انتبه.. أنت لا تملك قلبك!

بقلم/ ربيع عبد الرؤوف الزواوي

تأملت قول الحق جل وعلا: (… واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه…) فوجدت الأمر خطيرا… يحتاج منا مزيدا من التأمل والوقوف عليه والحذر منه.

يا سادة… إن الله جل وعلا يحول بين الإنسان وقلبه…
نعوذ بالله من ذلك…

فما معنى أن يحول الله بين المرء وقلبه؟
ما حقيقته؟
ما أشكاله وصوره؟
ما أسبابه؟
ما نتيجته؟
وما هو علاجه… وكيف الخلاص منه؟

معنى ذلك أن يصرف الله جل وعلا قلب الإنسان عن التوجه للخير والثبات عليه والعياذ بالله…

معنى ذلك أن يحال بين الإنسان وأبواب الطاعة… فيتمناها ولا يعان عليها… ويصرف عنها والعياذ بالله…

معنى ذلك أن يحال بين الإنسان وسبل الإيمان… فلا يقدر ولا يقوى عليها…

وقد ورد عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما فيها: أي يحول الله بين المؤمن وبين الكفر وبين الكافر وبين الإيمان.

وورد عن مجاهد رحمه الله: أي حتى يتركه لا يعقل.

وورد عن السدي رحمه الله: لا يستطيع أن يؤمن ولا يكفر إلا بإذنه.

وأما أشكاله وصوره… فكثيرة متعددة لا يمكن حصرها؛ فمنها:

– أن يريد الإنسان التوبة من ذنب يعلمه من نفسه ولا يطيق الاستمرار فيه… فلا يقدر عليها…

– أن يريد الإنسان المواظبة على الاستغفار والذكر رغم سهولته فلا يقدر…

– أن يريد الإنسان أن يقلع عن التدخين وتعاطي ما يضره فلا يقدر…

– أن يريد الإنسان ترك النظر إلى ما حرم الله عليه فلا يقدر…

– أن يريد الإنسان المواظبة على الصلاة في أوقاتها فلا يقدر…

– أن يريد الإنسان ترك المال الحرام فلا يقدر…

– أن يريد الإنسان ترك الغيبة والوقوع في أعراض الناس فلا يقدر…

– أن يريد عند الموت أن ينطق الشهادتين فلا يقدر…

فيا رب سلم…

وأما نتيجته والعياذ بالله… فالتخبط في هذه الحياة والوقوع في الفتن… مما يستوجب العقاب الشديد… وهو ما أكدته الآية الكريمة بعدها مباشرة؛ (واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة واعلموا أن الله شديد العقاب).

وأما أسبابه وكيفية التخلص منه… فهي المذكورة في أول الآية الكريمة محور كلامنا: (… استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم…).

فأسبابه؛ عدم الاستجابة لما أمر به الله ورسوله…
وأما علاجه وكيفية التخلص منه ففي الاستجابة لما أمر به الله ورسوله…

الاستجابة بمعنى تنفيذ الأوامر الشرعية دونما إبطاء… وترك النواهي دونما تفكير…

الاستجابة بمعنى لزوم الطاعة والبعد عن المعاصي…

والاستجابة لما أمر به الله ورسوله هي الحياة السعيدة والعيشة الهنيئة…
اسمع كلام ربك: (… لما يحييكم…) يعني ضده الضد وعكسه العكس…
ففي عدم الاستجابة لما أمر الله به ورسوله… عدم الحياة؛ أي الموت والعياذ بالله…
يعني في عدم الاستجابة لله ورسوله يكون الإنسان حيا جسدا، ميتا روحا…حيا ماديا، ميتا معنويا… وقد قيل: إنما الميت ميت الأحياء…

فوفقنا اللهم للاستجابة لما أمرتنا به ورسولك صلى الله عليه وسلم.

والاستجابة تكون أول ما تكون بالتوبة الصادقة والندم والإلحاح على الله عز وجل وكثرة الاستفغار، فإن رأى الله من عبده ذلك حاشاه أن يرده أو يحول بينه وبين ما يحب من عبده.

وسبحان من هذا كلامه…

ويا رب سلم سلم…

يبقى أن أقول قد يقول قائل: ثبت في كلام من نقلت عنهم من السلف من أئمة التفسير من الصحابة والتابعين من يرى وجها غير الوجه الذي حذرت منه، وركزت كلامك فيه…

أقول: إني قد فعلت ذلك لأمرين؛ أولهما أن الوجه الآخر ليس منه تحذير ولا تخويف، إنما هو محض فضل الله، نسأله أن يحول بيننا وبين الكفر والفسوق والعصيان. وثانيهما أني لا أعتقد صحة هذا الوجه أصلا، وسياق الآيات يدل على التخويف من أن يحال بين المرء وقلبه في سبل الإيمان والخير والطاعة، الذي جعلته محور كلامي.

فإن قال: فلم تذكر كلام من لا ترى صحته؟ أقول: من الأمانة نقل كلام أهل العلم في أي موضوع سواء وافق ما نراه أو لم يوافق لاسيما في التفسير ومن نقلت عنهم هم من أشهر أهل التفسير من الصحابة والتابعين فيما لم يثبت فيه نص عن المعصوم صلى الله عليه وسلم. ثم أين أنا من هؤلاء العمالقة الكبار… نسأل الله أن يحشرنا في زمرتهم.

FacebookTwitterPinterestGoogle +Stumbleupon