في رحاب اسمي الله القابض الباسط

في رحاب اسمي الله القابض الباسط

في الفترة الأخيرة أقوم من حين لآخر بزيارة أحد العلماء بناء على طلبه الكريم، وهو مريض ومتقدم في السن نسأل الله لنا وله حسن الخاتمة…

وقد اعتدت أن أبدأ جلستنا في كل مرة بطرح ما أفكر فيه آنذاك أو ما يكون حاضرا في ذهني وقتها…

زرته أمس فبدأت كلامي مع فضيلته قائلا: لفت نظري آية قرآتها اليوم في صلاة المغرب يا فضيلة الشيخ؛ هي قول الله تعالى في سورة المؤمنون (ولو اتبع الحق أهواءهم لفسدت السموات والأرض…).

اسم الله ((الحق)) تقدست أسماؤه هنا في هذا الموضع لا يغني عنه غيره من الأسماء الحسنى؛ ذلك لتكون المقارنة بين الحق والباطل حاضرة في الذهن، فينفر الطبع من الأهواء ويفهم العقل ضمنا بشاعة الهوى وأنه نقيض الحق…

فقال فضيلته: إيوه يابني إيوه… وسكت قليلا، ثم قال: بمناسبة الكلام عن أسماء الله سبحانه وتعالى؛ والله يابني ما فهمت معنى اسمي الله القابض الباسط وقول الله (والله يقبض ويبسط) على الحقيقة إلا بعد ما عشت منذ حوالي خمس سنوات مقبوضا عن مطالعة كتب العلم والقراءة، ثم بسط الله لي من عدة أيام في حب ذلك حتى صرت لا أريد أن آكل ولا أشرب ولا أترك الكتاب من يدي.. لدرجة أنهم ينادونني للطعام فيضايقني ذلك…

والله يابني… القابض هو الله بذنوبنا وغفلتنا، والباسط هو الله بتوبة يمن علينا بها أو دعوة يقبلها منا…

ولا تمتد أيدينا بصدقة إلا بتوفيقه، ولا نفعل طاعة إلا بفضله…

واسترسل الشيخ في الكلام عن حقيقة القبض والبسط حتى استوفى المعنى بصورة جميلة…

وأقول:
– اقترن الاسمان الجليلان ببعضهما لتلازمهما؛ فلا يكون بسط إلا بعد قبض ولا قبض إلا بعد بسط وهكذا… وقد قال العلماء أن هذين الاسمين الكريمين من الأسماء المقترنة التي لا ينبغي إفراد أحدهما دون الآخر..

– لم يرد الاسمان الكريمان في القرآن الكريم صراحة، ولكن قد وردا في السنة الصحيحة الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم.

– القبض والبسط حالان يهذب الله بهما الذاكرين كما قال القشيري… القبض والبسط حالان يهذب بهما عباده الذاكرين، ويفتح بهما عليهم أبواب العلم والحكمة، فإذا هجم القبض على أحدهم فإنه يهجم على صدره من أبواب الجلال وحكمة الكبير المتعال، وتكثر الخواطر فيشتد الخوف، ويتذوق العبد جلال الله عزّ وجل.

ومن معاني اسم الله (القابض):
– أن الله عز وجل يقبض الأرواح، فإذا قبض روح الإنسان يعني أماته، وإذا بسط روحه يعني أحياه.

– أنه سبحانه يقبض الأرض، قال تعالى: (…. وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ…) سورة الزمر

– الذي يمسك الأرزاق عن العباد بلطفه وحكمته: (اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ…) سورة العنكبوت

– معنى القبض في اللغة: هو الأخذ والتضييق. وأما البسط فهو التوسيع والنشر، فكل أمر ضيّقه الله عز وجل فقد قبضه، وكل أمر وسّعه الله عز وجل فقد بسطه.

– والباسط سبحانه: هو الذي يَبْسُط الرزق لعباده بجُوده ورحمته، ويوسعه عليهم ببالغ كرمه وحكمته، فيبتليهم بذلك على ما تقتضيه مشيئته..

– والقابِضُ سبحانه: هو الذي يمسك الرزق وغيره من الأشياء عن العِبادِ بلطفه وحِكمته فيُضَيِّقُ الأسباب على قوم ويُوَسِّع على آخرين ابتلاء وامتحانا، فإن شاء وسع وإن شاء قتر فهو الباسط القابض، فإن قبض كان ذلك لما تقتضيه حكمته الباهرة لا لشيء آخر فإن خزائن ملكه لا تفنى…

– والله عز وجل يقبض القلوب بإعراضها ويبسطها للإيمان بإقبالها فيقلب للعبد نوازع الخير في قلبه، قرينه من الملائكة يهتف له بأمر ربه، حتى يصبح قلبه على أبيض مثل الصفا لا تضره فتنة ما دامت السماوات والأرض، وهذا هو البسط الحقيقي والتوفيق الإلهي في بلوغ العبد درجة الإيمان، فيجد المبسوط نورا يضيء له الجنان وسائر الجوارح والأركان، ويَقبِضُ الأَرْواحَ عند المَمات بأمره وقدرته وقبضه تعالى وإمساكه وصف حقيقي لا نعلم كيفيته.. كما يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله.

وأخيرا…
– فإن الله تعالى (يقبض) الأرواح عن الأشباح عند الممات، و(يبسط) الأرواح في الأجساد عند الأحياء…

– و(يقبض) الصدقات من الأغنياء، و(يبسط) الأرزاق للضعفاء…

– و(يقبض) القلوب فيضيقها ويبسطها بما يتقربه إليها من بره ولطفه وجماله… فهو (القابض) للأرزاق والأرواح والنفوس… (الباسط) للأرزاق والرحمة والقلوب….

فاللهم إنا نسألك يا رب، يا قابض ويا باسط؛ أن تبسط لنا من فضلك، وأن تعيذنا من كل ضيق أو تضييق..

FacebookTwitterPinterestGoogle +Stumbleupon