مغالطات تاريخية في مسلسل الزير سالم
بقلم/ ربيع عبد الرؤوف الزواوي
مسلسل الزير سالم دراما تاريخية تجسد ملحمة العرب الكبرى في الجاهلية… والمعروفة تاريخيا بـ(حرب البسوس)… وهي ملحمة محزنة ومأساة بكل المقاييس.
اندلعت هذه الحرب بين قبيلتي بكر وتغلب بسبب ناقة كانت تسمى (سراب) لامرة اسمها البسوس بنت منقذ… حيث قتلها وائل بن ربيعة التغلبي والمعروف في التاريخ بـ(كليب).
استمرت الحرب بين القبيلتين 40 عاما قبل الاسلام… على الراجح أنها في الفترة من عام 494 م حتى 534 م .
والزير سالم أو المهلهل هو عدي بن ربيعة التغلبي، أخو وائل بن ربيعة المعروف بكليب… وسمي بالزير لكثرة معاقرته للخمر وحب مجالسة النساء وسماع الأغاني منهن في شبابه… وسمي بالمهلهل لكثرة ورود هذا اللفظ في أشعاره.
وهي فترة رغم قتامتها لما فيها من سفك للدماء وإشعال للحروب بأتفه الأسباب إلا إنها لا تخلو من أخلاق كريمة كالنخوة والكرم ونجدة الملهوف وأخلاق الفروسية المعروفة؛ كعدم الغدر وعدم الخيانة والشجاعة…
ووجد في هذه الفترة مجموعة من أشهر فرسان العرب كوائل بن ربيعة، وأخيه المهلهل وابن عمهما جساس بن مرة….
كما كان فيها من كرماء ونبلاء العرب في الجاهلية مجموعة كبيرة منهم امرؤ القيس بن أبان والحارث بن عباد ومرة بن ذهل الكلبي وكلثوم بن عمرو… وغيرهم.
وقد جاء المسلسل في حوالي 40 حلقة بثتها قناة mbc لأول مرة في عام 2000 … ولا أكون مبالغا إذا قلت إنه من أفضل أعمال الدراما التاريخية التي أنتجها العرب حتى الآن…
كما إن انتشار المسلسل وحب الناس لمشاهدته كان دافعا قويا لكتابة هذا المقال (رغم تعكر البال بسبب ما فيه من أحزان على سيء الأحوال) فقد تجاوزت مرات المشاهدة لبعض حلقاته على يوتيوب مليون مشاهدة…
غير أنه – ولأسباب ذكرتها في مقال قبل ذلك – لا تخلو أعمال الدراما التاريخية من أخطاء و أوهام ومغالطات تاريخية… نذكر منها في مسلسل الزير سالم على سبيل المثال لا الحصر:
– أن مؤلف المسلسل تصرف وغير في أشياء كثيرة من الأحداث سنأتي على بعضها فيما يلي من هذا المقال…
– غالبا أن الشعر الذي ظهر بالمسلسل لم يكن موجودا في عهد الزير سالم… ويقال أن أول من قال به هو امرؤ القيس حفيد الزير سالم.
– بيت الشعر المنسوب للزير سالم عندما قتله العبدان والذي يقول فيه:
من مبلغ الحيين ان مهلهلا *** لله ردكما ودر أبيكما
مأخوذ من قصة تاجر عربي قديم في العصر الأموي قتله رفيقه فأرسله التاجر لابنتيه بببعض الأبيات ليعرف الناس منها من الذي قتله…
– يقال إن جساسا كان أصغر الإخوة العشرة لمرة بن ذهل وليس الثاني بعد همام كما ظهر بالمسلسل…
– أظهر المسلسل الأبطال كليبا والمهلهل وجساساً بصورة تسيئ لهم، فأظهر كليبا مهرجا وجساسا خصيا والمهلهل مجنونا!… وكيف يكون ثلاثة من أشهر فرسان العرب خصيا ومهرجا ومجنونا؟!..
– كما لم تكن معركتهم (تغلب وبكر) مع الملك تبع اليماني بسبب الجليلة كما ذكر المسلسل أنه أراد خطبتها رغما عن أهلها… بل كانت المعركة بسبب قتل كليب للبيد عامل التبع اليماني الذي أهان الزهراء زوجته أخت كليب والمهلهل.
– لم يثبت في الأصح أن كليبا دخل قصر التبع اليماني ولا قتله… بل المعركة تمت خارج قصر التبع في مكان آخر، وأن الذين قتلوا هم قادة الجيش اليمني وليس الملك التبع اليماني.
– لم يسلم مرة بن ذهل ابنته الجليلة سليلة الكرامة كسبية إلى ملك اليمن التبع اليماني كما جاء بالمسلسل… ولا أظن أن ذلك يقبله أي عربي الحرب أسهل شيء عليه كهؤلاء الأبطال.
– كما يوجد خلاف تاريخي حول الناقة (سراب) هل هي للبسوس أم لجارها الجرمي… اختار المسلسل أنها للبسوس مع أن المرجح أنها لجارها الجرمي.
– لدي انتقاد عام على لغة المسلسل… فقد جاءت بعض الألفاظ ركيكة وسمجة ولا يمكن أن تكون موجودة في تلك الفترة التي كانت اللغة والأدب فيها في القمة وغاية السمو.
– لم يخلو المسلسل من مبالغات وحبكات تحتمها الدراما… نضرب عنها صفحا، وهي تغفر لقاء الجهد الجبار والمجهود المضني في إخراج العمل بهذه الصورة الرائعة حقا… إذ كانت أعمال الفروسية وحركات القتال في غاية الروعة؛ لا سيما شخصية ذلك الصعلوك الرائع (جحدر)… أو (ربيعة) حتى لا نحزنه.