مغالطات تاريخية في مسلسل عمر الخيّام
بقلم/ ربيع عبد الرؤوف الزواوي
إذا ذُكر اسم (عمر الخيام) أمام أي مثقف من جيلنا؛ غالبا ما يتذكر (رباعيات الخيام) لا سيما ما غنته منها (الست) أم كلثوم، مما ترجمه أحمد رامي متصرّفا فيه ومغيرا منه الكثير؛ مثل:
سمعت صوتاً هاتفاً في السحر
نادى من ألحانِ غفاة البشر
هبوا املأوا كأس الطلا قبل أن
تفعم كأس العمر كف القدر
طبعا قامت (الست) أم كلثوم بتغيير وتعديل في هذه الأبيات لتلائم ذوق الناس وقتها… ومن أجل ضبط اللحن والنغم…
وإذا كان ذلك المثقف أديبا، أو أكثر اطلاعا على الرباعيات ذكر منها:
صاحب من الناس كبار العقول
واترك الجهال أهل الفضول
واشرب نقيع السمِّ من عاقل
واسكب على الأرض دواء الجهول.
وأما إن كان متدينا ذكر من الرباعيات:
إن لم أكن أخلصت في طاعتك
فإني أطمع في رحمتك
وإنما يشفع لي أنني
قد عشت لا أشرك في وحدتك.
والحقيقة إن (رباعيات الخيام) و (الخيام) نفسه تمت الجناية عليهما بصورة غريبة وعجيبة… تسترعي الانتبهاه، وتدعو إلى الريب والاشتباه…
أما رباعيات الخيام فهي في الأصل قليلة ومنضبطة… لا تتجاوز عشر رباعيات… ثم تم الزيادة عليها من أناس آخرون، زيفوها وخلطوها بما لم يقله عمر الخيام!… حتى قاربت الألف رباعية!…
وأما الخيام نفسه؛ فقد تحول في كتب المغرضين والمستشرقين وأعداء الإسلام (الإنجليز على وجه الخصوص) من عالم فلكي ورياضي بارع؛ وضع علم حساب المثلثات، وحل المعادلات من الدرجة الثالثة بالجذور التكعيبية، و…. إلى زنديق، ماجن، صاحب خمر، ملحد، فاسق، فاسد، متهتك… وغير ذلك… وهو ما تبناه – للأسف- مسلسل عمر الخيام تقريبا…
مع العلم أن كل المؤرخين الذين ترجموا للخيام، لم يصفه واحد منهم بأنه أديب أو شاعر!… بل منهم من وصفه بالعالم الفلكي، ومنهم من نعته بالرياضي البارع، ومنهم من وصفه بنعوت الدين والعلم؛ كالإمام والحجة، وغير ذلك من الألقاب الدالة على الدين والاستقامة.
كما جاء بالمسلسل بعض المغالطات الأخرى غير عمر الخيام؛ كإظهار علماء الشريعة على أنهم أغبياء وحمقى، لا يفهمون شيئا ويحرمون علم الفلك… وكذا الجناية على شخص الوزير الأول لبعض سلاطين السلاجقة العظام وهو الوزير الفاضل نظام الملك… والتحريف في بعض الحقائق عن مؤسس طائفة الحشاشين الباطنية، ومؤسس دولة الإسماعيلية، ذلك الشخص المارق العجيب المعروف بشيخ الجبل؛ حسن بن علي الصباح.
مع إشادتي بروعة العمل الدرامي في مسلسل عمر الخيام كواحد من الأعمال الدرامية النادرة والقوية على غرار مسلسل الزير سالم… وقد تابعت حلقات المسلسل الثلاث والعشرين على يوتيوب.
ظلت رباعيات الخيام مدفونة حتى تمت عليها غارة في القرن السادس عشر الميلادي… فترجمها أحد المستشرقين الإنجليز، وقام بالدس فيها والتغيير والتحريف والزيادة حتى قاربت ألف رباعية!… ثم ترجمها عنه آخرون من دول شتى إلى عدة لغات، تصوروها وتوهموها زورا أنها للخيام!…
هذه هي خلاصة الموضوع بعد بحثه وتمحيصه؛ أن عمر الخيام عالم مسلم محترم ذا دين، وأن الرباعيات المنسوبة إليه والتي فيها مجون وغموض وإلحاد وزندقة، هو منها بريء ولا تمت إليه بصلة.
وقد كفاني في إثبات ذلك من هم خير وأعلم وأكثر اطلاعا واتقانا… والمصادر والدراسات والمراجع في ذلك كثيرة؛ أذكر منها – على سبيل المثال – مصدرين؛ لمن شاء مزيدا من المعرفة في هذا الموضوع:
أولهما: ما كتبه الأستاذ بكري شيخ أمين في مجلة الحج عدد محرم 1427هـ يقول:
براءة الخيام من رباعياته:
في كثير من بلاد العالم فنادق ومطاعم وملاهٍ ومراقص تحمل اسم (عمر الخيام) فقط، وغالباً ما تكون هذه المواطن أمكنة للعبث، والانحراف، والإثم، والمحرمات كأن صاحبها يشير –بشكل خفي- إلى العلاقة الوطيدة بين هذه التسمية وسلوك الخيام وآرائه.. أو كأن صاحب هذا الملهى لم ير تسمية موحية بالانفلات والانحراف أفضل مما يوحيه اسم (عمر الخيام) في الشرق أو في الغرب.
ويقف الباحث أمام هذه الظاهرة مستغرباً، متعجباً، مندهشاً، ويتبادر إلى ذهنه أن عمر الخيام يُضرب به المثل في تعاطي السرور والخمور والفجور وأنه طوال حياته، ما كان يبالي بجنة أو نار، أو حساب أو عقاب، وإنما كان أبيقوريا يغتنم الساعة التي هوفيها.. وبعدها فليكن الطوفان، ولولا ذلك ما اختاره صاحب الملهى الليلي، أو المقهى أو المشرب عنواناً.
ويزيد هذا الظن تأكيداً وتثبيتاً انتشار آلاف الكتب في شتى لغات العالم، فيها أشعار منسوبة إلى عمر الخيام، تدعى بـ(الرباعيات) ، كثيراً ما تكون –هذه الرباعيات- مطبوعة على ورق صقيل فخم، في كل صفحة رباعية واحدة بالفارسية والعربية والفرنسية والإنجليزية والألمانية والأوردية والأسبانية ومعظم لغات العالم، وفي الصفحة المقابلة صورة رمزية لرجل عجوز، طاعن بالسن، أشيب الشعر، لحيته تغطي نصف صدره، وأمامه غادة حسناء، غراء، فرعاء، مصقول عوارضها، تسكب من كوز بيدها خمراً في كأس، وتقدمها إلى العجوز وبيدها الأخرى آلة طرب، وفي إطار الصورة طيور وبلابل، وزهر وعنادل، وأشجار وثمار.
والغريب في الأمر أن كتب الرباعيات منتشرة في كل مكتبات العالم، وهي في طبعات تكاد لا تحصى، وفي لغات الدنيا قاطبة، وكثيراً ما تختلف رباعيات طبعة عن أخرى في اللغة ذاتها، أو في اللغات المختلفة، وليس من المستغرب أن يتجاوز عددها في شتى الطبعات ألفي رباعية، أو يزيد.
ويقف الباحث المدقق متسائلاً: أصحيح أن عمر الخيام، الفارسي، المسلم، كان رجلاً متهتكاً، أمضى حياته كما يصورون ويزعمون؟
أصحيح أنه نظم هذه الآلاف المؤلفة من الرباعيات الصارخة بالمجون والمعصية والفجور؟ بل كيف انتقلت هذه الأشعار الفارسية المحلية إلى معظم لغات العالم، ومن الذي نقلها، ونشرها، ورسمها وزينها وأرخص ثمنها ؟
ويعود الباحث إلى مراجعه، وكتب التراجم، يستقصي سيرة عمر الخيام ويستوضح شخصيته، ليعرفه على حقيقته، ويعرف كل صغيرة وكبيرة عنه.
المفاجأة الكبرى التي تبلغ حد الصدمة تبدو حين يبدأ بقراءة سيرة هذا الرجل، فيرى أن اسمه عمر، وكنيته أبو الفتح، ولقبه غياث الدين، ووالده إبراهيم النيسابوري، وشهرته: الخيام، أو الخيامي، لاشتغاله بصنع الخيام.
اتفق أكثر المؤرخين على أنه ولد في نيسابور من أعمال خراسان في النصف الثاني من القرن الخامس الهجري/ العاشر الميلادي، وتوفي قبيل انتهاء الربع الأول من القرن السادس الهجري الحادي عشر الميلادي، ويحدد خير الدين الزركلي في كتابه “الأعلام” وفاته بسنة 515 هجرية، الموافقة لسنة 1121 للميلاد.
أما عن دراساته فيذكر المؤرخون أن كتب الفلسفة اليونانية المترجمة شائعة، ومؤلفات أرسطو طاليس وأفلاطون وإقليدس وبطليموس وجالينوس وفيثاغور وزينون وأبيقور في الفلسفة الطبيعية والإلهية والرياضية، وما يتفرع عنها من منطق وطب وهندسة وأخلاق وسياسة وهيئة ميسرة بين الناس، والجدل محتدم حول آراء السفسطائيين والمشائين الرواقيين وغيرهم من أهل المذاهب الفلسفية كانت شائعة ومعروفة.
وفي عصره نضج علم الكلام، واشتد النـزاع العلمي بين الأشاعرة والمعتزلة والحنابلة والجبرية، وشاعت آراء الباطنية، وكثر الإقبال على التأليف في مختلف العلوم والفنون، وذاعت رسائل إخوان الصفا، وتعددت الفرق والطوائف، وكثر الأطباء والفلاسفة، وظهر أبو علي ابن سينا، واشتد النـزاع بين الدين والفلسفة، وألف حجة الإسلام الغزالي كتباً في الرد على الفلسفة، وعظم أمر التصوف، وكثر القائلون بالجدل ووحدة الوجود، وتفرد نفر بآرائهم الحرة فاتهموا بالزندقة والإلحاد وصفوة القول: عاش الخيام في وسط علمي، وفي بيئة علمية وفنية، فعاصر زمرة من الفلاسفة والأطباء والمهندسين والرياضيين والفلكيين من بناة الأرصاد، وتتلمذ على نوابغ عصره من العلماء، وتردد إلى بعضهم، وتردد بعضهم إليه، وكثرت بينه وبينهم المجادلات والمحاورات والمراسلات في علوم شتى، وكان لأولئك الذين تتلمذ لهم وتتلمذوا عليه مكانة علمية عظيمة في عصره.
معاصروه جميعاً وصفوه بأحلى وأجمل وأرفع ما وصف به الرجال والعلماء، رفاق دربه وأصحابه وأترابه كانوا من خيرة الناس وأفضلهم.
منهم الإمام أبو حامد الغزالي، مجدد المائة الخامسة للإسلام، وصاحب (إحياء علوم الدين) ومنهم الوزير نظام الملك، وزير ملوك السلاجقة، وباني المدارس النظامية في شتى أرجاء العالم الإسلامي، وجار الله محمود الزمخشري، صاحب التفسير المعروف باسم (الكشاف) وصاحب الكتب اللغوية، والإمام ظهير الدين البيهقي، صاحب كتاب (حكماء الإسلام). وكثيرون آخرون على هذا المستوى ناهيك عن صحبته لملوك عصره، أمثال جلال الدين ملكشاه، وألب أرسلان، وخاقان بخارى، وسواهم من أبناء مطلع القرن السادس الهجري.
مؤرخو عصره وصفوه بـ (الإمام) و(حجة الحق) و(وحكيم الدنيا وفيلسوفها) و(الدستور) و(ابن سينا الثاني) و(العالم الفلكي) و(الفقيه) و(العالم بالقراءات القرآنية) و(الزاهد) و(المتصوف).
تُرى: هل يمكن أن يوصف إنسان على هذا القدر من العلم، والخلق، والزهد، والتقوى، والحكمة، وحسن مجالسة وعارفوه بتلك الأوصاف الرائعة.
لم يقل أحد من تلاميذه وشيوخه وأصحابه ورفاق دربه إنه كان زنديقاً، أو سكيراً، أو منحرفاً ، حتى الشعر ذكروا أن له عدداً من الرباعيات في الزهد لا تزيد على بضع عشرة، جميعها أشادت به، وعرضت أشعاره بالعربية والفارسية، وهي قليلة ومحدودة، لا تتجاوز معاني الزهد، والشكوى من الأصحاب غير الأوفياء، والفقر، وهموم الحياة، والإيمان الكامل بالله الواحد الأحد، الفرد الصمد.
يشهد على ذلك ما جاء في ترجمة حياته بتلك الكتب التي كتبت في حياته، والكتب التي كتبت بعد وفاته بقليل، منها: (جهار مقاله) لتلميذه أحمد بن عمر النظامي السمرقندي و(حواشي جهار مقاله) و(الزاجر للصغار عن معارضة الكبار) للزمخشري، و(حكماء الإسلام) للإمام أبي القاسم البيهقي، و(نزهة الأرواح وروضة الأفراح) لشمس الدين محمد بن محمود الشهرزوري، و(فردوس التواريخ) لخسرو الأبرقوهي، و(عجائب المخلوقات) لعماد الدين زكريا القزويني، و(جامع التواريخ) لرشيد الدين، و(أخبار الحكماء) لجمال الدين علي بن يوسف القفطي، و(كامل التواريخ) لابن الأثير، وسواها، وجميعها أشادت به، وعرضت أشعاره بالعربية والفارسية القليلة والمحدودة.
ويثور في الذهن سؤال ضخم كبير: كيف نسب إلى هذا الرجل هذا الكم الهائل من الرباعيات، وهو لم يقل إلا بضع عشرة رباعية؟ وكيف جعلت الأشعار عمر الخيام زنديقاً أو كالزنديق، وهو رفيق أكابر العلماء ونظيرهم؟ وكيف انتقلت هذه الأشعار إلى لغات العالم؟ ولماذا صورته بهذه التصاوير؟ ولماذا بذلت الرباعيات هذه البذل، وغدت بمتناول كل يد؟
ونتساءل عن هذه الظاهرة التي انتشرت في العالم كله منذ ما يزيد على مئة عام من عصرنا، ونحاول أن نعرف العوامل التي دفعت إلى انتشار هذه الأشعار الماجنة لشاعر مسلم.
كان أول من عرف الخيام من الفرنجة توماس هايد أستاذ العربية والعبرية في جامعة أوكسفورد، وتبعه المستشرق النمساوي هامر برغستل سنة 1818م، ثم غرس دوتاسي، وفي القرن التاسع عشر ترجم السير كور أوسلي رباعيتين، وإدوارد هارن بعض رباعيات، والفرنسي نيقولا السفير في طهران، وشبهه بحافظ الشيرازي، وبلغ عدد المترجمين للرباعيات في القرنين الماضيين أكثر من عشرين مترجماً، ومعظمهم من اليهود، والمؤلفين في الأدب العبري.
وفي سنة 1859م نشر الشاعر الإنجليزي فيتز جيرالد الرباعيات شعراً، وبهذا الشعر انتشرت الرباعيات في جميع أصقاع العالم، وبدأ الناس يعرفون عمر الخيام، ويرددون شعره حتى راح يتغنى به آلاف الناس في شتى بقاع الأرض؟
وفي الحق: إن من يقرأ أشعار الإنجليزي فيتز جيرالد الرائعة المسبوكة بلغة كأنها السحر، ينجذب على مضمونها، ويسحر بأسلوبها وجمالها كل من يقرؤها.
وأعجب من هذا كله أن هذه الأشعار ترجمت من الإنجليزية إلى معظم لغات العالم، وما رباعيات الخيام العربية المغناة بالعربية، والتركية، والأوردية، والفرنسية، والروسية، وسائر اللغات الأخرى إلا ترجمة لرباعيات فيتزجيرالد، وليس لعمر الخيام الحقيقي يد فيها، ولا معرفة، ولا هو قالها، بل لم تكن تخطر له على بال، وهو بريء منها براءة الذئب من دم ابن يعقوب.
هذا التناقض العجيب بين رباعيات قال فيتز جيرالد إنها منسوبة لعمر الخيام ودراسة موضوعية رصينة لشخصية عمر الخيام تظهر لنا أن في الأمر سراً.
ويكشف العلماء والباحثون السر، ويربطون بين حركة الاستعمار التي قويت واشتدت في القرن الثامن عشر، وما رافقها من حملات تبشيرية وتنصيرية.
زعم المبشرون أنهم وجدوا مخطوطة في جامعة أوكسفورد فيها رباعيات منسوبة إلى رجل يدعى بـ(الخيام) كلها زندقة، ودعوة إلى السكر والعربدة، وسرعان ما ترجمها إلى الإنجليزية اليهودي (توماس ماير)، ثم تلقفها (فون هامر النمساوي) ونقلها إلى الألمانية حتى إذا حلت سنة 1859 الميلادية وجدنا (فيتزجيرالد) اختار من الرباعيات ما شاء له الهوى، ونقلها بالمعنى شعراءً إلى الإنجليزية، وكانت –كما يقولون- أشعاراً رائعة، وفي غاية الجمال فأعجب بها الناس، وانتقلت من الإنجليزية إلى معظم لغات العالم، حتى إلى الفارسية والعربية، وولد من خلالها شاعر جديد، اسمه: عمر الخيام لا يمت بصلة إلى عمر الخيام الفارسي الأصيل المسلم بصلة إلا بصلة الاسم، لا أكثر.
وربح الاستعمار والمبشرون ربحاً لا نظير له، فلقد أوهموا المشارقة –بخاصة- أن من علمائهم الكبار من ينظم مثل هذه الأشعار، ويشرب هذه الخمور، ويفعل هذه الأفاعيل، إذن، فلا حرج عليهم أن يقلدوا عالمهم، ويتبعوا فلسفته شبراً بشبر، وذراعاً بذراع.
وانطلت الحيلة أو اللعبة على كثير من الناس، فإذا جمهور غفير من المخدوعين يسلك سلوك (خيام فيتزجيرالد) ويتفلت شيئاً فشيئاً من تعاليم الدين، ويغدو في آخر العمر مدمن شراب، مريد شيطان رجيم.
كان أول من نقلها إلى العربية وديع البستاني مترجماً لأشعار فيتزجيرالد، وأعقبه محمد السباعي المصري، ثم العراقي محمد الهاشمي نقلها من الفارسية، ومثله أحمد الصافي النجفي، وجميل صدقي الزهاوي، وأحمد زكي أبو شادي، وتوفيق مفرج.
لكن الطامة الكبرى هي التي ترجمها من الإنجليزية الشاعر المصري أحمد رامي، وكانت ترجمته من الجمال الفني والعبارات المغرية أشبه بترجمة فيتزجيرالد السحرية، وزادها حلاوة أسلوب وقبول عند كثير من دعاة الإلحاد غناء أم كلثوم لها، رغم تبديلها عدداً من الكلمات الأصلية.
وقد يقول قائل: ومن ناظم تلك الرباعيات المصورة المطبوعة، والتي وجدت في أكسفورد، وترجمها ماير وهامر وفيتز جيرالد وسواهم؟
والجواب سهل ويسير، فما أكثر دعاة الإلحاد في كل زمان ومكان، وما أكثر الوضاعين والمنتحلين والمختلقين، وهل من العسير أن ينحل الزنادقة والوضاعون والملحدون شعرًا على لسان عمر الخيام وغير الخيام؟ وهل ننسى ما نحل على لسان الجاهليين، وكم وضع على لسان السموءل شعراً هو منه براء، وكم وضع على لسان الرسول الكريم أحاديث زعموا أنها نبوية، والنبي الكريم منها براء، ولم يسلم من الوضاعين والكذابين شاعر، أو حاكم، أو خليفة، أو نبي، حتى آدم عليه السلام قال شعراً، وأقوالاً وأفعالاً ما أنزل الله بها من سلطان، ولا خطرت على بال، ولا مرت على شفتي إنسان.
فهل ينتبه العقلاء إلى هذه المخاطر، والافتراءات، والأكاذيب على لسان نبينا العظيم، وعلى الشعراء، والحكام، والعلماء، ورجال الدين، والتاريخ العربي من أوله لآخره، ويدركون ما يحاك لهم هنا وهناك، وما يلبس الأعداء من لبوس؟.
وثانيهما: وهو ما يجب كل ما قاله كل باحث؛ وهو ما كتبه الباحث المتقن الراحل أنور الجندي رحمه الله في كتابه (أصالة الفكر الإسلامي في مواجهة التغريب والعَلمانية والتنوير الغربي) ص: 456 – 462 عن رباعيات الخيام… وكفى بأنور الجندي رحمه الله باحثا عن الحقيقة… إذ كتب يقول:
أشعار عمر الخيّام:
استطارت شهرة العالم الفلكي الإسلامي عمر الخيام فجأة، بعد أن كان واحداً من العلماء المسلمين في مجال الكشوف الجغرافية، ورصد الكواكب، فأصبح شاعراً خطيراً في مجال الدعوة إلى الخمر والإباحية والانطلاق، وذلك عندما نشر (فيتزجرالد) الشاعر الإنجليزي مجموعة من الشعر الفارسي الملفق عام 1589 نسبها إلى الخيام وقد جند الشاعر الإنجليزي (فيتزجرالد) عشرات من أساتذة الأدب في الجامعات الإنجليزية وفي مقدمتهم (أ.ج. آربرى) لهذه المؤامرة الخبيثة.
ومنذ ذلك الوقت حرصت القوى التغريبية على ترجمتها إلى اللغة العربية، فسلط عليها عدد كبير من الشعراء العرب الذين ترجموها، وفي مقدمتهم البستاني والزهاوي ورامي والصافي النجفي والسباعي وأبوشادي ومحمد الهاشمي.
وأولتها الصحف اهتماماً كبيراً، وقد تبع ذلك اهتمام بالغ وتركيز أشد خطورة على اسم “الخيام” دفعاً لهذا التيار الجديد وتعميقاً له، فصدرت طوابع البريد في مختلف أنحاء أوربا باسمه وصورته، وأنشأت الأندية الليلية الصاخبة تحت لوائه، وكتبوا اسمه على أطراف البطاقات، (كارت بوستال) تعظيماً وتكريماً لقصائد التحلل والمجون المنسوبة إليه.
كشف الزيف:
وقد كان لهذا التيار أثره في التعريف من جديد بالخيام في نظر الشرقيين (عرباً ومسلمين) بوصفه شاعراً ماجناً عربيداً يدعو إلى اللذة، وقد استمر ذلك زمناً طويلاً، قبل أن تكشف الدراسات الأصيلة، والأبحاث العلمية الخالصة من الزيف عن كذب هذه الدعاوى العريضة وفسادها، وتبين أن الخيام لم يكن هو قائل كل هذا الشعر الذي نسب إليه، ولم يكن هو في حياته إنساناً خليعاً ولا داعية إلى إباحية.
فيتزجرالد هل زيف؟
إن المراجعات الدقيقة التي أجريت منذ اللحظة الأولى كشفت عن أن (فيتزجرالد) حين وصلته المخطوطات الفارسية والهندية لم تكن بالوضوح الذي يمركزها كلها حول عمر الخيام.
وإن هناك أخطاء بالغة في الترجمة، كذلك فإن هناك إشارة واضحة إلى أنه استوحى هذه النصوص ولم يترجمها، كذلك فإن الدكتور (ميلار) نشر مقالاً في جريدة المورننج بوست قال فيها: إن شخصية عمر الخيام محاطة بغلالة من غموض وإيهام، وقد نسجت حوله أساطير غامضة تدعو إلى الشك في وجوده، وجاء ببراهين أنكر فيها نسبة هذا الشعر إلى عمر الخيام.
وأشار الأستاذ (همايون) في مقال له ترجم في مجلة الثقافة 14 مارس 1939 إلى الشك في نسبة هذا الشعر إلى عمر الخيام، وأن عدداً كثيراً من قصائده منسوب إلى شعراء آخرين وكثير منهم أقدم عهداً من عمر الخيام، وهنا تبدو (دهشة) المراجعين لهذا التركيز على عمر الخيام، بينما هناك من شعراء إيران أمثال: حافظ وسعدي والعطار من لم تتهيأ لهم مثل هذه الفرصة.
وبدت الشكوك تتردد حول اتجاه هذه الرباعيات الخمسمائة المنسوبة إلى عمر الخيام وما تحمله من دعوة إلى التغزل بالخمر وحث الناس على تعاطيها والقول بأنها الدواء الناجح لآلام النفس، بينما تكشف حياة عمر الخيام عن شخصية رجل مسلم عميق الإيمان بالله، متصرف بكليته إلى العلوم الفلكية.
ومنذ ذلك الوقت الباكر كانت الإرهاصات كلها تشير بالشك، وأصبح الاتهام حول هذه الرباعيات واضحاً، بل إن واحداً من مترجمي هذه الرباعيات وهو أحمد حامد الصراف كتب تحت عنوان (هل كان عمر الخيام سكيراً) مقالاً في مجلة المقتطف 1925 حاول من خلاله أن يصل إلى مفهوم باطني زائف يختلف عن مفهوم الإسلام في موضوع العقاب والجزاء والمغفرة، والإرادة الجبرية مما تحمله فلسفات الغنوصية القديمة، ولكنه كان شاكاً في نسبة هذا الشعر إلى الخيام.
كذلك أشار لطفي جمعة (البلاغ 8 مايو) إلى أنه لم يهتد أحد بعد إلى العدد الصحيح لتلك الرباعيات ولم يتأكد أحد من صحة ما هو منسوب منها كذباً إلى الخيام، وقد استمر إلقاء الضوء على هذه الظاهرة سنوات طويلة لم يتوقف.
وقد أشار دكتور محمد موسى هنداوي في محاضرة له ألقاها في مارس 1928 إلى أن الرباعيات تحتوي على كثير من الاختلاف والانتحال، مما يجعل (الخيام) مفترى عليه في تاريخ الأدب.
ذلك العالم الرياضي العاقل المفلسف الحكيم المالك كل مشاعره، خاصة في الرباعية التي تدعو إلى احتساء الخمر وتمجيد الكأس إلى جوار رباعية أخرى فيها الاعتراف بالإله الواحد وفي الالتجاء إليه، فكيف تستقيم النـزوة الطائشة بجوار الحكمة السديدة.
إن الذين اتهموا أسرفوا في الاتهام حتى حاكموا الخيام عن رباعيات لم تثبت نسبتها إليه، فضلاً عن التزيد فيما نشروه.
وقد أشار إلى ما أورده (عبدالحق فاضل) في بحثه عن الخيام قوله: ومن الحق علي أن أنبه إلى أمر هو أني لست على يقين من أن هذه الرباعيات التي تقرأ هي رباعيات الخيام حقاً، فما من إنسان يسعه أن يجزم بأن معشار تلك الرباعيات التي تعد بالألوف والتي تكتظ بها النسخ المختلفة هي للخيام حقاً.
وقال الدكتور محمد عبدالهادي أبو ريدة في بحث مستفيض عن الخيام إن هذا العالم الفلكي اشترك في إصلاح التقويم الفارسي، وفي بناء المرصد للسلطان ملكشاه، والذي ترجع شهرته الكبرى عند المؤرخين المعاصرين إلى علو قدمه في الرياضيات وفي كثير من فروع العلم.
لذا نجد تلميذه نظامي يضعه في القسم الخاص بالمنجمين والفلكيين، لا في القسم الخاص بالشعراء، ويضعه البيهقي المؤرخ المعاصر للخيام والذي عرفه شخصياً بأنه الفيلسوف حجة الحق.
وهذان المؤرخان لا يذكران شيئاً يدل على أنه شاعر، فضلاً أن ينسبا إليه شيئاً من الرباعيات المنشورة التي تحمل اسمه.
ولكن بعد أن انقضى على وفاة الخيام أكثر من قرنين، أخذت تظهر مجموعات الرباعيات التي تنسب إليه، وأخذ حجمها يتزايد مع الزمن، وإن كان لم يذكر له قبل ذلك رباعيات ذات محتوى شكي إلحادي.
وإذا صرفنا النظر عما في مجموعات الرباعيات التي ليس لدينا ما يثبت نسبها للخيام إثباتاً يقينياً، لأن كثيراً منها كما بين ذلك تشوكوفسكي في بحث نقدي له عام 1898 حيث ينسب بحجة أقدم أو أحسن أو مساوية إلى شعراء آخرين، فإن ما في المراجع غير المباشرة، من رباعيات تنسب للخيام تدعو إلى الاعتقاد بأن له رباعيات من التي أضيفت إليه فيما بعد.
وهكذا تعددت الكتابات في رد نسبة هذا الشعر إلى الخيام حتى تصل إلى البحث الذي قال ( الكلمة الحاسمة ) في هذا الاتهام ، وهو ” كشف اللثام عن رباعيات الخيام ” للسيد أبو النصر مبشر الطرازي الحسني والذي يقول إنه لم تكن للخيام رباعيات تزيد على عدة رباعيات يقال إنه أنشأها ترفيها للنفس، وقد زاد عليها المغرضون رباعيات كثيرة، وضعوها أو أخذوها من هنا وهناك، ونسبوها إليه، هذه الرباعيات المتنكرة المخزية ليست من نظم عمر الخيام، لأنها لا تتفق ومكانته العلمية.
ويعجب السيد الطرازي (رحمه الله) كيف يعرف عمر الخيام لا عن طريق مكانته العلمية الحقة، وإنما عن طريق رباعيات مزعومة، عبروا عنها برباعيات الخيام ووصفوها بأنها فلسفة الخيام، فمنهم من قال إنه (أبيقوري النـزعة والميول)، ومنهم من سماه وايلد الشرق (نسبة إلى أوسكار وايلد الكاتب الجانح) ومنهم من ذهب إلى أنه معري المذهب، ومنهم من رأى أنه إباحي وأنه مستهزئ بأحكام الدين.
كما طعن فيه البعض بأنه (دهري) وزعم البعض أنه تناسخي وظن بعض أنه باطني، ولا أدري أو تشاؤمي، وجبري ، وادعى آخر أنه ثائر على كل شيء، على الدين وعلى الأخلاق وعلى العقل أيضاً.
وليس لهم دليل على ذلك إلا تلك الرباعيات التي نسبت إلى شخصه، وظنوا أنها من الحكيم عمر الخيام النيسابوري ومقولاته وآثاره.
ولقد كان عليهم أن يعرفوا الحكيم النيسابوري تحت ضوء الفحص العلمي الصحيح، والنقد التاريخي الموثوق معتمدين على آثاره ومقولاته.
ويصل السيد الطرازي إلى القول بانتحال تلك الرباعيات بدلائل كثيرة ولا سيما التناقض بين معانيها واتجاهاتها ، ويعجب أن يعرب عمر الخيام في ضوء رباعيات مترجمة على يد شاعر إنجليزي هو (إدوارد فيتزجرالد) تلك الترجمة التي قام بها عام 1856 ونشرها في الغرب على أوسع نطاق، وقد انساق المسلمون وراء تلك الفلسفة المزعومة والخداعة، وتأثروا بما فيها من المعاني المثيرة والاتجاهات المغرية والتحليلات الباطلة.
وكشف الباحث ما وراء هذه من هدف حين قال: إن أوائل الغربيين الذين اهتموا بالرباعيات إنما كانت تدفعهم فكرة استعمارية معتمدين في ذلك على محض مصادفة ساقها القدر وقد خدمهم المستشرق فيتزجرالد الذي تلقى الإشارة من قبل السادة الإنجليز.
ويقول دكتور محمد موسى هنداوي: أنا مع الطرازي في أن الاستعمار لا يترك وسيلة إلا استخدمها ولا سلاحاً إلا استعمله.
ويقول الطرازي:” وإن الأغراض المقنعة وراء هذا هي إشاعة روح فن الرباعيات عن طريق شعر منسوب إلى مسلم ورباعيات مسكرة خليعة فيها دعوة صريحة وصارخة إلى تناول الصهباء ومجالسة الغادة الحسناء وإمرار الحياة بالعطالة والجمود والكسل والخمول والحرية المطلقة التي لا قيود فيها وفي ذلك مهاجمة واضحة لتعاليم الدين الإسلامي الحنيف”.
ويقول: إن الذين قاموا بذلك هم خواص الغربيين الماهرين ممن لهم علاقة بالتبشير المسيحي ومنهم المستشرق النمساوي هافر يرغستل الذي ترجم 25 رباعية منها وكلها تخالف تعاليم الإسلام وتخدش مقدساته وذلك في كتاب (تاريخ الدولة العثمانية).
ولقد وجدوا في هذه الرباعيات بغيتهم المنشودة في الطعن على الدين الإسلامي، والاستهزاء بتعاليمه المقدسة، ولا سيما الجرأة على رسول الله صلى الله عليه وسلم مستندين في ذلك إلى مقولات –ولو موضوعة- منسوبة إلى رجل عظيم من عظماء الشرق وعالم من علماء الإسلام، كما كسبوا مبالغ باهظة عن طريق بيع ترجماتهم وكتبهم في الشرق والغرب.
ويقول الأستاذ الطرازي: كان فيتزجرالد الشاعر الماهر الإنجليزي قد تلقى الإشارة من قبل بعض ساسة الإنجليز، فقدم إلى المستعمر المحتال خدمة مشكورة، ولكن تحت ستار الخدمة للأدب الغربي، وذلك بترجمة تلك الرباعيات إلى النظم الإنجليزي، وحذا حذوه (زوكوفسكي) المستشرق الروسي وقد تفرد فيتزجرالد بميزة خاصة، فقد صور الرباعيات المستنكرة المخزية الخليعة بصورة خلابة، وضمنها في كلمات إنجليزية منظومة جذابة، بحيث تخلب قلوب أهل الشرق، ولا سيما الشباب الناشيء ورجال المستقبل، وتكسب اهتمامهم نحوها من حيث طلاوتها اللفظية أولاً، والشهوات والنـزعات النفسية، ثانياً.
وقد خدع فيتزجيرالد الشرق والشرقيين بهذه الخدعة السياسية في ثوب ثقافي أدبي.
ونجح معه الإنجليز بدهائهم المعروف في السياسة الاستعمارية في نشر هذه السموم الفتاكة بين أبناء الشرق عامة، وخاصة أبناء مستعمرة الهند، وجارتها إيران تحت ستار الأدب ، ودعاهم جميعاً إلى تناول الخمور ومغازلة الحسان وملازمة السرور والغناء ومجانية السعي والعمل، وحثهم على الإباحية والزندقة بدعوى الحرية المطلقة، الأمر الذي دفع الشرق إلى ما دفعه من التأخر وجعله مستعداً لقبول تدخل المستعمر في شئونه الاقتصادية أولاً، والسياسية ثانياً، ومما أدى إلى تأخر طائفة من الشرقيين، وفساد أخلاقهم، وابتعادهم عن كسب العلوم والفنون.
وقد تمكنوا ونجحوا في تنفيذ خدعتهم في صفوف أبناء الشرق، ودفعوهم إلى التقدير والإعجاب بتلك الترجمة الخادعة للرباعيات حيث سارعوا إلى ترجمتها إلى العربية والأوردية.
ولقد حاولت الرباعيات أن تحيي بذكاء ورقة تعاليم الباطنية وأتباع حسن الصباح من إباحية شرب الخمر وجميع الملذات، وإنكار النبوات والمعجزات، والقول بقدم العالم وإبطال القول بالمعاد والنشر من القبور، وكون الجنة هي نعيم الدنيا، ووصايا أخرى ترمي إلى هدم الشرائع وتثبيت دعائم الإلحاد.
ويؤكد الأستاذ الطرازي أنه ليس هناك أي سند تاريخي أو دليل علمي موثوق يثبت صدور تلك الرباعيات، ولا سيما المستنكرة الخليعة منها، عن الحكيم عمر الخيام النيسابوري، وأن هذه الرباعيات التي نسبوها إليه جمعوها من هنا وهناك وطبعوها في الشرق والغرب.
ولو كان للخيام رباعيات مثل هذه الرباعيات –ولا سيما المستنكرة الخليعة الخمرية- لما سكت عن روايتها المؤرخون الأقدمون، حيث لا توجد نسخة مدونة لرباعيات الخيام، إلا ما دون بعد مرور ثلاثة قرون ونصف قرن من وفاته، وهي النسخ المعروفة بنسخة بودليان المحفوظة في أوكسفورد، وهم لا يعرفون مصدر هذه النسخة التي أخذ منها صاحبها، الأمر الذي يدل على أنها موضوعة.
ويلخص الأستاذ عبداللطيف الجوهري معلقاً على كتاب الشيخ الطرازي أهم الخطوط العامة:
أولاً: انخداع الشرقيين ولا سيما الخياميين المتطرفين، رجاء تخليصهم مما سموه (فلسفة الخيام) التي دفعت بهم إلى حضيض الأهواء والأوهام وساقتهم نحو الفساد والانحلال، ورمت بهم في مسالك الجهل والضلال، مع التنبيه على لعبة أعداء الإسلام ورجال الاستعمار وما لهم من دور خفي دقيق في هذا المضمار.
ثانياً: لم يشر أحد من أصحاب التراجم إلى أن الخيام عرف بأنه يقرض الشعر حتى الإشارات الضعيفة التي وردت، تدل على أنه إن كان له شعر فلا يمكن بحال أن ينحدر إلى مستوى الرباعيات الخارجة، والتي تنسب إليه بلا حجة واضحة، وهو من هو، الحكيم الذي يجالس الخلفاء وينتج الرسائل في التوحيد والفقه والرياضات.
ثالثاً: رأي الغربيون أن معاني تلك الرباعيات وأهدافها متفقة مع أهواء الغرب في شرب الخمر ومصاحبة الغانيات وإمرار الحياة بحرية مطلقة مزعومة، ووجد المختصون بشئون التبشير النصراني في الغرب في هذه الرباعيات بغيتهم المنشودة، في الطعن على الدين الإسلامي والاستهزاء بتعاليمه القدسية، ولا سيما الجرأة على الرسول صلى الله عليه وسلم وجدوا بغيتهم عن طريق عظيم شرقي مسلم.
فاللهم اشهد إني بلغت ما استقر في وجداني، وما انطوى عليه جناني، وما آمنت به أركاني… إذ وجدت – للأسف – بعض الدعاة المشاهير وطلبة العلم الشرعي والخطباء، ممن لم يبحثوا الأمر، يفسقون الرجل، أو يبدعونه، أو يكفرونه… وهو من ذلك براء…