السجود

السجود أشرف هيئة للإنسان

السجود لله سبحانه وتعالى أشرف هيئة يكون فيها الإنسان…

والسجود له صورة مشروعة، وهيئة منصوص عليها من كلام نبينا المعصوم صلى الله عليه وسلم…

وقد ذكّرني بَثْر (دُمّل) صغير في أنفي هذه الأيام أثناء السجود في الصلاة بوصية الرسول الأكرم محمد صلى الله عليه وسلم: ((إذا سجدت؛ فمكّن لسجودك)).

وقوله صلى الله عليه وسلم أيضاً: ((إذا سجد العبد، سجد معه سبعة آراب؛ وجهه، وكفاه، وركبتاه وقدماه)).

وقوله صلى الله عليه وسلم: ((لا سجود لمن لا يمس أنفه الأرض)).

فالكيفية الصحيحة للسجود:
– أن يسجد الكفان؛ أي تسجد اليدان مع الوجه، وتُرفعان عند رفعه عن الأرض، ثم يبسط الساجد كفيه على الأرض، ويضعهما بالقرب من أذنيه، ويقرّب أصابع كفيه من بعضها البعض، بحيث يضمهما، ثم يجعلهما باتجاه القبلة…

– وأما الذراعان فيتمّ رفعهما عن الأرض، ومباعدتهما عن الجنب، وقد نهى عليه الصلاة والسلام أن يبسط الشخص ذراعيه على الأرض، أي أن يضع مرفقيه على الأرض فهي صفة بسط الكلب لذراعيه.

– وسجود الوجه: أن يقوم المُصلّي بتمكين أنفه وجبهته من الأرض؛ حيث ورد عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: ((لا صلاة لمن لا يصيب أنفه من الأرض ما يصيب الجبين)).

– وأما الركبتان والقدمان: فيُمكن المُصلّي ركبتيه على الأرض، ويقوم بنصب قدميه، ثم يُمكّن كذلك أطراف قدميه، ويستقبل بأطراف قدميه القبلة، ويقرّب عقبيه من بعضهما البعض.

وقد تأملت تحذير النبي صلى الله عليه وسلم من عدم مس الأنف للأرض على وجه الخصوص، فبدا لي أهمية الأمر فعلا؛ وذلك ليتحقق بمس الأنف الأرض غاية التذلل والخضوع لله جل وعلا في السجود…

فالأنف أعلى وأهم ما في الوجه من الأعضاء من حيث المكانة.. وبه يستكبر المتكبرون.. ومنه تكون الأنفة…

فعندما يضعه المسلم اختيارا وتذللا لربه فهذا غاية الخضوع لله جل وعلا…

فاسجد -إذا ما سجدت في صلاتك – بالخضوع والذل لجلاله مسبحا ربك الأعلى… مناجيا ربك واضعا حاجتك بين يديه… متذكرا كل حاجة تريدها في كل أحوالك… وأنك لولا فضله عليك لكنت لا محالة هالك.

وإذا سجدت في صلاتك وأنت وحدك…
منفردا بعيدا عن أعين الخلق…
فأطل السجود…

وتأمل وأنت فيه – مسبحا باسم ربك الأعلى – في هيئتك وصورتك…
وفي نظر الله إليك وأنت ساجد…
واطلاعه عليك ومراقبته لك…

وحاول أن تجمع وتربط بين هذه الهيئة وحال قلبك…
فهيئة السجود أبلغ هيئة وتعبير عن المذلة والخضوع وتعظيم لله الأعلى…
فهل قلبك كذلك وقتئذ؟…

حاول ثم حاول ثم حاول ولا تمل…
مهما فشلت فعد محاولا ذلك…
فهو تعالى كريم؛ حاشاه أن يطرد لاجئا…

واجتهد فيه بالدعاء والرجاء…
وقل لربك حكايتك…
وانقل إليه شكايتك…

فهو سبحانه يحب الدعاء…
ويقبل الرجاء…

واعط فرصة للدماء التي يضخها قلبك لكل أطراف جسمك منذ خلقك الله أن تصل للشعيرات الدقيقة في مخك ودماغك…

طوال اليوم ومعظم الوقت ورأسك لأعلى…
وانت بحاجة أن تضعه وقتا من يومك للواحد الأعلى…
وبحاجة أيضا أن تفرغ تلك الشحنات الكهربية في الأرض…

فأوصل بالأرض أطرافك السبعة؛ أصابع قدميك وركبتاك وكفاك وجبهتك مع أنفك…
إي والله أنفك…
يا لها من هيئة! ويا له من جلال!…

منذ عدة سنوات… كنت يومها أحاضر في موضوع ضرورة تأمين الأجهزة الإلكترونية الدقيقة كرقائق الذاكرة ال(رام) بالحواسيب وأجهزة الاتصال من تأثير الكهربية الساكنة في أجسامنا عليها… وضرورة لبس المعصم المخصص لذلك…
فاجأني – يومها – مهندس كهربا ماهر جدا وحاذق بقوله: ياه… نفسي من زمان أفرغ شحنة نافوخي بسجود طويل عالأرض بدون فرش بجد… وأطول وأطول…

تذكر أن بعض المشركين رفض الدخول في الإسلام بسبب الركوع والسجود…
أنفة وكبرياء وتعجرفا…

تذكر المتكبرين المتعالين على الخلق…
تذكر المتعالين أصحاب النظارات السوداء الذين لا يحبون نظر الناس في عيونهم…
تذكر كل أنواع المتعالين المحرومين من التواضع وخفض الجناح…
المحرومين من إدراك كنه وسر هذا السجود…

تذكر المحرومين من هيئة الركوع والسجود بسبب المرض…
وتعرف على نعمة ربك عليك…

أتذكر في بداية شبابي وفي بداية حياتي العلمية أني قرأت كلاما لابن القيم رحمه الله يقول ما معناه أن كل ما قبل السجود من أعمال الصلاة تهيئة وتحضير له…
وهو كلام نفيس يصب في ما نقول هنا…

تذكر أننا سنسجد في الآخرة أمام الله جل جلاله…
سيدعو الله جل جلاله الناس جميعا للسجود…
سيسجد وقتها كل من كان يسجد له هنا في الدنيا…
إلا من حرم نعمة السجود هنا في الدنيا…
لن يستطيع وقتها أن يسجد…
ستتجمد أطرافه وتأبى عليه…
فقد حرمها في الدنيا من السجود لخالقها وباريها…

قال الله تعالى: ( يوم يكشف عن ساق ويدعون إلى السجود فلا يستطيعون)…

فاللهم وفقنا لكثرة السجود…
واجعله اللهم غاية حبنا وراحتنا…
وتقبل سجودنا وركوعنا…
ووفقنا اللهم لرضاك..

FacebookTwitterPinterestGoogle +Stumbleupon