لماذا نحن هكذا!؟
بقلم ربيع عبد الرؤوف الزواوي
أتحفني الشيخ الأستاذ الدكتور محمد يسري؛ الداعية المعروف بهدية ثمينة عبارة عن مجموعة من الكتب القيمة، ولا أملك إلا أن أقول له: جزاك الله خيرا؛ عملا بالحديث الشريف (من أسدى إليكم معروفا فكافئوه، فإن لم تجدوا ما تكافئونه به فقولوا له: جزاك الله خيرا).
وكان من أفضل ما في مجموعة الكتب هذه كتاب يتكون من مجلدين ضخمين تجاوز عدد صفحاتهما ألف ومائة صفحة، وأصل الكتاب رسالة ماجستير بعنوان: ” الانحرافات العقدية والعلمية في القرنين الثالث عشر والرابع عشر الهجريين وآثارهما في حياة الأمة ” للدكتور الشيخ علي بن بخيت الزهراني، نال بها عام 1415 درجة الماجستير في الشريعة الإسلامية قسم الدراسات العليا الشرعية فرع العقيدة بجامعة أم القرى بتقدير ممتاز مع التوصية بالطبع.
والحقيقة أن موضوع الرسالة أمر كان يشغلني منذ فترة، ليقيني أن هذه الانحرافات هي السبب فيما نحن فيه اليوم من واقع أليم، وكنت أفكر إن سنحت الفرصة أن أبحث فيه، وأن أخاطب الجهات والأفراد المعنيين للالتفات لهذا الأمر، إذ ينبغي على المتصدين للدعوة والإصلاح أن يهتموا بهذا الأمر ويولوه الاهتمام والبحث والدراسة.
كان الشيخ محمد قطب حفظه الله من أوائل المهتمين بهذه القضية، ومن أوائل من نبه الطلاب إليها، وقد لفت نظري عبارة كتبها في مقدمة الكتاب وهو المشرف على هذه الرسالة: (أحسب أنني كنت من أوائل من نبه الطلاب إلى الموضوع الذي تتناوله هذه الرسالة، وهو أن واقع المسلمين المعاصر بكل ما فيه من سوء إنما هو نتيجة للخلل العقدي الذي أصاب الأمة في الفترة الأخيرة، وأن علاج كل مشكلات الأمة يجب أن يبتدئ بتصحيح الخلل في العقيدة…. وقد فوجئت وأنا الذي وجهته ووجهت طلابي إلى هذه النقطة بأن واقع الأمة الذي أحدثهم عنه كان أسوأ بكثير مما حدثتهم عنه، وأسوأ بكثير مما كنت أعرف منه… إن مزية هذه الرسالة هي العثور على الخطوط الدقيقة التي تجعل الصورة واضحة مبلورة… لقد وضع يده على أخبار وحوادث لم أكن على علم بها، وهذه شهادة مني له؛ شهادة تقدير للعمل الذي قام به وستكون هذه الرسالة بإذن الله عوناً للداعية الذي يريد أن يعالج هذه الأمة مما حل بها من أمراض….).
ولما قرأت الرسالة تأكد لي صحة ما قاله الشيخ محمد قطب عنها، فقد كنت أحسب أنها تزكية مثل التزكيات التي تعودنا عليها ممن يكتبون مقدمات لكتب تلامذتهم، فجزاه الله خيرا، إذ الرسالة ثمرة من ثماره الطيبة.
جاءت الرسالة في مقدمة وتمهيد وأربعة أبواب وخاتمة، اشتملت المقدمة على بيان للموضوع وأهميته، والأسباب التي دعت الباحث إلى اختيار هذا الموضوع، وذكر فيها بعض ما اعترضه من عقبات.
وأما التمهيد فقد ذكر فيه نبذة مختصرة عن أحوال الأمة الإسلامية قبل الفترة التي يدرسها وهي القرنين الثالث عشر والرابع عشر الهجريين، والانحرافات التي ظهرت فيها وامتد أثرها حتى الفترة موضوع الدراسة.
وجعل موضوع الباب الأول الأحوال العقدية والعلمية عند المسلمين في القرنين الماضيين، مقسما إياه لتسعة فصول:
– الفصل الأول: انحصار مفهوم العبادة في الإسلام
– الفصل الثاني: الفكر الإرجائي الذي يخرج العمل من الإيمان
– الفصل الثالث: عقيدة الولاء والبراء
– الفصل الرابع: غربة العقيدة الصحيحة ومحاربتها
– الفصل الخامس: هيمنة الفلسفة وعلم الكلام على مؤلفات وعلماء العقيدة
– الفصل السادس: انتشار مظاهر الشرك والبد والخرافات
– الفصل السابع: الصوفية
– الفصل الثامن: ازدياد نشاط الفرق المنحرفة
– الفصل التاسع: موقف العلماء
وجاء الباب الثاني تحت عنوان الانحرافات العلمية في القرنين الثالث عشر والرابع عشر الهجريين في ثلاثة فصول:
– الفصل الأول: المستوى التعليمي
– الفصل الثاني: التعصب المذهبي
– الفصل الثالث: إغلاق باب الاجتهاد
أما الباب الثالث فموضوعه الآثار المترتبة على الانحرافات العقدية والعلمية في القرنين الثالث عشر والرابع عشر الهجريين في فصلين:
– الفصل الأول: الآثار الداخلية؛ وهو ما تفشى من الضعف في الأمة
– الفصل الثاني: الآثار الخارجية
وأما الباب الرابع فموضوعه الصحوة الإسلامية وآفاق المستقبل في فصلين أيضا:
– الفصل الأول: أثر دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب في العالم الإسلامي
– الفصل الثاني: الصحوة الإسلامية في العصر الحاضر
وجعل الخاتمة في أهم ما توصل إليه من نتائج في هذا البحث؛ وهذه النتائج هي:
1- أن الانحرافات العقدية والعلمية قد ظهرت مبكرا وإن كان في وقت ظهورها تفاوت وكانت دائرتها تتسع مع مرور الزمن، حتى أناخت بكلكلها الثقيل في القرنين الثالث عشر والرابع عشر الهجريين.
2- أن الأمة كانت قوية ومتقدمة ومتصدرة للعالم حين كانت متمسكة بدينها محافظة على عقيدتها، وانها لم تضعف وتتقهقر إلا حين فرطت في دينها، وانحرفت في عقيدتها، وأن ما وقع من انحرافات في تلك القوة يفوق كل تصور.
3- أن انحصار الإسلام في العبادة بمفهومها الضيق كان انحرافا خطيرا حدث في الأمة وكان ذا آثار سيئة في حياتها، وكذلك ما وقع من انشعاب وتصدع في فهم حقيقة الإسلام.
4- أن الفكر الإرجائي من أخطر الانحرافات التي وقعت في الأمة، إن لم يكن أخطرها على الإطلاق، وحسبنا أن زمر المرتدين الذين يحكمون بغير ما انزل الله قد أمنوا على أنفسهم في ظلال ذلك الفكر الباطل، ولهذا عظم ذم السلف للإرجاء.
5- أهمية عقيدة الولاء والبراء في حياة الأمة، وإن الأمة لم تسقط فريسة للغزو الفكري، وتصبح تابعة لقوى الشر والكفر، إلا بعد أن حطمت تلك العقيدة في نفوس المسلمين على أيدي العملاء من المنتسبين إليها.
6- أن عقيدة أهل السنة والجماعة قد أصبحت في تلك الفترة غربية ومحاربة من الأمة، وكان لدعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب من تلك الحرب والعداوة أوفر الحظ والنصيب.
7- أن الدين قد تحول عند كثير من الناس إلى عبادة الأضرحة والأولياء وإلى التصوف بطرقه وأذكاره وبدعه، وكان التفاخر بهما هو ما تتنافس فيه البلدان، ويتجارى فيه الناس.
8- أن الحالة العلمية في تلك الفترة كانت ضعيفة للغاية، وكانت أبرز علامات الضعف تنحصر في جمود مناهج التعليم، وفي التعصب المذهبي، وفي رفض إعادة فتح باب الاجتهاد.
9- أن الفرق المعادية لأهل السنة كالشيعة على اختلاف فرقها قد ازداد نشاطها في تلك الفترة، وكان تعاونها مع الاستعمار وعملها لحسابه سببا في سيطرتها على كثير من المراكز الحساسة في بعض الدول الإسلامية، وعلى عجلة الاقتصاد فيها.
10- أن موقف العلماء في تلك الفترة لم يكن على المستوى المطلوب، بالإضافة إلى عزوف كثير من العلماء عن المشاركة في الأحداث التي كانت تعصف بالأمة، ومع مشاركة بعضهم فيها إلا أنها لم تكن مشاركة فعالة.
11- أن وجوه الضعف السياسي والحربي والاقتصادي والأخلاقي والاجتماعي والعلمي لم تكن هي الأسباب الجذرية لتخلف المسلمين كما يتصور الكثيرون، إنما هي آثار ترتبت على سوء الأحوال العقدية والعلمية عندهم، وانحرافهم عن هدى ربهم. وكذلك الاستعمار والتنصير والغزو الفكري، كل تلك كانت من الآثار التي ترتبت على سوء تلك الأحوال عند المسلمين، ولا يمكن القضاء على هذه الآثار ما لم يتم القضاء على الأسباب التي أفرزتها.
12- أن الجوانب الأخلاقية والاجتماعية لم تسقط تحت غارات الغزو الفكري إلا بعد أن تحولت إلى عادات رتيبة وتقاليد خاوية، وفقدت روحها وصلتها بالعقيدة.
13- أن رحيل الاستعمار عن الوطن الإسلامي لم يكن إلا ظاهريا في أغلب الأحيان.
14- أن الأثر العظيم الذي أحدثته دعوة الشيخ محمد عبد الوهاب تمثل في تبوء المنهج السلفي مكانة مرموقة في فكر شباب الصحوة الإسلامية.
15- أن ما جرى عليه كثير من الباحثين من نسبة كل الحركات والجماعات إلى التأثر بدعوة الشيخ لا صحة له على الإطلاق، وأن هذه النسبة الخاطئة تستخدم أحياناً لتبرير انحرافات هذه الحركات وتبرير مساوئها.
16- أن أهم العقبات في طريق الصحوة تتمثل في استمرار الانحرافات العقدية والعلمية، التي لم تنج من غائلتها الكثير من الجماعات الإسلامية التي كان يفترض فيها أن تصحح هذه الانحرافات وتقومها.
17- أنه بالرغم من ضخامة العقبات وكثرتها، إلا أن هناك من المبشرات الشرعية والمحسوسة ما يبشر بأن المستقبل للإسلام، وأن النصر سيكون للصحوة الإسلامية.
وفي النهاية أنصح الدعاة وطلاب العلم والمشايخ والعلماء والمهتمين والدارسين؛ أن يقتنوا هذا الكتاب، وأن يدرسوه، وأن ينصحوا باقتنائه والاطلاع عليه.