مثل النور يحوط بلاده بعزة، تسير المنايا أمامه).
قال ابن القيم رحمه الله: من رام صرف هذه البشارات عن محمد فقد رام ستر الشمس في النهار. أ.هـ.