مقدمة الكتاب
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على من بعثه الله رحمة للعالمين، وعلى آله وصحبه والتابعين، وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين وبعد:
فقد انبعث في صدر الإسلام الأول من يُحتاج اليوم إلى دراسة حياته والإلمام بها ولو على وجه الإجمال.
وكيف لا وغير المسلمين يذكرونهم في طيّات كلامهم بما عليه مِسْحَة الإجلال والتعظيم، ولو الخفي، ومنا من يجهل حتى أسماءهم.
فتنبيها للغافل وإرشادا لمن يطلب الإرشاد نذكر نماذج من الصحابة رضوان الله عليهم؛ الذين دانت لهم الأرض، وخضعت لهم مطأطئة، وهابهم الشرق والغرب، وخافهم ملوك الفرس والروم آنذاك، ثم نذكر نماذج من التابعين؛ للبرهنة على صلاح المربّين، وتدليلا للخيرية التي بشّر بها سيّد الأولين والآخرين، ولم أتبع في اختياري لهذه النماذج الطيّبة قاعدة معينة، بل هدفي التدليل والإشارة إلى الباقين، واللبيب تكفيه الإشارة.
وقد اختيرت هذه النماذج على بصيرة وقصد دون سواها، بغير إهمال لأحد أو انتقاص لقدر آخر، بدليل أننا لم نتعرض للكلام على أفضل الصحابة على الإطلاق؛ أبي بكر وعمر؛ لشهرة هذين العَلمين بين العالمين، والإشارة بعظمة المفضول وذكر جوانت العظمة تعظيم للفاضل ولا شك.
وقد – والله – اختير كل واحد من هذه النماذج بدقة ويقظة تامة، ولست في ذكر واحد من هذه النماذج خابطا خبط عشواء أو حاطب ليل، بل نهدف إلى تنويع الفضائل والمكارم واستكمال جوانب العظمة التي أودعها الله جل شانه في النفس البشرية، فنذكر عظمة الفقير منهم والغنى، والقوى والضعيف والسابق والمتأخر والذي ينحدر من قاعدة يستند عليها من الشرف والسُّؤدد، والعبد الرقيق الذي جرّب بحبوحة الحرية في ظل الإسلام، والجندي والقائد، والمتقدم الطاعن في السن، والصغير الذي لم تحنّكه التجارب والأيام، وغير ذلك، فلم نجدهم إلا سادة حازوا مكارم الأخلاق عظمةً وشرفا وشجاعةً وإقداما، من غير تهوّرٍ ولا تعالٍ ولا تدنٍ، فكأنهم نماذج من خلق الله من سوى الرُّسل والأنبياء الكرام المعصومين، ضربهم خالقهم مثلاً وجعلهم دليلا للبشر بعدهم.
ونحن في كل ما ذكرنا لم نحاب أحدا أو نبالغ في خبر، بل نقلنا ما حدّث به التاريخ واستفاضت بها الموسوعات التي لا تتاح لكل أحد.
وربي وحده من وراء القصد محيط، وهو حسبنا وعليه التُّكلان.
ربيع عبد الرؤوف الزواوي