أسامة الهتيمي

لصاحب (نيل الأرب) كل التحية والاعتذار
أحيانا يخيل للمرء أنه يعرف وبشكل جيد أحد الشخصيات الذين قدر له أن يزاملهم أو يصحبهم أو يرافقهم لفترة ما بعدما تتكون لديه انطباعات وتصورات حول هذه الشخصية تظل ربما راسخة وحاضرة حتى يحدث ما يكشف له خطأ هذا التوهم وأن الصورة التي انطبعت في داخله ليست صورة صحيحة تعبر بدقة عن حقيقة وكنه هذه الشخصية وهو الخطأ الذي أعترف أنني وقعت فيه تجاه الأستاذ الكاتب والباحث الباشمهندس ربيع عبد الرءوف الزواوي الذي ظننت وحتى وقت قريب أنه وفقط مهندس بارع في تخصصه محب للقراءة والاطلاع ومساهما في بعض الأوقات بكتابات محدودة بحكم عمله الذي يفرض عليه أحيانا الاقتراب من الكتاب والباحثين والصحفيين.


وظللت وبكل أسف شديد على هذا التصور الخاطئ مدة زادت على الخمسة عشر عاما هي عمر تعارفنا الذي بدأ بالعمل بصحبته في موقع (طيِّبة) والذي كان يشرف عليه الباشمهندس ربيع فيما كنت أحد الكتاب المساهمين فيه ومن ثم فقد كانت علاقتنا محصورة في بضع رسائل عبر الإيميل حول موضوعات المقالات المقترحة وإرسالها وتسلمها وبعض النقاش حول مضمونها ولقاء أو اثنين في بيته بدا فيهما شديد الكرم ليتوقف الموقع بعد فترة وجيزة فينقطع التواصل ثم انتقل للإقامة بالفيوم لينحصر التواصل بعد ذلك على متابعة متفرقة ومتقطعة عبر موقع التواصل الاجتماعي (الفيس بوك) وهي متابعة لم تغير بطبيعة الحال الانطباع الأول خاصة وأنني كنت في هذه الفترة منشغلا إلى حد كبير بأشياء عديدة.
وربما ساهم في تكوين تصوري الخطأ أمران مهمان:
أولهما: فترة الغياب الطويلة التي انقطع فيها التواصل بيننا فهو بالقاهرة وأنا بالفيوم.
وثانيهما: تواضع الرجل الجم الذي لم يدفعه ولو لمرة واحدة لاستعراض قدراته العلمية والبحثية والفكرية رغم أنني في هذه الفترة التي عملت فيها بصحبته كنت أميل فيها إلى كثرة النقاش والجدل والتناظر وهو ما يعكس إلى أي مدى كان حكيما في التعاطي مع مراهقاتي آنذاك حيث فوران الشباب.
لكن الأقدار الجميلة كان لها قرار آخر إذ وفي نهاية شهر مايو من العام الماضي 2022 م سعدت بلقاء الباشمهندس ربيع في مكتبه بالقاهرة وهو اللقاء الذي أكد خلاله مجددا على شديد كرمه والذي كان من بين مظاهره أن أهداني عددا من كتبه وأبحاثه ودراساته التي لم أكن أعلم بها إلا من متابعتي له على (الفيس بوك) وهو الأمر الذي أدخل على قلبي السرور .
حملت الكتب وفي نيتي أنه لابد أن أخصص وقتا لمطالعتها والتعرف على ما فيها خاصة وأن بعض عناوينها مهمة تتناول بعض القضايا التي تشغلني كقضيتي حريق مكتبة الاسكندرية أو مواطن الخلاف في الفقه الإسلامي مثلا إلا أنني ومع دوامة الحياة والانهماك بشكل كامل في متابعة الأخبار والمستجدات السياسية والإعداد لبرنامجي التلفزيوني الرمضاني “أوراق إيرانية” تورطت في إهمال الكتب كما حدث مع كتب أخرى لأحباب آخرين.
منذ أيام وكانت قد انتابتني حالة من الملل و”الزهق” من الأخبار والمتابعات وجدتني وقد اتجهت لمكتبتي أقلب بعض كتبها فإذا بعيني ويدي تتشبسان بأحد كتب الباشمهندس ربيع الزواوي “نيل الأرب في الفكر والأدب” لتحدثني نفسي سريعا قائلة “هو ده” فأنا بالفعل في حاجة إلى مثل هذه النوعية من الكتب التي ربما “ستطبطب” على نفسي المنهكة.
التقطت الكتاب سريعا ودون النظر إلى فهرسه وهو المنهج الذي أتبعه مع أي كتاب أطالعه محاولا انتقاء الموضوعات التي تشغلني فقد كنت في رغبة حقيقية لالتهامه دون الانتقاء رغم اقتراب صفحات الكتاب من الستمائة “600” صفحة لأنكب عليه وانتهي منه في فترة وجيزة مقارنة بكتب أخرى أقل حجما لكنها تكون في الأغلب مملة ومرهقة وهو الأمر الذي استرعى انتباه زوجتي الكاتبة فاطمة عبد الرؤوف سائلة إياي يبدو أن الكتاب أعجبك فأراك لا تتركه إلا عند الصلاة أو الطعام أو النوم؟ فأجبتها بالفعل كتاب رائع ومشوق وستعلمين ذلك عندما تطالعيه أنت أيضا..
والحقيقة أن “نيل الأرب في الفكر والأدب” للكاتب ربيع الزواوي حقق الكثير من حاجتي في الاستمتاع الذهني والفكري والمشاعري إلى الحد الذي خفف عني ارتفاع درجة الحرارة وانقطاع التيار الكهربائي فمعه كنت وكأنني أسبح في بحر من الأفكار أو أتجول في حديقة غناء مليئة بأشجار الفاكهة المختلفة الألوان والطعم فمعه لم أكن أشعر بمرور الزمن فصفحاته وكلماته أبكتني وأضحكتني أثارتني وشوقتني حيرتني وأدهشتني.
ربما يكون من الملاحظات التي أبداها البعض للكاتب هو كبر حجم الكتاب إذ يعد ذلك أحد التحديات أمام القراء في زمننا وهو ما يؤثر بشكل سلبي على شهرته وتداوله أو إقبال البعض على عرضه غير أن ذلك كان بالنسبة لي أمرا محببا بل كانت بعض موضوعاته شيقة للدرجة التي كنت أتمنى على الكاتب أن يطيل الحديث فيها.
وبحرفية شديدة من الكاتب الزواوي جاء الكتاب خليطا ومزجا بين الأدب والفكر والسياسة والفن والتاريخ والقرآن وعلومه والعقيدة والفقه والسيرة والرقائق والإعلام وقضاياه والصحة والزراعة والآثار والجغرافيا وقصص الأنبياء والتعريف بالجنود المجهولة من الباحثين والعلماء والدفاع عن المظلومين من الشخصيات التاريخية والأدبية مع إطلالات سريعة بين الحين والآخر من سيرة الكاتب الذاتية والتي تم توظيفها بشكل غاية الإمتاع بالإضافة إلى إسهامات شعرية أفرزتها قريحته ليتكشف لدي أن الكاتب من النوع الموسوعي الذي كان ينتمي له كتابنا الكبار والذي ينبئ عن مشروع مفكر نسأل الله أن يكتمل.
وعلى الرغم من أن هدفي من هذه الكلمات ليس عرضا للكتاب فالهدف الأساسي هو أولا الدعوة لمطالعته والإفادة والاستمتاع بما احتواه وثانيا الاعتذار للكاتب الزواوي عن خطأ في التصور حول قصوري في تقديره العلمي والفكري إلا أن ثمة ملاحظات شكلية سريعة تمنيت لو يتداركها كاتبنا في طبعاته الجديدة للكتاب ومنها:
1- أهمية تصنيف المقالات بحسب فرعها.
2- حذف بعض المقالات المكررة
3- ضرورة الكتابة بشئ من التفصيل حول القضايا التي وعد الكتابة بالإشارة لها في مقالات أخرى.
4- حذف بعض المشاركات التي أرى أن لا فائدة منها.
وأخيرا كل التحية والاعتذار للكاتب ربيع عبد الرءوف الزواوي واعدا إياه بالحرص على مطالعة بقية ما أهداني ومتمنيا أن يهاديني بقية ما خطت يداه.

FacebookTwitterPinterestGoogle +Stumbleupon