جسور التواصل مع من نحاورهم
بقلم/ ربيع عبد الرؤوف الزواوي
في أواخر عام 1998 مررت ذات صباح – وكنت وقتها موظفا في شركة حرف لتقنية المعلومات – بإحدى ردهات الشركة على (زهران) الرسام الشهير، بينما هو منهمك في رسم لوحة للقاهرة القديمة تقريبا على إحدى حوائط الشركة… وكنت أعرفه وأعرف لوحاته وأعرف طريقة تفكيره الفني…
كنت أعرف لوحاته من خلال ما ينشر له في بعض المجلات مثل الهلال وغيرها…
اقتربت منه وناقشته وحاورته بأسلوب مهذب فيما أزعم، كأسلوب التلميذ مع أستاذه… مبتدئا كلامي معه بـ: الله ينور… وكان في البداية غير عابئ بي… كأني به يقول في نفسه: وما عساه يفهم هذا الشيخ الملتحي الدرويش في لوحة كهذه؟…
وما هي إلا دقائق حتى اتجه إلى قائلا: حضرتك شغال أيه هنا في الشركة دي؟… رددت: أنا مهندس وشغال هنا مدير مشروع، هي فلانة الرسامة بنت حضرتك؟…
ترك الرجل الفرشاة والألوان وقال لي مبتسما: إيوه يا بشمهندس فلانة بنتي… يا ريت تشوف لها شغل عندكم هنا…
وعدته بالمساعدة… وصار بيننا حبل تواصل وخذ وهات… وهذا ما أريده وأمهد له… لأنه جاء لرسم هذه اللوحة بتكليف من محمد الشارخ صاحب الشركة، ولا يستطيع أحد في الشركة أن يثنيه عما يفعل كائنا من كان… وقد لاحظت أن معظم اللوحة على جمالها وروعتها تعلوها صلبان كثيرة في كل مكان منها…
المهم ماذا أفعل… وأنا رأيت منكرا فيما أعتقده وفي يدي أن أغيره بقدر ما يمكنني… ففكرت في أن أصاحبه وأكلمه فيما أعرف في مهنته وعلمه لينفتح قلبه لكﻻمي…
فكرت وفكرت… كيف أدخل إليه دون أن يدري أحد… وأغير مما أعتقد نكارته؟
قلت له: رسومك راقية… ولوحة كذا لك في مجلة الهلال أعجبني فيها كذا… وفتح الله علي بمحامد لتلك اللوحة… وفتح الله قلبه لكلامي…
ثم قلت له وأنا أبتسم: خلي بالك الشركة هنا معظمها شيوخ وخريجي الأزهر… وكلهم مثقفون و… و… والشيوخ لو شافوا هذه الصلبان ربما أفسدوا اللوحة بعد أن تنتهي منها بعد أيام… وبصراحة هذه فرصتك أن يمدحوا رسومك ولوحاتك…
سكت الرجل قليلا… واستغرق في التفكير… تركته وما قلته له واستأذنته منصرفا…
وما هي إلا ساعات حتى تغيرت معالم اللوحة وملأتها المآذن، وكادت تختفي منها الصلبان!…
والحق يقال أنه مر به جماعة من الزملاء الأفاضل بالشركة وأظن بعضهم كلمه فيما كلمته فيه…
الخلاصة… بإمكاننا أن نغير المنكر بهدوء ودون تعصب إذا تحكما في مشاعرنا وقوى الغضب فينا… ومددنا جسور التواصل بيننا وبين من نحاورهم…