جبر الخواطر

العبادة في الإسلام غاية وليست وسيلة

انتشرت في الآونة الأخيرة موجة كبيرة وعجيبة عن موضوع (جبر الخواطر).. حتى ظنّ بعض الناس أن (جبر الخواطر) هذا أفضل الأعمال عند الله على الإطلاق..
وكان سبب ذلك- فيما يبدو لي- مقطع فيديو انتشر للأستاذ الدكتور حسام موافي وفّقه الله يحكي فيه قصته مع الشيخ الشعراوي رحمه الله.. أنه سأله عن أفضل الأعمال عند الله فقال له: جبر الخواطر..


وإجابة الشيخ رحمه الله إجابة خاصة لحالة خاصة أمامه هي حالة الدكتور حسام.. والدكتور حسام رجل يسارع في الخيرات ويفعل كل الفرائض، والشيخ يعلم ذلك عنه..
وبسبب جمال أسلوب الدكتور حسام في رواية القصة، وذكاء مولانا الشيخ الشعراوي رحمه الله في الردّ؛ انتشر المقطع.. واستحسن الناس ذلك على العموم هكذا.. وتداولوه..

وأقول: رحم الله مولانا الشيخ الشعراوي وجزى الله الدكتور حسام خيرا.. لكن الحقيقة أن عندنا شريعة لا تخضع للأهواء، ولا للميول النفسية، ولا للعقول البشرية.. وقد حدّد صاحب الرسالة صلى الله عليه وسلم الذي لا ينطق عن الهوى أفضل الأعمال في أحاديث صحاح؛ هذه الأحاديث فوق رؤوسنا وهي مقدَّمة على قول كل قائل من لدن أفضل رجل في هذه الأمة؛ أبي بكر الصديق رضي الله عنه، إلى أقل رجل في هذه الأمة؛ كاتب هذه السطور.. فكلام الرسول صلى الله عليه وسلم مقدّم على كل كلام.. كان هذا أولا.

وأما ثانيا: فإن موضوع (جبر الخواطر) هذا مع كونه أمرا جميلا وأجره عظيم فعلا.. لكنه في الحقيقة أخذ أكثر من حجمه، وزاد الكلام فيه عن حده وقدّمه البعض على كل الأعمال الصالحة في الإسلام..
ويظهر لي أن انتشار مثل هذه الأمور بهذه الصورة سببه غلبة الهوى والرغبة النفسية المحضة والاستسهال.. وأخشى أن يكون ذلك خروجا عن حد الشريعة والدين، أو تشريعا لم يأذن به الله.. والله جل وعلا يقول في محكم كتابه: ((أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله))..

وأما ثالثا: فإن هناك قواعد عامة ومفيدة جدا.. وهذه القواعد من أصول ومقومات الإسلام؛ منها: أن الشريعة الإسلامية قد اكتملت، وأن العبادات فيها أيضا قد اكتملت وأنها محدّدة، وأن هذه العبادات مقصودة لذاتها سواء أكسبت صاحبَها ثمرتها أم لم تكسبه.. فهذه العبادات مقصودة لذاتها..بمعنى أن الصلاة والصيام مثلا وغيرهما عبادتان مطلوبتان لذاتهما سواء اكتسب المسلم ثمارهما أم لا؟..
لماذا أقول ذلك؟ لأن بعض الناس هذه الأزمان صار يُلبّس على المسلمين دينهم وهو لا يدري؛ فيقول ما مفاده لا تأكل ميراث أختك.. ولا تؤذ جارك.. ولا تفعل كذا وكذا من الأخلاق المذمومة.. وذلك أهم من الصيام والصلاة!..
وأنا أقول: لا تعارض؛ افعل الفرائض التي فرضها الله، ولا تفعل هذه الأخلاق المذمومة.. فلا تعارض بين هذا وذاك..
وبالجملة فإن هناك قاعدة مهمة يجب التنبّه لها دائما وتذكرها مدى الحياة؛ هذه القاعدة هي: (العبادة في الإسلام غاية لا وسيلة)..

وسأستشهد لهذه القاعدة من كلام رجل لا يختلف عليه محبو الدكتور حسام والشيخ الشعراوي كليهما؛ وهو شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب في كتابه الماتع (مقومات الإسلام) إذ يقول في صفحة ١٧٧ تحت عنوان (العبادة غاية لا وسيلة):
والعبادة في الإسلام غاية تُقصد لذاتها، وليست وسيلة يتوصل بها إلى هدف معين، حتى إذا تحقق هذا الهدف فقدت العبادة مسوغات وجودها، وأمكن الاستغناء عنها.
ومن هذا المبدأِ الثابت للعبادة في الإسلام يتضح بطلان المقولة التي يرددها طائفة من المستكبرين عن عبادة الله؛ من أن المقصود من العبادات في الأديان إنما هو إصلاح النفس، وتهذيب الخُلق، وتزكية القلب والضمير؛ فإذا ما استطاع الإنسان أن يصل بالتربية أو بالحضارة إلى هذا المستوى فلا داعي حينئذ للعبادة.
وهذا الزعم الباطل يمكن أن تكون له وجهة ما لو كانت العبادات في الإسلام مقصودة لهدف تزكية النفس فقط..)..
إلى أن يقول:
(..إن العبادة مقصودة لذاتها، بقطع النظر عما تحدثه من آثار التزكية في نفوس العابدين وضمائرهم، وليس صحيحا أن “العبادة” في الإسلام مجرد وسيلة لاكتساب الفضائل..).

وبناء على ما تقدّم أقول: أدّ الأعمال التي حدّدها صاحب الرسالة صلى الله عليه وسلم، وقال عنها أنها أفضل الأعمال مثل الصلاة على وقتها وبر الوالدين.. إلخ ذلك، و(اجبر خواطر) الناس.. فلا تعارض..
والصلاة على وقتها وبر الوالدين آكد فرضا وأحسن أجرا من (جبر الخواطر) ولا تعارض بينهما..
ولا أدري ما المانع من (جبر الخواطر ) مع القيام بفرائض الله؟ من قال إما هذا وإما ذاك؟
وأنا أعلم أن الموضوع شائك، وأنه قد يُفهم على غير المراد.. لا سيما مع عدم التوضيح الكافي مني وعِي بياني..
لكن وجب التنبيه..
والله وحده ولي كل فضل، وهو حسبنا ونعم الوكيل.

ربيع عبد الرؤوف الزواوي

FacebookTwitterPinterestGoogle +Stumbleupon