يوم الأحد الخامس من رمضان 1431 الموافق 15/8/ 2010 وبعد صلاة العصر بساعة تقريبا؛ اتصل بي شقيقي الدكتور رمضان الزواوي وأخبرني بوفاة فضيلة الشيخ الداعية عبد الحميد بديوي رحمه الله، وذلك لأنه يعرف قرب الشيخ إلى قلبي ومكانته من نفسي، قائلا: فرغنا لتونا من صلاة الجنازة على الشيخ عبد الحميد بديوي رحمه الله بعد صلاة العصر بالجامع الكبير بحوش عيسى، و الآن يوارى جثمان الشيخ رحمه الله.
لقد تفتحت عيوننا وآذاننا منذ نعومة أظفارنا على خطب ودروس الشيخ عبد الحميد بديوي رحمه الله، وأصغت له قلوبنا وأحببناه وأحبه أهل حوش عيسى جميعا، ووثقوا بعلمه وحكمته والتف الجميع حوله إلى أن مات رحمه الله.
كنا ونحن في القرية بالمرحلة الابتدائية لا يتاح لنا أن نستمع لخطبة جمعة في مستوى خطب الشيخ عبد الحميد بديوي رحمه الله، وكان الواحد منا لا يتمكن من هذا الشرف الكبير أيامها إلا إذا تخرج في المرحلة الابتدائية والتحق بالمرحلة الإعدادية بمدرسة جلال قريطم الإعدادية بمدينة حوش عيسى وأظنها كانت المدرسة الإعدادية الوحيدة أيامها بحوش عيسى، وساعتها ستصلي بالجامع الكبير أو جامع المحطة كما يسمونه في حوش عيسى، وستستمع للشيخ عبد الحميد بديوي.
وأنا بطبيعة الحال واحد من أولئك الذين أتيحت لهم هذه الفرصة وأنا بالصف الأول الإعدادي عام 1979، فاستمعت للشيخ في دروسه التي كان يلقيها كعادته قبل صلاة الجمعة ثم استمعت لخطبة الجمعة، فوجدت طرازا جديدا لم نعهده بالقرية آنذاك، وأحسب نفسي أني كنت مستمعا جيدا وقتها، وكنت تقريبا أحفظ الخطبة، لجمال الأسلوب وحسن اختيار الموضوع وكلمات الشيخ المنتخبة، وأظن أنها كانت أول مرة أعرف البكاء تأثرا بموعظة.
كانت المرحلة الثانوية هي الفترة الذهبية لي شخصيا للاستماع والاستمتاع بخطب الشيخ عبد الحميد بديوي رحمه الله، وأحسب أنه نحت في عقلي وتكويني بعض العبارات والمبادئ والقيم التي كانت فيما بعد لها الأثر الكبير في حياتي ومشواري العلمي والعملي لا سيما السلوك والمعاملات المادية والتعامل مع الناس ومخالطتهم.
ثم انقطعت مع بدايات فترة الجامعة منذ عام 1985 وما بعدها عن الاستماع للشيخ رحمه الله، إلى أن كنت في مناسبة بحوش عيسى عام 2001 وجلست مستمعا للشيخ، ففاجأني بزيادة نشاطه الدعوي، وقوة أدائه خطيبا مع تقدمه في السن، وبعد الصلاة، سلمت عليه وصافحته وقبلت رأسه، وتبادلنا أطراف الحديث، وكلمته عن انقطاعي عن الاستماع إليه ومشاغل الحياة، فكان يتواضع لما أقول، ويدعوا لي، ودعاني للغداء معه ولكني اعتذرت لظروف قهرية، ويومها طافت بعقلي ذكريات مرحلتي الإعدادية والثانوية وأنا في رحابه رحمه الله.
الشيخ عبد الحميد بديوي واحد من علماء الأزهر الشريف، عين منذ ما يقرب من نصف قرن إماما وخطيبا في الأوقاف بحوش عيسى مثل مئات الآلاف من الأئمة والخطباء، لكنه طراز وحده، ونسيج نادر ولا أكون مبالغا إذا قلت أنه أكبر الأشخاص تأثيرا في حوش عيسى على الإطلاق، ولا ينكر ذلك إلا مكابر، وقد كنت أعتبر أنه رحمه الله يفوق الشيخ عبد الحميد كشك رحمه الله.
أسأل الله تعالى أن يجزيه خيرا لقاء ما قدم لدينه نصحا وإرشادا وتعليما، وأن يرفع درجته، وأن يبدل أهلنا في مدينة حوش عيسى خلف خير منه، وأن يعوضهم عن فقده خيرا، إنه نعم المولى ونعم النصير.