حاوره: شعبان مصطفى قزامل
المصدر: مجلة الدعوة – المملكة العربية السعودية
يذكرنا الباحث المهندس ربيع الزوواي، الممثل السابق للهيئة الإسلامية العالمية للإعلام التابعة لرابطة العالم الإسلامي بالقاهرة في رحلته إلى الصين وزيارته كوانزو وفوشان في المقاطعة الصينية الكبرى كوانجدونج، بتراثنا الجميل في أدب الرحلات…. حيث خرج بمعلومات ثرية ومفيدة ومهمة جداً خاصة بهذا البلد الذي يقطنه خمس سكان العالم تقريبا.. ومع ما داخله من انطباع غير جيد عن الصيينين لكونهم لا يهتمون بالنظافة والمظهر إلا أنه وصفهم بأنهم عمليون ومنتجون وحريصون ويتميزون بالجد والدأب والمثابرة, كما أنهم صارمون جداً عكس الغرب تماماً, وقال في حوار مع (الدعوة): إن حاكم كوانزو السابق تم إعدامه لأنه اختلس مبلغا تافها لا يتعدى عشرة آلاف دولار.. وهذه الصرامة والشدة أوصلتهم إلى ما هم عليه الآن, متوقعا لهم مستقبلا رفيعا بين الأمم.
وذكر أن عدد المسلمين في الصين اليوم نحو23 مليون مسلم . وهناك 10 قوميات صينية تؤمن بالإسلام وهي: قومية هوي, قومية الويغر, قومية القازاق, قومية القزغيز, قومية الأوزبك, قومية الطاجيك, قومية التتار, قومية دونغشيانغ, قومية سالار, قومية باوآن.
كما يوجد في الصين اليوم أكثر من 40 ألف مسجد وأكثر من 50 ألف إمام, ويوجد أيضا عشرة معاهد للعلوم الإسلامية.
وأضاف: الأغرب أن الزائر للصين يلحظ فيها عشرات الملايين من المهاجرين العرب اليمنيين والمصريين والفلسطنيين واللبنانيين والشوام هناك كثر جداً وكلهم هاجروا للتجارة وكوانزو وحدها فيها عدد ضخم من العرب, ولا تخطئ عينك مطاعم العرب التي تملأ الشوارع.
إلى نص الحوار:
* ماذا عن الصين والصينيين وطبائعهم؟
– الصين بلد يصعب أن تحكم عليه حكما عابراً بالجملة هكذا لكن القول إنه فيما ظهر لي أن جمال الصين لم ينصف ممن رأوها ووصفوها لنا كما وصفوا لنا جمال تايلاند مثلاً وماليزيا وغيرهما, ويبدو لي أن السبب الرئيسي في ذلك أن الصين بلد تجاري وصناعي يقصده التجار بقصد التجارة, وليس السياح الذين يقصدون البلاد للتمتع بجمالها, بيد أن الصين قد تفوق غيرها – مما ذكرت – جمالاً, ولكن كما قلت قلّ من ينتبه لذلك لأنهم مشغولون غالبا بما سافروا من أجله, كما أن هذا العدد الضخم من المصانع بالصين جعل السياح يهربون من هذا الجمال الملوث بأبخرة كيماوية ناتجة عن تلك المصانع.
* وهل في ظل الصورة السائدة عن العرب الموجودين هناك توجد الصورة نفسها والانطباع ذاته عن المسلمين والإسلام لدى الصينيين؟
– لا أريد أن يدرك القارئ أن العرب الذين سافروا للتجارة هناك لقوا انحلالاً فانحلوا, ولكن بعضهم جاد في عمله وقليل جداً جادون في الدعوة, وكما قلت العرب في الصين سفراء غير جيدين لأن الإسلام مرتبط بالعرب في أذهان الناس..
ولا أنسى تحية آخر رجل رآني في المطار وأنا داخل على الطائرة, حياني بقوة واحترام كأني جنرال في الجيش رغم أن مرافقي كان أجمل مني منظراً وأكثر أناقة وهنداماً..
كان عميداً في الجيش وتقاعد، وعنده تجارة وتعاملات تجارية, ولم أنتبه إلا لما قال لي: من أجل لحيتك فهم يحترمون المظهر الديني لاسيما العرب كبروتوكول.
*والحكومة الصينية هل تسمح بممارسة الدعوة أم مازلت القوانين الشيوعية مسيطرة؟
– لا تمنع ولا تساعد.. الحكومة الصينية لديها مخطط اقتصادي يشغلها فقط والباقي كله غير مهم.
* لكن هذا الكلام مناقض لما سبق وقلت لأن الحكومة حريصة على إيجاد التوازن بين المسلمين وغيرهم؟
– القصد أنها غير متفرغة للدعوة ويتصرفون بطريقتهم فهم مثلاً لا يضايقون أحداً.. فالمسلمون الصينيون يتمتعون بالحرية الكاملة في الاعتقاد الديني, وقد حظيت شعائرهم وعاداتهم الدينية بالاحترام والحماية القانونية التامة, وهم يتعايشون مع جماهير القوميات الأخرى بكل وئام وتناغم.
* لكن يقال إن المسلمين مضطهدون هناك خصوصاً في تركستان الشرقية؟
– هذه المنطقة هي التي فيها الشنجان (شينج يانج) أقوى المسلمين في العالم.. عندهم اعتزاز بدينهم جداً جداً ولكن مضيق عليهم جداً.. لديهم عزة المسلم ولا يخافون الموت وهذا مصدر قوتهم, والصينيون يهابونهم ويجلونهم مع بغضهم طبعا ويعملون لهم ألف حساب..
الشنجان كالأفغان في شدتهم وبأسهم مع قلب الترك.. وأصول الأتراك من هناك من غرب الصين ونهر سيحون وجيحون.
* وهل هناك وجود للهيئات الدعوية؟
– قد يكون.. لكني لم أر وجوداً للأزهر ولا غيره من المؤسسات الدعوية خلال فترة زيارتي للصين..
المهم هي بلاد محتملة للإسلام لو أحسنا الدعوة بالطرق العصرية والحضارية بالإقناع العقلي.
* وكيف كان أداؤهم للعبادات وما هو وضع المساجد هناك؟
– صلينا الجمعة بالمسجد الكبير, بحي يتجمع فيه المسلمون, ولا تخطئ عينك أن ترى حول هذا المسجد كل ما تراه في دول العالم العربي أو الدول الإسلامية بآسيا وأفريقيا, وترى كذلك ناساً من جميع الجنسيات تقريباً لا يجمعم إلا رابط واحد هو الإسلام. والحق أن المسجد وملحقاته قديم جداً ومتهالك, ويحتاج إلى ترميم أو إعادة بنائه من جديد , فليت أحد أثرياء المسلمين يتنبه لذلك الأمر, ويتاجر مع الله ويمهد لآخرته بالقيام لهذا العمل العظيم ونيل ذلك الشرف الكبير.
صحيح أن التراث القديم له رائحته ومكانته وعبقه وسحره…. ولكن وضع المسجد لا يتناسب أبداً فيما يبدو لي مع ما تشهده مدينة كوانجو من تشييد حديث وتطويرمعماري رهيب ونقلة لا شك ملحوظة لمن تمكن من التجوال في أنحاء المدينة على اتساعها, وظهر له جمال ما تشهده من نهضة معاصرة. والمسجد ولا شك يحتاج هو كذلك لتلك النقلة والنهضة العصرية.
* وماذا عن مدينة كوانجو التي زرتموها؟
– مدينة كوانجو تتمتع بوفرة الخضرة والمياه وهي مدينة نظيفة وتجارية من الطراز الأول وتكاد تلي شنغهاي مباشرة في الرتبة, وكوانجو وجهة معظم العرب عندما يقصدون الصين للتجارة. وتتميز كوانجو بجسورها الممتدة مسافات طويلة, والتي يعلو بعضها البعض, حتى تجد أحياناً ثلاثة جسور أو أكثر يعلو بعضها فوق بعض لدرجة أني صبيحة أول ليلة أبيت فيها بالفندق بالطابق السادس فتحت نافذة الحجرة لأفاجأ بمرور السيارات في مستوى نظري! فقلت في نفسي: ألم أصعد ستة طوابق أمس بمصعد الفندق؟ ثم نظرت إلى أسفل لأجد جسراً ثانياً وثالثاً أسفله والأرض تحتها!
ولاستغلال كميات المياه المتدفقة من الأمطار فوق مساحات كبيرة من هذه الجسور؛ يجعلون تصريف هذه المياه عبر أنابيب تصب مياهها في المساحات الخضراء أسفل هذه الجسور, والتي لا يكاد يخلو منها متر واحد تحت الجسور, كما يتم غسيل الطريق وأعمدة الجسور بالمياه بشكل يومي تقريباً, مما يضفي جمالاً على طرقها وجسورها ومساحاتها الخضراء.
تهطل الأمطار بغزارة على مدينة كوانجو صيفاً وشتاء وكل شهور العام تقريباً, وقد شهدت بنفسي يوماً استمر المطر الشديد المستمر لمدة ساعتين أو يزيد في أحد أيام وجودي بها, مع رؤية البرق الخاطف والشديد نهاراً وسماع صوت الرعد القوي والمخيف الذي كان يحرك نوافذ المكان الذي كنت فيه آنذاك.
والناس هنا أشكالهم غريبة و مختلفة وليس كما في اليابان وكوريا؛ ويبدو أن من أسباب تلك الغرابة في أشكالهم أنواع الطعام الغريبة التي يأكلونها, فهم ميالون – كما حدثني البعض هنا – لغرائب الأطعمة, ويميلون للسيئ منها جداً وإلى الأطعمة ذات الروائح الكريهة جداً.
* وما هي اقتراحاتك وأفكارك بالنسبة لدعوة الصينيين؟
– الاهتمام بالمسلمين الجدد وعدم تركهم وكأن إسلامهم آخر المطاف, وتأهيلهم ليكونوا سفراء في قومهم وهو ما اقترحه, لا يكون همنا دعوتهم فقط المهم الاستمرار في الدعم والمتابعة.
* والصينيون مع طبيعتهم العملية وتأثرهم بالشيوعية أعندهم قابلية للدعوة لاسيما الأجيال الجديدة من الشباب ممن لم يعش ازدهار الشيوعية؟
– لاحظت أنهم منفتحون وتكلمت مع بعضهم ووجدته بسيطاً وودوداً.. ولكن لغتهم الإنجليزية ضعيفة جداً.
* في الختام هل من رسالة تود توصيلها للقارئ أو للداعية أو لأي جهة معنية؟
– نعم.. أتمنى التركيز على الصين جداً في الفترة المقبلة.. الصين ستكون القطب الأساسي في هذا القرن, ومن الخطأ أن نترك هذا البلد الكبير بدون ما نعلم أولادنا اللغة الصينية (شوية بقى بدل الإنجليزي)….
التقيت هناك بشباب عربي يتقنون الصينية كأهلها… الصيني لو ما تكلمت معه بالحرف والغنة والمد وما إلى ذلك ما يرد عليك, لغتهم غريبة وعجيبة وسهلة جداً, 7000 كلمة فقط واللغة الصينية كلمات وليست حروفاً، لا أبجدية لها.