من صور الواقع الذي نعيشه

دخلت المسجد لصلاة العصر فلاحظت انحرافا كبيرا في اتجاه القبلة بسبب تركيب فرش جديد للمسجد!..

بعد الصلاة وكعادتي في مثل هذه الأمور أن ألفت النظر بأقصر عبارة وألطف إشارة وأرقى أسلوب… وأقترح حلا عمليا للمشكلة…

مبتسما ومتلطفا… لم أتجاوز في كلامي آيةً من كتاب الله، أو حديثا صحيحا من كلام المعصوم صلى الله عليه وسلم، أو كلاما للفقهاء في شروط وأركان الصلاة… لا سيما الأحناف؛ لكوني أعرف أن كبار السن يستريحون للمذهب الحنفي، ومعظم أئمة الأوقاف يدرسونه…

بعد حوالي دقيقة واحدة من الكلام مع إمام المسجد جاءني رجل من رواد المسجد، كبير السن، من أصحاب الكراسي وميامن الصفوف الأولى…

والحق يقال؛ أنني أراه منذ أكثر من 15 عاما يواظب على الصلوات الخمس، نسأل الله لنا وله حسن الخاتمة…

اقترب مني وظل ساكتا… وبينما أنا انطق بحديث النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تستقبلوا القبلة ببول أو غائط، ولا تستدبروها، ولكن شرّقوا أو غرّبوا) فقال غاضبا: أيه؟ قلت أيه؟

قلت: النبي عليه الصلاة والسلام يقول: (شرّقوا أو غرّبوا… ) يقصد التوسعة علينا في تحديد القبلة، فالحمد لله…

قال: لا لا… الكلام اللي قبلها…
قلت: آه تقصد (لا تستقبلوا القبلة ببول أو غائط…) يعظّم شأن الكعبة صلى الله عليه وسلم…

فقال وقد علا صوته: شوف… أهو الكلام ده اللي ضيّعنا وودّانا في داهية!… الأفكار دي هي اللي ضيّعتنا… الوهابية… الإخوان… السلفيين… الأحناف… المعرفش أيه؟… الكلام ده كان ايام النبي والصحرا… ما يناسبناش دي الوقت… إلخ ما تفوه به هداه الله!…

فقلت له مبتسما: والله يا والدي انا ما تكلمت إلا بآية أو حديث صحيح… واستخدمت كلام الفقهاء فقط في توضيح المعني بدل ما أقول برأيي…

ثم قبّلت رأسه كي أنصرف… وأنا قابض بكلتا يدي على يده المرتعشة وأنا مبتسم…

فظل يتكلم بأسوأ كلام تسمعه من رجل في سن من يودّع الدنيا ويستقبل الآخرة…

ومحبكم ساكت محتسب لا يلوي على شيء… الّلهم إلا أن أستمع لما يقول…

ولم يتركني إلا عند باب المسجد… وأنا أحاول بكل وسيلة أن أنصرف…

وأخيرا بعد حوالي 5 دقائق عند باب المسجد تركني… وأنا أقول له: دعواتك… ربنا يصلح حالنا… دعواتك… وأكررها…

وأظنه لم يسمع شيئا مما قلته له…

قصصت هذا الكلام على أحد الشباب فقال لي: بص… الناس الأيام دي كل واحد شايف إن هو الصح، كل واحد شايف أن هو فاهم كل شيء، ومش عايز يسمع رأي التاني… كل واحد شايف ان هو الصح وبس….

وقال لي شاب آخر: هذه فاشية دينية…

فيا سادة…
كنت قلت لكم قديما: يوجد بيننا جيل؛ سنعاني كثيرا من وجوده بيننا…

للأسف هذا الجيل الذي أعنيه منهم رواد المساجد من أصحاب الكراسي، الذين يريدون كل شيء وفق مزاجهم وحسب فهمهم…

للأسف…
هؤلاء هم رواد مساجدنا…
المحافظون على الصلوات الخمس…

تذكّرت بكل أسى ما جاء في الأثر: (… مساجدهم يومئذ عامرة، خراب من الهُدى…).
إنا لله وإنا إليه راجعون…

FacebookTwitterPinterestGoogle +Stumbleupon