تقديم بقلم: فضيلة العلامة الشيخ: توفيق سرور. رحمه الله:
بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله الذي لا حصى في العالمين محامده، والذي كرمت في الأرض مساجده، وفيها مدت للرغبين موائده، وأصلي وأسلم على أمام الدعاء؛ سيدنا محمد خاتم من أرسلهم الله تعالى، نبي جعل مسجده لبناء دولة الإسلام خير أساس، فأقام به خير أمة أخرجت للناس. وبعد:


فقد قرأت ذلكم الكتيب الصغير حجمه، الكبر هدفه، والذي قتل مبانيه وعظمت معانيه، فأحسسته غضبة غيرو، وسمعته صيحة محب، وفهمته نصيحة أمين، وقد استوقفني طويلا عنوانه: «ضباب على المنبر»، فاتنطقني العنوان: سبحان الله ولا حول ولا قوة إلا بالله.
لقد عرفت المنابر شموس هداية، ونجوم إرشاد، ومنارات بيان، ونور حق يكتسح ظلمات الباطل، يملأ القلوب إشراقا وصفاء، ويمنح الأقوال والأعمال طهرا ونقاء، فكيف يقرب الضباب ساحها؟ لا بل كيف يعلو فوقها.
أين ورثة الأنبياء؟ أين العلماء؟ أين الخطباء؟ أين الخطباء الذين يدركون واجبهم ويحفظون أمانتهم، ويقدرون رسالتهم؟
إن أول ما يجب الإيمان به للداعية أنه صاحب حق، وأن ما يدعو إليه هو الخير والجمال والعدل، وأن ما دونه هو الباطل. (فماذا بعد الحق إلا الضلال).
وعليه أن يدرك تمام الإدراك عظمة القضية، وأن يجند نفسه لإحسان أدائها، وأن سلاحه في ذلك دقة الفكر وعمق التأمل وغزارة العلم، وسعة الثقافة واستقامة السلوك، وحسن الهيئة وقوة الشخصية.
وما أجدره أن يصون الدعوة عن دنيء الغايات ورخيص المآرب، وأن يرتفع بها فوق شهوة النفس، شهرة وذيوع صيت.
وعليه قبل كل ذلك أن يستحضر جلال الموقف، وأنه موقف سيد الخلق صلى الله عليه وسلم.
، وأن للكلمة المسموعة أثرها البالغ في النفس، وأن الله تعالى قد أتاح له ومنحه ما لم يمنحه لمتحدث غيره، منحه منبرا له مكانته وقدسيته في قلب كل مسلم، وهو أشرف مصدر للكلمة، ومكانا هو بيت الله -سبحانه-، وزمانا هو أشرف الأيام؛ يوم الجمعة، ومناسبة هي الصلاة المفروضة الجامعة، ومستمعين، التطهير زينتهم، والكعبة قبلتهم، واستماعهم إليه عبادتهم. باختيارهم كان إقبالهم، فكيف لا يكون منه إكرامهم؟ كيف لا يكون تقديرهم واحترامهم؟ كيف لا يعد لهم زادهم؟
وإنه إذا كان أهل الباطل يزيفون باطلهم، ويزخرفون ضلالهم ليلقي رواجه، فخليق بدعاة الحق أن يعرضوا جواهره لآلاءة بحقها وخيرها، في فكر دقت تأملاته، وأسلوب أحكمت عبارته، وبرهان تعانقت نتائجه ومقدماته:
في زخرف القول ترويج لباطله
والحق قد يعتريه سوء تعبير

تقول هذا مجاح النحل تمدحه
وإن ذمعت فقل قيء الزنابير

مدحا وذما وما جاوزن وصفهما
حسن البيان يرى الظلماء كالنور

وحقا إنه إذا صدق إيمان الداعية بقضيته، وعايشها متفاعلا معها بكل أحاسيسه ومواهبه، واتخذها رسالة ولاء وحب وعبادة نجاة وقرب، لا مجرد وظيفة أكل وشرب.
وإني لأحيي الأخ الكاتب الغيور، فضيلة الشيخ/ ربيع الزواوي. وأبارك له سداد التفكير، وجودة التعبير، وأشكر له حبه لإخوانه، زاده الله من فضله وإحسانه.
توفيق سرور

مقدمة الكتاب

بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له واشهد أن محمدا عبده ورسوله.

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُم مُّسْلِمُونَ﴾.
﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأرْحَامَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾.
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾.

أما بعد:
فإن أصدق الحديث كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

ثم أما بعد:
فلست ممن يجيد الوعظ والخطابة مع علمي بأن وظيفة الوعظ والتذكير من اشرف الوظائف، فهي وظيفة الأنبياء والمرسلين، الذين اختصهم الله  بهذا الفضل العظيم.

لكني لاحظت ضبابا تركم على منابر الوعاظ والخطباء، حجب التأثير في قلوب السامعين، وبذلك فقدت المنبر رسالتها مع أهميتها في نشر الدعوة إلى الله وتعليم أمور الدين عامة وتذكير الغافلين.

فشمرت للتنبيه عليه مستلهما العون والتوفيق من الله العلي العظيم، ومستعينا بما سطره العلماء والدعاء المخلصين في قديم أو حديث. والله حسبنا ونعم الوكيل.
ربيع عبد الرءوف الزواوي
10/ 10/ 1415هـ.

FacebookTwitterPinterestGoogle +Stumbleupon