الشيخ سيد سابق وكتابه فقه السنة
بقلم/ ربيع عبد الرؤوف الزواوي
عندما التقيت لأول مرة بفضيلة الشيخ سيد سابق رحمه الله في أواخر عام 1998 دار في ذهني وقتها شريط من الذكريات مدته حوالي عشرين عاما؛ تبدأ منذ أن رأت عيناي لأول مرة في بداية الثمانينات من القرن الماضي كتابه النافع “فقه السنة”.
وقتها – عندما رأيت كتاب “فقه السنة” لأول مرة – كنت قد غادرت مرحلة الطفولة والصبا منتقلا لمرحلة الشباب التي يقضيها غالبنا في اللهو والإقبال على الحياة، يعيش مغامراتها وتتفتح عينيه على جوانب جديدة من اللهو والمرح واللعب… بيد أن رعاية الله وتوفيقه ويديه الحانيتين على عبده الضعيف ولطفه الخفي كانوا أسبق إليه في تلك السن؛ فعصم وهدى ووجه وأرشد… فلله الحمد من قبل ومن بعد.
ولا أذكر على وجه الدقة كيف وصل إلي آنذاك هذا الكتاب المبارك… الذي لعب دورا مهما في تنظيم عقليتي الغضة آنذاك… وفتح لي آفاقا من التأمل والفقه وفهم التكاليف الشرعية.
تصورت وقتها أن مؤلف الكتاب رجل من السلف الصالح من جيل الأئمة الأول… لا سيما في المجلد الأول… ولكن بعدها بعام أو أكثر وعندما وصلت لنظراته الواقعية وتحليله لواقع المجتمع المعاصر ومشاكله وطرح حلول عصرية لها، لا سيما في باب الزواج والبيوع وغالب المعاملات العصرية، أدركت وقتها بأنه رجل معاصر… ولكني حسبته ليس حيا بيننا آنذاك…
ساعدني كتاب “فقه السنة” في الدخول لعالم الفقه وقراءة كتب قديمة تعتبر ثقيلة على من هم في سني… كما كان لحضوري دروس الفقه للشيخ عبد العاطي قريطم رحمه الله في مسجد المحطة بحوش عيسى، أثناء فترة الثانوي، أثر عظيم في استيعابي للأمور والمسائل التي ربما تستغلق على من هم في سني آنذاك…
كنت في المرحلة الإعدادية وما قبلها أسمع من كبار السن في قريتي والقرى المجاورة إذا اختلفوا في أمر من أمور معايشهم قالوا: نروح للشرع. وعرفت لاحقا – في آخر سنة في الإعدادية – أنهم يذهبون للشيخ عبد العاطي قريطم رحمه الله… مما جعلني اهتم بالسماع منه.
انتقلت بعد ذلك لجامعة الإسكندرية وعجبت إذ وجدت مع أحد زملائي كتابا للشيخ محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله اسمه “تمام المنة” تعليقا على بعض المسائل في “فقه السنة”… فقرأته في يومين اثنين… فأعجبني بعضه… ولم يعجبني بعض المسائل فيه!
سألت زميلي: هل قرأت كتاب فقه السنة؟
قال: لا!
قلت: هل رأيته؟ أو سمعت عنه قبل ذلك؟
قال: لا!
قلت: فكيف تنتفع ب “تمام المنة”؟
وشرحت له قصة “فقه السنة” وقصة “تمام المنة” وأن الشيخ الألباني رحمه الله فيما يبدو لي لم يقصد تأليف كتاب… إنما هي ملاحظاته وتدويناته الشخصية على هوامش كتاب فقه السنة… وذلك لانتشار كتاب “فقه السنة” بين طلبة العلم والعامة وغيرهم.
قال: إذن خذ أنت “تمام المنة” فإنك أولى به… ففرحت بذلك…
ثم قال لي هذا الزميل ممازحا: طيب… ما دام عندك ملاحظات على بعض المسائل في “تمام المنة”…إذن ألف انت كتابا في الرد عليه… فضحكت طويلا… أين أنا من الشيخ الألباني رحمه الله… وكنت وقتها متشوقا لرؤيته وأخطط للسفر إليه.
بعدها بأيام قلت لزميلي: ماذا تقترح أن أسمي كتابي في الرد على تمام المنة؟
قال: سمه “الدر المرصوص في التعليق على بعض النصوص”!
قلت: عندما يبلغ الشيخ الألباني – وكان لا يزال حيا – كتابي هذا سيؤلف كتابا في الرد علي باسم: “الدر المرصوص في الرد على هذا المفعوص”… ثم ضحكنا كثيرا وافترقنا.
أمس فقط اتصل بي أحد الأحباب يسألني عن كتاب ” صحيح فقه السنة” فقلت له وكنت على عجل: كتاب فقه السنة ليس كتاب حديث حتى نقول صحيح فقه السنة. لعل البعض هذبه أو علق على بعض الأحاديث الضعيفة به أو ما شابه… أنا لا أعرفه على كل حال.
ولم يسمح وقتي أن أسأله: هل قرأت فقه السنة؟
رحم الله الشيخ سيد سابق الذي ترك أثرا ورمى بسهم أحدث مفعولا… وانتفع به جيل… وتربى عليه خلق كثير.
أنصح بقراءة كتاب “فقه السنة” وعدم الالتفات لبعض الملاحظات للبعض عليه… ولا بأس بالانتفاع بهذه الملاحظات… فالكمال لله وحده.