أمران؛ أسعدني أحدهما وساءني الآخر
بقلم / ربيع عبد الرؤوف الزواوي
قلت أبكر إلى صلاة الجمعة اليوم اغتناما لأجر التبكير إلى الجمعة المنصوص عليه في صحيح السنة، وإن كنت من فترة لا أفعل ذلك لما نعلمه جميعا من مستوى خطب الجمعة الماثل في واقع مساجدنا هذه الفترة…
لكن اليوم كنت على موعد مع هذا التبكير المفقود لسببين؛ أولهما أني في الفترة الأخيرة قد دلني بعض الفضلاء على مسجد به خطيب، خطبه مقبولة وجيدة وسريعة، ومستواه على غير عادة خطباء الأوقاف رغم كونه أحدهم… باستثناء بعض الأخطاء اللغوية البسيطة… فانتفى بذلك ما كان يمنعني من حضور الخطبة في بعض الأحيان.
السبب الثاني في تبكيري اليوم؛ الهروب من مولد التنظيف والترتيب والتنفيض بالبيت في وجود الشغالة… فلا مجال للنوم ولا البقاء بالمنزل بالأريحية المعتادة.
وجدت اليوم بالمسجد أمرين؛ ساءني أحدهما وأسعدني الآخر…
ما ساءني هو أمر يتعلق بهؤلاء الشيبان الأفاضل من كبار السن الذين يبكرون للجمعة وقد أخذوا أماكنهم على كراسيهم في يمين الصفوف الأولى… فجلست خلفهم على كرسي بالصف الثاني…
الحق يقال إني كنت أغبطهم على ذلك الفضل وتلك الغنيمة الباردة… ولكن ما هي إلا دقائق حتى انكشفت حقيقتهم لي من خلال حديثهم مع بعض في قضايا ثلاث أثاروها؛ هي موت الملك عبد الله بن عبد العزيز، و السيسي، و الأخوان… فساءني ما سمعت منهم وهم في هذه السن وتلك الخبرة في الحياة… منهم – فيما يبدو لي – من تجاوز الثمانين… ومنهم اثنان تدلت حواجبهم فوق عيونهم من ارتخائها بفعل السن… نسأل الله حسن الخاتمة.
صدقوني لن نتقدم ولن يحدث تغيير حتى يختفي هذا الجيل الذي غيبته أباطيل نصف قرن من تزييف الحقائق وقلب الموازين…
وإنا لله وإنا إليه راجعون…
وأما ما أسعدني فهو الأمر الذي أنصح به نفسي وأحبابي دائما… وهو الرفق والمجادلة بالتي هي أحسن عند النقاش في أي قضية… قطعا ستؤتي ثمارها إذا كانت بالتي هي أحسن… وكنت قد ذكرت في مقال سابق قصتي مع (زهران الرسام) ولوحته التي كانت في بدايتها متشحة بالصلبان…
اليوم رأيت بعيني أمرين من ذلك؛ أولهما أن القارئ الذي يقرأ قبل صلاة الجمعة بالمسجد، موهوب وصوته جميل وقوي، ومتمكن من الحفظ وطريقة التلاوة… غير أنه يقلد أحد القراء غير المرضي عنهم من مشاهير القراء بطريقة قريبة جدا منه… وأنا لا أحب صوت هذا القارئ… لا سيما أن صاحبنا قراءته ممتازة ما لم يقلد.
فكنت أفكر في طريقة وأسلوب أدخل به عليه لألفت نظره لترك تقليد ذلك القارئ… فخلوت به من حوالي جمعتين بعد الصلاة وسلمت عليه وقلت له: الله يفتح عليك يا مولانا… بسم الله تبارك الله فضيلتك موهوب وصوتك ممتاز وعندك تمكن في طبقات الصوت… في الجواب والقرار… وقد علوت بنا اليوم وسموت بنا في آية كذا… وتكلمت معه فيما اعرف في فنه وصنعته… وما هي إلا لحظات حتى علت وجهه ابتسامة زينتها علامات الرضا… وزادني تأكيدا اشتداد قبضته على يدي بين يديه… فقلت له: سيبك من الشيخ فلان… وسميت الذي يقلده…ثم تركته وانصرفت…
جاء اليوم ذلك القارئ فبدأ بتلاوته على غير عادته فلم يقلد ذلك الشيخ، وأجاد في آيات خواتيم آل عمران والتي تدعو إلى التفكر في خلق السموات والأرض… حتى نطق المصلين بالدعاء له – على غير عادة منهم – كلما سكت… ولم يقترب أبدا من تقليد ذلك القارئ المشهور… فقلت الحمد لله… وبعد الصلاة قلت له: الله ينور… سمعنا فضيلتك اليوم وليس فلان… فتبسم ثم قال: ما خلاص بأه…
وأسعدني اليوم أيضا… أن أحد الفضلاء من أهل العلم المشهورين كنت قد ناقشته من فترة في مسألة فقهية مستفسرا منه فيها… تدور المسألة عن هيئة السجود والركوع للمصلي جالسا… فجادلني ولم يشف غليلي… وأنا يومها كنت أطلب دليلا فقط…
جاء اليوم ذلك الشيخ الفاضل فجلس على الكرسي الذي على يساري مباشرة، وصلى ركعتين جالسا… بالصفة التي ناقشته وكان يجادلني فيها… وبعد الصلاة قال: … هاعمل أيه بس… كلامك صح.
فاللهم أصلحنا وأصلح بنا، واهدنا لأحسن الأخلاق، واستعملنا فيما فيه رضاك…