فضيلة الشيخ الدكتور محمود عمارة في ذمة الله
بقلم/ ربيع عبد الرؤوف الزواوي
ودعنا صبيحة يوم السبت 8 من ربيع الأول 1437 الموافق 19 ديسمبر 2015 عالما جليلا وعلما نادرا وأديبا بارعا ولسانا فصيحا وشيخا وقورا متواضعا، لم يطلب دنيا ولم يسع لمنصب…. إنه فضيلة الشيخ الأستاذ الدكتور محمود محمد عمارة رحمه الله… عضو مجمع البحوث الإسلامية والأستاذ بجامعة الأزهر…
إنه- والله- ليحزنني أن يبلغني نبأ وفاته وأنا في مثل هذه الظروف وأكون في هذا الكم من الشواغل والمشاكل في آن واحد… فأقصر في حقه علي أو لا أفي له بما يستحق…
وإنه- والله- ليؤلمني أن نفقد صوته العذب، وعباراته الحلوة المنتقاة، ونحته لجميل الكلمات، وعلو كعبه في الأدب، وامتلاكه لناصية البلاغة، وأستاذيته في أصول الدين وعلوم الشريعة، مع تواضع جم وأدب راق، وموفور حياء، ورقة طبع، وحسن سمت…
فإنا لله وإنا إليه راجعون…
فقد أحببت الفقيد رحمه الله منذ سنين طويلة خلت من خلال أحاديثه التي كان يسجلها لإذاعة القرآن الكريم المصرية ومن خلال مقالاته في مختلف الصحف والمجلات…
أذكر في أوائل التسعينات من القرن الماضي عندما سمعت الفقيد رحمه الله لأول مرة في إذاعة القرآن الكريم المصرية؛ فوجدتني مشدوها مشدودا متسمرا مكاني، مصغيا بقلبي قبل أذناي لهذا الصوت، ولهذا الأداء، ولهذا الجلال، ولهذه النبرة التي لم تعتد عليها أذناي…
وفي تلك الفترة باءت كل محاولاتي للوصول للفقيد أو الاتصال به بالفشل… وظل كل ما أعرفه عنه أنه أستاذ بجامعة الأزهر بالمنوفية…
وعندما انتقلت للقاهرة في منتصف عام 1998 وفي أول أسبوع لي في القاهرة تكلمت مع زميل لي في العمل بشركة صخر عن الفقيد… فسعدت جدا أن أجد لأول مرة في حياتي رجلا غيري يعرف له قدره ويحبه مثلي أو أشد ويجتهد أيضا في الوصول إليه…
ثم وجدت بغيتي بعد ذلك في زملائنا الأفاضل بشركة حرف، الذين درسوا بجامعة الأزهر بالمنوفية، ويعرفون الشيخ وتتلمذوا له ودرسوا على يديه…
ظلت أخبار الشيخ تأتيني أولا بأول مع هؤلاء الزملاء حسب ما يتيسر… وظللت أتحين حديثه الإذاعي وأجتهد في قراءة ما يكتب من مقالات وما أجد له من كتب ومؤلفات… ثم زادت الشواغل والتكاليف وصرت اكتفي بالتلمذة له من بعيد… لا سيما بعد انتشار مقاطع الفيديو على الانترنت… وفترت الهمة للقائه رحمه الله.
يبدو لي أن الشيخ رحمه الله كان قد نهل في أول حياته من الأدب والبلاغة حتى كرع… وشرب حتى ارتوى… وسبح في بحارها واستعذب المر واستسهل الصعب حتى بلغ المراد… وذلك جنبا لجنب مع العلوم الشرعية والدراسة الأكاديمية بالأزهر… ولذلك تفتق لسانه عن عبارات قلما يصيغها أديب أريب، فضلا عن أستاذ جامعي تخصص في أصول الدين…
وقد يؤكد كلامي هذا ما نقل عنه رحمه الله لما سئل عن سر بلاغته وحسن تراكيبه وحلاوة ألفاظه… فأجاب بسبب قراءة كتب الرافعي وكتاب الظلال وكتب الشيخ محمد الغزالي… وحسبك بهؤلاء أدبا وبلاغة وفصاحة وفكرا…
وإني لأعتذر له رحمه الله بعد موته لأمرين؛ أولهما تفريطي في لقائه حيا… وثانيهما تقصيري في تأبينه وبيان فضله وأدبه وعلمه ميتا…
ولعل في تلمذتي له على أحاديثه الإذاعية وكتبه ومقالاته مندوحة وعذرا للأمر الأول… ولعل فيما يعلمه الله مما أنا فيه من شواغل وتكاليف وظروف مندوحة وعذرا عن الأمر الآخر…
ولعل الله جل في علاه يقدر ويعين لبسط الكلام عن الفقيد في ظروف أخرى…
رحم الله العلامة الأديب الشيخ محمود محمد عمارة رحمة واسعة وأسكنه فسيح جناته… وجزاه عما قدم لدينه وأمته خير الجزاء…