انظر في كتب أولادك ستعرف!
بقلم / ربيع عبد الرؤوف الزواوي
منذ فترة طويلة وأنا أنظر بين الحين والحين- وعلى غفلة منهم – في كتب المطالعة الخاصة بأولادي، سواء بالابتدائي أو الإعدادي أو الثانوي، في كتب القراءة والمطالعة والنصوص، لا سيما المحفوظات منها؛ التي يتحتم على الطالب حفظها، فأقارن بينها وبين ما كان في كتب المطالعة والنصوص أيامنا، يعني منذ حوالي ثلاثين عاما فقط، فأجد الفرق كبيرا، والبون شاسعا.
والطريف أني أجد ابتسامة استغراب من أولادي عندما أذكر أمامهم عينة من محفوظاتنا أيام المرحلة الابتدائية أو الإعدادية، من كوني ما زلت أحفظها للآن!!!، وأجد استحسانا وإعجابا شديدين منهم من هذه العينات، وما ذلك إلا لحلاوة ما تحمله هذه العينات من معان وعبر ودروس.
ولا أريد أن أصدع مخ القارئ الكريم بإبراز ما في القديم من حسن وما في المعاصر من عوار، ولكن أكتفي بتذكيره ببعض ٍ مما لا يزال عالقا في عقلي، ومن محفوظاتي منها، في مراحل التعليم المختلفة، وبعضها لا أذكر نسبتها لقائلها وبعضها لا أذكر في أي مرحلة هي، وبعضها قد يكون غير مقرر للحفظ وقتها لكن لحبي لها حفظتها…
فلا زلت أحفظ أبياتا من محفوظات السنين الأولى بالابتدائية، والتي كان لها الأثر الكبير في حياتي؛ مما يحض على التنظيم والترتيب، ولعل لذلك سر في اختياري لأن أتخصص في الجودة وأنظمة الإدارة المختلفة، والتي يقول ناظمها:
إن الذى يرتب متاعه لا يتعب
فكل شيء عنده في موضع أعده
متى يعد إليه يجده في يديه
من غير بحث يجهده ولا زمان يفقده
حسن نظام العمل يضمن نيل الامل
وكذلك فمن محفوظاتي التي تأثرت بها في المرحلة الإعدادية، أبيات الشاعر المعروف إليا أبي ماضي، رغم ما عليه من ملاحظات، وما حوله من أقاويل، عندما أراد مقرر النص أن يلقن التلميذ درسا نافعا في أن يكون متعاونا ومشاركا فاعلا في مجتمعه، بقول إليا أبي ماضي:
ونخلة غضة الأفنان باسقة قالت لأترابها والصيف يحتضر
لأحبسن على نفسي عوارفها فلا يبين لها في غيرها أثر
إني مفصلة ظلي على جسدي فلا يكون به طول ولا قصر
ولست مثمرة إلا على ثقة إذ ليس يطرقني طير ولا بشر
عاد الربيع إلى الدنبا بموكبه فازينت واكتست بالسندس الشجر
وظلت النخلة الحمقاء عارية كأنها وتد في الأرض أو حجر
ولم يطق صاحب البستان رؤيتها فاجتثها فهوت في النار تستعر
من ليس يسخو بما تسخو الحياة به فإنه أحمق بالحرص ينتحر
وكذلك أرجوزة أحمد شوقي رحمه الله عندما أراد أن يعلمنا ألا نتعجل الشيء نتعلمه، وأن نتقن تعلمه أولا، ولا نغتر بالقشور الأولى من تعلمنا لأي أمر؛ فقال:
رأيت في بعض الريــاض قُبـرة ** تطير ابنها بأعلى الشجرة
وهي تقـول: يا جمال العـش ** لا تعتمد على الجناح الهـش
وقف على عود ٍ بجنب عـود ** وافعل كما أفعل في الصعـود
فانتقلت مـن فنن إلى فــنن ** وجعلـت لكــل نقلــة زمن
كي يستريح الفرخ في الأثناء ** فـلا يمـل ثـقـل الهــواء
لكنه قـد خالـف الإشـارة ** لمـا أراد ان يظـهـر الشطارة
وطار في الفضاء حنى ارتفعا ** فخانـه جنـاحـه فوقـعـا
فانكسـرت في الحـال ركبتاه ** و لم ينـل مـن العـلا منـاه
و لـو تـأنى نـال مـا تمنى ** و عـاش طـول عمره مهنـا
لكـل شيء في الحيـاة وقته ** وغــايــة المستعجلين فوته
وما زلت كذلك أذكر هذه الترنيمة الجميلة، التي فيها ثناء على الله تعالى تناسب الصغار والكبار، وهي بسيطة ويشعر قارؤها بالخشوع عند قراءتها:
إلهنا ما أعـدلك
مليك كل من ملك
لبيك قد لبيت لك
لبيك إن الحمد لك
والملك لا شريك لك
والليل لما أن حَـلك
والسابحات في الفلك
على مجاري المنسَلك
ما خاب عبد أمّلك
أنت له حيث سلك
لولاك يا ربي هلك
يا مخطئا ما أغفلك
عجّل وبادر أجلك
واختم بخير عملك
ولا تُسوّفْ أملك
لبيك إن العز لك
لبيك إن الحمد لك
وكذلك أرجوزة لطيفة أراد مقررها وقائلها أن يقول لنا في هذا السن الصغير: الحرام غلط، أو: لا تأخذ شيئا ليس لك، فقال:
رأى الغراب جبنة في دارِ لبعض قوم من ذوي اليسارِ
فاستل منها قطعة وطارَ كأنه قد ملك الإمارَة
وحينما حط على إحدى الشجرِ رآه ثعلب فأحدق النظرِ
فقال يا غراب لي سنة لم أراكَ لأسمع الجميل من غناكَ
فامتثل الغراب لقول الثعلبِ فصار يشدو بالغناء المطربِ
فوقعت الجبنة من منقارِهِ غنيمة باردة لجارِهِ
فقال يا غراب ما ظلمتكَ بمثل ما عاملتَ قد عاملتكَ
فالمال لا يخرج من كف الفتىَ إلا من البيت الذي منه أتىَ
وإن نسيت شيئا فما أنسى رائعة أمير الشعراء أحمد شوقي، عندما أراد أن يلقن من عاتبوه على حزنه في منفاه في الأندلس، بأنها أفضل مما في مصر بكثير فقال:
عُصفورَتانِ في الحِجازِ حَلَّتا عَلى فَنَن
في خامِلٍ مِنَ الرِياضِ لا نَدٍ وَلا حَسَن
بَيناهُما تَنتَجِيانِ سَحَراً عَلى الغُصُن
مَرَّ عَلى أَيكِهِما ريحٌ سَرى مِنَ اليَمَن
حَيّا وَقالَ دُرَّتانِ في وِعاءٍ مُمتَهَن
إني رَأَيتُ حَولَ صَنعاءَ وَفي ظِلِّ عَدَن
خَمائِلاً كَأَنَّها بَقِيَّةٌ مِن ذي يَزَن
الحَبُّ فيها سُكَّرٌ وَالماءُ شُهدٌ وَلَبَن
لَم يَرَها الطَيرُ وَلَم يَسمَع بِها إِلّا اِفتَتَن
هَيّا اِركَباني نَأتِها في ساعَةٍ مِنَ الزَمَن
قالَت لَهُ إِحداهُما وَالطَيرُ مِنهُنَّ الفَطِن
يا ريحُ أَنتَ اِبنُ السَبيلِ ما عَرَفتَ ما السَكَن
هَب جَنَّةَ الخُلدِ اليَمَن لا شَيءَ يَعدِلُ الوَطَن
وكذلك قول الشاعر في بيان شؤم الحروب، ومدح السلام بين الأمم:
تعد النار يا إنسان والصاروخ والذرة
وتذكر من طوته الحرب بالحسرة والعبرة
وما ترضى بها دعوى وما نرضى بها فكرة
فقد أخطأت فلتبك على أخطائك المرة
على الشر على الحقد على الغش على الأثرة
لقد ناداك أن تصحو صوت السلم يا إنسان
وحسب الناس ما ذاقوا من الصاروخ والنيران
فهيا ننزع الشرا وهيا نحطم الطغيان
وتبحث في ثناياك عن الخير عن الإيمان
عن الرحمة توليها عن الصفح عن الغفران
وكذلك ما حفظناه من التحذير من الاغترار بوعظ المفسدين في الأرض مهما لبسوا مسوح أهل الخير:
برز الثعلب يـوما *** فـي ثياب الواعظينا
ومشى في الأرض يهدي ***و يسب الماكرينا
ويقـول الحمد للـه *** إلــه العالمينـا
يا عباد الله توبوا *** فهو كهف التـائبينا
واطلبوا الديك يؤذن *** لصلاة الصبح فينا
فأتى الديك رسول *** من إمام الماكرينـا
عرض الأمر عليه *** وهو يرجو أن يلينا
قال قم يا ديك أذن*** لصلاة الصبح فينا
فأجابه الديك عذرا *** يا أضل المهتدينا
مخطئ من ظن يوما *** أن للثعلب دينـا
هل أدركت الآن ما أريد؟
وهل أدركت وعرفت الفرق؟
افتح كتب أولادك وقارن بين ما فيها من محفوظات، مع ما بين يديك من نصوص، لتعرف حجم المصيبة، وتعرف كيف نجني على فلزات أكبادنا!